موقع إيطالي: قيس سعيد يختار تواريخ رمزية مهمة لتمرير إجراءات انقلابه
خرج آلاف التونسيين خلال الأيام الأخيرة إلى شوارع العاصمة بالتزامن مع ذكرى اندلاع الثورة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2011، في مظاهرات بعضها معارضة والأخرى مؤيدة لقرارات الرئيس قيس سعيد التي أعلن عنها في 25 يوليو/تموز 2021.
قال موقع إيطالي إن التوترات تصاعدت بعد إعلان سعيد عن تمديد تجميد نشاط مجلس نواب الشعب إلى حين انتخاب مجلس جديد في إطار الانتخابات البرلمانية المقبلة التي من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2022.
وأفاد موقع "مركز الدراسات الدولية" بأن الرئيس التونسي كان قد أعلن في خطاب للشعب في 13 ديسمبر 2021، عن خريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية المؤسسية، نصت خاصة على صياغة دستور جديد من خلال استفتاء شعبي وطني.
ملامح جديدة
ولاحظ أن "اختيار التواريخ الرمزية لرسم ملامح المرحلة الجديدة من التحول الديمقراطي في البلاد تظهر اهتماما خاصا بكل من الإجراءات الرئاسية التي جرى اتخاذها وبالتواريخ الرمزية للثورة".
وذكر الموقع الإيطالي بأنه "وفقا للمسودة الأولى لخريطة الطريق التونسية الجديدة، سيجرى استفتاء على الدستور الجديد في 25 يوليو 2022 وهو ما سيتزامن مع الذكرى الأولى لانقلاب سعيد".
بينما سيكون يوم 17 ديسمبر 2022، ذكرى اندلاع ثورة 2011، موعد إجراء الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها.
وأمام هذه القرارات، انقسم المجتمع المدني التونسي بين من يدين المناورات الرئاسية ويواصل وصفها بأنها جزء من انقلاب على المؤسسات المنتخبة، وبين من يدعم مبادرة الرئيس ويعتبرها إصلاحية، يشير الموقع الإيطالي.
ويذكر مركز الدراسات الإيطالي أن الأزمة السياسية المؤسسية التونسية كانت قد انطلقت في يوليو/تموز 2021 بعد قرار سعيد إقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان إلى أجل لاحق.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول، أُعلن عن تعيين نجلاء بودن رمضان رئيسة لفريق حكومي جديد، تلاها لاحقا تشكيل حكومة جديدة مؤلفة من 24 وزيرا.
ولأول مرة منذ عشر سنوات، لم يمر تعيين السلطة التنفيذية الجديدة عبر البرلمان من أجل منح الثقة وإنما وقع اختيار الوزراء بشكل مشترك بين رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة المكلفة، يؤكد الموقع على هذه النقطة.
وأشار إلى أن قرارات سعيد خاصة تجميد البرلمان، حظيت في البداية بتأييد شعبي، نتيجة حالة من عدم الاستياء جراء تفاقم أزمات تتعلق خصوصا بالأزمة الوبائية نتيجة ارتفاع أعداد المصابين والبطء في جلب اللقاح وسياسات الحكومة وكذلك الركود الاقتصادي الذي ضرب البلاد.
لكن بمرور الوقت، أدت خيارات الرئيس التونسي إلى انقسام عميق في الرأي العام، يفيد الموقع.
من ناحية، احتفى أنصاره بمكافحته للفساد ودوره كمروج للحقيقة والعدالة في مؤسسات الدولة، وفق تعبير مركز الدراسات الإيطالي.
على الطرف المقابل، عبر معارضوه عن خشيتهم من أن تؤدي هذه المبادرات إلى انجراف سلطوي وما ينجر عن ذلك من تراجع خطير مقارنة بالتقدم المحرز طيلة العقد السابق، وفق قول الموقع.
في هذا السياق، اعتبر تعيين أول امرأة تتقلد منصب رئيس حكومة في العالم العربي على أنه وسيلة تهدف إلى الحصول على شرعية جديدة.
انقسام عميق
من جهته، انتقد رئيس حزب حركة النهضة ذو المرجعية الإسلامية راشد الغنوشي، تحركات رئيس البلاد، ووصفها بأنها غير دستورية وغير قانونية، متهما إياه بالانقلاب على الثورة التونسية وعلى الدستور.
ووصف الموقع معارضة الأحزاب التقليدية في تونس لسياسات سعيد بالضعيفة والمنقسمة، و"فشلت في الواقع بوقف أي من سياساته".
من جانبها، قررت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" تعليق اعتصامها بعد يوم من بداية تنظيمه بشارع الثورة على أثر مظاهرات كانت قد دعت إليها للاحتجاج ضد سياسات السلطة الحاكمة.
وكان عضو المبادرة الناشط السياسي جوهر بن مبارك قد صرح في كلمة له من مكان الاعتصام بأن "الهيئة التنفيذية لمبادرة مواطنون ضد الانقلاب قررت تعليق الاعتصام مؤقتا حفاظا على سلامة المشاركين" وذلك بعد اشتباكات وقعت مع قوات الأمن التي حاولت فضه.
ويذكر أن أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل الديمقراطي، من أجل العمل والحريات رفضت في بيان مشترك المساس بالدستور خارج إطار الشرعية وقبل إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
وخرجت بدورها في مظاهرات مناهضة لإجراءات الرئيس التونسي في 17 ديسمبر.
لفت موقع مركز الدراسات الإيطالي إلى أن جذور مشاكل تونس لا تزال تكمن في الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
إذ أدى معدل البطالة المرتفع إلى خلق حالة من عدم الثقة المتزايدة، مما دفع الشباب إلى الرغبة في مغادرة البلاد بحثا عن مستقبل أفضل.
يضاف إلى ذلك التفاوتات الواضحة القائمة بين مختلف المناطق والفساد المستشري، فضلا عن التضخم المتنامي والضرائب المرتفعة على المواطنين.
واعتبر أن الرئيس سعيد نجح في التأثير على شعور المواطنين بالاستياء، وتمكن من إقناع الكثيرين بأن سياساته هي الحل الوحيد لإخراج تونس من حالة الشلل الحكومي والركود الاقتصادي.
وتابع بالقول: "بينما هناك آمال في أن تسهم خطوات الرئيس التونسي الجديدة في الخروج من المأزق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تتخبط فيه البلاد، يستمر شبح العودة إلى مربع الاستبداد في إثارة المخاوف بتونس".
ولاحظ الموقع أن الرئيس الحالي ينتهج نهجا مشابها في تحركاته وتلميحاته إلى سياسات أول رئيس حكم البلد بعد الاستقلال وهو الحبيب بورقيبة، وذلك للرغبة في ممارسة سلطة أكثر وضوحا في ديناميكيات الدولة، وفق تعبيره.
وحذر الموقع الإيطالي من أنه في مواجهة سياسات سعيد الجديدة، سيميل الرأي العام التونسي إلى مزيد من الانقسام، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات وخلق حالة عدم استقرار قوية في البلاد.
في الختام، يرى الموقع بأن ما يمكن أن ينعش تونس حقا هو تنفيذ إصلاحات هيكلية في المجالين الاقتصادي والمالي، مما يسمح باعتماد أقل على الطلب الأجنبي على السلع والخدمات منخفضة التكلفة، وزيادة إمكانات الابتكار وخلق فرص العمل في مختلف القطاعات، فضلا عن برنامج استثماري محدد وواسع النطاق .