دفاع أم استفزاز؟.. المغرب ينشئ منطقة عسكرية قرب الحدود مع الجزائر
تطور لافت أقدم عليه المغرب بإعلانه استحداث منطقة عسكرية شرقي البلاد قرب الحدود مع الجزائر، في ظل استمرار التوتر بين البلدين إثر قطع الأخيرة لعلاقاتها الدبلوماسية مع الرباط من جانب واحد منذ أغسطس/ آب 2021.
وهذه هي المرة الأولى التي يولي فيها الجيش المغربي وجهه رسميا شطر شرق البلاد، لإقامة منطقة عسكرية متكاملة على غرار المنطقة العسكرية في الجنوب.
وظل التركيز الأمني المغربي يتمحور لسنوات طويلة على تأمين حدود البلاد الجنوبية (تشمل موريتانيا والمناطق الجنوبية في الجزائر)، والانتباه لتداعيات النزاع في إقليم الصحراء على الوضع الأمني.
إلا أن هناك مخاوف من أن تمتد هذه الخطوة إلى ردة فعل، تنذر بمناوشات أو صراع مباشر.
وكان جرى منذ سنوات تقسيم الجيش المغربي إلى قيادتين، الشمالية ومقرها الرباط، والجنوبية (إقليم الصحراء) ومقرها أكادير، ويتركز عمل القوات في المنطقة الشمالية على تأمين الحدود مع الجزائر، والمحافظة على الأمن الداخلي.
نموذج دفاعي
وذكرت مجلة "القوات المسلحة الملكية" (يصدرها الجيش المغربي شهريا)، في نسخة فبراير/ شباط 2022، أن "إنشاء هذه المنطقة يهدف إلى ضمان تناغم القيادة والمراقبة والدعم للمكونات البرية والجوية والبحرية، من أجل مزيد من المرونة وحرية التحرك لتحقيق كافة المهام".
ووفق المجلة، فإنه سيتم "تعميم النموذج الدفاعي بالمنطقة الجنوبية، على المنطقة الشرقية، للحد من الجريمة العابرة للحدود من التهريب والهجرة السرية وتجارة الممنوعات، وكذا تعزيز قدرات الدفاع عن سلامة أرض الوطن".
وأضافت أن "الجنرال بلخير الفاروق المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، بإقليم الراشيدية (وسط شرق) ترأس مراسم تنصيب قائد المنطقة الشرقية، الجنرال محمد مقداد".
ولم تذكر مجلة الجيش المغربي تفاصيل أكثر عن المنطقة العسكرية ومساحة امتدادها، كما لم تعلق الجزائر رسميا على هذه الخطوة.
غير أن إنشاء هذه القاعدة يأتي في ظل قطيعة دبلوماسية مع الجارة الشرقية الجزائر، على خلفية قضايا خلافية، أبرزها إقليم الصحراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، فضلا عن الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994.
وفي أغسطس/ آب 2021، أعلنت الجزائر، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، جراء ما اعتبرته "سلسلة مواقف وتوجهات عدائية"، وهو ما وصفته الرباط بـ"المبررات الزائفة والعبثية"، قبل أن تعلن إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، في سبتمبر/ أيلول 2021.
ومنذ 1976 تنازع جبهة "البوليساريو"، المغرب السيادة على إقليم الصحراء، وتصر الرباط على أحقيتها في الإقليم وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
والمنطقة الشرقية العسكرية المحدثة تمتد من إقليم "الراشيدية"، وصولا إلى البحر المتوسط شمالا على شواطئ مدينة "السعيدية" في إقليم بركان.
وتمتد المسافة بين النقطتين اللتين تمثلان حدود المنطقة العسكرية الجديدة أكثر من 600 كيلومتر طولا، من أصل 1559 كيلومترا، على طول الحدود المغربية الجزائرية بشكل كامل.
وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية، توالت مؤشرات على تحول في الإستراتيجية العسكرية المغربية، وتعاملها مع التهديدات والتحديات الأمنية المطروحة.
وكان من أبرز المؤشرات إصدار المفتش العام السابق للقوات المسلحة، الجنرال عبد الفتاح الوراق، في عام 2019، تعليمات للقيادات العسكرية في جنوب وشمال المملكة لتنفيذ "معالم إستراتيجية" تتركز على التصنيع ومكافحة التجسس.
خطوات متتالية
وفي قراءته للمشهد، أعرب الباحث المغربي في الشؤون الأمنية والعسكرية، محمد شقير، عن اعتقاده أن إنشاء المنطقة العسكرية الجديدة "يدخل في إطار استراتيجية عسكرية من أجل تأمين حدود المملكة".
وأوضح لموقع "العربي الجديد" الإلكتروني في 23 فبراير 2022، أنه "بعد إعادة السيطرة على معبر الكركرات (جنوب) أواخر عام 2021، جاء الدور على المنطقة الشرقية، التي يمكن أن تشكل خطرا يهدد استقرار المملكة وأمنها".
واعتبر شقير أن "المنطقة العسكرية الشرقية، امتداد إستراتيجي للمنطقة الجنوبية، وأن من شأنها إقفال أي مسالك أو ثغرات يمكن أن يتسرب منها أي تهديد".
وأشار الباحث المغربي إلى أن "التحرك في المنطقة العسكرية الجديدة سيحكمه بالأساس الأسلوب الدفاعي".
وأوضح أن "المنطقة العسكرية الشرقية ستعمل على تحصين الحدود المغربية، وتشييد مجموعة من القواعد هناك".
واعتبر أن "التوتر الذي يسود العلاقات بين البلدين حاليا، يفرض إنشاء هذه المنطقة العسكرية".
