هيمنة عمومية.. لماذا لا تنعكس "الاستثمارات الضخمة" على مستوى عيش المغاربة؟
ضاعف المغرب مجهوده الاستثماري خلال السنوات الأخيرة، في محاولته اللحاق بركب الاقتصادات الصاعدة، لكن جاءت النتائج مخيبة للآمال.
وبلغ الناتج الداخلي الإجمالي 32,2 بالمئة ما بين عامي 2000 و2019، مقابل 25,6 بالمئة كمتوسط عالمي و29 بالمئة كمعدل للبلدان ذات الدخل المتوسط-الفئة الدنيا.
وكشف محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري في عرض قدمه أمام أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب أنه رغم المجهود الاستثماري الكافي من الناحية الكمية، فإن المغرب لم يتمكن بعد من الالتحاق بركب الدول الصاعدة وتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود.
وخلال كلمته في 15 فبراير/شباط 2022، أرجع هذه النتيجة إلى الضعف النسبي لمردودية الاستثمار بالمغرب على أرض الواقع.
وبالتالي فإن تأثير الاستثمار على خلق فرص الشغل يبقى ضعيفا، وبشكل مرتبط لا تظهر له أي آثار على مستوى تحسين الظروف المعيشية للمغاربة.
نتائج مخيبة
ففي الوقت الذي يجري فيه تعبئة موارد مالية مهمة للاستثمار من الناحية الكمية، فإن المردود يبقى ضعيفا من ناحية الكيف على مستوى الواقع المغربي وعلى تحسين عيش المواطنين.
الخلاصة التي أوصلها الجواهري ليست جديدة، بل سبق أن نبه لها العديد من الباحثين المغاربة في المجال الاقتصادي وأيضا مؤسسات وطنية ودولية منها البنك الدولي سنة 2019.
واعتبر الأخير أن المغرب من بين أكثر الدول التي تعرف ارتفاعا في الاستثمار، لكن عائده يظل مخيبا، فلا حقق نموا اقتصاديا، ولا خلق فرصا شغل كافية.
وسجل البنك الدولي في تقرير معنون بـ"خلق أسواق بالمغرب" والذي يندرج ضمن إطار الشراكة الثنائية بين البنك الدولي والمملكة التي تغطي الفترة بين 2019 و2024، أن الرباط رصدت موارد كبيرة.
والهدف من تلك الموارد كان تنفيذ استثمارات ضخمة في القطاعات الاقتصادية التي تعتبر إستراتيجية للنمو، وزيادة الإنتاجية وخلق القيمة المضافة، لكن الحصيلة كانت دون الانتظارات.
وأكد التقرير أنه رغم معدل الاستثمارات المرتفعة، التي تعتبر من بين الأعلى في العالم، فإن الآثار على مستوى النمو الاقتصادي والتشغيل والإنتاج، جاءت مخيبة.
وأشار إلى أن "بلدانا مثل كولومبيا والفلبين وتركيا، بلغت معدلات نمو مشابهة أو أعلى من المغرب، مع مستويات استثمار أقل من تلك التي بذلتها المملكة".
وبسبب هيمنة الاستثمار العمومي الذي تنفذه الدولة على القطاع الخاص، أوصى التقرير بضرورة تعزيز دور الأخير من أجل خلق فرص عمل أكثر.
وبين أن الثابت في العالم أن أغلب فرص العمل أحدثت من قبل شركات شابة عمرها أقل من خمسة أعوام.
وكشف الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، أن ارتفاع الاستثمارات بالمغرب راجع لزيادة الاستثمارات العمومية التي تنفذها الدولة وليس الخاصة.
وأضاف أقصبي، في حديثه لـ"الاستقلال"، أنه بداية من سنة 2000 كان المجهود الاستثماري يبلغ 22 بالمئة، تنقسم بين 12 للقطاع الخاص و10 للقطاع العام.
وتابع أنه بعد 2005 شهد المجهود الاستثماري قفزة نوعية حيث ارتفع إلى 32 بالمئة.
