بقوة السلاح.. هذه موارد خزينة تنظيم الدولة لتمويل عملياته شرقي سوريا
باتت الإتاوات المالية التي تفرضها خلايا تنظيم الدولة في محافظة دير الزور شرق سوريا على وكلاء آبار النفط في القسم الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية "قسد" هناك مصدرا أساسيا لتمويل بقائه.
وتعمل خلايا التنظيم على جباية وتحصيل الأموال بقوة السلاح في دير الزور، حيث تنتشر الآبار النفطية والتي يستثمرها الأهالي بعقود تمنحهم إياها قوات "قسد" لقاء مبالغ مالية محددة.
وتسيطر قوات "قسد" على عدد من حقول النفط في الضفة اليسرى من نهر الفرات بمحافظة دير الزور، وأشهرها حقل "العمر" أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجا.
وجميع الحقول الكبيرة توجد فيها قوات أميركية خاصة لحمايتها ضمن إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول طبيعة وجود قوات بلاده في سوريا.
مهاجمة الآبار
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أقدمت مجموعة من خلايا تنظيم الدولة على اقتحام بئر الفيصل النفطي قرب بلدة البصيرة بريف دير الزور الشمالي وإحراقه.
وسبق ذلك مهاجمة التنظيم عدة آبار نفطية بمناطق سيطرة مليشيا "قسد" لإجبار مستثمريها على دفع مبالغ مالية كحصة للتنظيم من إنتاج النفط.
وتنتشر في منطقة الجزيرة التي تستولي عليها "قسد" والغنية بالنفط عقود استثمار لآبار نفط صغيرة ومتناثرة تمنحها تلك القوات لوكلاء محليين، لقاء مبالغ مالية معينة.
وأكدت شبكة "الشرقية 24" المحلية لـ "الاستقلال" أن تنظيم الدولة "يمارس سلطة أمر واقع في مناطق قوات قسد، وهو قادر عبر خلاياه المنتشرة هناك والتي تتحرك بشكل سري ومنظم على إجبار الأهالي لتنفيذ أوامر".
ولجأ تنظيم الدولة إلى "فرض إتاوات مالية على أصحاب تعهدات آبار النفط من قسد، تحت تهديد الاغتيال في حال التخلف عن السداد وفق صيغة متفق عليها مسبقا"، وفق الشبكة.
وتضيف الشبكة أن تنظيم الدولة "يعمد إلى التواصل مع الأهالي عبر ملصقات ورقية إما عبر لصقها ليلا أمام باب منزل الشخص أو رميها بداخل منزله، والتي يحدد من خلالها التنظيم المهل والشروط التي يجب تنفيذها قبل أن يصبح دمه مهدورا لديهم".
وصولة وجولة خلايا تنظيم الدولة في خط الجزيرة الغنية بالنفط، لا يمكن لـ"قسد" صدها أو منعها، إذ تتمتع تلك الخلايا بحرية الحركة على الرغم من كثرة الحواجز الأمنية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية في المنطقة.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021 داهمت خلايا تنظيم الدولة عبر دراجات نارية يستقلونها بئر "أبو حبة النفطي" والواقع بريف دير الزور الشمالي، بعد رفض مستثمري البئر دفع مبلغ مالي فرضه التنظيم عليهم.
ويتيح انتشار الآبار النفطية في صحراء خالية بعيدة عن المنازل سهولة لتنقل خلايا تنظيم الدولة والإغارة على النقاط، مما يشكل صعوبة كبيرة في ملاحقتهم من قبل قوات قسد أو طيران التحالف الدولي، الذي يتخذ من حقل العمر النفطي قاعدة عسكرية له.
وفي شهر يوليو/تموز 2021 هاجمت خلايا تنظيم الدولة "بئر دعاس" النفطي الواقع أيضا بريف دير الزور الشمالي، واعتدت بالضرب على الحراس وهددتهم لإجبار مستثمر البئر على دفع المال كحصة لهم من الآبار.
