بكين وواشنطن.. من يهيمن على الجزر "الثرية" في بحر الصين الجنوبي؟
سلطت صحيفة روسية الضوء على الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية بشأن الهيمنة على الجزر الصغيرة الثرية، الواقعة في بحر الصين الجنوبي.
الأزمة بين البلدين تفاقمت لأغراض اقتصادية وجيوسياسية وذلك لاحتواء تلك الجزر على رصيد كبير من النفط والغاز الطبيعي والمعادن.
فما موقف كل منهما وهل ستبدأ الحرب بشأن تلك الجزر؟ تتساءل صحيفة "لينتا دوت رو" الروسية في مقال للكاتبة فالنتينا شفارتسمان.
شراكات أخرى
ذكرت الكاتبة أن المواجهة الجيوسياسية والاقتصادية تتطور بين الصين والولايات المتحدة إلى تنافس عسكري في جنوب شرق آسيا.
بدأت في البداية كنزاع بين الدول الآسيوية على الجزر الصغيرة، والآن أصبحت منطقة بحر الصين الجنوبي إحدى بؤر التوتر الرئيسة في العالم.
وترسل الولايات المتحدة سفنها الحربية بشكل متزايد إلى المياه المتنازع عليها وتجري تدريبات مع حلفائها هناك، في حين ترد الصين بمناوراتها الخاصة، كما تحول الشعاب المرجانية تحت الماء إلى جزر اصطناعية ذات قواعد عسكرية.
كما ظهرت شراكة جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وهي اتفاقية "أوكوس" التي تنص على بناء غواصات نووية خاصة بهم.
وصرحت الصين بأن إنشاء هذا التحالف الجديد "يمكن أن يقودنا نحو حرب باردة جديدة".
وفي مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، منتصف سبتمبر/أيلول 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ونظيره الأسترالي سكوت موريسون، إنشاء هذا التعاون الأمني الجديد.
وقالوا إن من بين أهدافه مشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا تكنولوجيا الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية مع أستراليا.
وتتساءل الكاتبة: كيف تحول بحر الصين الجنوبي إلى واحد من الحدود الرئيسة للمواجهة بين بكين وواشنطن؟ وهل ستتصاعد الأزمة لتتحول إلى صراع عسكري؟
وبينت أن النزاعات بشأن بحر الصين الجنوبي مستمرة منذ عدة عقود. فالمشاركون الرئيسون هم بروناي وفيتنام والصين وماليزيا وتايوان والفلبين.
والموضوع الرئيس للخلاف هو مجموعتان من الجزر الصغيرة والشعاب المرجانية وهي في سبراتلي الواقعة في جنوب بحر الصين الجنوبي وباراسيل الواقعة في الشمال.
للوهلة الأولى قد يبدو هذا غريبا نوعا ما، لأن جزر سبراتلي التي تتنازع عليها جميع البلدان الستة مساحتها الإجمالية خمسة كيلومترات مربعة فقط.
وعلقت فالنتينا أن الأمر كله يتعلق بما يسمى "المنطقة الاقتصادية الخالصة".
فبحسب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فالخلاف على منطقة بحرية عرضها 200 ميل بحري حول قطعة أرض لا تنتمي إلى بلد معين، حيث تستطيع استكشاف واستخراج الموارد والأنشطة الاقتصادية الأخرى في هذه المنطقة.
وبعبارة أخرى، كل من يملك جزيرة صغيرة يملك جميع الموارد داخل دائرة نصف قطرها 200 ميل بحري من ذلك.
وفي حالة جزر سبراتلي، فإن الموارد خطيرة، حيث هناك حوالي 50 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وأكثر من 5 مليارات برميل من النفط في أرخبيل "ريد بنك" وحده.
بالإضافة إلى المعادن، فإن بحر الصين الجنوبي غني أيضا بالأسماك، ويمر عدد كبير من طرق التجارة عبر مياهه.
كل بلد من البلدان الستة يريد جزرا معينة، غالبا ما تتداخل. لكن الصين لديها النصيب الأكبر؛ فهي تستحوذ على أكثر من 80 بالمئة من مساحة البحر بأكملها.
فهناك خريطة مؤرخة في عام 1947 للصين تثبت "حقوقها التاريخية" والتي توضح حدود بكين الإقليمية بخط من تسع نقاط على شكل حرف U. في الوقت نفسه لم يتم تحديد الجزر بشكل قانوني لأي شخص.
