يشاكس البحرين.. هكذا كشف حزب الله توظيفه مبدأ "تحييد لبنان" وفق مصالحه

12

طباعة

مشاركة

ما كاد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يهنأ بالاتصال الذي جرى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برعاية فرنسية، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، وتعويله عليه لإحداث خرق في جدار العلاقات المتوترة حتى عاجله حزب الله بتوجيه ضربة جديدة.

إذ رعى الحزب في 11 ديسمبر ونظم مؤتمرا صحفيا لجمعية "الوفاق" البحرينية المعارضة للنظام الحاكم، في أحد فنادق مدينة بيروت، وتولت بثه مباشرة على الهواء قناة العالم الإيرانية فقط، لتبقى العلاقات اللبنانية الخليجية المتوترة على حالها.

وتضمن المؤتمر الصحفي للجمعية التي تحظرها الحكومة البحرينية منذ عام 2016، بتهمة "عدم احترام القانون وتوفير بيئة حاضنة للإرهاب"، عرض تقرير حقوقي، يتحدث عما وصفته "الوفاق" بالانتهاكات التي تعرض لها البحرينيون، خلال الفترة الممتدة بين 2011 ومنتصف عام 2021.

وعقد المؤتمر بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وفور ذيوع الخبر، تلقت الحكومة اللبنانية سيلا هائلا من الانتقادات المحلية والعربية على حد سواء. 

وقدمت وزارة الخارجية البحرينية، في 12 ديسمبر احتجاجا شديد اللهجة إلى الحكومة اللبنانية، على هذه الاستضافة "غير المقبولة إطلاقا"، والتي اعتبرتها "انتهاكا صارخا لمبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يخالف المواثيق الدولية، وميثاق جامعة الدول العربية".

عندها قررت حكومة بيروت فتح تحقيق في الأمر، كما طلب وزير الداخلية بسام المولوي، من أجهزة الأمن "اتخاذ كل الإجراءات والتدابير لترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين إلى خارج لبنان".

وجاء القرار بالنظر إلى ما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية المذكورة من "إساءة إلى علاقات لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية".

في المقابل، اعتبر إعلام حزب الله قرارات الحكومة بمثابة انتهاك للحريات في بلد يقدس حرية الرأي والتعبير، وخضوعا لإملاءات الدول الخليجية. 

ونقلت جريدة الأخبار المحلية المقربة من حزب الله، عن عضو جمعية "الوفاق" يوسف الربيع في عددها الصادر في 24 ديسمبر أن المؤتمر الصحافي أعاد تذكير الحكومة البحرينية بأن الجمعية ليست مجرد مبنى تغلقه والسلام. 

حرية وقيود

تميز لبنان على مدار تاريخه المعاصر بحرصه الشديد على حرية الرأي والتعبير، واحتضانه للهاربين من عسف الأنظمة الديكتاتورية في غير بلد عربي، ولا سيما في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. 

لكنه لم يسبق له استقبال أي جماعة مناوئة للأنظمة الخليجية، والتي غالبا ما تفضل الاستقرار في إحدى مدن القارة الأوروبية. 

ولطالما كانت العلاقات اللبنانية الخليجية متميزة للغاية، ولم يحدث ما يعكر صفوها.

وقد تدهورت هذه العلاقات في السنوات الأخيرة على وقع الاتهامات التي وجهتها الرياض إلى حزب الله مباشرة، باستغلال مناخ الحريات في لبنان للإساءة إلى علاقاته الخارجية ولا سيما الخليجية.

وكان وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، قد كرر في أكثر من تصريح إعلامي أن هيمنة حزب الله على القرار السياسي، هي السبب الرئيس في تدهور العلاقات اللبنانية مع المملكة وسائر دول الخليج العربي.

وأكد على ذلك في حديث إلى وكالة "رويترز" البريطانية أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وانعكس هذا المسار المتدهور في العلاقات على الساحة الاقتصادية، حيث سارع المستثمرون الخليجيون إلى الانسحاب من السوق اللبنانية.