بطاقة رابحة
تراجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن سحب الجنود الأميركيين من سوريا بشكل كامل وفق ما خطط له نهاية 2018.
ولكن تحت ضغط وزارة الدفاع الأميركية اقتنع ترامب لاحقا بإبقاء قوات بلاده لمواصلة العمل مع قوات "قسد" بهدف حماية حقول النفط شرق سوريا.
وحاليا توجد قوة أميركية صغيرة نسبيا تقدر وفق مسؤول أميركي بـ "900 جندي"، تنحصر مهمتهم في دعم قوات سوريا الديمقراطية في قتالها ضد تنظيم الدولة وحماية حقول النفط، وفق ما ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأميركية 27 من يوليو/ تموز 2021.
ولطالما أبدت وزارة الدفاع الأميركية خشيتها من أن تقع حقول النفط مجددا بيد تنظيم الدولة أو فاعلين آخرين.
فمنذ إعلان الولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية القضاء على "تنظيم الدولة" بمحافظة دير الزور في مارس/آذار 2019، وتسليم المئات من عناصر التنظيم أنفسهم أو أسرهم جراء المعارك، أصبح هؤلاء يشكلون عبئا أمنيا على "قسد".
وفي هذا الإطار يرى الصحفي السوري حسن الشريف أن "ملف خلايا تنظيم الدولة تتمسك به استخبارات قسد بشكل كامل وتتعامل معه على أنه بطاقة رابحة وتسعى دائما لتنشيطه كون الوجود الأميركي متعلق بإزالة خطر التنظيم".
وأضاف الشريف لـ "الاستقلال" أن "سماح قوات قسد لتنظيم الدولة بجبي الأموال من النفط يعني أنها تعيد إنتاجه وهيكلته بشكل بطيء، فضلا عن إعطائه موردا ماليا يستخدمه في تأمين بقائه وتنقلاته ودعم خلاياه".
واستدرك قائلا: "هناك نقطة غاية في الأهمية هو استعمال تنظيم الدولة للمال في عمليات إطلاق سراح عناصر وقادة له في سجون قسد مقابل مبالغ مالية ضخمة، وكذلك في دعم نساء التنظيم في مخيم الهول الذي يضم المئات من أسر وعوائل التنظيم".
ومما يجعل خلايا تنظيم الدولة يفرض نفسه كلاعب أساسي في قطاع النفط في مناطق سيطرة قوات قسد شرق سوريا وتحديدا في محافظة دير الزور، هو إدارته سابقا مئات الآبار الصغيرة فيها، والتي كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا بمعدل ربح لا يقل عن مليوني دولار كل يوم.
جباية منظمة
لكن تركيز التنظيم حاليا على رفد خزينته المالية والتي تدار بشكل غامض من الموارد النفطية التي تعوم عليها المنطقة، يعود لعدة أسباب.
أولها وفق الصحفي حسن الشريف، هو سهولة استلام خلايا تنظيم الدولة الأموال وبالدولار من متعهدي الآبار النفطية بشكل نقدي قرب البئر، بحيث تمنح المنطقة سهولة الانسحاب منها عند الاستلام.
ثانيا، عجز قوات قسد عن ردع خلايا تنظيم الدولة ووضع حد لهجماتهم، ولا سيما أن القسم الخاضع لقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور يعتبر في الليل تحت قبضة التنظيم.
ثالثا، عدم قدرة قوات قسد على تأمين حماية كاملة لتلك الآبار النفطية المتوزعة في الصحراء خشية أسر عناصرها من قبل خلايا التنظيم وبنفس الوقت تجنب الاشتباك معهم.
رابعا، استفادة قوات قسد ماليا من الآبار النفطية واستثمارها عبر وكلاء محليين، وعدم تركها بيد الأهالي بحكم سيطرتها على المنطقة بدعم أميركي.
وتعد قوات "قسد" إحدى أكبر مزودي نظام بشار الأسد بمواد النفط والغاز عبر طرق التفافية بعيدا عن العقوبات الدولية وعلى رأسها قانون "قيصر" الأميركي، ما يعني أن شريان النفط بينهما يتجاوز كل الخلافات السياسية.
