تسعى للسيطرة على الإنتربول.. هكذا تهدد الإمارات حقوق الإنسان حول العالم
أثار ترشح اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي لمنصب رئيس الإنتربول الدولي حملة انتقادات واسعة بسبب اتهامه بالمشاركة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من خلال منصبه بوزارة الداخلية الإماراتية.
وأعرب العديد من الناشطين الدوليين عن قلقهم من أن انتخاب الريسي قد يعرض حيادية المنظمة الدولية للخطر مع توفير الموافقة الدولية على الانتهاكات المرتكبة داخل نظام العدالة الإماراتي.
وامتدت التخوفات لتشمل المعارضين لدى الدول الصديقة للإمارات وأن يفقد الناشطون والحقوقيون حول العالم أمنهم في تنقلاتهم وسفرهم على اعتبار أن هذه المنظمة تمتلك القدرة على ملاحقتهم وتوقيفهم.
وشغل الريسي العديد من المناصب الأمنية في الإمارات حيث عين في عام 2005 بمنصب المدير العام للعمليات المركزية في القيادة العامة لشرطة أبوظبي ومديرا عاما للخدمات الإلكترونية في وزارة الداخلية الإماراتية.
وفي أبريل/نيسان 2015 جرى اختياره مفتشا عاما في وزارة الداخلية الإماراتية برتبة لواء.
ومن المقرر أن يجري انتخاب رئيس جديد للإنتربول الدولي خلال المؤتمر المنعقد في مدينة إسطنبول في الفترة من 23 - 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
انحراف خطير
ويمثل الإنتربول قوة شرطية دولية توفر الدعم في التحقيقات للدول الأعضاء بما في ذلك تبادل المعلومات عن المشتبه بهم، ويتمتع رئيس المنظمة بنفوذ كبير من خلال سلطته.
وخلال السنوات الأخيرة تعرض الإنتربول لمزيد من التدقيق حيث استغلتها الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم لا سيما في إطلاق النشرات الحمراء التي توزعها الوكالة لتنبيه الدول بشأن الأفراد المطلوبين كوسيلة لاستهداف المعارضين السياسيين بحسب موقع ذي إنترسبت الأميركي.
ونقل الموقع في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عن برونو مين، الذي يقود حملة لإصلاح الإنتربول في مجموعة العدالة المتساوية Fair Trials، "إنها ليست مجرد فكرة أن رئيس المنظمة قد يأتي من أحد أسوأ منتهكي حقوق الإنسان".
يقول المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان "خالد إبراهيم" إن اختيار الريسي للإنتربول سيشير إلى أن الدول الأعضاء فيه ليس لديها أي قلق على الإطلاق بشأن سجل الإمارات في اضطهاد المنتقدين السلميين.
واعتبر إبراهيم في بيان مشترك مع منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية في 5 مايو/أيار 2021 أن ترشح الريسي "محاولة إماراتية لشراء الاحترام الدولي وتبييض سجلها المؤسف في مجال حقوق الإنسان".
فيما اعتبر كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش في تغريدة على تويتر أن الإمارات تعمل على تبييض سجلها الحقوقي من خلال ترشيحها الريسي للإنتربول.
وبين أن اختياره ربما يشير إلى أن الدول الأعضاء في الإنتربول قلقة من تاريخ الإمارات في اضطهاد النقاد.
Hoping to whitewash its deplorable rights record, the United Arab Emirates is promoting Maj Gen Ahmed Naser al-Raisi as Interpol president. His selection would indicate that Interpol’s member states are concerned by the UAE history of persecuting critics. https://t.co/KrgcHAg9WY pic.twitter.com/YinkLzvTJz
— Kenneth Roth (@KenRoth) May 5, 2021
عبد المجيد مراري مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة "افدي" الدولية لحقوق الإنسان اعتبر ترشح الريسي سابقة خطيرة تهدد العدالة الدولية عبر تسليم الناشطين والمعارضين.
وبين مراري لـ"الاستقلال" أن هذا الترشح "انحراف خطير لمؤسسة الإنتربول التي يجب أن تتمتع بنوع من الاستقلالية والنزاهة".
وأضاف: "الريسي متورط في جرائم تعذيب وانتهاكات خطيرة في الإمارات على خلفية ترؤسه مؤسسة أمنية خطيرة جدا وهو متورط بالإشراف على تعذيب عدد من الشخصيات".
