رغم تصريحات "عنترية" للأنظمة.. لهذا تتمهل واشنطن في القبول بخط الغاز العربي

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم أن خط الغاز العربي جرى الترويج له إعلاميا، على أنه المنقذ الوحيد للبنان من أزمة الطاقة التي يعاني منها وأحدثت شللا باقتصاده، فإن العقبات القانونية لا تزال تعترض طريق تنفيذ المشروع.

ولعل أبرز تلك العقبات، انتظار الدول العربية الأطراف بالخط موافقة واشنطن؛ وضمان عدم تعرضها مستقبلا لأي عقوبات بذريعة انتهاك "قانون قيصر".

و"قانون قيصر" الأميركي أقره الكونغرس ودخل حيز التنفيذ منذ 17 يونيو/ حزيران 2020، وأُعد لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.

وعاد ملف خط الغاز العربي المعطل منذ 2011 للظهور مجددا بعد موافقة مبدئية من الولايات المتحدة في 19 أغسطس/آب 2021 على خطة لتزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأردن مرورا بسوريا.

واستهدفت الخطة إنقاذ لبنان من أزمة المحروقات الحادة، ونقص الوقود المخصص لتوليد الطاقة منذ يونيو/حزيران 2021، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده.

وفي مطلع سبتمبر/ أيلول 2021، اتفق وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر إضافة إلى النظام السوري، على "خارطة طريق" لإمداد لبنان بالكهرباء والغاز، لحل أزمة الطاقة.

لكن الخطة بقيت تدور في حلقة مفرغة، رغم مواصلة حكومات مصر والأردن ولبنان إضافة للنظام السوري التشاور لصيانة الخط وتشغيله من جديد.

غياب الموافقة

وكشف منسق فريق عمل متابعة قانون قيصر في الائتلاف السوري المعارض، عبد المجيد بركات، في تغريدة للائتلاف بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وأكد بركات أن الائتلاف حصل على تأكيدات من مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية بأن البيت الأبيض لم يمنح الموافقة النهائية على مشروع خط الغاز العربي.

أكد منسق فريق عمل متابعة قانون قيصر في الائتلاف الوطني السوري عبد المجيد بركات@Abdmajidbarakat، أن الائتلاف حصل على تأكيدات من المسؤولين في وزارة الخزانة بأن الإدارة الأميركية لم توافق على مشروع خط الغاز.

المزيد: https://t.co/cklTQPHdvu#سوريا #العقوبات_الإمريكية

— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) December 27, 2021

ولفت إلى أن وفد الائتلاف الذي زار الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2021، حصل على تأكيدات من المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة بأن الإدارة لم توافق على المشروع ولا يزال قيد الدراسة.

ومن المخطط أن يجري ضخ الغاز المصري عبر أنبوب ممتد من العريش إلى طابا في مصر، ومن ثم إلى العقبة، ومنها إلى الرحاب في الأردن، ومن هناك إلى حمص بسوريا، ثم دير عمار في لبنان.

ويعادل طول الخط 1200 كم وقدرته الاستيعابية تبلغ 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا.

وجرى الانتهاء من تنفيذ خط الغاز العربي في يوليو/تموز عام 2008، وبدأ تصدير الغاز إلى لبنان في ديسمبر 2009 إلى أن توقف عام 2011 بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.

ويأتي هذا التطور بعدما روج النظام السوري على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2021 لاضطرار الولايات المتحدة للقبول في دخوله على خط الغاز العربي.

واعتبر النظام ذلك انطلاقة لقطار التطبيع العربي معه، وإعادته للحضن العربي انطلاقا من دور سوريا "المحوري" في مشاريع عملاقة تعود بنفع اقتصادي على كثير من الدول العربية.

وفي هذا الإطار قال الخبير الاقتصادي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، إن "الرئيس الأميركي جو بايدن لا يستطيع بسهولة إعطاء استثناء من قانون قيصر".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن بايدن عليه أن يحصل على كل الوثائق والأدلة اللازمة لإقناع أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ بأن هذا الاستثناء ضروري لكون هناك مساءلة كل ثلاثة أشهر بما يتعلق بقانون قيصر.

إشكاليات معطلة

وأوضح القاضي أنه "قانونيا يصعب استصدار موافقات نهائية تدين الولايات المتحدة ورئيسها فيما بعد وحتى الدول التي تتعامل وتتجاوز قانون قيصر بأثر رجعي، وبالتالي لا يمكن أن تكتفي أية دولة باستثناء شفهي من بايدن وهذا الذي يؤخر عملية إنجاز مشروع الغاز العربي".

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "الحماس لدى الحكومة الأميركية ينبع من أن الغاز هو غاز من إسرائيل في الأساس ودول مصر والأردن ولبنان ستتورط فيه، بينما سوريا هي متورطة ولا يعنيها أي مسألة".

وتستقبل مصر نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الإسرائيلي عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، بناء على اتفاق لمدة 15 عاما لتوريد 85 مليار متر مكعب من الغاز قيمته نحو 19 مليار دولار.

ومضى القاضي بالقول: "وعليه فإن الدول العربية المذكورة ستحسب ألف حساب قبل إعادة بدء مشروع الغاز، لا سيما أن هناك إشكال أكبر وهو أن البنك الدولي هو من سيمول المشروع وسيحتاج إلى كل الوثائق والموافقات القانونية اللازمة".

وألمح إلى أن "مشروع الغاز العربي معقد لأن الوضع اللبناني أيضا معقد فمن الذي سيضمن لبيروت قرض آخر من البنك الدولي من أجل هذه المسألة، ومن الذي سيدفع عن لبنان الذي لا يستطيع دفع الاستحقاقات".

وأضاف رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا (استشارية/ مستقلة) أن "هذه الإشكاليات برمتها قد تؤخر أو تعطل أو تنهي مشروع خط الغاز العربي"، على حد تعبيره.

كما لفت القاضي إلى وجود عوامل أخرى يُتوقع أن تؤخر إنجاز خط الغاز العربي، إذ أنه في حال تأخر المشروع لنهاية عام 2022 وفاز الجمهوريون بأغلبية مجلس الشيوخ سيكون هناك عقبة كبيرة أمام بايدن، لأنه لو مر الاستثناء في الكونغرس قد لا يمر بمجلس الشيوخ وقد يعطل كل شيء ويتعرض حينها للمساءلة".

ورأى أن "المسألة كلها بحاجة إلى إعادة نظر لأنه سيكون هناك دائما مشكلات طالما النظام السوري يتعرض لقوانين العقوبات المفروضة عليه، وبالتالي فإن كل المشاريع لن تنفذ".

"تصريحات عنترية"

ومما يدلل على أن الحديث عن خط الغاز العربي مجرد "تصريحات عنترية" لا تزال في طور الاستهلاك الإعلامي لكل الدول المعنية به، هو تصريح وزير البترول في النظام المصري طارق الملا، حينما أكد في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن القاهرة تتوقع بدء تصدير من 60 مليون إلى 65 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا إلى لبنان بحلول عام 2022.

كما ذكر بيان للرئاسة اللبنانية في 29 ديسمبر 2021 إنه من المتوقع الانتهاء من إصلاحات بخط لنقل الغاز بنهاية فبراير/شباط 2022، ما سيسمح بوصول الغاز المصري إلى لبنان.

ونقل البيان عن وزير الطاقة اللبناني وليد فياض قوله: "مع حلول أواخر فبراير، من المفروض أن يكون قد جرى الانتهاء من إصلاح الخط في المرحلة الأولى، بما يسمح بوصول الغاز إلى دير عمار"، حسبما نقلت "رويترز".

لكن أيا من ذلك لم يحدث أولا لأن الخط يتطلب في بعض نقاطه لإصلاحات، وثانيا بدأت لهجة الخوف تظهر من الدول المعنية بالخط.

وعلى رأسها مصر التي أبدت خشيتها من قانون قيصر، إذ أكد الوزير الملا، أن بلاده لم تحصل بعد على الموافقة النهائية من الإدارة الأميركية لبدء ضخ الغاز إلى لبنان عبر الخط العربي.

