عبر تقنيات متطورة.. إسرائيل تفرض "حصارا رقميا" على فلسطينيي الضفة الغربية
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على إجراءات المراقبة الإسرائيلية المتصاعدة لملاحقة فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة، عبر طرق مختلفة.
من بين تلك الوسائل، انتشار كاميرات المراقبة وتثبيت أنظمة التعرف على الوجه، إضافة إلى شكاوى التنصت على الهواتف من قبل الناشطين.
وقالت صحيفة "إلباييس" إن كل ذلك يشير إلى نموذج جديد للسيطرة على الفلسطينيين من قبل جيش الاحتلال.
ونقلت عن الناشط الفلسطيني عيسى عمرو أن "اعتقال الجنود لفتاة على حاجز في الخليل بسبب خطأ في تحديد الهوية عبر هاتف نقال، قبل شهرين، أثار بعض الشكوك بشأن التقنية المستخدمة".
وأضاف: لهذا السبب اتصلت بمنظمة "كسر الصمت" (إسرائيلية مناهضة للاحتلال) للتحقق من الأمر، واكتشفت أن إسرائيل كانت تستخدم تقنية جديدة للتعرف على الوجه".
وأوضح أن "عدة جنود أكدوا أنهم يعملون على تحميل صور المدنيين على نظام الذئب الأزرق"، في إشارة إلى تطبيق يحدد ويسمح بمرور السكان المدنيين من عدمه (على الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية).
وقالت الصحيفة إن هذه الأحداث تكررت على مستوى حاجز "جيلبرت" الواقع على أحد الطرق المؤدية إلى المسجد الإبراهيمي.
وتحديدا، يقع الممر في حي المستوطنة اليهودية في تل الرميدة، أحد نقاط الاحتكاك الرئيسة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مدينة الخليل المقسمة.
نموذج جديد
وتطرقت الصحيفة إلى انتشار كاميرات المراقبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تثبت على أسطح المنازل، والإدماج التدريجي لأنظمة التعرف على الوجه للمدنيين عند الحواجز ونقاط التفتيش، والشكاوى الأخيرة حول التجسس على هواتف ناشطين ومسؤولين فلسطينيين رفيعي المستوى.
وقالت إن تلك الممارسات "تؤكد أن إسرائيل تتجه نحو نموذج جديد لرقمنة الاحتلال".
وفي وثيقة لمنظمة "كسر الصمت"، اطلعت عليها صحيفة إلباييس، كشف جندي إسرائيلي أنه منح لكل منهم هاتف مزود بكاميرا، يحتوي على تطبيق واحد فقط: "الذئب الأزرق".
في هذا التطبيق، هناك ثلاثة خيارات، تتيح للفلسطينيين إما: السماح بالمرور عند ظهور اللون الأخضر، أو التحقيق معهم في حال ظهور اللون الأصفر، أو الإيقاف عند ظهور اللون الأحمر، وذلك بعد التعرف عليهم بالصورة".
ويكشف جندي آخر الطريقة المعتمدة في تطبيق الذئب الأزرق، بالقول: "يتم مسح بطاقة الهوية أولا، ثم التقاط صورة (...) وهنا تحديدا، توجد كل المعلومات الأساسية عن كل شخص".
وجاء حديث المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية بعد تحقيق حديث نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية لأول مرة، بناء على شهادات الجنود التي جمعت في العامين الماضيين.
وقالت الصحيفة: "نحن نتحدث عن أساليب مراقبة تنتهك الخصوصية بدرجة عالية، باستخدام تقنية التعرف على الوجه".
وأفادت بأن المرحلة التالية تتمثل في دمج المعلومات التي جمعت عن السكان المدنيين في قاعدة بيانات مركزية تسمى "الخليل.. المدينة الذكية".ويخلص تقرير "كسر الصمت" إلى أنه "بالإضافة إلى دفع ثمن الاحتلال منذ عام 1967، لا يملك الفلسطينيون إمكانية إدانة انتهاكات نظام الذئب الأزرق، الذي ينتج رقمنة الاحتلال".
ذكرت الصحيفة الأميركية أن الجيش نفسه جاء ليقر بوجود نظام الذئب الأزرق في موقعه على الإنترنت.
ووصف متحدث باسم قوات الجيش استخدام صور السكان المدنيين بأنها "عملية أمنية روتينية تدخل في إطار مكافحة الإرهاب"، بحسب تعبيره.
ونقلت الصحيفة عن عيسى عمرو، الذي وصف كيف تغيرت حياة آلاف الفلسطينيين المجبرين على عبور الحواجز في مدينته، قائلا: "بموجب هذه الانتهاكات أصبح السكان في حالة تأهب".