ويقول الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي احتجز في الإمارات لمدة سبعة أشهر إن الريسي مسؤول بشكل مطلق عن التعذيب وإن الرسالة التي يبعثها ترشيحه لهذا المنصب "هي أنه لا يمكنك فقط القيام بذلك والإفلات من العقاب، ولكن أيضا ستكافأ".
وبين هيدجز في تصريحات لصحيفة الغارديان البريطانية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن ترشح الريسي من شأنه أن يعطي الضوء الأخضر وإضفاء الشرعية على سلوك الجهات الفاعلة والدول التي تسيء ليس فقط للإنتربول ومكانته، ولكن للعدالة الدولية والشرطة.
وشدد مراري على أن من يترأس الإنتربول يجب أن يتمتع بشروط معينة منها النزاهة ومستوى معين من التثقيف في مجال حقوق الإنسان والاقتناع بقواعد القانون الدولي وعلو قواعده على أي قانون آخر.
واعتبر الخطوة بأنها تمثل خطورة كبيرة سيشعر بها كل الناشطين الحقوقيين والمعارضين الإماراتيين وغيرهم من معارضي الدول الصديقة للإمارات.
وبين أن هؤلاء سيشعرون بعدم الأمان في تنقلاتهم وسفرهم وتحركاتهم على اعتبار أن هذه المؤسسة تمتلك القدرة على ملاحقة وتوقيف المعارضين والمطلوبين لدى هذه الدول.
وقال إنه في حال نجاح الريسي في هذه الانتخابات ستكون هناك سلاسة في توقيف هؤلاء وتسجيلهم على لائحة الإنتربول وخاصة الشارة الحمراء.
وأضاف: "لن تحترم القواعد المؤسسة للإنتربول وخاصة المادة الثالثة التي تمنع أن يكون للمنظمة موقف سياسي أو أيديولوجي معين".
واعتبر مراري أن الهدف من هذا الترشح هو تحسين صورة الإمارات الحقوقية أمام المجتمع الدولي وأن وصول مثل هذا الشخص للمنصب يعني أن بلده تتمتع بمستوى عال من حقوق الإنسان ونوع من الاستقرار السياسي وهو أمر مخالف للواقع.
وأوضح مراري أن الإمارات تصنف من أخطر الدول في انتهاك حقوق الإنسان ووصفها بأنها دولة عبارة عن صندوق أسود مغلق لا تخرج منه أي معلومات إلا ما يخرجه عدد من المعارضين.
وأضاف: "إذا أراد الريسي أن يترأس الإنتربول فعليه أولا أن يطلق سراح المعتقلين السياسيين لديه، ويوقف التعذيب والأحكام السياسية والمفبركة ضد معارضيه، وأن ينهي ملاحقة المعارضين".
وعبر عن تخوفه من أن تفقد هذه المؤسسة حياديتها، ودعا الدول الأعضاء في المنظمة إلى إعادة النظر في التصويت لهذا الشخص لأن وصوله إلى المؤسسة سيجني عليها وبالتالي ستفقد مصداقيتها وحيادها.
وفي هذه الحالة سيتوجب على الأمم المتحدة أن تفكر في آلية أخرى من آليات الأمن الدولي بدلا من مؤسسة الإنتربول التي يمكن أن يرأسها أمثال أحمد الريسي المتهم بارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة، بحسب مراري.
قلق متصاعد
مع اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للإنتربول الدولي تصاعدت المخاوف الدولية والحقوقية من اختيار المرشح الإماراتي لرئاسة المنظمة الدولية المعروفة بحياديتها.
وصدرت العديد من البيانات من منظمات وجماعات حقوقية وبرلمانيين وسياسيين، ورغم اختلاف توجهاتهم إلا أنهم اجتمعوا على رفض ترشح الريسي لما يمثله من خطر على تلك المنظمة.
واستهدفت العديد من الدعاوى القضائية اللواء أحمد الريسي في بريطانيا والسويد والنرويج وفرنسا.
ومن المتوقع أن يرفع هيدجز دعوى قضائية أخرى أمام المحاكم التركية التي تستضيف مؤتمر الإنتربول الدولي بحسب الغارديان.
