البداية من ألمانيا وهولندا.. لماذا تصعد أوروبا الانتقادات ضد نظام السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انتقادات حادة ومتصاعدة متبادلة بين ألمانيا ومصر، على أثر بيان للخارجية الألمانية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، طالب بشكل صريح بالإفراج عن قيادات منظمات حقوقية، منهم المحامي محمد الباقر، والناشط علاء عبدالفتاح. 

اعتبرت المنظومة الأمنية والإعلامية للنظام المصري أن البيان بمثابة تدخل سافر، وشنت حملة شديدة اللهجة على برلين، حيث قالت عن خطوتها إنها "تجاوز" غير مقبول. 

ولم تكن ألمانيا وحدها في الآونة الأخيرة على خط الصدام مع النظام المصري، بل سبقتها هولندا قبل أيام، بعد انتقادها الحالة الحقوقية المصرية، ووصفت الواقع المصري منذ 2013 أنه انقلاب عسكري. 

بيانات التوتر 

المثير للجدل والتساؤلات أن الخطوات المتقدمة لبعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وهولندا، جاءت بعد إعلان رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي إستراتيجية حقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول 2021.

وتوقعت القاهرة وقتها تخفيف الضغوطات الدولية عليها، لكن الوضع القائم يشير إلى إخفاق تلك السياسة برمتها. 

برلين أصدرت عبر وزارة خارجيتها بيانا قالت فيه إن "الحكومة الاتحادية تعتبر حكم المحكمة بمثابة إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر".

وطالبت بالإفراج عن الثلاثي محمد الباقر وعلاء عبدالفتاح، ومحمد إبراهيم، مشددة على أنه "لا يجوز معاقبة المحامين على ممارسة نشاطهم المهني".

وأضافت في بيانها أنه "من وجهة نظر الحكومة الاتحادية، فإن حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي ومشاركة جميع الأوساط الاجتماعية، والاستقرار المستدام".

لم يرق البيان شكلا ولا مضمونا للنظام المصري، وفي أقل من 24 ساعة، جاء الرد من وزارة الخارجية التي أصدرت بيانا مضادا شديد اللهجة عبرت فيه عن استيائها من برلين.

ورفضت التصريحات الصادرة عن الحكومة الاتحادية بشأن جلسة المحاكمة المرتقبة، مشيرة إلى أن "هذا الأسلوب ينطوي على تجاوزات غير مقبولة ويعد تدخلا سافرا وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري".

وأضاف البيان، أنه "من المستغرب أن تطلب الحكومة الألمانية احترام القانون، وتدعو في ذات الوقت إلى التدخل والتأثير على أحكام القضاء المصري الشامخ".

خيبة أمل

رغم البيانات والمطالبات الحقوقية بضرورة مراعاة ناشطي المجتمع المدني، لكن في 20 ديسمبر، حكم القضاء المصري بسجن المدون والناشط المصري علاء عبدالفتاح  خمس سنوات بعد إدانته بـ"نشر أخبار كاذبة".

كما حكمت على المدون محمد إبراهيم والمحامي محمد الباقر بالسجن أربع سنوات في نفس الاتهامات. وصدرت الأحكام عن محكمة استثنائية لا يجوز الطعن فيها. 

شكلت الأحكام صدمة للرأي العام المصري، وإحباطا دوليا، خاصة الدول التي وجهت رسائل إلى النظام المصري، تتعلق بضرورة مراعاة حقوق الإنسان مع أولئك الناشطين، وعلى رأسها ألمانيا.  

وتبعتها الولايات المتحدة التي أعلنت عبر وزارة خارجيتها، "أنها تشعر بخيبة أمل من الأحكام الصادرة عن محكمة مصرية ضد الناشط علاء عبدالفتاح".

وقالت "أوضحنا للجانب المصري أن علاقاتنا ستتحسن بالتقدم في مجال حقوق الإنسان".

ثم علق جو ستورك، مسؤول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية على الأمر بالقول إن "محاكمة الحقوقيين والمنتقدين السلميين في هذه المحاكم الخاصة لمعارضتهم السلمية هي ظلم فادح لأن سلطة الرئيس الواسعة على هذه المحاكم تقوض استقلاليتها وحيادها".

وتعاني مصر من وضعية حقوق إنسان متردية، ففي 12 أبريل/ نيسان 2021، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تقريرا أوردت فيه أن عدد السجون الأساسية في مصر بلغ 78 سجنا، وأن عدد المحبوسين احتياطيا والمحتجزين حتى مطلع ذات العام، وصل إلى 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين سياسي.

وأصدرت الخارجية الهولندية تقريرا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، يدين النظام المصري ويصفه بأنه انقلاب عسكري جاء بانتخابات غير ديمقراطية.

وذكرت أن الحكومة المصرية مذنبة، حيث قتلت 1150 متظاهرا في ميداني رابعة العدوية والنهضة.

وكان البياني الهولندي هو أعنف وأقسى المواقف الأوروبية التي تناولت الحالة الحقوقية المصرية في الآونة الأخيرة. 

قنابل موقوتة 

الحقوقي المصري مصطفى عز الدين، بين أن "منظمات المجتمع المدني الأوروبية نشطة للغاية في متابعة شؤون الدول ذات الاضطرابات الحقوقية والاقتصادية، خاصة ذات التأثير منها مثل مصر".

وبين لـ"الاستقلال" أن تلك المنظمات تقدم للحكومات والبرلمانات تقارير دورية عن الوضع، وطبيعة المحاكمات وتفصيلاتها، والشخصيات رهن المحاكمة، وأفكارها ونشاطها أيا كان.

هذا إضافة إلى ما تمتلكه الحكومات من وسائل استخبارات واستطلاع، تستطيع من خلاله معرفة الوضع وتقييمه، واتخاذ قرارات بناء عليه، وفق ما قال عز الدين.

وأضاف: "لذلك عندما أعلن السيسي إستراتيجيته لحقوق الإنسان، تغافل أنه قيد المتابعة، وأنه سيكون تحت دائرة الضوء أكثر".

وواصل: "نحن لا نعيش في عوالم منعزلة، قد تخدع ببيانات وخطابات مغلوطة، تخفي عشرات الآلاف من المعتقلين، الذين يعتبرون بمثابة قنبلة موقوتة، فضلا عن سجون سيئة السمعة مثل العقرب ووادي النطرون والواحات". 

وأورد: "هناك مئات القضايا المرفوعة ضد النظام وشخصيات بارزة منه في محكمة العدل الدولية، وفي كثير من المحاكم الأوروبية".

وهذه القضايا "تتحدث عن انتهاكات وتصفيات جسدية وقتل خارج إطار القانون، كلها تؤكد تردي الأوضاع، وأن البلاد تخضع لمنظومة أمنية غاية في القسوة".

وهو ما جرى اختباره في قضية الشاب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل عام 2016، والتي مثلت وكشفت للعالم ما يحدث في مصر، من قتل وتعذيب وتدليس في آن واحد.

لذلك فإن إستراتيجية السيسي الموهومة لم تنطل على أحد، وأخفقت في إبعاد نظر العالم الغربي عن جرائم نظامه، لأنهم يدركون جيدا أن شيئا لم يتغير. 

وأتبع: "لا ننسى أن النظام الجديد في ألمانيا، الذي جاء بعد الانتخابات الفيدرالية الألمانية، أفرز مجموعة جديدة على رأسها المستشار أولاف شولتس، صاحب الخلفية الاشتراكية، والذي يسعى إلى تعزيز الحقوق والحريات، ويهتم بحقوق الإنسان".

وما يقلق مصر بقوة، أن تتصدر ألمانيا قائدة أوروبا الموقف ضد السيسي مما قد يؤزم العلاقات بينه وبين الاتحاد الأوروبي.

وتابع: "ليس شولتس وحده، فالذي يرأس منصب وزير شؤون الخارجية، هي أنالينا بيربوك، المنتمية لحزب الخضر الألماني ذي الأيديولوجية القائمة على دعم حركات السلام واليسار الجديد والحركات الاجتماعية، ويرفض الانتهاكات والتعذيب وكل ما يمس حقوق الإنسان".

ضرر وضرار 

لذلك فهو يتوقع أن "يكون هناك شوط من المناوشات بين النظامين، وأن السيسي سيكون عليه مواجهة منظومة حقوقية عالمية جديدة متصاعدة ضده وضد أمثاله من أنظمة الشرق المستبدة"، وفق تعبيره.

الناشط السياسي المصري المقيم بإيطاليا، مصطفى نادر، قال في حديثه لـ"الاستقلال": إن "أبعاد الموقف الأوروبي من الحالة الحقوقية والسياسية في مصر، نابع من جزءين".

الجزء الأول والأهم هو الضرر الواقع بشكل أو بآخر على تلك الدول نتيجة أزمة المهاجرين واللاجئين السياسيين القادمين من مصر والشرق الأوسط عموما نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية، والأنظمة مسؤولة عن تلك الحالة بلا شك.

وهو ما يؤثر على الاتحاد الأوروبي على المدى المتوسط والبعيد، وهناك خطط مطروحة للضغط على الحكومات لتنفيذ إصلاحات ضرورية، خاصة في الدول العربية القريبة من الزمام الأوروبي، تحديدا في شمال إفريقيا، لتفادي الإشكاليات القائمة، وفق قوله. 

وأضاف: "الجزء الثاني هو وجود منظمات مجتمع مدني قوية ومتجذرة في دول مثل ألمانيا وهولندا وإيطاليا وبريطانيا، على اتصال بمؤسسات وجمعيات مصرية، وتتابع الوضع جيدا".

وبين أن تلك المؤسسات تضغط أيضا من جانبها على الحكومات ومؤسسات الدولة بشأن الوضع الحقوقي والسياسي في مصر.

كما أنها تسعى إلى إزالة الظلم والانتهاك الواقع على عشرات الآلاف من المواطنين، وفي القلب منهم الحقوقيون والناشطون". 

واستطرد: "الإجابة عن سؤال هل تعترف أوروبا بالانقلاب العسكري في مصر بعد ثماني سنوات؟ نابع من أن توصيف ما حدث أكاديميا وإعلاميا بأنه انقلاب.

وأردف: "كل تدخل للجيش في العملية السياسية، والإطاحة بحكومة ونظام منتخب هو انقلاب لا لبس فيه، ولا يمكن تجاوزه، حتى وإن وجدت علاقات مع النظام الجديد، لكن يظل الوصف ثابتا مهما مر الزمن".