إجراء مباحثات أم "سيناريو توريث".. لماذا زار نجل السيسي إسرائيل سرا؟
على غير المعتاد في مثل هذه الزيارات ذات الطابع السري، خصوصا لمسؤولي المخابرات، سرب الصحفي والباحث الإسرائيلي، إيدي كوهين، خبر وصول "محمود" نجل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى تل أبيب، في 16 يناير/كانون الثاني 2022.
مجرد تسريب نبأ الزيارة من الجانب الإسرائيلي له دلالات حسب خبراء، ربما منها استهداف الكيان إثبات دعمه للأنظمة العربية علنا، خصوصا السيسي، والذي وصفه المحلل العبري، تسفي برائيل، في صحيفة "هآرتس" عقب الانقلاب وتحديدا في 13 أغسطس/آب 2014 بأنه "شقيق لإسرائيل!".
أو رسالة إلى قادة الجيش المصري المناوئين المحتملين للسيسي، بأن تل أبيب التي تعتبر نفسها "وكيلة البيت الأبيض" الأميركي في المنطقة تقف وراءه، في ضوء أحاديث عن أزمة داخلية مشتعلة بين "السيسي وقيادات عسكرية وأجنحة داخل النظام".
تأكيد الزيارة
ما ذكره كوهين عن زيارة محمود السيسي إلى تل أبيب، أكده الصحفي، عضو المنظمة الصهيونية العالمية، مهدي مجيد، والذي يفتخر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، بصداقته له، على حسابه على "تويتر".
عاجل
— إيدي كوهين אדי כהן ���� (@EdyCohen) January 16, 2022
وصول نجل الرئيس عبد الفتاح السيسي محمود السيسي الى إسرائيل .
"مجيد" كتب تغريدة أقر فيها أن كشف كوهين زيارة نجل السيسي لإسرائيل، أزعج حكومة نفتالي بينيت فاستدعته، دون تفاصيل عن سبب الاستدعاء والانزعاج.
لكنه أكد في تغريدة لاحقة خبر الزيارة، ونقل عن "مصدر من وزارة الخارجية الإسرائيلية" قوله إن هدف زيارة نجل السيسي هو "مطالبة المخابرات بالمساعدة في اعتقال قيادات الإخوان وناشطيهم في أوربا وأميركا، بعد عودة تزايد شعبيتهم في مصر".
��خاص..مصدر من وزارة الخارجية الإسرائيلية:
— ���� مهدي مجيد (@mahdimgeed) January 16, 2022
أحد المحاور التي تباحث فيها محمود السيسي نجل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع المخابرات الإسرائيلية في زيارته اليوم إلى تل ابيب ان تساعدهم إسرائيل في إعتقال قيادات الاخوان وناشطيهم في اوربا وأمريكا،وذلك بعد عودة شعبية الاخوان في مصر.
وكان ملفتا نشر صحيفة تسمى "يديعوت أحرونوت الخليج" لأنشطة يهود البحرين، أيضا نبأ وصول نجل السيسي لإسرائيل، موضحة أنه تناول "ملف التعاون الأمني في سيناء وتبادل المعلومات وشراء أجهزة تكنولوجية وبرمجيات مطورة".
زيارة اللواء محمود السيسي إلى إسرائيل تناولت ملف التعاون الأمني في شبه جزيرة سيناء على وجه الخصوص والتبادل المعلوماتي وايضا شراء أجهزة تكنولوجية وبرمجيات مطورة كل الاحترام
— يديعوت أحرونوت الخليج (@YediotAhronotBH) January 16, 2022
وسبق أن اعترف السيسي عدة مرات بالتعاون مع إسرائيل في سيناء، والسماح لها بضرب "أهداف إرهابية" هناك، ما يتعارض مع سيادة مصر.
وفي برنامج "60Minutes" على قناة "CBS" الأميركية في 6 يناير/كانون الثاني 2019، أقر السيسي بسماحه لإسرائيل بقصف سيناء وقتل مدنيين وخرق السيادة المصرية.