وكشف مراري عن وجود أربع شكاوى وضعت لدى القضاء الفرنسي ضد الريسي منها ما تقدمت به منظمة إفدى الدولية بالإضافة لدعوى أخرى تقدم بها المحامي الفرنسي المشهور وليام بوردو ضد الريسي المتهم بجرائم تعذيب يعاقب عليها القانون.
وشكاوى أخرى لدى القضاء الفرنسي حيث يوجد مقر اجتماع الإنتربول الدائم في مدينة ليون. وبالتالي فإن أي نزاع مع المنظمة تختص به المحاكم الفرنسية.
كما أشار مراري إلى مطالبة ما يزيد عن 35 برلمانيا فرنسيا الرئيس إيمانويل ماكرون بوقف انتخابات الإنتربول التي وصفوها بالمهزلة، على اعتبار أن فرنسا لها مسؤولية أخلاقية من خلال وجود هذه المؤسسة على أراضيها .
وعلى اعتبار أن ترؤس هذا الشخص لهذه المؤسسة يهدد حقوق الإنسان ويهدد القانون الدولي وسلامة هذه المؤسسات الدولية وحيادها.
وأعربت العديد من الجماعات الحقوقية عن قلقها بشأن ترشيح الريسي، حيث أشار تحالف من 19 منظمة، في رسالة مشتركة إلى سجل حقوق الإنسان السيئ لدولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك الاستخدام الممنهج للتعذيب وسوء المعاملة في مرافق أمن الدولة، بحسب تقرير لموقع ذي إنترسبت الأميركي.
وأشار التقرير في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أن الرسالة حذرت من أن تعيين الريسي سيلحق الضرر بسمعة الإنتربول ويقف في تناقض كبير مع روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ورسالة المنظمة.
وقالت المجموعة إن الريسي جزء من جهاز أمني يواصل استهداف النقاد السلميين بشكل منهجي، مما يجعل الفضاء المدني شبه معدوم.
كما أصدر ثلاثة أعضاء في البرلمان الألماني ينتمون إلى ثلاثة أحزاب مختلفة "حزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي" بيانا أعربوا فيه عن قلقهم من ترشح الريسي بسبب الشكوك المثارة حوله في انتهاكات حقوق الإنسان.
وعبر الأعضاء الثلاثة في رسالة نشرها موقع دويتشه فيله الألماني في 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2021، عن خشيتهم من أن انتخابه لهذا المنصب الرفيع سيؤثر بشكل كبير على ثقافة سيادة القانون في الإنتربول.
واعتبر البيان أن تسمية المرشح الإماراتي لهذا المنصب سيتعارض بشكل فاضح مع الإعلان العام لحقوق الإنسان ومع الهدف الأساسي للمنظمة وسيجازف بسمعة الإنتربول الدولية".
بدأت الخطوات الإماراتية الساعية للسيطرة على المنظمة الدولية مبكرا حيث سعت خلال السنوات الأخيرة إلى دور أكبر في عمليات الوكالة.
وقدمت تعهدا غير مسبوق بقيمة 50 مليون دولار في عام 2017 لمؤسسة "من أجل عالم أكثر أمانا" التابعة للإنتربول الدولي، وهي منظمة مستقلة وغير ربحية تدعم أنشطة الإنتربول ومقرها سويسرا.
موقع ذي إنترسبت الأميركي أشار في تقرير إلى أن تبرع الإمارات للمؤسسة بهذا المبلغ أكبر بكثير من مساهمتها المطلوبة البالغة 260 ألف دولار لميزانية الإنتربول.
وقال في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: "على الرغم من مكانته المرموقة، فإن الإنتربول نفسه هو منظمة صغيرة إلى حد ما، بميزانية سنوية تزيد قليلا عن 150 مليون دولار، ويتعين على البلدان الأعضاء المساهمة بما يتناسب مع اقتصاداتها".
واعتبر التقرير التبرع الذي تقدمت به الإمارات هو أحد أكبر التبرعات الفردية على الإطلاق للإنتربول، وتساءل عما إذا كانت أبوظبي تمارس نفوذا غير مبرر على المنظمة.
وقال إن الإنتربول الدولي الذي يجمع بين قوات الشرطة من 194 دولة، يواجه أسئلة حول مدى تعرضه للتسييس، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن أعضاءه تضم حكومات تشتهر بانتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضة.