بتوجيهات مباشرة من إسرائيل.. لماذا تعيد البحرين تنظيم جهازها الاستخباراتي؟
لم ينس الشعب البحريني ولا الوطن العربي، مشهد استقبال السلطات البحرينية وزير خارجية الكيان الإسرائيلي يائير لابيد في العاصمة المنامة، في 30 سبتمبر/ أيلول 2021، لافتتاح سفارة دولة الاحتلال هناك.
وجاء افتتاح السفارة الإسرائيلية، استكمالا لإجراءات تطبيع العلاقات رسميا مع إسرائيل المبرم في 15 سبتمبر 2020، برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعدما وقعت الإمارات اتفاقا مشابها، وتبعتها في ذلك السودان والمغرب.
لكن يبدو أن التطبيع البحريني مع إسرائيل يحمل نكهة خاصة، وأبعادا مختلفة، بعدما كشفت وسائل إعلام عن تعاون استخباراتي وثيق بين الجانبين، وصل إلى تدريبات خاصة حصل عليها ضباط بحرينيون من قبل عناصر جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك".
وتتويجا لهذه الخطوات، فتحت البحرين أبوابها في 14 فبراير/ شباط 2022، لاستقبال رئيس وزراء دولة الاحتلال نفتالي بينيت، الذي وصل إلى المنامة في أجواء صاخبة وضيافة مهيبة.
نحو إسرائيل
في 27 يناير/ كانون الثاني 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، المتخصصة في شؤون الاستخبارات تقرير عن التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات البحرينية والشاباك الإسرائيلي، تحت عنوان "البحرين تعيد تنظيم أجهزة المخابرات للعمل بشكل أوثق مع إسرائيل".
وذكرت المجلة في التقرير أن المنامة تعمل على تعزيز القدرات التكنولوجية لأجهزة استخباراتها وتقوية تعاونها مع إسرائيل، فيما يتعامل مكتبها الأمني الإستراتيجي الآن بشكل مباشر مع المخابرات الإسرائيلية.
ومن أبرز ما ذكرته المجلة الفرنسية أن الجهاز البحريني سيستقبل فريقا من المدربين الإسرائيليين المتخصصين لتدريب ضباط المخابرات البحرينية.
وأضافت أن إسرائيل عملت على تزويد البحرين بصور الأقمار الصناعية، كما تدفع إلى حصولها على أنظمة مضادة للطائرات المسيرة وطائرات تكتيكية إسرائيلية.
وأوضحت أن كل هذه المشتريات معدات وتقنيات قادرة على إحداث نقلة نوعية في الجهاز الاستخباراتي البحريني، وجعله مؤهلا لتعاون أوثق وأكثر فاعلية مع دولة الاحتلال.
وكان وزيرا داخلية البحرين وإسرائيل رشاد بن عبد الله آل خليفة وعومر بارليف، قد اجتمعا في 14 يناير 2022 على خلفية توصيات من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، لتكثيف التعاون الأمني بين الجانبين.
بعدها شرع النظام البحريني في إعادة هيكلة جهاز الأمن في البلاد الذي يمر في خضم إصلاح تكنولوجي كبير، يقوم على إعادة التنظيم حتى يتمكن من التعاون عن كثب مع إسرائيل.
فإلى جانب جهاز المخابرات الوطني، الذي حل محل جهاز الأمن القومي، وجهاز الأمن العام، التابع لوزارة الداخلية، تم تكليف جهاز الأمن الاستراتيجي، الذي تم إنشاؤه في يوليو/ تموز 2020، بتعزيز التعاون مع إسرائيل.
ويعتبر هذا الجهاز، برئاسة أحمد بن عبد العزيز آل خليفة، الكيان الوحيد الذي لديه تفويض رسمي للتعامل مباشرة مع جهاز المخابرات الإسرائيلي "موساد"، برئاسة ديفيد برنيع، والشاباك برئاسة رونين بار.
أبعاد تطبيعية
خلال حقبة التسعينيات فتحت البحرين اتصالات مع إسرائيل بشكل سري، لكن تسارع وتيرة الأحداث عقب ثورات الربيع العربي، سمح بتطور العلاقات في السنوات الأخيرة.
ففي عام 1994 زار يوسي ساريد وزير البيئة الإسرائيلي آنذاك، في حكومة إسحاق رابين المنامة على رأس وفد دبلوماسي رسمي كبير للمشاركة في المناقشات الإقليمية حول القضايا البيئية، ووصفت تلك الزيارة بأنها "الأولى إلى دولة خليجية".
وسلطت الزيارة وقتها الضوء على العلاقات البحرينية المتينة باليهودية، حيث زار الوفد المقبرة اليهودية القديمة في المنامة.
