الحملات المليونية لدعم السوريين.. كيف يمكن تحويلها لظاهرة تنهي مخيمات النزوح؟
في سابقة من نوعها، تمكن فريق ملهم التطوعي الإغاثي السوري والعامل في الشمال المحرر، من جمع تبرعات خلال يومين بلغت مليوني دولار أميركي.
وهدفت تلك الحملة التي أطلقت في 27 يناير/كانون الثاني 2022 إلى نقل عوائل نازحة من مخيمات إلى منازل سكنية تقيهم الأمطار والثلوج والمعاناة التي يعيشونها.
"حتى آخر خيمة"
وأطلق فريق ملهم حملة تبرعات باسم "حتى آخر خيمة" لنقل العائلات إلى منازل، إذ تفجرت الفكرة مع بداية العاصفة الثلجية حينما نشرت صفحة الفريق على فيسبوك تسجيلا مصورا لامرأة مسنة تدعى "نديمة عزو" تستغيث الله أن يجرى إخراجها من خيمتها قرب مدينة أعزاز شمالي حلب بعدما تراكمت الثلوج على سقفها.
وهزت كلمات المسنة البالغة من العمر 75 عاما الشارع السوري والعربي، وهي تقول: " الله أرحم الكل، انشقت الخيام وين بدنا نروح.. أنقذونا على بيوت، الله يوفقكم".
قرر الفريق تلبية دعوتها ونقلها إلى منزل، لتكون المفاجأة برفض المرأة خروجها وحدها واشترطت كامل المخيم المؤلف من 17 عائلة.
وهذا ما شجع الفريق على إطلاق حملة "حتى آخر خيمة" لجمع التبرعات عبر بث مباشر للفريق من داخل مخيم يقع على أطراف مدينة أعزاز بريف حلب.
وسرعان ما لقيت الحملة استجابة سريعة من المتبرعين السوريين داخل البلاد وخارجها ومن العرب كذلك (الجزء الأكبر من فلسطين).
وكان هدف الحملة جمع مبلغ 400 ألف دولار لنقل 117 عائلة من مخيمات عدة، لتحظى الحملة بتفاعل إيجابي مدهش جرى جمع 400 ألف دولار خلال 15 ساعة فقط.
وهو ما دفع فريق ملهم إلى رفع سقف الحملة لكي تشمل مخيمات أخرى، ونجح بذلك في جمع مليوني دولار خلال يومين فقط.
ولاقت حملة "حتى آخر خيمة"، تفاعلا كبيرا من شخصيات سورية وعربية أبدت تضامنها معها وشجعت على دعمها، عبر المشاركة في البث المباشر، وإلقاء كلمات تحفز على الانخراط في مثل هذه الحملات.
إذ عكف الداعية محمد راتب النابلسي، على تحفيز الهمم خلال كلمته والتشجيع على التبرع بقوله: "يقول رسول الله أفضل المعروف إغاثة الملهوف، بل إن علة وجود الإنسان في الدنيا هو العمل الصالح، إذ إنه لا تعرف قيمة البيت المسقوف من الإسمنت إلا إذ كنت في خيمة".
وأضاف النابلسي أنه "إذا لم نشعر بما يعانيه بنو جلدتنا لا خير فينا، وأن تقديم يد العون للنازحين هو أقل واجب، إذ إنه ما نقص مال من صدقة".
ورأى الظفيري أن هدف الحملة في جمع المبلغ المطلوب هو "سهل المنال ويجب أن لا يتردد أي عربي من المحيط إلى الخليج في دعم مثل هذه الحملات والمساهمة بالحد الأدنى فيها".
بداية المشاريع
نجاح الحملة كبالون اختبار في طريق رفع المعاناة عن النازحين السوريين في مخيمات الشمال المحرر، فتح الباب أمام جعل حملة "حتى آخر خيمة" نموذجا ينهي واقع الخيام.
وفي هذا الإطار، قال المدير التنفيذي لفريق ملهم التطوعي عاطف نعنوع، "إن ما قبل حملة حتى آخر خيمة ليس كما بعدها تماما على مستوى العمل الإغاثي".
