مع تأكيد فوز كتلته.. لماذا أعاد الصدر فتح ملف محاولة اغتيال الكاظمي؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عادت حادثة استهداف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لتتصدر المشهد في البلاد من جديد، بعد مطالبة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، السلطات بالكشف عمن نفذ العملية.

وتعرض منزل الكاظمي في المنطقة الخضراء ببغداد إلى استهداف صاروخي من طائرات مسيرة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، من دون أن يصاب بأذى، ليخرج بعدها على وسائل الإعلام ويعلن أنه يعرف الفاعلين، لكنه لم يكشف عنهم حتى الآن.

وطالب الصدر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 الحكومة بكشف منفذي محاولة الاغتيال، ، وإلا فإنه "قد يضطر مستقبلا" إلى ذلك بنفسه.

وبعدها مباشرة، أكد مشرق عباس مستشار الكاظمي السياسي، في تغريدة قرب كشف بعض الحقائق عن الحادثة، الأمر الذي أثار تساؤلات عن أسباب عودة القضية للواجهة مجددا في هذا التوقيت.

رواية متضاربة

وعلى ضوء عودة تصدر القضية المشهد العراقي مجددا، كشف مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي عن ملابسات محاولة الاغتيال، مؤكدا أن مفرزتين تابعتين لمكافحة المتفجرات والأدلة الجنائية فجرتا المقذوف دون رفع البصمات.

وقال الأعرجي (رئيس لجنة التحقيق) خلال مؤتمر صحفي في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن اللجنة التحقيقية بحادثة الاغتيال الفاشلة أثبتت أن الهجوم كان بطائرتين مسيرتين ألقتا مقذوفين على منزل رئيس الوزراء.

واستدعت اللجنة مدير عام مكافحة المتفجرات صباح الشبلي وأحد مديري الأدلة الجنائية، على خلفية الحادث، وفقا للأعرجي، مضيفا أنه "تفاجأنا بقيام مفرزتين تابعتين لمكافحة المتفجرات والأدلة الجنائية بتفجير المقذوف دون رفع البصمات".

وقررت لجنة التحقيق "سجن مفرزتين مسؤولتين عن تفجير المقذوف وتحويلهما لوزارة الداخلية"، حسب مستشار الأمن القومي، مشيرا إلى أن اللجنة "مستمرة في كشف ملابسات حادثة الاغتيال الفاشلة".

وتابع أن اللجنة تنفذ واجبها "دون أية ضغوطات، وأن هذه الأعمال الإرهابية تحتاج إلى وقت لكشف ملابساتها"، مؤكدا امتلاكهم "خيوطا مهمة للوصول إلى الحقيقة ويجب منح التحقيقات الوقت الكافي توخيا للدقة".

وكرر الأعرجي أكثر من مرة أن الطائرات المسيرة والمقذوفات التي استهدفت منزل رئيس الوزراء "مصنعة محليا"، مطالبا من الجميع ممن لديهم معلومات "مساعدة اللجنة فيما يمتلكونه".

وكشف رئيس اللجنة: "هبطت الطائرتان في شمال شرق بغداد وحددنا مكان انطلاقهما"، مؤكدا امتلاكهم "أدلة وإثباتات حول موقع انطلاقهما والعمل جار على كشف خيوط الاستهداف، وستكون لدينا تقارير لاحقة بشأن التحقيق في حادثة الاغتيال الفاشلة".

وتعارض معلومات الأعرجي والتي أوضح فيها أنهم لا يعرفون المتورطين بالهجوم، رواية الكاظمي، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عقب محاولة اغتياله، فقد قال: "سنلاحق الذين ارتكبوا جريمة الأمس، نعرفهم جيدا، وسنكشفهم".

تمرير الانتخابات

توقيت مطالبة الصدر بضرورة كشف مستهدفي الكاظمي، وتلويحه بأنه قد يكشفهم مستقبلا، جاءت قبل ساعات من إعلان مفوضية الانتخابات النتائج النهائية وسط معارضة قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي القريب من إيران، والذي طالب بعد وفرز يدوي للأصوات في عموم البلاد.

وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية النتائج النهائية للاقتراع الذي جرى في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، وقالت إن إعادة الفرز اليدوي أسفرت عن تغيير 5 مقاعد فقط في كل من محافظات بغداد وأربيل والموصل والبصرة وكركوك.

ووفق النتائج النهائية، تأكد فوز الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر بأكبر عدد للمقاعد البرلمانية، بحصولها على 73 مقعدا في البرلمان المكون من 329 مقعدا. وكان للتيار 54 مقعدا في البرلمان الماضي.

ويرى الباحث في الشأن السياسي العراقي لطيف المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" أن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أراد من خلال تلويحه بالكشف عن منفذي محاولة اغتيال الكاظمي، الضغط على قوى "الإطار التنسيقي" للقبول بنتائج الانتخابات، والابتعاد عن التصعيد مع إعلان مفوضية الانتخابات النتائج رسميا.

