احتفاء المصريين بموت انقلابيين.. لماذا أفزع الأذرع الإعلامية للسيسي؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار موت الإعلامي المصري وائل الإبراشي في 9 يناير/ كانون الثاني 2022 متأثرا بمضاعفات فيروس كورونا حالة جدل كبيرة، لم تختلف كثيرا عن حياته التي مر جلها في تراشقات مستمرة، حيث عمت مواقع التواصل الاجتماعي منشورات غلب عليها الفرحة والاتعاظ بمآله. 

الحفاوة الشديدة بوفاته جعلت كتيبة الإعلاميين التابعين للنظام المصري في حالة قلق من أن يتعرضوا للمصير نفسه، لدرجة أن الذراع الأشهر للسيسي "عمرو أديب"، كشف عن ذلك صراحة عبر برنامجه، وطلب من جماهيره الوقوف معه.

وخلف الوضع تساؤلات عن أسباب هذه الخصومات في أكثر المواضع رهبة وقدسية، ما أرجعه البعض لحجم المظلومية الضخمة التي عاشتها مصر بعد الانقلاب العسكري عام 2013، ومسؤولية الإعلاميين فيما حدث، بدرجة لا تقل عما ارتكبته الأجهزة الأمنية والعسكرية. 

فزعة أديب 

في 15 يناير 2022 ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالجدل وتتابعت المنشورات تعليقا على حلقة الإعلامي المصري عمرو أديب، بعد أن ترجى متابعيه ألا يشمتوا في موته ولا يتركوا "الكلاب تنهش لحمه" على حد وصفه. 

وأثار أديب المعروف بولائه وقربه من رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي الجدل، إثر ما أظهره من خوف وفزع من الشماتة في موته. 

وهو ما تسبب في موجة انتقاد وسخرية بسبب تصريحاته الصدامية التي تلت موت زميله الإبراشي، خشية أن يلقى نفس المصير. 

وقال أديب في برنامجه "الحكاية" على قناة "إم بي سي مصر": "وصيتي لما أموت عايز الناس تقف جنبي ضد هؤلاء الأندال، لا تتركوهم ينهشوا ويقطعوا في".

وأضاف: "أنا لو شعرت أن الناس مش (لن) تقف بجانبي لما أموت، يبقى بلاها شغلانة (لا داعي للعمل)". 

وتعليقا على ذلك، غرد الإعلامي المصري بقناة الجزيرة القطرية أحمد منصور، قائلا: "أقول لعمرو أديب إن الذي سيقف بجوارك حينما تموت ليس الناس، وإنما عملك أنا شخصيا خصيمك في الدنيا وأمام الله يوم القيامة، بنهشك في لحمي وعرضي بشتائم نابية وافتراءات كاذبة، وهي جرائم مسجلة يعاقب عليها القانون ستصحبك إلى قبرك".

من جانبه، أشار الباحث المصري سمير الوسيمي، عبر تويتر أن عمرو أديب شاغل نفسه بالناس والدنيا وما سيقال عليه بعد موته، بينما ما يحتاج أن يشغل نفسه به أكتر هو الموت نفسه وما بعد الموت.

كما ذكرت الناشطة السياسية آية حجازي أن هذا ليس وقت "اذكروا محاسن موتاكم"، ‏فهؤلاء ليسوا موتانا (...) لا يجب أن ننسى ما عملوه في الشعب الأعزل، لازم نتذكر".

حوادث مماثلة

لم يكن وائل الإبراشي وحده عرضة لتلك الجدلية عقب وفاته بل سبقته شخصيات إعلامية وأخرى سياسية كانت رهن الظهور الإعلامي إبان الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، مثل المستشارة تهاني الجبالي، التي توفيت قبل الإبراشي بليلة واحدة. 

وأثارت الجبالي، التي شغلت سابقا منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، جدلا واسعا في المنصات الرقمية المصرية، ارتكزت في الأساس حول موضوع الترحم وشماتة البعض. 

واشتهرت الجبالي بالتحريض المستمر ضد الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، ودعت إلى إسقاطه، وساهمت في الانقلاب عليه، والتحريض على المتظاهرين المدنيين الذين عارضوا ذلك، إلى أن فضت قوات الأمن احتجاجاتهم، مخلفة عددا كبيرا من الضحايا. 