وهو ما ترك آثارا واضحة على الاقتصاد اللبناني الذي دخل في أزمة حادة، بسبب هروب الودائع واختلال الميزان التجاري، ما أدى إلى انهيار العملة الوطنية بشكل قياسي، في أزمة صنفها البنك الدولي منتصف العام 2021 على أنها إحدى أسوأ الأزمات في العصر الحديث. 

وزاد الطين بلة، تصريحات لوزير الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي انتقد فيها الحرب "العبثية" في اليمن.

وهذه التصريحات أطلقها قرداحي قبيل توليه مهامه الوزارية في أغسطس/آب 2021، لكنها لم تبث إلا بعد توليه الوزارة.

ويرى الصحفي اللبناني عبد الرحمن صلاح الدين، أنه بذلك صار موقف بلاده من الخليج في حالة إرباك كبير، ما دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع ديسمبر إلى العمل على تذليل العقبات، خلال زيارته إلى السعودية.

ويضيف في حديث لـ"الاستقلال" أن إجراءات الحكومة اللبنانية تجاه "الوفاق"، أتت متناغمة مع التعهدات التي قطعها رئيسها لولي العهد السعودي في الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما، على أنه لن يسمح بأن يكون لبنان منصة ضد الدول العربية بأي شكل من الأشكال.

وكان ماكرون وابن سلمان، أجريا اتصالا مشتركا برئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، تعهد خلاله الأخير بعدم التعرض للمملكة ودول الخليج.

من هنا سارعت الحكومة إلى محاولة احتواء ما حصل عبر عدد من الخطوات التي أقدمت عليها، من فتح تحقيق إلى قرار الترحيل.

 أضف أن جمعية "الوفاق" لم تتقدم إلى بيروت بطلب للحصول على إذن لإجراء المؤتمر الصحفي، حسبما تنص القوانين اللبنانية، ما سهل من مهمة الحكومة في حصر التداعيات.

بيد أن هذا الأمر لم يرق للإعلام الموالي لحزب الله، حيث شنت صحيفة "الأخبار" هجوما قاسيا على الحكومة ورئيسها، في غلاف عددها الصادر في 16 ديسمبر 2021، تحت عنوان "فرمان كم أفواه في خدمة دولة آل خليفة الفاشلة: ميقاتي يسعود لبنان". 

وقالت فيه أنه "بعد استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي بناء على أوامر سعودية، قرر رئيس الحكومة الامتثال لأمر سعودي جديد، أبلغه هذه المرة إليه النظام البحريني الفاشل، يقضي بطرد معارضين بحرينيين تجرؤوا على الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلادهم".

وأضافت: "ميقاتي قرر سعودة القرار اللبناني، من خلال الاكتفاء بتنفيذ فرمانات آل سعود، من دون أي اعتبار للسيادة الوطنية".

واعتبرت الصحيفة قرار الترحيل الصادر عن الحكومة خطيرا وتنازلا جديدا يتبرع به ميقاتي للسعودية، ومن هان في قضية قرداحي، سهلَ عليه الهوان في ملف الوفاق البحرينية.

وبالإضافة إلى الإعلام الموالي لحزب الله، ثمة عدد من الصحافيين اعتبروا قرار الترحيل إياه إساءة لحرية التعبير. 

واعتبر رئيس تحرير صحيفة "المدن" الإلكترونية ساطع نور الدين، في 16 ديسمبر أنه لولا الأزمة مع السعودية، وتداعياتها على العلاقات مع بقية دول الخليج، لما كان يمكن أن يمر الإجراء الرسمي اللبناني بترحيل معارضين بحرينيين من بيروت.

إساءات متعمدة

مقابل ذلك، لم يلتزم حزب الله في عين خصومه السياسيين بتطبيق بنود "إعلان بعبدا"، الموقع عام 2012 بين القوى السياسية اللبنانية، والذي ينص في البند رقم 12 على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة والصراعات الإقليمية.

والإعلان هو اتفاق لبناني داخلي، وقع لعدم جر الحرب السورية إلى الداخل اللبناني، وأودعت نسخة منه  في الأمم المتحدة.

كما أن دول الخليج تتهم حزب الله بالمسؤولية عن مواقف لبنانية رسمية أثارت الكثير من اللغط المحلي والانتقادات الخليجية، مثل الامتناع عن إدانة قصف شركة النفط السعودية "أرامكو" بطائرة مسيرة عام 2018.

