جذور لا تنقطع.. كيف يسعى ابن سلمان لمحق ارتباط المملكة بدعوة ابن عبدالوهاب؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

احتفالات صاخبة شهدتها أجواء المملكة العربية السعودية في 22 فبراير/شباط 2022، بعد أن اعتمد لأول مرة في تاريخ البلاد، كيوم تأسيس رسمي للمملكة وإجازة للمواطنين، وهو ما تم بإقرار من الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.

أما الجدل الذي صاحب اليوم، فجاء متعلقا بإنكاره أدور الداعية محمد بن عبدالوهاب، الرجل الذي التقى بمؤسس الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود، وعلى أسس بيعة تمت بينهما قامت الدولة، وهي الرواية التي ظلت عالقة على مدار التاريخ، تروى في المجالس، وتدرس في المدارس والجامعات.

بدأت هذه الرواية بالزوال مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان، وتنفيذه خطوات نحو الانفتاح والتحرر من الإرث الدعوي الوهابي القديم.

اصطدم ابن سلمان بالدعاة وبالتراث، وها هو يصطدم بالرواية والعهد التاريخي، ويسعى إلى محق ارتباط دولته بالدعوة الوهابية، التي مثلت الثقل والقوة الناعمة والأيديولوجية للرياض على مدار قرن كامل من الزمن.

انقلاب ابن سلمان

قبل فترة قليلة كان يعد العام 1744 تاريخا لبداية الدولة السعودية الأولى، بوصفه التاريخ الذي التقى فيه مؤسس الدولة، بالشيخ محمد بن عبدالوهاب، صاحب الدعوة في مدينة الدرعية (مقرها الرياض)، لكن الموعد الرسمي الجديد الذي حدده القرار الملكي، يسبق لقاء الإمام والشيخ بـ17 عاما كاملة. 

وورد أن هذا يأتي تعزيزا لارتباط المواطنين بجذورهم الممتدة إلى عام 1727 ميلادية، الذي قال "إن الدولة السعودية الأولى تأسست فيه" في إشارة واضحة لتجاوز ابن عبدالوهاب، وتحالفه الأثير الذي كان فارقا في ميلاد المملكة العربية السعودية. 

ونقلت وكالة رويترز البريطانية في 23 فبراير 2022، تصريحات كريستين ديوان الباحثة بمعهد دراسات دول الخليج العربية بواشنطن، والتي قالت فيها "جرى محو محمد بن عبد الوهاب من التاريخ السعودي". 

وذكرت أن "هذه هي القومية السعودية الجديدة، إنها تحتفي بآل سعود، وتربط الشعب بشكل مباشر بالعائلة الحاكمة، وتهون من الدور المحوري الذي لعبه الدين في تأسيس الدولة".

واستشهدت بما أقره مجلس الشورى السعودي في يناير/كانون الثاني 2022، من وضع اقتراح بتعديل قانون يتعلق بالنشيد الوطني والعلم، وفيما لم يتضح ما إذا كان سيغير مكونات تصميم العلم الذي يشمل جملة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

وفي 27 فبراير 2022، نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني، تقريرا عن محمد بن سلمان والانقلاب على التاريخ السعودي، وقال "إن ولي العهد يخاطر بإعادة كتابة تاريخ المملكة، لكنه في وقت تحويله الرواية التاريخية نحو تمجيد قاعدة آل سعود الضيقة للشرعية، فإنه سيواجه ردود فعل من مختلف المناطق التي تشكل المملكة". 

وذكر أن السعودية تبدو في حالة تقلب مستمر، فهي تعيد اختراع ماضيها باستمرار.

وعلق الموقع البريطاني "الآن ولي العهد يريدنا أن ننسى التاريخ القديم وأن نتذكر فقط مجد أسلافه في الدرعية".

آل سعود وآل الشيخ 

لفهم طبيعة الارتباط بين الدولة السعودية والدعوة الوهابية، يستقرأ التاريخ، بداية من الحلف الذي استمر طويلا بين آل سعود وآل الشيخ (أحفاد محمد بن عبد الوهاب)، وصارت مؤسسة السياسة مُختصرة في آل سعود ومؤسسة الدين مُجسدة بآل الشيخ.

وتجدد عام 1902 الاتفاق القديم الذي جرى عام 1744، وهذه المرة تصدر المشهد عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة بشكلها الحالي، في مدينة الدرعية "عاصمة آل سعود" مجددا.

ثم قامت المؤسسة الدينية السعودية على مستويات من العناصر البشرية، أولهم العلماء، الذين يعملون في القضاء ويعلمون الناس بشكل أساسي، كما يدرسون في المساجد طلابهم الذين يسمون بالمطاوعة.

 ويشرف المطاوعة على توجيه وإرشاد الناس، وتأديب من لا يستجيب، ومن المطاوعة صدر "الإخوان"، وهم قوة بدوية حضرية مُستعدة دائما للقتال من أجل الدعوة.

وكان "الإخوان" قوة ضاربة في بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد عبدالعزيز، وكلما دخلوا إلى واحة أو منطقة جديدة ازدادت أعدادهم وضُخت دماء في قواتهم.

استمر الحال بين الدولة والدعوة، بين التوافق تارة، والضربات القاصمة تارة أخرى، ومع وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصعود خلفه سلمان، برز في الأفق نجم ابنه محمد، الذي نكل بمنافسيه وأقاربه حتى يخلف أباه لاحقا ويصبح الرجل الأقوى في الدولة، وقدم نفسه للغرب والولايات المتحدة على أنه الممسك بزمام الأمور، وحامل لواء التغيير.

