مخاوف من عودة الانقسام الليبي.. كيف يسعى عقيلة صالح للانقلاب على الدبيبة؟
شبح "زيادة" الانقسام في المشهد السياسي الليبي المقسم، يتزايد مع إصرار كل طرف على أحقيته وشرعيته في فرض القرارات والقوانين "المنتهية"، ومع إلقاء "حجر جديد" في البركة "المتشعبة" تتمدد الأزمة أكثر وسط غياب صوت "الشعب المتضرر".
وفيما أعلن رئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح في 31 يناير/كانون الثاني 2022، بدء استلام ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة، هاجمه في الحين ذاته رئيس الحكومة الحالي، عبد الحميد الدبيبة، وتمسك باستمرار الحكومة حتى إجراء الانتخابات.
وبعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وحديث عن تاريخ جديد وتمديد "مجهول النسب"، دخلت الأطراف في مناورات لكسر بعضها البعض أملا في البقاء على سطح المشهد حتى مع "انتهاء صلاحيتها".
مصير مجهول
وفي 31 يناير 2022، أعلن عقيلة صالح، بدء استلام ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة، على أن يجرى اختيار رئيس جديد لها في جلسة برلمانية، 8 فبراير/ شباط 2022.
وقال المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، إن المجلس برئاسة وقرار صالح عقد جلسة استمع خلالها إلى "إحاطة لجنة خارطة الطريق البرلمانية حول ما توصلت إليه".
وفي 21 ديسمبر 2021، شكل البرلمان لجنة "خارطة الطريق"، وهي مكونة من 10 أعضاء، بهدف التوصل إلى صيغة توافقية بشأن المسار الدستوري في البلاد.
وأضاف "بليحق" أن الجلسة خلصت إلى أن "يشرع مكتب المقرر بالمجلس باستلام ملفات الترشح لرئاسة الوزراء، ومن ثم يفحص الملفات للتأكد من مطابقتها للشروط المطلوبة قبل استلامها".
وتابع: "على أن تخطر لجنة خارطة الطريق للتشاور مع مجلس الدولة (نيابي استشاري)، لعرضها (أسماء المرشحين) على مجلس النواب في جلسة 8 فبراير 2022 لاختيار رئيس مجلس الوزراء، و(قبلها) جلسة 7 فبراير للاستماع للمترشحين".
لكن بعد ساعات من إعلان رئيس البرلمان بدء استلام ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة، شن رئيس الحكومة الدبيبة، هجوما على صالح، وجدد تمسكه باستمرار حكومته حتى إجراء الانتخابات.
واعتبر الدبيبة، في تصريحات صحفية، أن ما يفعله عقيلة صالح "محاولة يائسة لعودة الانقسام"، مشددا على أن "الحكومة مستمرة في أداء مهامها حتى إنجاز الانتخابات، وقد أنجزت استحقاقاتها كافة دون تقصير".
وتابع أن "مخرجات الاتفاق السياسي الدولي واضحة بشأن المجلس الرئاسي والحكومة (سلطة انتقالية منتخبة) ونحن نعمل وفقا له".
وملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي اختتم أعماله بتونس منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حدد مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ18 شهرا تمتد حتى يونيو/حزيران 2022، وفق البعثة الأممية لدى ليبيا.
وجراء خلافات بين مؤسسات ليبية رسمية بشأن قانوني الانتخاب، ودور القضاء في العملية الانتخابية، تعذر إجراء انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وفق خارطة طريق برعاية الأمم المتحدة.
وفي تعليق على قرار صالح، قال الباحث في الشأن السياسي الليبي والمغاربي، إدريس أحميد، إن "خطوة مجلس النواب تأتي عقب التعتيم والقفز على الانتخابات، وأصبح مصيرها مجهولا مما يؤثر على العملية السياسية ويزيد من هذه الأزمة".
وشدد أحميد في حديث مع "الاستقلال" أن "هذه الأزمة تأتي في ظل صمت الشارع الليبي الذي يفترض حقيقة أن يكون له دور مهم في فرض إجراء الانتخابات، وموقف الأمم المتحدة من التعتيم عليها، ورأي وتضارب مصالح دول لا تريد الاستحقاقات".
وأشار إلى أنه "في ظل القفز على خارطة الطريق، وإلغاء الانتخابات فإن مجلس النواب المتمسك بالسلطة منذ 7 سنوات والذي انتهت صلاحيته ومعه مجلس الدولة، سيخلق خلافات وانقسامات في المشهد والشارع الليبيين".
عودة الانقسام
الدبيبة لم يقتصر على تصريحاته التلفزيونية، بل كتب مغردا: "مستمرون في أداء مهامنا حتى إنجاز الانتخابات، نتائج الاتفاق السياسي واضحة في طبيعة العلاقة بالهيئات والمؤسسات ونعمل وفقا لها".
وشدد على أنه "تواصلنا مع أغلب الأطراف الدولية، وهي ترفض تصور رئيس مجلس النواب للمرحلة".
وقبل إعلان خطوته الأخيرة بشأن ترشيحات رئيس حكومة جديد، بدأ عقيلة تحركاته قبل فترة قصيرة وتحديدا في 25 يناير 2022، حين أعلن خلال جلسة عقدها المجلس في مدينة طبرق (شرق)، لمناقشة آلية وشروط اختيار رئيس حكومة جديد، أنه جرى استبعاد المجلس الأعلى للدولة من مشاورات اختيار رئيس وزراء جديد، خلفا للدبيبة.