وفي تعليقه على موت الجبالي، كتب أحمد عبدالعزيز، عضو الفريق الرئاسي للرئيس محمد مرسي: "هلكت تهاني الجبالي بعد طول فساد وإفساد في الأرض، فاللهم احشرها مع عتاة المفسدين، إذ لم تترك شيئا يمكن للظالمين إلا وصنعته".

وأشار الناشط المصري أحمد البقري إلى أن الجبالي كانت ألد أعداء ثورة يناير، واستخدمها العسكر لمحاربة الثورة من خلال الأحكام التي أصدرتها، وكانت سببا فيما وصلت له مصر الآن.

وقال: "اليوم ترحل بدون ألقاب أو أوسمة فقط ستجد عملها في انتظارها.. اللهم عاملها بعدلك لا برحمتك".

موت مجاهد 

وفي 12 سبتمبر/ أيلول 2020، رحل الإعلامي والرياضي المصري عزمي مجاهد، متأثرا بفيروس كورونا، وأثارت وفاته شماتة الكثيرين، الذين هاجموا مسيرته وعقدوا له محاكمة شعبية، بسبب دفاعه الأعمى عن السيسي، وتحريضه الدائم على قتل معارضيه، بل خاض في الأعراض كثيرا.

ودأب مجاهد على التحريض على العنف والقتل واعتقال الخصوم السياسيين، خاصة أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما خاض في أعراض معارضي الانقلاب العسكري، وقذف المحصنات بتهم باطلة. 

أما "دفاتر العزاء" التي أقامتها بعض الصحف الرسمية حينئذ مثل "اليوم السابع، والمصري اليوم" لرثاء مجاهد تحولت إلى انتقادات وهجوم على شخصه ومواقفه السياسية، وولائه للسيسي، الذي قال عنه النشطاء: "لن ينفعه اليوم أمام الله".

وهي الحالة التي أصبحت قائمة مع وفاة كل شخصية ساهمت في التحريض على المذابح التي ارتكبت خلال الأعوام الماضية، وساهمت في الانتهاكات التي ارتكبتها سلطات السيسي. 

خطاب الكراهية 

ولم تنجم حالة الغضب والكراهية الموجهة لتلك الشخصيات حتى في أوقات الموت، من فراغ، بل نتيجة خطاب إعلامي ساهم في انقسام المجتمع ونشر الحنق بين فئاته. 

فالإبراشي كان مخضرما وصاحب تاريخ إعلامي، وضمن كتيبة إعلاميين محرضين على الفض الدموي لاعتصامات رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/ آب 2013، حيث أريقت دماء مئات المصريين في ساعات معدودة. 

وبعدها بعام في الذكرى السنوية لما جرى، قال الإبراشي، إن "يوم فض اعتصام أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي بميدان رابعة، هو يوم استعادة الدولة هيبتها".

وطالب السيسي وقتها بجعل يوم فض اعتصام رابعة، يوما احتفاليا، على حد قوله، وجرت تسمية الإبراشي ضمن الأذرع الإعلامية المحرضة على إراقة الدماء في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر عن المذبحة المروعة في رابعة.

أما عمرو أديب الذي يخشى مصير الإبراشي، فإنه لم يكن أقل شراسة منهم في التحريض ونشر الكراهية، حيث تورط أديب في التحريض على دماء المدنيين والمتظاهرين العزل، من خلال برنامجه "القاهرة اليوم" على شبكة "أوربت"، حيث حشد بقوة ليوم "التفويض".

ودعا المصريين من منابر مختلفة، إلى النزول للشارع في 26 يوليو/تموز 2013، لتفويض وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، للتعامل مع معارضي الانقلاب السلميين على أنهم "إرهاب"، وهو ما ترتب عليه سقوط عدد كبير من القتلى في فض اعتصامي رابعة والنهضة.

 

أسباب الشماتة 

ويعتبر الباحث الإعلامي المصري طارق محمد التعليقات السلبية على وائل الإبراشي عقب وفاته، تنطبق مع المادة الإعلامية الاستفزازية التي كان يقدمها خلال حياته. 

