تضييق إقليمي.. لهذا تراجعت أميركا عن تسليم "إف 35" إلى تركيا والإمارات
قالت صحيفة "يني شفق" التركية إن "الحرب الباردة دفعت كلا من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والولايات المتحدة الأميركية إلى الدخول في سباق تسلح كبير، فتم تأسيس العديد من شركات الأسلحة في البلدين".
وأوضحت الصحيفة في مقال للكاتب محمد رقيب أوغلو أن "هذه الشركات نشطت في سياسة كل من الدولتين، ما جعل من بيع الأسلحة مسألة نقاش، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية للولايات المتحدة المعروفة بالديمقراطية".
تضييق إقليمي
وقال رقيب أوغلو: "لقد بدا واضحا من عدم بيع الولايات المتحدة صواريخ باتريوت لتركيا وإبعادها من برنامج طائرات إف 35، أن واشنطن بدأت تنتهج التضييق الإقليمي على تركيا، كسياسة دولة".
وأضاف أنه "بعد كل شيء، لم تضع الولايات التركية مخاوف تركيا المتعلقة بالأمن القومي في الاعتبار خلال عهد باراك أوباما الديمقراطي ودونالد ترامب الجمهوري، بل واتبعت سياسات أزعجت أنقرة".
وأوضح رقيب أوغلو ذلك بالقول: "رغم أن الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) منظمة إرهابية وترى في حزب الاتحاد الديمقراطي وحدات حماية الشعب أذرعا لها، إلا أنها لم تعلن هذه المنظمات كمنظمات إرهابية".
واستدرك: "بل وعلى العكس من ذلك، تقدم دعما ماليا وعسكريا وسياسيا كبيرا لهذه المنظمات للتضييق على تركيا، وإن كانت تقول أنها لمحاربة تنظيم الدولة".
ولفت الكاتب إلى أن "واشنطن حاولت أن تقيم دولة إرهابية في الشمال السوري ضد حليفتها الإستراتيجية أنقرة من خلال التذرع بالإرهاب، لكن تركيا قامت بتصفية المتسللين من القوات المسلحة بعد أن أفشلت محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز 2016، لتنفذ بعد ذلك عمليات عسكرية ضد المشروع الأميركي في إقامة دولة إرهابية شمالي سوريا".
وأردف رقيب أوغلو: "وبتقييم العلاقات من هذا المنظور، فقد دخلت علاقة التحالف بين أنقرة وواشنطن طريقا مسدودا وأصبحت معضلة معقدة؛ إذ استبعدت الولايات المتحدة تركيا من برنامج طائرات إف 35 الذي دفعت ثمنه بالفعل، بل وفوق ذلك شاركت في إنتاجه أيضا".
وعلى الناحية الأخرى، سرعت الولايات المتحدة خطوات أنقرة في "استقلال تركيا في مجال الصناعات الدفاعية، وكذلك في تطوير علاقاتها مع العديد من الفاعلين البديلين دون أن تدري، وذلك من خلال رفضها بيع صواريخ باتريوت لتركيا في وقت سابق"، يوضح الكاتب التركي.
ملف الإمارات
وأشار رقيب أوغلو إلى أن "الإمارات مرت بتجربة مشابهة، فقد قال ترامب، أحد أكبر داعمي التكتل السعودي الإماراتي، إنه سيقوم بالموافقة على بيع طائرات إف 35 إلى الإمارات مقابل تطبيعها مع إسرائيل، غير أن الصفقة لم تتم مع قدوم جو بايدن إلى الرئاسة، وكان للكونغرس دور أيضا في عدم إتمامها".
وأردف شارحا: "دخلت الإمارات حرب اليمن، وقامت بانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، ما دفع الكونغرس إلى معارضة بيع الأسلحة للسعودية والإمارات".
إضافة إلى ذلك، "عارضت إسرائيل من جانبها بيع طائرات إف 35، لما تملكه من قدرة على تغيير موازين القوة في الشرق الأوسط، إذ ينصب اهتمام تل أبيب على الحفاظ على هيمنتها العسكرية في المنطقة"، يقول رقيب أوغلو.