وكشف الملا في تصريح صحفي بتاريخ 23 ديسمبر 2021، وجود ما سماها "مراسلات طيبة" مع واشنطن في هذا الصدد، مشيرا إلى أن "مصر ولبنان يدرسان مجموعة من الحلول المتعلقة بإصلاح قطاع الكهرباء".

ولفت الملا إلى أن "الاتفاق الغازي بين لبنان ومصر لن تقل مدته عن 10 سنوات"، مستدركا بالقول: "نتكلم حاليا مع الأطراف الدولية المعنية بهذا الملف حتى لا نقع في مفاجآت مستقبلا، ونحاول التأكد من عدم خرق قانون قيصر الأميركي".

وحول هذه الجزئية، اعتبر الكاتب والدبلوماسي السوري المنشق، بسام بربندي، في تصريح لـ"الاستقلال"، أن "المصريين كانوا أذكى وأكثر حذرا بالتعاطي مع موضوع خط الغاز العربي، لاسيما مع وجود قانون عقوبات، فلا يمكن تجاوز القانون إلا بقانون".

وأضاف بربندي أن "المصريين يقولون نحن دولة ولدينا بنوك ستكون عاملة بهذا المشروع طويل الأمد، وإذا لا يوجد هناك قانون يلغي القانون فأي تغيير بالإدارة الأميركية تجاه مصر سوف يعرضها مباشرة إلى عقوبات".

معاملة قانونية

وأوضح بربندي أن "مصر استشهدت بمعاملة الإدارة الأميركية مع العراق الذي تعطيه وضعا قانونيا يُجدد كل 90 يوما، يستطيع عبره تسديد مستحقات النفط التي يستوردها من إيران".

ولفت إلى أن "مصر تطالب بأن يجري التعامل معها بمعاملة قانونية وليس معاملة سياسية، لا سيما أن المصريين وحتى الأردنيين لم يحصلوا على أي شيء أو قانون واضح يحميهم".

كما أشار إلى أن "قانون قيصر وغيره من القوانين دائما فيه فقرة أخيرة تقول بأن الإدارة في حال وجود مصلحة أمن قومي للبلاد تستطيع وزارة العدل مع وزارة الخارجية إصدار إعفاء عن القانون ولكن إعفاء قانوني وليس إعفاء سياسي".

ولفت الدبلوماسي السوري إلى أنه "حاليا هناك رغبة أميركية حقيقية بمساعدة الأردن ولبنان ومصر على الأقل اقتصاديا، لكنه لا يوجد هناك رغبة أميركية في مساعدة النظام السوري".

واستدرك بالقول: "وبالتالي فإن موقف الإدارة الأميركية هو بأنها لن تسمح بخروقات لقانون قيصر يستفيد منها النظام السوري ماليا".

وسبق لوزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري، بسام طعمة، أن كشف عن جاهزية خط الغاز العربي داخل الأراضي السورية.

وبين في لقاء مع "قناة السورية" بتاريخ 14 ديسمبر 2021 أن "خط الغاز العربي داخل سوريا جاهز مئة بالمئة، والأمر متوقف على الاتفاق التجاري بين لبنان ومصر، ريثما يجري توقيع الاتفاق التجاري واتفاق الترانزيت مع سوريا باعتبارها دولة عبور لهذا الغاز".

وأشار طعمة إلى أنه كلما كانت الكمية المنقولة عبر هذا الخط أكبر كانت فائدة سوريا أكبر، حسب تعبيره.

وتبقى آمال لبنان معلقة على الموافقة النهائية الأميركية وضمان الأطراف الفاعلة بعدم تعرضها للعقوبات مستقبلا أو في حال تغيرت الإدارة الأميركية أو موقف الأخيرة من سياسة إحدى الدول المشاركة.

لا سيما أن وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، أكد في تصريح صحفي بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن اتفاقية استيراد الغاز من مصر ستسهم بحل مشكلة الكهرباء بلبنان.

وذلك عبر إضافة 450 ميغاواط إلى الشبكة ما سيؤدي إلى رفع التغذية إلى ما بين 8 و12 ساعة يوميا، وفق الوزير، فيما تعاني البلاد حاليا أزمة انقطاع بالكهرباء لأكثر من 20 ساعة في اليوم.