عموما، هناك أكثر من عشرين حاجزا، بعضها يظهر على شكل حدود دولية بأتم معنى الكلمة، بين ما يسمى مناطق اتش 1 (الفلسطينية)، التي يقطنها أكثر من 250 ألف نسمة، واتش 2 (تحتلها إسرائيل)، حيث يعيش حوالي 700 مستوطن، يحميهم أكثر من ألفي جندي، إلى جانب 30 ألف فلسطيني آخر.
وأضاف عمرو أن "الكاميرات وأنظمة التعرف على الوجه لا تستخدم فقط لأسباب أمنية أو تتعلق بالمراقبة، بل إنها تؤثر أيضا على السلوك الاجتماعي للفلسطينيين".
ويواصل قائلا: نحن خاضعون للاحتلال بشكل كامل، ولا نملك إمكانية للاحتجاج أو إعطاء موافقتنا على تركيب الكاميرات. إنها ممارسة إجبارية تنتهك خصوصيتنا".
مراقبة دائمة
مديرة الهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة، إيناس عبد الرازق، تؤكد أن الكاميرات منتشرة في كل مكان داخل البلدة القديمة في القدس.
وهو ما أوضحه تقرير لمنظمة "أمله" الإسرائيلية، أعدته بعد موجة الاحتجاجات في الربيع الماضي.
وتحذر عبد الرازق في حديثها للصحيفة الإسبانية من أن "الفلسطينيين يشعرون دائما بأنهم تحت المراقبة. ومع التقنيات الجديدة، أصبحت هناك حالة من المراقبة الدائمة".
وترى أن "إسرائيل تختبر أنظمتها الأكثر تقدما على السكان الفلسطينيين قبل تصديرها".
وتقول المحللة السياسية: "يجب التساؤل عما إذا كانت هذه التقنية قيمة مضافة تبيعها لحلفائها الأوروبيين، على سبيل المثال، في إطار التعاون الأمني".
وتضيف: "يبدو أن إسرائيل تريد أن تعرف كل شيء عن الفلسطينيين، من البيانات البيومترية إلى التعرف على الوجه، من أجل إسكات الاحتجاجات".
وأشارت الصحيفة إلى أن ستة هواتف ذكية على الأقل لناشطين فلسطينيين تعرضت للاختراق بواسطة نظام التجسس العسكري الإسرائيلي "بيغاسوس".
وفي هذه العملية، كانت ثلاثة من الأجهزة المخترقة تابعة لأعضاء في منظمات غير حكومية أعلنت إسرائيل أنها محظورة، وفقا لتحقيق أجرته المنظمة الأيرلندية "فرونت لاين ديفندرز"، والذي أثبت لاحقا من قبل "سيتيزن لاب" (مختبر بحثي كندي) ومنظمة العفو الدولية.
ويشير غسان حليقة الباحث في منظمة حقوق الإنسان غير الحكومية المعروفة باسم "الحق"، إلى أن "الإسرائيليين لديهم تكنولوجيا قادرة على خلق واقع مصطنع، لتلفيق أدلة يمكن أن تؤدي إلى الاعتقال الإداري الذي يكون إلى أجل غير مسمى دون تهمة".
ويعمل هذا الناشط على جمع الشهادات والأدلة لتجريم إسرائيل لارتكاب جرائم حرب في التحقيق الذي فتحته النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية خلال العام 2021.
ويقول الباحث في "الحق": "نحن شعب أسير لا يمكننا التعبير حتى عن رفض فقدان الخصوصية".
وتابع: "هذه فاشية في نسخة 3.0، في حالتي من الواضح أنهم كانوا يبحثون عن معلومات لتجريم المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق الإنسان".
ونقلت الصحيفة أن أبيّ العابودي، نائب مدير مركز بيسان، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في البحث الاجتماعي والتنمية الديمقراطية، يعتقد أن "إسرائيل تنفذ مشروع هندسة اجتماعية وتطبقه على المجتمع الفلسطيني".
ويرى أن "وسائل المراقبة المتقدمة هي بالفعل جزء من نموذج الهيمنة الإسرائيلية التي تتجاهل حقوق الإنسان في نظام الفصل العنصري".
من جانبه، يعتبر عمر شاكر، المدير المحلي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن "تركيب قاعدة بيانات ضخمة للسكان الفلسطينيين مع التعرف على الوجه في الضفة الغربية، يذكرنا بالتقنيات التي تستخدمها الصين في مقاطعة شينجيانغ، وهي منطقة تسكنها أقلية الأويغور".
وفي مقال نشر على موقع هيومن رايتس ووتش، أكد شاكر، أن "هذه الأنظمة التكنولوجية تؤدي إلى تحييد المعارضة السلمية وممارسة سيطرة مكثفة على السكان".