وسبق أن كشف تقرير لشبكة الشرقية 24 في 29 يوليو/تموز 2021 بأن "قسد" تزود النظام السوري بما يقارب 6 مليون برميل نفط سنويا، ما يعود عليها بعائدات تقدر بـ120 مليون دولار أميركي.
ويعد حسام القاطرجي، وهو أبرز أمراء الحرب المحسوبين على عائلة الأسد، والمعاقب من قبل وزارة الخزانة الأميركية، أحد أشهر وأكبر وكلاء نقل النفط بين مناطق "قسد" والنظام السوري.
وتعمل مئات "الصهاريج" التابعة لمجموعة "القاطرجي" على مدار الساعة لنقل النفط الخام من حقلي (الرميلان - والجبسة) بمحافظة الحسكة، إلى مناطق النظام السوري.
إذ تسلك تلك "الصهاريج" طريق "أثريا - الرقة"، الرئيس العامل حاليا لنقل النفط، والذي تنتشر فيه قوات النظام بشكل مكثف على طوله.
عقود سرية
وحول هذه الجزئية، أكدت شبكة "الشرقية 24" أن خلايا تنظيم الدولة في البادية السورية تتبع ذات التكتيك في تحصيل حصتها من النفط السوري بقوة الكمائن أو عبر الاتفاقات السرية البعيدة عن الإعلام.
وألمحت الشبكة بالقول "إنه لا يمكن أن تسمح خلايا تنظيم الدولة المنتشرة في البادية السورية بمرور شاحنات النفط المحملة من مناطق قسد إلى مناطق النظام السوري دون قبول منها".
لذا فإن "أي هجوم على تلك الصهاريج المحملة بالنفط يعود إما لخلل في الاتفاق أو بموعد سداد الحزمة المالية المفروضة على وكلاء التهريب كشركة قاطرجي"، وفق الشبكة.
كما أن النظام السوري الذي "جند شركات خاصة مهمتها استجلاب النفط الخام من مناطق قسد بأي طريقة وبأي ثمن وضمان استمرار تدفق النفط إلى مصافي حمص والساحل السوري، يأتي مع غض طرف من قوات التحالف الدولي الداعمة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" لوقف تهريب النفط، وفق "الشرقية 24".
وهنا يلفت الصحفي حسن الشريف، إلى أن تنظيم الدولة في البادية السورية "يحصل أيضا على حاجته من المحروقات كالبنزين والمازوت وحتى الطعام لقاء مرور قوافل النفط الطويلة القادمة من الحسكة والرقة والتي تصل أحيانا إلى 300 شاحنة يوميا عبر طرق البادية".
وتعمل مئات "الصهاريج" التابعة لمجموعة "القاطرجي" على مدار الساعة لنقل النفط الخام من حقلي (الرميلان - والجبسة) بمحافظة الحسكة، إلى مناطق النظام السوري.
وتسيطر قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد" على 6 حقول نفطية في الحسكة، إذ يتزود النظام بالنفط مقابل تغذية بعض المناطق بالكهرباء.
وتقع 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، ضمن نطاق سيطرة قوات قسد" بمساحة تقدر بـ 22 بالمئة ضمن ثلاث محافظات سورية وهي (الحسكة - ديرالزور – الرقة).
إلا أن مواقع إعلامية كردية ترجح أن حجم الإنتاج اليومي من النفط يصل إلى 100 ألف برميل يوميا وينخفض بحسب حالة الآبار الفنية وغزارة إنتاجها وقلة الأعطال.
وتقدر خسائر قطاع الكهرباء في سوريا منذ عام 2011 حتى 2020 وفق أرقام حكومية، بـ 100 مليار دولار.
فيما وصلت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع النفطي 95 مليار دولار، ولا سيما أن 70 بالمئة من محطات التحويل وخطوط نقل الفيول متوقفة الآن نتيجة تعرض المحطات لقصف مباشر.