وتابع: "الحق أن هذا كشف أمرين، أولهما، أن التشكيل الصهيوني اخترق السياسة الأميركية بشكل كبير من خلال جماعات الضغط (اللوبيات)، ولطالما كان تأثير اللوبي الإسرائيلي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة محل نقاش وجدل"، بحسب الكاتب التركي.
واستطرد رقيب أوغلو: "فمثلا، تناول عالما السياسة الأميركيان المشهوران، ستيفن إم والت وجون جيه ميرشايمر، هذه المسألة في كتاب تحت عنوان مشابه، وهكذا لتكشف القضية التي كانت محل نقاش أمرا واضحا للعيان، وتثبت أن اللوبي الإسرائيلي أو اللوبي الصهيوني له تأثير كبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة".
وأضاف: "أما ثانيهما، فهي أن الإمارات لم تحصل على ما كانت تتوقعه مع أنها تخلت عن القضية الفلسطينية وطبعت علاقاتها مع إسرائيل، بعبارة أخرى، لم يأت التطبيع الإماراتي بطائرات إف 35 التي ترغب بها أبو ظبي، الأمر الذي دفعها للتقارب مع تركيا التي أثبتت قدرتها وتفوقها في مجال الصناعات الدفاعية".
وهكذا، أجرى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد زيارة إلى تركيا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعد انقطاع دام لـ10 سنوات، ويمكننا القول إن هذه الزيارة لم تكن بمعزل عن معادلات إف 35 وإسرائيل والولايات المتحدة".
"غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد أدى فشل الولايات المتحدة في إتمام صفقة الطائرات إلى تقارب أبو ظبي مع الصين"، بحسب ما يراه الكاتب التركي.
ورقة مساومة
واستطرد رقيب أوغلو: "كشفت تقارير إعلامية أن مسؤولين إماراتيين أبلغوا الولايات المتحدة رغبتهم في الانسحاب من برنامج إف 35 خلال الزيارة التي قاموا بها إلى البنتاغون".
وأوضح أنه "وفقا للإمارات، تفرض الولايات المتحدة قيودا كبيرة على التكنولوجيا خوفا من التجسس الصيني. وجدير بالإشارة هنا أن هذا يثبت مدى التأثير الصيني في الإمارات".
وتابع: "على الناحية الأخرى، يمكن اعتبار هذه الخطوة من الإمارات على أنها ورقة مساومة مع الولايات المتحدة التي بدأت تثور فيها التساؤلات القائلة بـ(لصالح من سنخسر الإمارات بعد خسارة تركيا لصالح روسيا!)".
وأضاف رقيب أوغلو أنه "تزامنا مع ذلك، ظهرت تقارير تفيد بأن الصين منخرطة في أعمال إنشاء قاعدة عسكرية سرية في الإمارات منذ فترة ليست بالقليلة، ورغم أن الاتفاقية الأصلية بين أبو ظبي وبكين تتعلق ببناء مؤسسة مدنية، إلا أن الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية، تظهر مدى حرص بكين على بناء قاعدة عسكرية في الإمارات".
وتابع: "ثم وفي نفس الفترة، قامت الإمارات بشراء 80 طائرة فرنسية، وبالنظر إلى كل هذا، من الملاحظ أن الولايات المتحدة تجبر الجهات الفاعلة مثل تركيا والإمارات على اتباع سياسة جديدة خارج ما تمليه علاقة التحالف المعروفة".
وختم الكاتب التركي مقاله محذرا: "وبينما من غير المعروف ما إذا كانت الولايات المتحدة تفعل هذا عمدا وقصدا، فإن هذا يوفر فرصة أمام كل من تركيا والإمارات إلى تقليل اعتمادها على واشنطن، لكن هذا يذكر أيضا بالمخاطر المحتملة لذلك كالعقوبات الأميركية".