كما كشف معمل "سيزين لاب" الكندي في ديسمبر/كانون الأول 2021، شراء مصر برمجيات تجسس من إسرائيل للتجسس على معارضي النظام.
لكن الملفت هو وصف حساب "يديعوت أحرونوت الخليج" نجل السيسي، وهو يرحب بـ"زيارته الميمونة"، أنه "سيادة اللواء محمود عبد الفتاح السيسي وكيل المخابرات العامة في جمهورية مصر".
سيادة اللواء محمود عبدالفتاح السيسي وكيل المخابرات العامة في جمهورية مصر ���� الشقيقة زيارتكم الميمونة أرض إسرائيل ���� محل تقدير واعتزاز لدينا حللتم أهلًا ووطئتم سهلًا
— يديعوت أحرونوت الخليج (@YediotAhronotBH) January 16, 2022
هذا التوصيف دفع مؤيدين للسيسي للتشكيك فيما نشرته الصحيفة، زاعمين أنه بما أن مقر الصحيفة مملكة البحرين، فهي بالتالي تابعة لإيران.
لكن مؤيدين آخرين للسيسي في مصر والخليج، لم ينفوا الزيارة، لكنهم صححوا للصحفي كوهين (أول من نشر الخبر)، رتبة "محمود" العسكرية مؤكدين أنه "عقيد" لا "لواء".
وقالوا له إنه لم يذهب إلى إسرائيل بصفة "نجل رئيس الجمهورية" وإنما بصفة "رجل دولة ووكيل المخابرات العامة".
"كعبة الحكام"
توقيت زيارة نجل السيسي السرية يطرح عدة تساؤلات، فهي جاءت بالتزامن مع الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي يبدي السيسي في كل مرة تقترب فيها رعبه منها، ويحذر المصريين من التظاهر ويخوفهم من تزايد الفقر، ويصف الشعب بأنه "مش لاقي يأكل"، وبالتالي "لا يحتاج الديمقراطية الآن".
وتتزامن ذكرى الثورة مع تصاعد الغضب الشعبي لتدهور الاقتصاد واستمرار سياسات هدم البيوت، ورفع الأسعار، والقمع والاحتقان السياسي، حتى أن هاشتاغ #ارحل_يا_سيسي استمر لأول مرة قرابة أسبوع متصدرا الترند المصري.
كما تزامنت الزيارة مع أحاديث متداولة في مصر عن أزمة داخلية مشتعلة مع قيادات عسكرية وأجنحة داخل الدولة، دفعت السيسي الشهور الماضية، لإجراء عدة تغييرات بين قيادات الجيش، وإصدار قانون يقلص بقاءهم في مناصبهم من أربعة أعوام لعامين فقط.
ومن ثم، احتمال أن يكون هدف الزيارة الحصول على دعم إقليمي في مواجهة خصوم السيسي أو مناوئيه الداخليين.
وهو ما يطرح التساؤل، هل صارت إسرائيل هي الصديق والحليف و"كعبة الحكام" والساعين للحكم في العالم العربي، ومركز القوة الإقليمي الذي يدير سياسات المنطقة العربية بعدما كانت هي "العدو"؟
وهل أصبحت تل أبيب هي عاصمة للدول العربية أو مصدر سياسات المنطقة؟
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أشار تقرير لـ"الاستقلال" حول "تغييرات السيسي لرؤساء الجيش المصري"، أن ما يجري "صراع مكتوم"، وأن تغيير رئيس أركان حرب الجيش قد يكون مرده وجود صراع بين السيسي والمؤسسة العسكرية و"تدوير" القيادات لضمان عدم استقرارها.
زيارة حفتر
جاءت زيارة نجل السيسي بعد ساعات من زيارة الانقلابي الليبي، خليفة حفتر، وذلك للمرة الثانية خلال أقل من 3 أشهر من زيارة نجل حفتر لها.
هيئة البث الإسرائيلية "مكان"، ومراسل الشؤون العسكرية لقناة "كان 11" الرسمية، إيتاي بلومنتال، أكدا وصول طائرة حفتر لإسرائيل في 13 يناير/كانون الثاني 2022.
1. מטוס המנהלים (P4-RMA) בשימוש הגנרל הלובי ח'ליפה חפתר נחת אתמול בישראל לאחר "עצירה דיפלומטית" בקפריסין. לאחר שעתיים על הקרקע המטוס המריא בחזרה לקפריסין ��������@kaisos1987 pic.twitter.com/q4At2mpSGJ
— איתי בלומנטל Itay Blumental (@ItayBlumental) January 14, 2022
خبير مصري في الشؤون الليبية توقع أن "تكون هناك علاقة بين زيارة نجل حفتر أو حفتر لإسرائيل ثم زيارة نجل السيسي، بالتزامن مع دخول ليبيا ثقبا أسود مع فشل الانتخابات الرئاسية والنيابية واحتمالات عودة الحرب".
الخبير، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ"الاستقلال" إن محمود السيسي بات ذراع مدير المخابرات الأول في الجهاز، عباس كامل".
ويتولى محمود عدة ملفات، أغلبها يدور حول الإرهاب وجماعة الإخوان، ويلعب نفس دور ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد فيما يخص محاربة جماعة الإخوان المسلمين في أي دولة بتفويض من أبيه، ومنها ليبيا.
أكد هذا الباحث الإسرائيلي رامي عزيز، الذي نقل عن "مصادر عالية الموثوقية وعلى اطلاع"، أن نجل السيسي "كان في إسرائيل كضامن لحفتر، من أجل حصول حفتر على دعم إسرائيلي وأسلحة متطورة".
من مصادر عالية الموثوقية وعلى إطلاع، الجنرال #محمودالسيسي (نجل الرئيس السيسي)، كان في إسرائيل كضامن للمشير #خليفة_حفتر، من أجل حصول حفتر علي دعم إسرائيلي وأسلحة متطورة.#مصر #إسرائيل #ليبيا
— Dr. Ramy Aziz رامي عزيز (@Ramy_Aziz1) January 16, 2022
توريث عسكري
تبدو الزيارة كأن لها علاقة بملف التوريث الذي شغل مصر قبل "ثورة يناير" وتسبب في خلع الرئيس السابق حسني مبارك (1981-2011)، لكنه "توريث عسكري" هذه المرة.
الزيارة أشبه باستعدادات توريث الرئيس السابق مبارك لنجله جمال، عبر إرساله في عدة زيارات إلى أميركا ودول أخرى قبل "ثورة يناير" بغية صقله لخلافته، وسبق أن أرسل السيسي "محمود" لأميركا مع مدير المخابرات السابق خالد فوزي عام 2018.
الزيارة إذن تبدو كمحاولة لإسناد ملفات إقليمية ودولية، خصوصا العلاقات مع إسرائيل، لنجل السيسي على غرار ما كان يفعل رئيس المخابرات الراحل عمر سليمان، كما يراها مصدر دبلوماسي مصري سابق.
المصدر الذي تحدث لـ"الاستقلال" أوضح أن "السيسي سعى لإبعاد كبار رجال المخابرات العامة السابقين في عهد عمر سليمان، عبر سلسلة إقالات متتالية، بالتزامن مع تعيين نجله محمود في الجهاز.
وأوضح أن "محمود يسعى، بدعم من والده، للعب أدوار في السياسة الخارجية غير واضحة، لكنها ربما بدأت تتضح بزيارته إسرائيل، وقد يسند له تولي ملف العلاقات ذات الطابع الحميمي مع إسرائيل".
ولفت إلى أن "مبارك لم يجد من يختاره نائبا له في أيامه الأخيرة سوى عمر سليمان الذي كان يدير العلاقات والملفات الحساسة مع إسرائيل وأميركا، ويبدو أن السيسي الذي يدرك ذلك يرغب في تولي ابنه هذه الملفات، ربما لتوريثه الحكم لاحقا".
وأشار تقرير لموقع "إفريقيا ريبورت" نشر في 19 ديسمبر/كانون الأول 2020 أن "محمود مثل أبيه، ومقطوع من نفس قماش والده، ويسعى لإعداده لتولي مقاليد الأمور".
وذكر أن السيسي أرسل ابنه من قبل مع رئيس المخابرات السابق فوزي إلى واشنطن للقاء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ووقتها حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" في يناير/كانون الثاني 2018 من أن "محمود" قد يلعب دورا مهما مستقبلا.
من جانبها، نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصدر دبلوماسي مصري (لم تسمه) في 16 يناير/كانون الثاني 2022 قوله إن هدف الزيارة "التباحث حول التعاون الاستخباراتي الإسرائيلي المصري".
واعتبر أن "الدفع بنجل السيسي والاستعانة به في الزيارات الخارجية المهمة الحساسة يكشف عن رغبة السيسي في تسويق ابنه محمود دوليا من البوابة الإسرائيلية".
وسبق أن أشارت صحيفة "التايمز" البريطانية في 15 أبريل/نيسان 2019 إلى "سيناريو التوريث" حين أكدت أن "السيسي وظف أبناءه الثلاثة بمناصب عسكرية ومدنية مرموقة لمساعدته في البقاء بمنصبه حتى 2030، مع تعزيز قبضته على السلطة وتوريثها".
كما نشرت صحيفة "إسبريسو" الإيطالية في 7 يوليو/تموز 2016، تقريرا قالت فيه إن السيسي يسعى لتوريث السلطة لأبنائه بـ"غرزهم" في المناصب الأكثر حساسية، على غرار عائلة الأميركي جون كينيدي "لكن ديكتاتوريا لا ديمقراطيا".
أيضا ذكر مركز أبحاث عبري مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، 29 يناير/كانون الثاني 2017، أن "السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا".
وأشار "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" إلى أن تعيين السيسي نجله محمود بمنصب كبير في المخابرات جعله "الرجل القوي" في الجهاز الذي يشارك في الدائرة الحاكمة الضيقة الحاكمة بين أوثق مقربي السيسي.
وفي 30 يونيو/حزيران 2020، نشر موقع "القاهرة 24" الأمني المقرب من النظام، معلومات لتجميل محمود، ونفي سيطرته على المخابرات، بعدما أشيع عن ترقيته وتعيينه نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، وصعوده للتوريث.
وزعم أن نجل السيسي "تم استدعاؤه لقلب المعركة الضخمة القائمة بين السيسي، وخصومه من جماعة الإخوان المسلمين، والماكينة الدعائية المنتشرة لهم"، بغرض تشويه سمعة أبيه عن طريقه، عقب مظاهرات سبتمبر/أيلول 2019.
ونقل الموقع عن وكيل سابق بجهاز المخابرات (لم تسمه) أن محمود برتبة "مقدم" كما هو حال أبناء دفعته، في الجهاز ولم يتم ترقيته لرتبة عميد ولم يشغل منصب نائب رئيس الجهاز، وللجهاز نائب رئيس واحد فقط هو اللواء ناصر فهمي.
وتحدث عن دور محمود في سيناء وجلوسه مع مشايخ سيناء وشبابهم "ما وفر له شعبية جارفة بين الأجيال المختلفة من قيادات القبائل، حتى أضحى هو كلمة السر في المشهد".
وأشار إلى أن "محمود" عمل في ملف النشاط الخارجي، وتحديدا مقاومة التجسس، والأنشطة الخارجية حتى قامت "ثوة 25 يناير" فكان أحد الضباط المسؤولين عن تأمين ميدان التحرير، وارتبط بعلاقات مع مجموعة النشطاء والثوريين تحت اسم مستعار.
وفي أواخر 2011 ومع بداية عمل أول برلمان منتخب فاز فيه "الإخوان" بأغلبية المقاعد عقب الثورة، انتقل محمود من ملف النشاط الخارجي، ومقاومة التجسس إلى ملف النشاط الداخلي، وتحديدا مقاومة الإرهاب في سيناء.
وكان أحد الضباط المكلفين من جهاز المخابرات العامة وقتها، برئاسة اللواء مراد موافي للتحقيق في حادث مذبحة رفح الأولى، خلال حكم الرئيس محمد مرسي، بحسب موقع "القاهرة 24".