وتخلت اليابان عن مطالبها بجزر سبراتلي وباراسيل بموجب معاهدة سان فرانسيسكو بعد أن هزمت في الحرب العالمية الثانية، ولكن تلك الوثيقة لم تذكر حتى الآن، وهذا بالطبع لصالح الصين.
النزاع ومستقبله
علقت الكاتبة في مقالها أن الصين بدأت في الدفاع بشدة عن مطالبها في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، عندما تم اكتشاف احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي في أعماق البحر.
وبدأت البلدان في احتلال الجزر بدورها، ووضع أعلامها عليها، وبناء أكواخ وحتى وضع حواجز الطرق.
أدت التوترات المتزايدة إلى صراع عسكري بين قوات جمهورية الصين الشعبية وجنوب فيتنام في عام 1974. وانتهت المعركة بانتصار بكين ونقل جزر باراسيل تحت سيطرتها.
وبحسب ما ذكرته الكاتبة، كان من الممكن أن يصبح النزاع الإقليمي في بحر الصين الجنوبي على تلك المنطقة من الماضي إذا لم تتنافس الصين والولايات المتحدة عليه، وإذا لم تنظر واشنطن إلى سيطرة بكين على البحر على أنه تحد لمصالحها الوطنية.
فالإدارات الأميركية الثلاث الماضية، حاولت بكل طريقة ممكنة كبح نشاط الصين في المنطقة عسكريا ودبلوماسيا على حد سواء. وبالطبع رد الصينيون على تصرفات الأميركيين أيضا.
الأستاذ الفخري في الأكاديمية الأسترالية للقوات المسلحة كارلايل ثاير، يرى أن "دوافع بكين واضحة حيث يمر معظم حجم التجارة في البلاد، بما في ذلك إمدادات الطاقة عبر بحر الصين الجنوبي".
بالإضافة إلى ذلك، تخشى الصين ما يسمى بمعضلة مضيق ملقا (وهو ممر مائي يقع في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية)، وفق ما قال.
وبين أنهم يعتقدون بأن أي قوة معادية يمكن أن تغلق هذا المضيق البحري للشحن أثناء الصراع، وبالتالي الإضرار باقتصاد جمهورية الصين الشعبية.
وحسب ما ذكرته الكاتبة، فإن حكم محكمة التحكيم الدولية في لاهاي عام 2016 لم يبطئ الوجود العسكري في المنطقة.
ووقتها، رفضت الصين بقوة القرار الذي أصدرته المحكمة والذي قالت فيه إن ادعاءات بكين حول حقوقها التاريخية في بحر الصين الجنوبي "لا أساس لها قانونا".
إذ تواصل الصين بناء الجزر بالبنية التحتية العسكرية وإجراء اختبارات لصواريخ "مدمرة قاتلة"، وتدمير "سفن العدو بتحد خلال التدريبات في بحر الصين الجنوبي". وعلى الصعيد الآخر، يتزايد النشاط العسكري الأميركي أيضا.
فبحسب الخبراء الصينيين، في عام 2020 وصل النشاط العسكري إلى أبعاد غير مسبوقة حيث أرسلت الولايات المتحدة طائرات استطلاع أكثر من 1000 مرة لمراقبة تصرفات الصين في المنطقة.
كل هذا يؤدي بطبيعة الحال إلى حوادث عسكرية، وفق تقدير الكاتبة. وتمر السفن الصينية أحيانا بشكل خطير بالقرب من البحرية الأميركية مما يجبر الأخيرة على إجراء مناورات طارئة لمنع الاصطدام.
وترى أنه يتعين على بكين بين الحين والآخر أن تحلق بمقاتلات لاعتراض الطائرات الأميركية، كما أعمى الجيش الصيني الطيارين الأميركيين بأشعة الليزر.
وأدت المناورات الخطيرة التي نفذها كلا البلدين بالفعل إلى مأساة. ففي عام 2001، اصطدمت طائرة استطلاع أميركية ومقاتلة صينية كانت تطاردها في سماء بحر الصين الجنوبي.
ومن المتوقع أنه مع تدهور العلاقات بين البلدين، قد تتكرر حوادث مماثلة، لكن من غير المرجح أن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق، وفق تقدير الكاتبة.