ويقول لـ"الاستقلال": "سبب الشماتة الأساسي يرجع إلى أن المصريين لم ينسوا بعد فترة الانقلاب العسكري وانتهاك الحريات وأعداد الضحايا الكبيرة، ومن مازالوا في السجون، وقد لعب الإعلام التابع للنظام الدور الأبرز في الوصول لتلك الحالة".

 ويتابع: "وكان الإبراشي أحد أهم الركائز الإعلامية التي اعتمد عليها الانقلاب، وساهم بصوته وتحريضه في قتل كثير من المصريين، وإعلاميو تلك المرحلة أدينوا من قبل تقارير حقوقية دولية على خلفية المادة التحفيزية التي قدموها ورسخت الانقسام المجتمعي وحالة الكراهية". 

"وائل الإبراشي نفسه طالب بأن يكون يوم فض اعتصام رابعة العدوية عيدا للدولة، وهو اليوم الذي سقط فيه مئات الضحايا في ساعات معدودة، كأسوأ حدث في تاريخ مصر الحديث، لم يراع الضحايا ولا الأهالي، فلماذا الآن يطلبون التعاطف مع مصابه أو التعامل معه كشخص عادي"، يضيف محمد.

ويؤكد الباحث الإعلامي أن "هذا خلط في غير محله، حتى المجتمعات العصرية في مختلف دول العالم، تعاملت مع دعاة النازية بإقصائية شديدة وحاسبتهم، وأصدرت أحكام وصلت إلى الإعدام على بعضهم، ومن انتحروا للتخلص من هذا العار مثل كبير دعاة النازية يوزف غوبلز، لم يرحمه التاريخ".

ويستدرك: "لأن الجماهير هم العامل الأكثر ذكاء ولا يمكن خداعهم على مر الزمن، قد يخدع جزء في فترة، لكن الزمن يكشف الكثير من التفاصيل والحقيقة، وهو ما حدث مع شخص مثل الإبراشي، ومن قبله تهاني الجبالي وعزمي مجاهد وغيرهم". 

مستريح ومستراح منه

على الناحية الدينية، قال أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد أبو زيد، لـ"الاستقلال" إن "الإسلام دين لا ينفصل عن الحياة وذات الإنسان بل يضبطهما إلى المسار الصحيح، ومن الطبيعي أن الشخصيات العامة تكون محل جدل في حياتها وموتها". 

وأضاف: "كان التعامل مع وفاة الإبراشي أمرا طبيعيا لرجل كان يخاطب الناس عبر وسائل الإعلام لسنوات طويلة، واليوم يحصد نتاج ما قدم إن كان خيرا أو شرا".

وأوضح أن ما حدث ينطبق مع ما روي عن حديث مالك بن أنس الذي قال إن "رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه، فقالوا يا رسول الله من المستريح والمستراح منه فقال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)". 

واستطرد أبو زيد: "وفي حديث آخر أكثر تطابقا مع الواقعة، وهو عن أنس بن مالك يقول (مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت، فقال عمر بن الخطاب  ما وجبت، قال هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض)". 

وبشأن مقولة "لا شماتة في الموت"، قال أستاذ الشريعة الإسلامية إن الموت سنة الله على جميع خلقه، ولا فرار منه، وفرح العباد لموت طاغية أو ظالم كان يكيل لهم الأذى والقهر أمر طبيعي ومن سنن الفطرة.

 و"إذا خصصنا إلى إعلامي مثل الإبراشي، كان يحرض صراحة على قتل الناس، والاحتفال بيوم موتهم، فمن الطبيعي أن يفرح من حرض عليهم لموته بعد أن ظلمهم"، وفق أبو زيد.

واختتم حديثه قائلا: "انطلاقا من تلك الواقعة، لابد لكل إعلامي أن يعلم أن يوم موته بداية حصاد عمله، فإذا كان مخلصا لله وأدى ما عليه من عمل، فسيكون خيرا، والعكس صحيح، ووقتها لن ينفع مال ولا بنون ولا سلطان".