وفي سبيل ذلك أحدث ابن سلمان، تحولات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية والدينية في المملكة، واٌقام تحولاته أولا على جسد العلماء والهيئات الدينية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 إذ انتزع اختصاصاتها وأهم الصلاحيات المخولة بها، وبعدها نفذ حملة اعتقالات واسعة غير مسبوقة بحق العلماء والدعاة، وأودعهم السجون، بل وصل الأمر إلى التورط باغتيال بعضهم في ظروف غامضة، وها هو يمحق تاريخهم كلية. 

حرب على الإرث 

لا شك أن خطوة محمد بن سلمان المثيرة أحدثت قلاقل، تحديدا لدى مراكز القوى داخل المؤسسة الدينية، لكنها أيضا لم تكن منفصلة عن منهجية ولي العهد منذ بداية صعوده، وهو الذي توعد عام 2017 الأفكار الأصولية داخل بلاده قائلا عبارته الشهيرة: "سندمرهم اليوم وفورا".

ومن نافلة القول إن إعلان ابن سلمان الحرب على تيار الصحوة صراحة، الذي ينتمي إليه مئات العلماء وعشرات الآلاف من المريدين، ليس سوى علامة، على منهج جديد أكثر انفتاحا، وأقل تشددا، وتمسكا بالثوابت القديمة.

لكن معركة ولي العهد، لم تمر مصطلحاتها وأبجدياتها مرور الكرام، ففي 4 أبريل/نيسان 2018، كتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، مقالا لصحيفة "واشنطن بوست" انتقد فيها سياسات ابن سلمان وتداولتها عدد من وسائل الإعلام العربية.

المقال تضمن هجوما على ولي العهد بأنه يقدم رواية محرفة للتاريخ السعودي بادعائه أن المملكة كانت دولة عادية قبل عام 1979، وأن قيام الثورة الإيرانية هو ما دفع بلاده إلى التشدد، مشيرا إلى أنه في ذلك التوقيت، وعلى عكس الرواية، لم يكن يسمح للمرأة بالقيادة ولم تكون دور السينما في البلاد رسمية.

خاشقجي قال: "إن محمد بن سلمان في طريقه لتحديث المملكة، ويرسي أسسا سلطوية جديدة لتحل محل الراديكالية التقليدية لرجال الدين".

لكن العجيب في كل ذلك أن إعلام الدولة نفسه وصل به الأمر إلى الهجوم المباشر على الوهابية، كما حدث في التلفزيون السعودي، ومن علماء بارزين مقربين إلى القيادة السياسية.

ففي 19 يوليو/تموز 2018، شن المستشار بالديوان الملكي عبد الله المنيع هجوما على الوهابية في برنامج "فتاوى" المذاع على التلفزيون الرسمي، والذي قال إنها "وصف يسيء إلى المملكة، وما هي إلا وهم وخيال ليس لها من الواقع شيء".

جذور لا تقطع 

"الارتباط بين الدعوات والدول أمر دارج تاريخيا، ودعوة محمد بن عبدالوهاب ارتبطت منذ بدايته بالدولة السعودية الأولى ارتباطا وثيقا"، وفق ما يقول أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، الدكتور ماهر الحنفي لـ"الاستقلال".

"فكلاهما أكمل الآخر، وكانت كتب التاريخ السعودي والمناهج التعليمية تتحدث دائما، أن لولا الشيخ لما كانت الدولة، ولولا الدولة ما كانت الدعوة، خاصة أن محمد بن سعود، أخذ العهود والمواثيق على الشيخ وإخوانه لنصرته، وهم الذين بذلوا الجهد والدم بداية من عام 1746 حيث بدأت الحروب والمعارك التي مهدت لتأسيس الدولة". 

وأضاف: "لذلك قدست المملكة الإمام ابن عبدالوهاب كشخص وفكرة، ولم يسمح أبدا بانتقاده أو الانتقاص منه، فمن ساروا على نهجه، وكل علماء المملكة خلال عقد كامل من الزمن، نسبوا أنفسهم إلى الوهابية، خاصة وأن الفكرة لم تقف عند حدود المملكة العربية السعودية، بل عمت الخليج كله، في قطر والكويت والإمارات".

واعتبرت تلك الدعوة الحصن الفكري والمنهجي الذي يحمي خصائص تلك البلاد من دعوات أخرى ومناهج مختلفة، وواجهوا بها المد الشيعي أولا، والصوفي ثانيا. 

وذكر: "ليس من السهل اجتثاث الجذور بهذه الطريقة، ولا بقرار من حاكم أو مؤسسة، هناك قطاع كبير من طلاب العلم والأساتذة الأكاديميين تأسسوا على ذلك الفكر تحت رعاية الدولة".

ورأى أن "سحق التوجه يعني تدمير أجيال قائمة وسابقة، وهو أمر لن يحدث، بل سيخرج حملة معارضة مضادة، لأنها ترى أن الحملة ليست على فكر أو تاريخ محمد بن عبدالوهاب، بل على الدين نفسه، وهو شيء غير مقبول في مجتمع شديد المحافظة مثل السعودية، فحتى ولو أرادوا التغيير والتجديد فسيصطدمون بإرثهم القائم". 

وشدد الحنفي: "أن دعوة ابن عبدالوهاب حتى وإن اختلف معها القائم على الحكم، فإنها لم تنتج التطرف كما يدعى".

ويعتقد أن "ما أنتج التطرف هو السلوك السياسي للدول والحكام، والقمع وعدم وجود مجال للرأي والاختلاف".

لذا فإن الاستمرار بنفس الوضعية وسحق الدعوات مرة أخرى، سيقابله موجة مضادة من التطرف غير مأمونة ولا محسوبة العواقب، وستحمل تهديدا وخطرا على الدولة نفسها، بحسب تقديره.