رغم نشره بيانات عسكرية.. لماذا يجرم السيسي جمع معلومات عن جيش مصر؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لدى مصر واحدة من أكبر القوات ومخزونات الأسلحة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويلعب جيشها دورا رئيسا في الحياة السياسية والاقتصادية، وهو المتحكم الأول والأوحد في جميع المسارات، تحديدا بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013. 

وفي مرحلة ما بعد الانقلاب، ووصول رئيس النظام عبدالفتاح السيسي الذي كان قائدا للجيش إلى منصب الرئاسة، أصبحت القوات المسلحة محورا للأحداث والأخبار.

لذلك نشرت الدراسات والأبحاث الأكاديمية المطولة عن أنشطة العسكر في مصر على شتى الأصعدة، سواء المتعلقة بصفقات السلاح، أو إقامة المشروعات الخاصة، أو طبيعة التكتيكات القتالية وجدوى التسليح.

دراسات محظورة

بعد سنوات ومع وجود مخزون معلوماتي كبير عن الجيش، ثار قلق المنظومة الحاكمة، التي تحاول تحجيم تلك السيولة بإصدار قوانين رادعة تسد الطريق أمام الباحثين، وتمنع جمع أي معلومات عن العسكر ونشرها، دون إذن من وزارة الدفاع، وإلا كان الحبس والغرامة هو الجزاء.

عندما أعلن السيسي إنهاء حالة الطوارئ في البلاد، قوبل قراره بترحيب البعض باعتباره خطوة إيجابية في سبيل تحسين أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في البلاد. 

لكن سرعان ما صدم السيسي الجميع بإصدار حزمة تشريعات في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إضافة إلى تشريعات سابقة، حتى جعل قرار إلغاء الطوارئ إجراء شكليا أمام العقبات الجديدة. 

البداية كانت من خلال ثلاثة تعديلات تشريعية بمقصد "حفظ الأمن" الدارج لتمرير القوانين التي يريدها النظام، وصدق مجلس النواب المصري على إعلان رفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ سنوات.

كما صدق على مشاريع أخرى تتعلق بـ"حماية المنشآت الحيوية" و"مكافحة الإرهاب" و"صون أسرار الدولة".

الأخطر في تلك المستجدات كان إقرار قانون عقوبات ينص على عقوبة بالسجن والغرامة لكل من يحاول جمع المعلومات عن القوات المسلحة وأفرادها ومهامها دون إذن مباشر من وزارة الدفاع. 

وجاء في نص القانون أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبالغرامة، من قام بجمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء الدراسات، لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم، دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع".

تأثير سلبي 

استفز القانون الأخير عددا من السياسيين والباحثين، وأثار الشكوك في توقيته، حتى بين أعضاء البرلمان المصري.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن النائبة مها عبد الناصر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي المصري تصريحات قالت فيها: "لسنا ضد تشديد العقوبة للكشف عن أسرار الجيش المصري أو التجسس، لكن لدينا تحفظات حول التوقيت وتزامنه مع قرار الرئيس إلغاء حالة الطوارئ وصدور إستراتيجية حقوق الإنسان".

من جانبه عارض النائب البرلماني المصري محمد عبد العليم داود، الذي طرد من حزب الوفد مطلع العام 2021، التعديلات المتعلقة بحظر جمع الاستبيانات ونشر الدراسات عن الجيش، بعبارات أكثر دقة، قائلا "إنها ستمنع الباحثين والصحفيين من القيام بعملهم". 

أما يزيد صايغ، الباحث في مركز "مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت، والذي يتركز عمله على الدور السياسي للجيوش العربية، قال في تغريدات عبر "تويتر"، إنه "لأمر سخيف ومحبط للذات، أن يحظر قانون العقوبات المصري المعدل جمع البيانات أو الدراسات المتعلقة بالأنشطة العسكرية دون موافقة وزارة الدفاع".

وبين أن سخافة الأمر تأتي "بالنظر إلى مقدار البيانات التي ينشرها الجيش نفسه بشكل روتيني حول مشاريعه وأعماله المدنية". 

واستطرد في تغريدة أخرى أنه "بموجب قانون العقوبات المصري المعدل، فإن تقريري لعام 2019 عن أنشطة الجيش المصري، والاقتصاد العسكري، الذي كان يعتمد على 99 بالمئة من البيانات الرسمية في المجال العام، غير قانوني الآن، أمر سخيف!". 

وكان يزيد الصايغ قد نشر تقريرا بعنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري" في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2019، من خلال "مركز مالكوم كير– كارنيغي"، حيث قدم شرحا مفصلا للدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد الوطني.

وتحدث عن كيفية تحولها إلى جهة فاعلة مستقلة يمكنها إعادة تشكيل الأسواق والتأثير في صياغة السياسات الحكومية وإستراتيجيات الاستثمار، إضافة إلى علاقتها برجال الأعمال، وكيف تدير تلك المؤسسة شؤونها المالية فيما يتعلق بقواعد السوق المحلية والتعامل مع المؤسسات المدنية.