وعلى الرغم من أن حزب الله أشار في بيان كتلته النيابية في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2021، إلى أهمية وضرورة تسوية العلاقات اللبنانية مع الدول، لا سيما منها الدول العربية الشقيقة، إلا أن ذلك لم يحل دون تنظيمه مؤتمرا صحافيا لجمعية "الوفاق" البحرينية.

في هذا السياق، كشف مقال نشر في موقع "أساس" ميديا، في 11 ديسمبر أن جمعية الوفاق البحرينية تلقت دعما ماليا وإعلاميا من حزب الله، الذي سهل لها تنظيم المؤتمر في بيروت، في محاولة لاستغلالها لتنفيذ أجنداته ومغالطاته بحق الدول الخليجية والعربية.

ويشير المقال إلى أن المؤتمر الصحفي للجمعية جرى عقده في فندق تعود ملكيته إلى مجموعة "عاشور القابضة" الشيعية المقربة من حزب الله. 

وينقل عن مصادر سياسية مطلعة أن هذا الحدث بمثابة إطلاق مسيرة مفخخة باتجاه مبادرة الرئيس الفرنسي لإصلاح العلاقات ما بين لبنان والخليج وتحديدا السعودية.

كما يورد معلومات حول جمعية الوفاق البحرينية، بالاستناد إلى وثيقة منشورة في موقع "ويكيليكس"، يعود تاريخها إلى عام 2008، ذكرت أن الموجه الأول للجمعية هو المرجع الشيعي البحريني عيسى قاسم. 

والأخير اتهمته الحكومة البحرينية بتقسيم المجتمع طائفيا وتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، وأسقطت الجنسية عنه عام 2016.

ويرى الصحفي اللبناني سامر زريق أن "حزب الله الذي يظهر في قضية جمعية الوفاق ومن قبلها استقالة قرداحي حريصا على حرية الرأي والتعبير، هو نفسه من تدخل أكثر من مرة لمنع دخول كتب وعرض أفلام لا تتفق مع أيديولوجيته".

ويقول في حديث لـ"الاستقلال": "تدخل الحزب عام 2010 لمنع عرض الفيلم الوثائقي الإيراني، الأيام الخضراء، الذي يتناول التظاهرات الاحتجاجية عقب الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2009، بعد أن سمحت السلطات اللبنانية بعرضه، وأعاد الكرة في عام 2011". 

ويضيف زريق: "كما أنه تدخل أيضا عام 2016 لمنع عرض فيلم سوري يتناول نظام بشار الأسد، وفيلم إيراني ثان بحجة المساس بدولة صديقة، وهي الحجة نفسها التي استخدمتها حكومة ميقاتي في إجراءاتها ضد جمعية الوفاق البحرينية".

وفي نفس السياق، ضغط حزب الله وحليفه "التيار الوطني الحر" التابع لرئيس الجمهورية الميشال عون على وزارة العدل لملاحقة الإعلامي اللبناني الشهير مارسيل غانم، بسبب استضافته صحافيين سعوديين تحدثوا عن التدخل الإيراني في لبنان واليمن وسوريا. 

وكاد يزج به في السجن، لولا حملة التضامن الشعبي والسياسي التي حظي بها.

بالمحصلة، نجحت الحكومة اللبنانية في احتواء الأزمة مع المنامة، لكنها في المقابل فشلت في إعادة الروح إلى العلاقات الثنائية، والتي يبدو أنها تحتاج إلى المزيد من الخطوات الحكومية.

وهو ما أشار إليه وزير خارجية البحرين، عبد اللطيف الزياني في كلمة ألقاها في "منتدى حوار المنامة للأمن القومي"، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حيث قال "إن حل الأزمة بين بيروت ودول الخليج يبدأ من داخل لبنان نفسه".

 وشدد على ضرورة "تغيير سلوك حزب الله"، مشيرا إلى أن الأمر "يمثل تحديا كبيرا للبنانيين حتى يراجعوا سياساتهم مع الحزب من أجل تحسين علاقات لبنان الخارجية، مع الدول الصديقة والشقيقة".