من جانبه، يرى المحلل السياسي الجزائري، رضوان بوهيدل، أن "ما تقوم به المملكة المغربية هو حالة من التخبط العشوائي، في محاولة منها لاستفزاز الجزائر".
وأفاد بوهديل لموقع "الحرة" الأميركي في 21 فبراير 2022، بأن "الرباط تسعى دائما لرمي جميع مشاكلها نحو الجزائر، وكأنها تحاول التعويض عن فشلها الداخلي عبر جعل علاقتها متوترة دائما مع جارتها".
فيما شدد الباحث السياسي المغربي، عبد الفتاح نعوم، لـ"الحرة" على أن "طبول الحرب لن تقرع، فهذا الأمر مستبعد ومستحيل، لأن المواجهة العسكرية المباشرة مع الجزائر ليست واردة على الإطلاق".
وأوضح الخبير المغربي في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، أنه "في ظل التحديات الأمنية التي تشكلها الجماعات الإرهابية، أو القوى المحدثة للفوضى، والحاجة إلى تقوية الاستقلالية الدفاعية، أنشأ المغرب المنطقة العسكرية الشرقية، لخلق توازن دفاعي بين المنطقتين الجنوبية والشرقية".
ولفت الروداني لـ"العربي الجديد" في 23 فبراير، إلى أن من بين المحددات التي كانت وراء الخطوة المغربية أيضا تحديث العقيدة العسكرية للمملكة في تعاطيها مع المشاكل المستقبلية، أو حتى خلق قوة ردع في المنطقة.
واعتبر أن "المغرب يتجه لخلق توازن داخل الإستراتيجية الدفاعية على مستوى التراب الوطني، في ظل حالة اللايقين في العلاقات المغربية الجزائرية، وما تعيشه ليبيا اليوم من وضع غير مستقر".
وفي معرض الحديث عن التصعيد المحتمل الذي قد ينجم عن مثل هذه الخطوة، قال الخبير العسكري المغربي، عبد العلي حور لموقع " "بي بي سيفي 26 فبراير 2022 إن "المنطقة الجديدة جزء من إعادة هيكلة الجيش المغربي، بهدف تأمين حدود البلاد وأراضيها"
وذكر أن "المغرب يستعد لأسوأ السيناريوهات، بدافع الحذر، لكن التصعيد العسكري لا يزال غير مرجح".
خطة مدروسة
وفي خطوة لافتة قبل الإعلان عن المنطقة العسكرية، أصدر رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني مرسوما في مايو/ أيار 2020، يقضي بتخصيص أرض لبناء قاعدة عسكرية في محافظة جرادة، على بعد 38 كيلومترا من الحدود مع الجزائر.
وأثارت الخطوة يومها غضب الجزائر، التي ردت بالإعلان عن "تشييد قاعدة عسكرية إستراتيجية ومهمة على الحدود الغربية للبلاد، قبالة القاعدة العسكرية المغربية".
وأوضح الجيش المغربي، في 31 مايو/ أيار 2020، أن الأمر يتعلق بثكنة ليس لها مواصفات قاعدة عسكرية، وأنها مخصصة للسكن، وتدخل في إطار خطة بدأ تنفيذها، قبل سنوات، لنقل الثكنات إلى خارج المناطق الحضرية.
لكن تبين، بحسب التطورات الأخيرة، أن الهدف المغربي كان تشييد قاعدة عسكرية.
ويبقى من أبرز المؤشرات على تحول الإستراتيجية العسكرية المغربية اتخاذ قرار توسيع الجدار الأمني، الذي أصبح يبلغ طوله نحو 2065 كيلومترا.
وذلك مباشرة بعد تمكن الجيش من تأمين معبر الكركرات، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد أسابيع على إغلاقه من قبل عناصر محسوبة على "البوليساريو".
وكشفت تصريحات لمسؤول أمني، أدلى بها لموقع "يا بلادي" المحلي، عن أبعاد إنشاء المنطقة العسكرية الجديدة على الحدود مع الجزائر بأنها جاءت "تتويجا للجهود التي تم إطلاقها منذ أكثر من 10 سنوات".
وأضاف دون الكشف عن اسمه: "بدأ هذا الأمر بتركيب (بناء) ثكنة للدبابات في منطقة دبدو، وبناء قاعدة في كرسيف (شرق)، وأخرى في أفسو قرب الناظور (شمال شرق)".
وأشار المسؤول الأمني إلى أن "وجود القوات المسلحة الملكية في المنطقة الشرقية سيتعزز في السنوات المقبلة، بتشييد قاعدة جوية في مطار العروي بالناظور، لاستيعاب الطائرات المقاتلة من طرازي إف 16 وميراج 2000، وكذلك الطائرات بدون طيار، وسيتم اعتماد ملحق مكمل لها في مطار وجدة-أنجاد" شرق البلاد.
وقبل هذه التطورات المعلنة من المغرب، كان قد كشف موقع "عربي بوست" الإلكتروني في 17 يناير 2022 أن "عناصر الدرك الحربي الجزائري، قامت مؤخرا بزرع كاميرات متطورة على طول الشريط الحدودي المغربي الجزائري، وهي كاميرات ذات صنع روسي".
وحسب ما كشف عنه الموقع، فإن "السلطات الجزائرية، تسعى من وراء هذه الخطوة إلى مراقبة الحدود من الشمال إلى الجنوب، فيما كانت قد أحدثت مجموعة من الخنادق".
ويرى أن هذه التطورات الأخيرة ستلقي بظلالها "سلبا" على العلاقات المغربية الجزائرية التي تعرف أزمة سياسية جد خطيرة، كما تعرف كذلك حربا إعلامية مفتوحة، والأخطر سباقا كبيرا نحو التسلح.