وخلال الجلسة، قال صالح إن البرلمان "لا يرى بأن يقدم مجلس الدولة تزكية لرئيس الوزراء الجديد".
وجاءت خطوة صالح في وقت أعلن فيه 62 نائبا برلمانيا، عبر بيان مشترك، دعمهم استمرار عمل حكومة "الوحدة الوطنية" برئاسة الدبيبة، مع إدخال تعديل وزاري يسمح لها بفرض سلطتها على كامل البلاد، حيث تقع مناطق الجنوب والشرق تحت سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وعدد أعضاء البرلمان يبلغ 200، لكن العدد الفعلي حاليا هو نحو 170، ولا يمكن تحديده بدقة جراء وفيات واستقالات.
لكن بعد التطورات الأخيرة وقرار صالح اختيار رئيس حكومة جديد، حث المجلس الأعلى للدولة، في الأول من فبراير/شباط 2022، مجلس النواب البرلمان على "التعاون لإنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب بأسرع وقت للاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات".
وقال المجلس، في بيان إن "ما صدر عن مجلس النواب في جلساته الأخيرة بالانطلاق فقط في مسار تغيير السلطة التنفيذية قبل اتخاذ خطوات عملية وموازية بشأن تعديل الإعلان الدستوري والمضي قدما نحو اتفاق نهائي بشأن خارطة الطريق بمساراتها الدستوري والتنفيذي والأمني والمصالحة الوطنية، يعتبر مخالفة جذرية للتفاهمات المبدئية".
وأوضح أن "التفاهمات المبدئية التي جرى التوصل إليها مبنية على أساس واضح هو الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساس الاستفتاء على الدستور وفقا لصيغة التعديل الدستوري المطلوب لإنجاز هذا الاستحقاق وعلى تغير السلطة التنفيذية بعد إجراء التعديل الدستوري المقترح".
ودعا المجلس الأعلى "مجلس النواب إلى التقيد بما جرى الاتفاق عليه ورفض السير فقط في أحد المسارات (تغيير السلطة التنفيذية بقيادة الدبيبة)، دونا عن الأخرى، ويعتبر الاستمرار في ذلك إجراء أحاديا مرفوضا وغير قابل للتطبيق".
تسوية سلمية
وأمام هذا "الصراع الداخلي"، دخلت الأصوات الدولية على الخط، حيث تزامن إعلان صالح ورد الدبيبة مع تمديد مجلس الأمن ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "أونسميل" حتى 30 أبريل/نيسان 2022.
وشددت معظم القوى الدولية على الاستفادة من هذا التمديد لإجراء الانتخابات، حيث دعت قادة ليبيا إلى "وضع مصلحة شعبهم فوق مصالحهم الفردية والعمل من أجل تشكيل مؤسسات موحدة وموثوقة".
في مؤتمر صحفي، قال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: "طلبنا مرارا من كل المجموعات والقادة في ليبيا أن يضعوا مصلحة الشعب الليبي فوق مصالحهم الفردية، وأوضحنا أنه لسنوات عديدة، لم يكن لليبيا مؤسسات موحدة وموثوقة، وهذا يحتاج إلى حل".
وأضاف "هذا هو السبب في أننا ندفع لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن".
بدورها، قالت آنا إيفستينييفا مساعدة المندوب الروسي الدائم لدى المنظمة العالمية، إن موسكو تدعو الأطراف الليبية إلى الاستفادة من تمديد بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد.
وأضافت إيفستينييفا أن روسيا صوتت لصالح مشروع قرار مجلس الأمن بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة من هذا العام، بناء على قناعتها في المقام الأول بعدم وجود بديل عن تسوية سلمية شاملة للأزمة الليبية.
وأكدت دعوتها جميع الفاعلين في المشهد الليبي للاستفادة من الدعم الجماعي لمجلس الأمن للتغلب بمساعدة بعثة الأمم المتحدة على الخلافات المتراكمة وتحديد المواعيد وعقدها لفتح صفحة جديدة في التاريخ بجهود مشتركة.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، أحميد: "لا أدري ما هي التوافقات الدولية بشأن شرعية تشكيل حكومة جديدة، لكن موقف واشنطن والمستشارة الأممية ودول أخرى هو ضرورة إجراء الانتخابات، مما يزيد الانقسام في ليبيا".
وتابع: "سمعنا أن الدبيبة قال إنه لن يسلم السلطة إلا إلى جهة منتخبة، مما يدفعنا للتساؤل أين هي الانتخابات ومتى موعدها؟ (هذا) إدخال للبلاد في أزمة سياسة جديدة إلا إذا تغير الموقف الدولي ودعم تشكيل حكومة جديدة".
وختم أحميد حديثه بالقول: "كان على الشارع الليبي أن يقف بقوة ويدافع عن قراره بضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن أنهك جراء إكراهات وأزمات يومية، مما جعله يمارس الصمت والسلبية، وهذه إحدى الإشكاليات التي تؤثر على المشهد حيث كان من المفترض أن يكون الشارع هو الحكم والفيصل ويطالب برحيل هذه الأجسام".