وأضاف نعنوع خلال تصريحات تلفزيونية في 27 يناير 2022، "نحن أشخاص نتحدى المجتمع الدولي كفريق ملهم التطوعي، إذ أن المنظمات الدولية تمنع أن يجرى إنشاء بيوت سكنية إسمنتية، لأن ذلك بنظرهم يعتبر تغييرا ديموغرافيا".
لكنهم لم يتذكروا أنهم وقعوا اتفاقيات معنية بحماية الشعوب، كانت عبارة عن طرف ثالث في عمليات التهجير للسوريين، وفق قوله.
ومضى يقول: "نحن لا نقبل أن يبقى السوري الذي يمتلك أرضا وعقارات هو بعيد عنها في مخيمات في ظل الثلج والبرد شتاء وارتفاع الحرارة صيفا، وأن نقول له يجب عليك أن تصبر لعقود ريثما تحل المشكلة هذا عيب".
كما أعلن نعنوع عبر صفحته الشخصية، بداية جديدة من العمل الإغاثي في سوريا موضحا بالقول: "بدون أدنى شك، نحن نمر بمرحلة مخاض كبيرة، زيادة الوعي حول المنظمات غير الحكومية أمر عظيم".
وتدخل المساعدات الإنسانية إلى الشمال الخارج عن سيطرة رئيس النظام بشار الأسد عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا والواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثة خمسة ملايين نازح سوري منهم أكثر من مليون ونصف مليون شخص في المخيمات.
ووفقا لفريق "منسقو الاستجابة المدنية"، فإن عدد المخيمات سواء العشوائية أو النظامية في الشمال السوري، على الشكل التالي:
"أعداد المخيمات الكلي في محافظة إدلب، ومناطق درع الفرات، غصن الزيتون بريف حلب، يبلغ 1,489، بينما عدد جميع أفرادها: 1,512,764".
وتتضمن مخيمات عشوائية يبلغ عددها 452، بينما يبلغ عدد أفرادها: 233,671.
تحويلها لظاهرة
ويرى منسق فريق "منسقو الاستجابة المدنية" في الشمال السوري، محمد حلاج، أن حملة "حتى آخر خيمة" لها "إيجابيات كثيرة كونها تنتشل 500 عائلة من مصاعب كبيرة تحدث في مخيمات النازحين من حرائق وعوامل جوية وأمراض".
وأضاف لـ "الاستقلال"، أن "هذه الخطوة تحتاج لتوسيع بشكل أكبر إذ يوجد 400 ألف عائلة موجودة، ما يعني أن الحملة خدمت 0,125 بالمئة من إجمالي القاطنين في المخيمات".
وأوضح حلاج أنه "على مدى كل السنوات السابقة وتحديدا منذ عام 2012 زاد عدد المخيمات بشكل كبير في الشمال السوري، والسكان فيها".
وبالتالي كان من الأفضل أن نتجه سابقا إلى مثل هذه المشاريع، بدل العمل على أخرى في داخل المخيمات كتعبيد الطرقات والمياه والصرف الصحي والصرف المطري.
وأردف: "(لو حدث ذلك) لكان 65 إلى 70 بالمئة من القاطنين في المخيمات خرجوا منها وباتوا في مساكن حاليا"، وفق قوله.
ولفت حلاج إلى أن "المنطقة حاليا تعاني الأمرين وليس فيها أدنى مقومات العيش خاصة داخل المخيمات العشوائية، التي تعاني نقصا بالخدمات في دورات المياه على سبيل المثال".
كما أن التبرعات التي تجمعها المنظمات الدولية هي للاستجابة المؤقتة فقط، فيما حرص فريق ملهم على العمل على مشروع دائم ينتشل هؤلاء من المعاناة التي تحل بهم كل شتاء.
ويجمع القائمون على العمل الإغاثي والإنساني في سوريا، بأن الأمم المتحدة قادرة عبر المنظمات العاملة في دمشق والمدعومة منها أن تخفف الكثير من المعاناة والصعوبات التي تمر بها المخيمات خاصة في الشتاء ولكن هناك خلل ما يعطل هذا التدخل.
في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الأكاديمي خالد تركاوي، أنه "بعد تحقيق الحملة في جمع المبلغ المطلوب ونقل الناس إلى منازل سكنية، ولكي تغذو حملة "حتى آخر خيمة" نموذجا، يجب أن تصبح القضية ظاهرة وتعمل عليها بقية المؤسسات الإغاثية والإنسانية إلى أن يجري تحقيق الهدف".
وأوضح تركاوي لـ "الاستقلال"، أن "النموذج يقصد به عادة أن لديك (قطعة) تقول هذه هي التي نبيعها وعلى أساسها تبدأ التصنيع والتكثيف، وفي العمل الإغاثي النموذج يجب أن يكون قابلا للتقليد والآخرون قادرون على نقله واستنساخه وهذا ما قصدت أنه لم يحصل بعد".
الحل السياسي
خطوة الحملة التي باركها الجميع كونها بداية في تحقيق حملات أخرى، يرى كثير من المراقبين أن لها خاصرة رخوة تتمثل بتهديد النظام لها كبقية المناطق السورية الخارجة عن سيطرته.
وهذا ما يشير إليه الخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي بقوله: "إن معاناة أهالي مخيمات الشمال لا تنتهي بحملة إغاثية واحدة ولا بعشرات الحملات رغم أن ما فعله فريق ملهم هي جهود طيبة".
وأرجع استمرار المعاناة إلى أن "قصف النظام السوري وحلفائه على هذه المناطق مستمر ولن يتوقف، مهما جرى بناء مخيمات سكنية بحملات إغاثية لأن ذلك لا يعني توقف التهجير وتدمير البنية التحتية".
وأضاف لـ "الاستقلال": "مهما كانت حملات التبرع الطيبة قائمة، فإن تهديد النظام السوري ما يزال موجودا، إذ يمكن بغارة واحدة أن تزال كل المباني التي بنيت بالمبالغ التي جمعت".
واستدرك قائلا: "لو أن هناك صفقة سياسية تعرف فيها تركيا أن هذه الأرض (جزء من حل سياسي) وستكون هي مسؤولة عنها وأنها آمنة تماما، ببساطة جدا يمكنها أن تبني وحدات سكنية بشكل فوري".
وأردف قائلا: "إذ أنه يمكن بناء 300 ألف وحدة سكنية خلال سنة واحدة تأوي كل هؤلاء النازحين في الشمال، لكن المشكلة حاليا في غياب الصفقة السياسية".
ورأى أن "مناطق النفوذ رغم وجودها عسكريا فإنها لم تحدد بشكل نهائي ولذلك لا يوجد أمان من القصف".
وزاد بالقول: "كل شتاء هناك حملات إغاثية والناس تموت من البرد، وفي الصيف تشتد الحرارة، وقسم من الناس يتضور جوعا، وبالتالي المأساة مستمرة منذ عقد كامل".
وفكرة فريق "ملهم" التطوعي، انبثقت في عام 2012 عن مجموعة من طلبة الجامعة السوريين، الذين استشعروا ألم ومعاناة اللاجئين في دول الجوار ولمسوا جراحهم.
ووصل عددهم بعد خمس سنوات إلى 180 متطوعا ومتطوعة انتشروا في مختلف أرجاء العالم، ومقر المنظمة في تركيا وألمانيا، ولها فرع في كل من الأردن والسويد وكندا.
وجاء اسم الفريق من "ملهم فائز طريفي"، وهو شاب سوري ولد عام 1986 في مدينة جبلة بريف اللاذقية وانخرط في العمل الثوري، واعتقله النظام وأودع السجن في 14 مايو/أيار 2011 وتلقى شتى أنواع التعذيب، قبل أن يطلق سراحه في 4 يونيو/حزيران من العام نفسه.
وعقب ذلك هرب إلى الأردن ثم منها غادر إلى السعودية، ليقرر العودة للقتال إلى جانب المعارضة ويقتل في معارك ريف اللاذقية في 10 يونيو 2012.