بعد تسويات درعا.. ما أوراق القوة في يد "اللواء الثامن" السوري أمام روسيا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يواجه "اللواء الثامن" السوري الذي انخرط ضمن مليشيا الفيلق الخامس الروسي، ضغوطا أكثر من أي وقت مضى من موسكو والنظام السوري تهدد وجوده.

ويعد اللواء هو الفصيل العسكري المتبقي في درعا الذي يعكر حاليا اللذة الكاملة للنظام السوري، بعد نجاح الأخير في فرض تسويات على المدنيين والمقاتلين خضعت بموجبها كامل المحافظة له.

وشكل القيادي البارز أحمد العودة "اللواء الثامن"، وهو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة، عقب توقيع اتفاق التسوية مع روسيا بمحافظة درعا في يوليو/ تموز 2018.

لكن عقب إخضاع أحياء "درعا البلد" المحاذية للحدود الأردنية لتسوية جديدة أواخر أغسطس/آب 2021 بعد اتفاق مع الأهالي تحت تهديد التهجير، دخل قسم كبير من عناصر اللواء في تسويات شملت كل المعارضين للنظام السوري في المحافظة.

زعزعة الهيكلة

ومنذ ذلك الحين يُمارس على "اللواء الثامن" ضغوط بهدف زعزعة هيكلته وفق خطة مرسومة من أجهزة المخابرات السورية، التي بدا أن اللواء ما يزال يقطع الطريق أمام تنفيذها.

وجديد ذلك، حدوث تغيير في سياسة القيادة الروسية تجاه اللواء الثامن في معقل وجوده في المحافظة بمدينة بصرى الشام شرقي درعا.

وأبرزها المطالبة بقبوله بإنشاء معسكر لهم في البادية السورية، يكون مركز انطلاق لعناصرهم بهدف المشاركة في معارك عسكرية قادمة ضد تنظيم الدولة تتحضر لها روسيا ومليشياتها.

ووفقا لمصادر محلية لـ"الاستقلال" فإن رواتب "اللواء الثامن"، منقطعة منذ أكثر من ثمانية شهور، وذلك نتيجة تعنت اللواء في الاستجابة لمطالب الروس.

وبحسب موقع "تجمع أحرار حوران"، المعارض، فإن الضغوط الروسية دفعت مئات من عناصر "اللواء الثامن"، وقادة الدرجة الثانية فيه إلى الهروب خارج البلاد.

لاسيما بعد سحب البساط بشكل جزئي من اللواء وخسارته جزءا كبيرا من سلطته على المنطقة، وخوفا من اعتقالات قد تنالهم في المستقبل من قبل مخابرات الأسد التي باتت تقبض على درعا بيد من حديد كونها مهد الثورة السورية التي اندلعت في مارس/ آذار 2011.

كما أن عدم الحماية الكافية لعناصر "اللواء الثامن" في الآونة الأخيرة وانقطاع الدعم تدريجيا عنهم، إضافة إلى تحويل التبعية المباشرة إلى شعبة المخابرات العسكرية "265" في السويداء؛ دفعت عددا من العناصر يتراوح بين 100 إلى 150 عنصرا للانسحاب من اللواء، ومغادرتهم سوريا، وفق "أحرار حوران".

وأبلغت روسيا في 10 يناير/كانون الثاني 2022 قيادة "اللواء الثامن" بقرب إغلاق "معسكر سلمى" الذي يتدرب به مقاتلو اللواء في ريف محافظة اللاذقية، وتوزيع نقاط عسكرية دائمة له في البادية السورية للبدء بمعركة ضد تنظيم الدولة هناك، الأمر الذي واجهته قيادة اللواء بالرفض.

تحجيم اللواء

وحاليا باتت الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرة "اللواء الثامن" تتجه للأسوأ، إذ بات التخوف حاضرا من شن المخابرات الجوية عمليات أمنية وتنفيذ حملات اعتقالات فيها، خاصة أن بعضها لم تخضع لعمليات التسوية التي أجرتها اللجنة الأمنية أخيرا في عموم محافظة درعا.

وقاد مدير مخابرات النظام السوري اللواء حسام لوقا منذ مطلع سبتمبر/أيلول 2021 عبر اللجنة الأمنية التابعة للنظام التي يرأسها أيضا، حملة جمع فيها سلاح المقاتلين السابقين في صفوف المعارضة، وأدخل الجميع ضمن "قوائم التسوية"، باستثناء بعض العناصر.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت كثير من المؤشرات تظهر نية موسكو جعل أجهزة مخابرات الأسد تتحكم بـ "اللواء".

ومنها رد مشاكل عناصر "اللواء" ومراجعتها والبت فيها من قبل شعبة المخابرات العسكرية "265"، وليس في مقر اللواء في بصرى الشام كما هو معمول به سابقا، كما أوقفت روسيا المنح المالية المخصصة له.

ويؤكد الناشط الميداني إبراهيم المحمد لـ"الاستقلال"، أن "انقطاع الرواتب الشهرية عن اللواء بسبب رفضه الذهاب إلى البادية السورية لقتال تنظيم الدولة، وخاصة مع وجود حشد روسي لمختلف مليشياتها في تدمر لشن معركة ضد التنظيم".

وأضاف المحمد أن "قادة اللواء وعناصره يرفضون بشكل تام الذهاب إلى معارك البادية السورية، لكونهم يعتبرونها محرقة ولديهم حساسية من القتال إلى جانب إيران ومليشياتها وحزب الله اللبناني".

وما تزال روسيا وإيران تنظران إلى وجود مجاميع من تنظيم الدولة تعطل مصالحها شرقي سوريا، بعدما استطاع التنظيم منذ أن تمدد مطلع 2014 في البلاد، أن يجعل البادية موطنا لخلاياه، وتمركز فيها بشكل دائم عقب هزيمته على يد قوات النظام السوري أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.

ونجح تنظيم الدولة آنذاك في تقسيم البادية إلى قطاعات من أجل ضمان بقاء مجموعاته، التي زادت عقب إعلان الولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديموقراطية "قسد" القضاء على التنظيم بشكل نهائي بمحافظة دير الزور في مارس/ آذار 2019.

واعتبر المحمد أن "اللواء الثامن ليس كما كان عليه سابقا، لكن روسيا لا يمكنها التخلي عنه، مقابل إدراك اللواء أن العقوبة الوحيدة في هذا التوقيت تتمثل بقطع الرواتب التي لن تعيدها موسكو حتى تنفيذ طلباتها".

قوة العلاقات

ولفت الناشط الميداني إلى أن "اللواء الثامن يرتكز حاليا على علاقات قائده أحمد العودة وصهره رجل الأعمال خالد المحاميد المقيم في الإمارات".

وخاصة أن هدف اللواء الذي يسعى إلى تحقيقه بدعم من مموليه، أن يتمدد في درعا، وهذا مشروع طرحوه على الروس مقابل عدم جر اللواء إلى أي معارك خارج المحافظة وقوبل بالرفض الروسي".

ورأى المحمد أن "اللواء الثامن لديه فقط هامش كموظف لدى روسيا ومن خلال هذا الإطار يناور حتى لو تعرض لمضايقات لكنها لن توصل إلى تخلي موسكو عنه".

ما يعني أن اللواء يمكن هذه المرة أن يرسل من باب المسايسة لروسيا مجموعات صغيرة كمشاركة فقط وليس تمثيل قوة عدة وعتاد كالحال مع الفيلق الخامس التابع لموسكو".

وتشكل "الفيلق الخامس" بأوامر روسية أواخر 2016 أي بعد عام تقريبا من تدخلها في سوريا ليصبح الفيلق الهجين الذي يضم مدنيين وعسكريين، قوة عسكرية رديفة ساعدت نظام بشار الأسد على استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

وفي عام 2018 تحول "الفيلق الخامس" إلى أشبه بـ"جيش خاص" لروسيا وذراعها في سوريا.

ويبلغ عدد عناصر "اللواء الثامن" نحو 2000 مقاتل، وكانوا يتقاضون رواتب من روسيا تبلغ كمتوسط 200 دولار شهريا قبل توقفها.

أما من انشق عن اللواء وانضم إلى مخابرات الأسد، أصبح اعتبارا من أكتوبر/تشرين الأول 2021، يتلقى مبلغا أقصاه 490 ألف ليرة سورية (125 دولارا) لثلاث فئات منهم وهم (المتطوعون والاحتياط وصف الضباط).

ويرى مراقبون أن صرف هذه الرواتب من مخابرات الأسد هي مؤقتة، ولا تعدو كونها خطوة لجذب بقية عناصر اللواء، لأنها تفوق رواتب ضباط النظام السوري التي تتراوح بين 72 دولارا لضباط الدرجة الأولى، و43 دولارا للضباط الأقل رتبة.

المحرقة الأخيرة

ويرى المحلل العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب أنه بعد "اتفاق التسوية الأخير في درعا وفقدان اللواء أدنى مقومات الرفض فإن أغلبية عناصره سوف تقبل بهذا الأمر ولا أعتقد أن لديهم مفرا من الذهاب إلى بادية تدمر وما حولها وإلا سوف يكون مصيرهم الاعتقال أو الاغتيال".

ويضيف العقيد أيوب لـ"الاستقلال" أن "اللواء الثامن لم يعد لديه أوراق قوة بل تحول إلى سلعة بيد الروسي وهو حاليا ليس لديه أي خيار إما البقاء مع الروس أو انتظار دورهم بالاغتيال والتصفية".

وتؤكد مصادر محلية أن موسكو تسعى لدمج "اللواء الثامن" مبدئيا ضمن المخابرات العسكرية؛ بهدف مسانداتها في عمليات المداهمة والتفتيش على منازل الأهالي لكونهم من أبناء المحافظة ويشكل وجودهم تخفيفا للتوتر مستقبلا ومنع حدوث عمليات انتقام من قبل عناصر المخابرات.

لكن الخبير العسكري له وجهة نظر حول هذه النقطة، ويقول: "حتى لو جرى دمج اللواء الثامن مع قوات النظام السوري فلن يختلف مصيرهم لدى نظام الأسد، بحيث يسهل على النظام اعتقالهم أو إعدامهم فمن سياسة النظام القتل بطريق الاغتيال لكل من عمل ضده".

وأردف: "وخير دليل على ذلك حالات الاغتيال اليومية التي نراها في درعا في الوقت الراهن عقب التسويات والمصالحات".

ومنذ نهاية شهر أغسطس/آب 2021 لم تتوقف أجهزة النظام الأمنية عن ممارساتها وخاصة عمليات الاعتقال خارج نطاق القانون في درعا.

كما لم تسهم عملية التسوية الجديدة في وضع أي حد أو تخفيف من الانفلات الأمني في المحافظة، الذي وصل إلى نحو مئتي عملية اغتيال عقب التسوية نالت مقاتلين سابقين بينهم عناصر من اللواء ومعارضين آخرين كانوا في أجسام مدنية.

وذهب العقيد أيوب للقول: "أعتقد أن اللواء الثامن عقب المصالحة أخيرا خسر الغطاء الدولي، وستكون عناصره رهن المطالب الروسية وربما يكون ذلك لهم أفضل من الاندماج مع النظام السوري".

ويتفق أيوب مع أن درعا أصبحت ملفا روسيا ضمن تقسيمات الملفات السورية، ولهذا فإن الأردن لم تعد تكترث "للواء الثامن" كما كان سابقا رغم دخول وخروج العودة إلى العاصمة عمان والسفر منها لدول أخرى مثل روسيا.

ولهذا يقول العقيد: إن "المحرقة الأخيرة للواء الثامن ستكون في جبال البلعاس المتصلة بالبادية السورية والتدمرية".

وظهر أحمد العودة في 25 نوفمبر 2021 وهو يتجول في العاصمة الروسية موسكو، إذ نشرت حسابات مقربة منه صورا له من روسيا إحداها داخل مطار وأخرى في شارع وسط تساقط الثلوج.

واعتبر حينها أن القيادي المقرب من روسيا ذهب بعد غيابه عن واجهة الأحداث في محافظة درعا، لترتيب صفقة جديدة تتعلق بـ "اللواء الثامن"، وقيل إنه يحمل خطة تحافظ على كيان مقاتليه.