ولفت المهداوي إلى أن الصدر يستخدم هذه الورقة لكبح أي تصعيد محتمل يمكن أن يصدر من المليشيات الموالية لإيران والتي لن تقبل بنتائج الانتخابات بشكلها الحالي بأي حال من الأحوال، إلا بعد تأمين وضعها ومستقبلها وأنها لن تستهدف في المرحلة المقبلة.

وأشار الباحث العراقي إلى أن "الكاظمي أراد إيصال رسالة إلى طهران من خلال عدم كشف المتورطين في محاولة اغتياله، أن حكومته لا تريد ربط منفذي الهجوم بإيران، ولا سيما تكرار الأعرجي لمفردة أن الطائرات والمقذوفات "محلية الصنع".

وكذلك أراد الكاظمي أيضا أن تضغط إيران على أذرعها في العراق للقبول بنتائج الانتخابات كما هي، أي تقبل الخسارة، للمضي في تشكيل تحالفات سياسية وتشكيل الحكومة المقبلة بعدها، حسبما رأى المهداوي.

وخلال كلمة تلفزيونية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، دعا زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني للتدخل و"وضع النقاط على الحروف"، بعدما وصل وضع العراق، إلى "الخطير" بحسب قوله.

وقال الخزعلي إن "حادثة استهداف منزل رئيس الوزراء لو صحت خطيرة ولا يمكن السكوت عليها على الإطلاق، ومحاولة اتهام فصائل المقاومة بها هو لعب بالنار ومحاولة لجر البلد إلى أزمة كبيرة".

وشكك زعيم "العصائب" بمحاولة الاغتيال، بالقول: إن "الكاظمي لم يكن موجودا في منزله عندما جرى الإعلان عن الاستهداف المزعوم"، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء "لم يقبل إشراك فصيلين من المقاومة بالتحقيق في الاستهداف وهذا ما يزيد الشك".

وتابع الخزعلي، قائلا: "نوجه رسالة إلى اللجنة المكلفة بالتحقيق حول الحادثة المزعومة لاستهداف منزل الكاظمي. يجب أن تقدموا أدلة ملموسة وإثباتات حقيقية وليست ادعاءات وإعلام، لأن الوضع لا يتحمل".

سياسة التخادم

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، جبار المشهداني، إن "سلاح فضح الآخر الذي تستخدمه القوى في العراق عندما يسود الخلاف بينها، هو سياسة متبعة منذ زمن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عندما لوح سابقا بأنه يمتلك وثائق إذا كشفها لفشلت العملية السياسية".

وأوضح المشهداني خلال تصريحات صحفية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "التلويح بكشف الملفات والوثائق عن الجرائم والسرقات والقضايا الخطيرة، مسألة ليست فيها أي شفافية، ولا تتلاءم مع طبيعة العملية السياسية في العراق، التي يفترض أنها عملية ديمقراطية".

ولفت إلى أنه "مع أهمية حدث استهداف منزل رئيس الحكومة، لكنه ليس أكثر خطورة من ضياع الموصل وثلث مساحة العراق عام 2014 (اجتياح تنظيم الدولة)؛ لأن البلاد خسرت حينها آلاف الشباب خلال حرب استمرت ثلاث سنوات".

وزاد المشهداني، قائلا: "رغم تشكيل لجنة تحقيقية في قضية الموصل، والتوصل إلى النتائج التي تتحدث عن أسباب ما حصل، فإن الحقيقة بقيت غائبة إلى يومنا هذا تحت عنوان (الحفاظ على العملية السياسية)".

ونوه إلى أن "التلويح وعرض الملفات للمساومة السياسية تمارسه حاليا معظم الأطراف ضد بعضها، بل حتى رئيس الوزراء الحالي باعتباره كان رئيسا لجهاز المخابرات يلوح بين مدة وأخرى بأنه يمتلك أدلة ووثائق تخص جهات سياسية".

ورأى الخبير في الشأن العراقي أن هذا التلويح المتبادل يعكس حقيقة "التخادم السياسي"، وإلا فإن البلد يفترض أن يدار من جهة تحكم وأخرى تأخذ دور المعارضة، لكن هذا لا يحصل في العراق.

وتوصل إلى أن "التخادم السياسي سيمنع جميع الأطراف من كشف ما لديها، لأنها ستحرج المجتمع الدولي، وكذلك تحرج الراعي الإقليمي لكل طرف لما سيسمع من قضايا كبرى بالفساد والسرقات، وبالتالي سيحافظ الجميع على مكاسبه، ولن يكشف الأسرار قطعا".

وتتهم قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي جهات خارجية وداخلية بالتلاعب في الاقتراع وتزويره، وهذا ما رفضته مفوضية الانتخابات، والقوى الفائزة وعلى رأسهم التيار الصدري.

كما تقود تلك القوى التي رفضت نتائج الانتخابات الأولية منذ أسابيع احتجاجات أمام المنطقة الخضراء في بغداد، للمطالبة بإعادة فرز جميع النتائج يدويا.

إلا أن مفوضية الانتخابات استجابت لذلك فقط في المحطات الانتخابية التي قدمت عليها اعتراضات.