واستدرك أنه "عند تحليل هذه القفزة النوعية نجد أن القطاع الخاص بقي ثابتا في 12 بالمئة، وأن الذي ارتفع (من 10 إلى 20 بالمئة أو أكثر) هو الاستثمار العمومي.
أسباب سياسية
وفي تفسيره لأسباب ضعف مردودية الاستثمارات الوطنية على النمو والتشغيل، أوضح الخبير الاقتصادي أقصبي، أن المجهود الاستثماري يتعلق أساسا باستثمارات عمومية للدولة؛ أي المشاريع الكبرى من طرق سيارة وموانئ كبرى ومطارات، ومحطات القطار الكبرى ومحطات سياحية كبرى.
وشدد على أن القاسم المشترك بين كل هذه المشاريع الكبرى أنها جاءت بناء على قرارات سياسية لا نقاش فيها، وآخر من يساهم فيها هو البرلمان.
كما أنها تفتقر لأي عقلانية اقتصادية أو اجتماعية، ولا تتناسب مع الحاجيات الفعلية لجزء كبير من الساكنة، ومن ثم فإن تأثيرها على الإنتاج، الشغل، والمداخيل يبقى ضعيفا جدا.
وأفاد أقصبي أن المحدد الأساسي لهذه المشاريع الكبرى ليس الحاجيات الحقيقية للمواطنين.
وبالتالي فإنها تطرح إشكالات اقتصادية ومالية لأنها لو كانت تستجيب لحاجيات المواطنين فسيرتفع الطلب عليها ويكون هناك رواج، وسيؤدي ذلك لارتفاع معدل الطاقة الإنتاجية.
ولاحظ الخبير الاقتصادي المغربي، أن جزءا كبيرا من أشغال المشاريع يتطلب اقتناء مواد وخدمات من الخارج، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع الواردات، وعوض أن نشغل الآلة الاقتصادية الداخلية فإن المستفيد هو الاقتصاديات الخارجية.
وعدد الخبير الاقتصادي أقصبي مجموعة من المشاريع الكبرى التي جرى تنفيذها بالمغرب، ولكن وقعها على التشغيل ووتيرة النمو كان ضعيفا جدا، مثل مشروع الطريق السيار.
وتابع أن جل الطرق السيارة غير مستعملة باستثناء الطريق السيار بين الرباط والبيضاء وبين الدار البيضاء حتى مراكش.
ونفس الأمر، يقول أقصبي، ينطبق على المطارات والقطار فائق السرعة (TGV) وغيرها من المشاريع والبنيات التحتية المكلفة ولكن مردوديتها ضعيفة ولا وقع لها على الاقتصاد الوطني لا من حيث النمو ولا من جهة خلق مناصب الشغل، بل أحيانا تزيد في تعميق عجز الميزان التجاري.
وخلص إلى أن هذا الوضع كارثي بالنسبة للاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن المغرب يرتكب أخطاء اقتصادية جسيمة تجري معالجتها بحلول ترقيعية.
يراهن المغرب على تجاوز الإشكالات والصعوبات المتعلقة بالاستثمار، خاصة ما يتعلق بضعف المردودية والاستثمار الخاص، من خلال اعتماد ميثاق جديد للاستثمار.
وترأس العاهل المغربي في 16 فبراير 2022، في مقر إقامته ببوزنيقة (شمال العاصمة الرباط)، جلسة عمل خصصت للميثاق الجديد للاستثمار.
وتأتي جلسة العمل، حسب بيان من الديوان الملكي، "امتدادا للتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطاب افتتاح البرلمان، الداعية إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت".
وخلال هذه الجلسة جرى تقديم عرض حول الخطوط الكبرى لمشروع الميثاق الجديد للاستثمار، من طرف الحكومة.
ويهدف المشروع، حسب البيان الملكي، إلى تغيير التوجه الحالي والذي يمثل فيه الاستثمار الخاص حوالي ثلث الاستثمار الإجمالي، فيما يمثل الاستثمار العمومي الثلثين.
ويسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035.
وتتمثل الأهداف الرئيسة المحددة في الميثاق الجديد للاستثمار، في إحداث مناصب الشغل، والنهوض بتنمية منصفة للمجال وتحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة للاقتصاد الوطني.