وظلت الأحداث في تتابع والزيارات في تبادل بين الطرفين، حيث اجتمع ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة مع وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي آنذاك في يناير 2000 في لقاء هو الأول من نوعه بين مسؤولين رفيعين.
وفي فبراير 2005 تفاخر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال لقاء جمعه مع سفير الولايات المتحدة بوجود اتصال مع الموساد، ونسب إليه قوله: إن "البحرين مستعدة لتطوير العلاقات في المجالات الأخرى أيضا"، بحسب برقيات كشفها موقع ويكيليكس.
وفي سبتمبر 2005، رفعت البحرين الحظر عن بضائع الاحتلال وأغلقت مكتب المقاطعة الإسرائيلية بزعم أن ذلك أحد شروط اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
وتوقع كثيرون أن تكون البحرين على رأس الدول التي تطبع علاقاتها مع الاحتلال، لأنها قدمت منذ فترة طويلة مبادرات علنية مع تل أبيب، وهي التي استضافت في يونيو/ حزيران 2019 "ورشة عمل السلام من أجل الازدهار"، التي نتج عنها ما يُعرف إعلاميا بـ"صفقة القرن".
وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2019، اختتم حاخام "أورشليم القدس" شلومو عمار زيارة للبحرين التقى خلالها بملك البلاد ورجال دين من دول عربية.
حيث شارك الحاخام في مؤتمر لحوار الأديان تلبية لدعوة الملك البحريني.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها وفد يهودي البحرين، إلا أن الاحتفاء بها هذه المرة كان مبالغا فيه، ما أشار إلى ميلاد جديد للعلاقات الإسرائيلية البحرينية على جميع المستويات بداية من التقاطعات السياسية وصولا إلى التعاون الثقافي والديني والاقتصادي.
تعاون أمني
وظهرت تجليات التعاون الأمني والاستخباراتي الوثيق بين المنامة وتل أبيب، في 13 سبتمبر 2021، حين أصدرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية تقريرا خاصا، تحدثت فيه عن خطط التعاون الدفاعي مع البحرين، والتي وصفها التقرير بأنها تتهددها فتنة سياسية شيعية توجهها إيران ومن يعملون لحسابها.
وسرعان ما بدأت إسرائيل التوغل في البحرين عبر قوتها السيبرانية، وهو ما أكدته وكالة رويترز البريطانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين ذكرت أن التعاون الأمني بين إسرائيل والبحرين يشكل بندا مركزيا في المحادثات التي تلت التوقيع على اتفاق تطبيع العلاقات بين الطرفين، وأن الأولوية ستكون التعاون مع إسرائيل في مجال أمن الإنترنت.
في نفس الشهر أصدر ملك البحرين مرسوما، يقضي بتأسيس مركز وطني لأمن الإنترنت وللأمن السيبراني.
ولا شك أن استعداد المنامة لإحداث طفرة في علاقاتها مع دولة الاحتلال، دفعتها لأن تكون قبلة للقادة الإسرائيليين الذين توافدوا إليها، ففي 3 فبراير 2022 استقبل العاهل البحريني وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في قصر الصخير بالمنامة، واستعرض الطرفان العلاقات الثنائية والأمنية ومسار التعاون بين البلدين.
وناقش ملك البحرين مع غانتس سبل الدعم الممكنة في النزاعات الإقليمية، لا سيما توتر العلاقات مع إيران، وذلك في إطار "إعلان تأييد السلام، واتفاق مبادئ إبراهام اللذين وقعهما البلدان".
وعلى وقع تلك الزيارة أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أنه على الصعيد الاقتصادي تم رفع حجم التبادل التجاري مع البحرين، إلى أكثر من 6.5 مليارات دولار. إضافة إلى وجود رحلتين جويتين مباشرتين بين إسرائيل والبحرين أسبوعيا.
فيما انتقدت المعارضة في البحرين تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ونظمت احتجاجات شبه دورية "تضامنا مع الشعب الفلسطيني".
وفي 14 فبراير 2022، صرح يوئيل غوزانسكي، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن البحرين كان ينظر إليها أنها أبطأ في تقارب العلاقات مع إسرائيل من الإمارات.
لكن سماحها بإلحاق ضباط إسرائيليين على أراضيها "خطوة مهمة"، مشيرا إلى أن البحرين يمكن أن توصف بأنها قاعدة إسرائيلية مهمة في الخليج.
المصادر
- Bahrain reorganises intelligence services to work closer with Israel
- نفتالي بينيت يقوم بأول زيارة رسمية إلى البحرين
- ما الذي يمكن أن تجنيه البحرين من الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل؟
- ما هي دوافع البحرين لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل؟
- رئيس "الموساد" يبحث في البحرين آفاق تعزيز التعاون
- تقرير: ملك البحرين يحث الأجهزة الأمنية على تعزيز التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل