آبي أحمد يطلق سراح قيادات معارضة في تيغراي.. هل ينهي الحرب الأهلية المستعرة؟

سليمان حيدر | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

فاجأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الجميع بالعفو عن 37 شخصية معارضة أثناء الاحتفالات التي رافقت أعياد الميلاد في 7 يناير/كانون الثاني 2022. 

تسببت عمليات الإفراج التي أعلن عنها آبي أحمد في حدوث انقسام كبير بين الإثيوبيين أكثر من أي وقت مضى مع مرور 14 شهرا على بدء الصراع بين الجيش وقوات جبهة تحرير تيغراي شمالي البلاد. 

ويجادل رئيس الوزراء بأن الهدف من القرار المشاركة في جهد "المصالحة الوطنية" لإنهاء الحرب الأهلية التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. 

تأتي هذه الإجراءات استمرارا للمصالحة الوطنية التي أعلن عنها آبي أحمد نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021 وصدق عليها البرلمان.

انقلاب وانقسامات

صحيفة لوموند الفرنسية وصفت الخطوة بالانقلاب السياسي ومحاولة لإعادة رسم خريطة التوازنات السياسية بعد أن تخلص من التهديدات العسكرية التي شكلها تمرد جبهة تيغراي على سلطته. 

وأشارت الصحيفة في 10 يناير 2022 إلى أن الشخصيات التي أفرج عنها آبي أحمد تنتمي إلى ثلاثة أحزاب تقع في أطراف الطيف السياسي الإثيوبي. 

لكن الأكثر إثارة هو وجود ستة كوادر من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي يصنفها البرلمان الفيدرالي منظمة إرهابية بين المفرج عنهم. 

أبرزهم "سبحات نيغا" الأب الروحي لجبهة تحرير تيغراي، وأباي وولدو، وأبادي زيمو، ومولو جيبريغزيابير، وكيروس هاجوس، وجميعهم اعتقلوا أواخر عام 2020 عندما استولت القوات الحكومية على معظم منطقة الإقليم.

بالإضافة إلى إطلاق سراح كل من جوهر محمد، أحد قادة مؤتمر أورومو الفيدرالي، وإسكندر نيغا، مؤسس حزب بالديراس المعارض الذي اعتقل في يوليو/تموز 2020 مع شخصيات معارضة أخرى.

الباحث المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، عبدالقادر علي اعتبر أن إطلاق سراح المعتقلين جاء وفق تفاهم معين بينهم وبين السلطة الموجودة ووفق رؤية جديدة مرتبطة بالحرب وتطوراتها وتداعياتها بعد 14 شهرا من الحرب. 

وأضاف علي لـ"الاستقلال" أن "عملية المصالحة ما زالت في بدايتها، فنحن نشهد إرهاصات هذه المصالحة وإن تمت فهذا أمر يتعلق بالعديد والكثير من العوامل الداخلية والخارجية".

لكن العديد من المتابعين يشككون في قدرة رئيس الوزراء الإثيوبي على رأب الصدع وإنهاء الصراع مع جبهة تيغراي.

ويتفق "علي" مع هذا الرأي بالنظر إلى عمق الخلاف بين الطرفين وبالنظر إلى الحرب التي اشتعلت في البلاد لما يزيد عن 14 شهرا وآثارها العميقة اجتماعيا وسياسيا.

تؤثر الأزمة أيضا على بنية الدولة الإثيوبية والاصطفافات داخل الدولة بالإضافة إلى العوامل الإقليمية والخارجية، كما يقول الباحث. 

كما أكد أن تأثير هذا القرار سيعتمد على مجموعة من العوامل والسياقات الداخلية والخارجية. 

ففي السياق المحلي عبر "علي" عن اعتقاده بأن آبي أحمد يحاول أن يرتب البيت الداخلي ولا سيما "الأورومي" الذي ينتمي له -ويمثل أكبر القوميات الإثيوبية بنسبة 45 بالمئة من الشعب الإثيوبي-.

ويهدف من ذلك ضمان أن تقف تلك القومية إلى جانبه في حال تغيرت موازين القوى داخل معسكره فيما يتعلق بالأمهرية وغيرهم. 

وفي السياق الدولي أشار إلى أن الخطوة تأتي بالتزامن مع تعيين مبعوث أميركي جديد ومقاربة مختلفة متوقعة بالشأن الإثيوبي، وأن تقديم هذه الخطوة يمكن اعتبارها بادرة حسن نية لاكتساب نوع من المصداقية بإطلاق هذا النوع من التسوية برعاية أو بضغط دولي. 

تشير المعطيات إلى أن القرار تسبب في وقوع انقسامات داخل جميع الأطراف مما يزيد تعقيدات إنجاز المصالحة التي دعا إليها رئيس الوزراء الإثيوبي.

وحظي آبي أحمد بتحالف ودعم كبير من قادة أمهرة في قتاله ضد الجبهة واشتبك جنودها ومقاتلوها مع قوات تيغراي وسط خلافات تاريخية وإقليمية بين الإقليمين.

وتصف سلطات أمهرة التي كانت حتى هذا الإعلان أقرب حلفاء آبي أحمد، الحملة ضد جبهة تيغراي بأنها نضال من أجل بقاء شعب الأمهرة، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية. 

وقال الباحث عبد القادر محمد علي، إن أحد الأسباب وراء الشعور بالضرر من القرار في إقليم أمهرة هو أنه يعد مؤشرا على نوع من إعادة التوازن داخل معسكر آبي أحمد وربما هذا القرار يؤشر إلى رغبة من رئيس الوزراء في فتح باب الحوار والوساطة. 

كما أشار "علي" إلى أن هذا القرار مرفوض أيضا من التيغراي بسبب الخلافات الداخلية مع بعض هؤلاء القادة المفرج عنهم ووجود عداوات عميقة معهم "فلذلك هي ترفض هذا الإفراج".

فيما أكد الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية، حالي يحيى أن الشارع السياسي الإثيوبي انقسم ما بين رافض ومؤيد للخطوة يعتبرها مهمة في تعبيد طريق السلام والتوافق والمصالحة الوطنية الشاملة. 

وقال في حديثه لـ "الاستقلال": "ربما هذه المرة سيكون هناك خطوة لإشراك المطلق سراحهم من قيادات جبهة تيغراي في الحوار الوطني". 

واعتبر يحيى أن مثل "هذه الخطوة من الممكن أن تحدث انقساما داخل الجبهة نفسها التي تجد معارضة قوية من شعب تيغراي بعد الحرب الأخيرة".

ورغم إطلاق سراح إسكندر نيغا رئيس حزب "بالديراس للديمقراطية الحقيقية" المعارض ضمن المفرج عنهم فإن الحزب انتقد وجود ستة من قيادات جبهة تيغراي ضمن القرار، ووصفه بأنه انتهاك لسيادة القانون، وعدم احترام من الحكومة للشعب. 

وطالب الحزب في بيان في 13 يناير 2022 الحكومة الفيدرالية بالقضاء على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي قال إنها لا تزال في موقف عسكري يمكن أن يتحدى وحدة البلاد.

وقدم حزب بالديراس توصيات قال فيها إنهم سيساعدون في مشاورات وطنية تدعو إلى شراكة وطنية يقودها أصحاب المصلحة.

وشدد الحزب على أن تكون المشاورات شفافة وذات مصداقية وخالية من تأثير الحزب الحاكم، ويدعى إليها المجتمع الدولي بصفة مراقب عليها. 

معوقات كبيرة

على الرغم من ترحيبه الحذر بالتطورات الأخيرة فإن ويليام دافيسون كبير محللي إثيوبيا في مجموعة الأزمات الدولية "كرايسس جروب"، اعتبر في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية في 12 يناير أن العقبة الأخرى أمام السلام هي وجود جيش كبير لدى جبهة تيغراي. 

وقال دافيسون إن هذه القوة الكبيرة التي ربما يصل قوامها إلى مئات الآلاف جرى بناؤها لإدراك التيغرانيين أنهم يواجهون تهديدا وجوديا. 

وأشار إلى أن هذه القوة تمثل أيضا من وجهة نظر أديس أبابا تهديدا وجوديا للحكومة وحلفائها في أمهرة وإريتريا.

ويرى الباحث عبدالقادر محمد علي أن الأمر لن يخلو من المعوقات حتى داخل معسكر آبي أحمد ومعيقات أخرى داخل معسكر الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وأيضا معيقات إقليمية. 

وعبر علي عن اعتقاده بأن آبي أحمد يراهن على عدد من العوامل أحدها الدعم الدولي والخارجي لعملية المصالحة والتسوية بين الطرفين، ووصولهما إلى نتيجة مفادها أنه يكاد يكون من المستحيل أن يصل كل منهما إلى ما يريد بالقوة العسكرية.

وأشار الكاتب حالي يحيى إلى أن الخلاف السياسي بين الحكومة وجبهة تيغراي لن ينتهي في الزمن القريب في ظل الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بإطالة أمد الحرب ومحاولات الأطراف الدولية والإقليمية لرأب الصدع، وسط احتجاجات الشارع السياسي بضرورة محاكمة من تسببوا في الحرب من قيادات الجبهة. 

وقال "علي" إن "تجربة سنة من الحرب أثبتت أن الجيش الإثيوبي استطاع الانتصار في المرحلة الأولى وكسر العمود الفقري لقوات تيغراي.

واستدرك: "لكن في المرحلة الثانية شهدنا انقلاب الموازين ومع ذلك لم تستطع الجبهة الشعبية إسقاط آبي أحمد والدخول إلى أديس أبابا وبالتالي هناك نوع من الإدراك الآن أنه لا يمكن لأحد الطرفين القضاء على الآخر". 

كما عبر الباحث عن وجود رغبة يراهن عليها رئيس الوزراء وهي محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه داخل إقليم تيغراي الذي تعرض لتدمير كبير بفعل الحرب والمعارك العنيفة التي دارت على أرضه والخسائر الكبيرة التي تعرض لها سواء على مستوى العمران والبنى التحتية أو الخسائر البشرية. 

وأكد علي أن آبي أحمد يراهن أيضا على الضغط الخارجي على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعد تقدم قواته ومحاصرته للإقليم مرة أخرى والعودة مرة أخرى إلى أوضاع الصيف الماضي. 

وبين أن الأشهر الماضية أثبتت للقوى المحلية والخارجية أن المراهنة على أحد الطرفين قد لا تؤدي بالنتيجة إلى نجاحه في القضاء على الطرف الآخر.

 وهو ما يهدد وحدة إثيوبيا وبقاءها وهذا ليس من مصلحة أحد من الأطراف الدولية والخارجية المهتمة والمنخرطة في الشأن الإثيوبي والمؤثرة فيه. 

وأضاف علي: "ربما مع بعض الاستثناءات لكن في النهاية سيكون الاعتماد على الأطراف الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وغيرها من أصحاب المصلحة الحقيقية في استمرار إثيوبيا كدولة واحدة.

وأكد يحيى أن النخب الإثيوبية ومؤيدي رئيس الوزراء يعولون على حنكته في إدارة الأزمات وعلى خلفيته الأكاديمية والأمنية والعسكرية.

وواصل: "بالرغم من الاعتراض الكبير الذي قوبل به القرار إلا أن خطوة الحكومة بإطلاق سراح معتقلين بارزين وبشكل مفاجئ وفي مناسبة أعياد الميلاد، لها عدة دلالات". 

منها، التأكيد علي أن الشعب الإثيوبي قادر على الدفاع عن سيادة البلاد، وأن ما تحقق من انتصار يجب أن يعقبه تسامح بين الفرقاء في محاولة لتضميد الجراح ونسيان ما مضى من حرب تضرر منها السكان بدرجة كبيرة، وأن المصالحة الوطنية تتطلب الكثير من التنازلات.

لكن الوضع في تيغراي مازال قاتما وغير واضح، في ظل استمرار الهجمات الحكومية على الإقليم والتي كان آخرها في 10 يناير 2022 وخلفت نحو 20 قتيلا. 

كما لم تدخل أي مساعدات إنسانية إلى المنطقة الواقعة أقصى شمال إثيوبيا منذ منتصف ديسمبر 2021 وفقا لمسؤولي الأمم المتحدة. 

وبعد مرور ثلاثة أيام على قرار آبي أحمد الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين أجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأميركي جو بايدن ناقش الطرفان خلاله سبل تسريع الحوار ووقف إطلاق النار عن طريق التفاوض والحاجة الملحة لتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى الأماكن المتضررة.

وأشاد بايدن بإطلاق سراح السجناء لكنه أعرب عن مخاوفه بشأن عمليات الاعتقال والضربات الجوية الأخيرة التي لا تزال تتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين، والمعاناة في ثاني أكبر دولة إفريقية.

وأيضا، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالإفراج عن السجناء ودعا إلى حوار وطني شامل وذي مصداقية وعملية مصالحة. 

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز في 12 يناير 2022 عن آدم أبيبي الخبير الإثيوبي في المعهد الدولي للديمقراطية قوله إنه شعر بالتوتر والأمل في نفس الوقت أكثر مما شعر به منذ فترة طويلة بعد هذا القرار.