ثم أوضح التأثير السلبي لتلك العملية برمتها على البلاد واقتصادها وبقية المؤسسات والمستثمرين. 

دراسات مفصلية 

لم تكن تعديلات القانون الأخيرة أمرا مستجدا فيما يخص التعاطي مع الشأن العسكري المصري بالبحث والدراسة وتناول الأخبار.

ففي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أقر قسم التشريع بمجلس الدولة مشروع قانون "حظر نشر أي أخبار عن القوات المسلحة" الذي تقدمت به إليه وزارة الدفاع.

وتضمن أيضا "المنع بأي وسيلة من الوسائل نشر أو إذاعة أو إفشاء أو عرض أية أخبار أو معلومات أو إحصاءات أو بيانات أو وثائق أو مستندات تتعلق بالقوات المسلحة أو تشكيلها أو تحركاتها أو عتادها أو بعملها أو بخططها".

وأضاف القانون الذي أقره السيسي أنه "يحظر بصفة عامة كل من له مساس بشؤون القوات المسلحة أو بمهامها أو بوسائل تنفيذ مهامها أو بيانات أفرادها وكيفية أدائهم لعملهم أو غير ذلك، مما يعد سرا من أسرار الدفاع عن البلد بحكم طبيعته، إلا بتصريح كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة أو المحكمة المختصة".

وحاول السيسي من خلال سن تلك القوانين الملجمة، تعطيل رصد الإخفاقات والجدليات فيما يخص النشاط العسكري المدني، أو أداء المؤسسة العسكرية المصرية. 

وعلى سبيل المثال بشأن هذه الإخفاقات، نشرت "الاستقلال" في 21 يناير/ كانون الثاني 2020، تقرير "سرب محطم" عن "سر سقوط مقاتلات مصرية"، ورصدت فيه أكثر من 19 حادثة سقوط طائرات عسكرية بين أعوام 2013 إلى 2020.

وهو الذي عضد ما أصدره مركز "كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط"، في 28 فبراير/ شباط 2019، من بحث بعنوان "الجيش المصري.. العملاق المستيقظ من ثباته"، للباحث "روبرت سبرنغبورغ"، حيث ذكر فيه أن "معدل الاستخدام للمعدات والأسلحة المصرية يشير إلى مستوى منخفض من النشاط التدريبي".

تقارير أميركية

لم يكن هذا فقط ما أثار قلق الجنرالات في مصر، الذين يحكمون "دولة فقيرة"، بحسب ما أطلق عليها السيسي نفسه، وينفقون مليارات الدولارات على صفقات السلاح، لكن مبعث القلق الحقيقي لديهم في صدور دراسات عن جدوى تلك الأسلحة من الأساس والتشكيك في نجاعتها، خاصة الدراسات الغربية. 

وهو ما حدث في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عندما نشر موقع "ستراتفور" الأميركي تقريرا بعنوان "مصر وحمى الإنفاق على التسليح"، وأرجع التقرير أن "الكم الهائل لصفقات السلاح التي عقدتها القاهرة في الآونة الأخيرة، يرجع إلى عوامل جيوسياسية أبعد من الحاجة العسكرية، في ظل توجه النظام المصري إلى الاعتماد على مصادر متعددة للتسليح".

وكان أخطر ما ورد في التقرير الأميركي، هو الجزئية المتعلقة بـ"ميكانيزم" الأسلحة التي حصل عليها الجيش في السنوات الأخيرة.

إذ قال: "إن الضرورات العسكرية ليست هي العامل الذي أدى إلى الزيادة الكبيرة في مشتريات النظام المصري من الأسلحة، فعلى الرغم من المعركة التي يخوضها الجيش في سيناء ضد المتمردين، إلا أن الأسلحة لا تناسب طبيعة القتال هناك".

وكذلك أصدر "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" المعروف بـ"Sipri" المتخصص في رصد الصراعات، والتسلح ومراقبة الأسلحة ونزع السلاح، وثيقة مرجعية هامة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عن "فهم النفقات العسكرية المصرية"، وقد أورد المعهد السويدي استكشافا متعمقا للأرقام الرسمية للإنفاق العسكري في مصر. 

وتمثل المحور الرئيسي في كشف أوجه القصور والفجوات في البيانات التي تذكرها الحكومة المصرية في تقاريرها عن الإنفاق العسكري وميزانية الجيش. 

وأعلن أنه بالعرض البياني لقائمة شاملة لصفقات شراء الأسلحة في مصر بين عامي 2000 و2019، وفحص تلك القائمة، تبين أن "العدد المتنامي لعمليات الشراء، لم يكن له أي أثر على مستوى الإنفاق العسكري، المذكور في التقارير الرسمية التي أصدرتها مصر في العقد الأخير من الزمن".

ثم أدرجت الوثيقة أيضا جزئية خطيرة عندما قالت إن "فئة إنفاق إضافية يمكن إدراجها في تقدير النفقات العسكرية المصرية، وهي المتعلقة بنشاطات القوات شبه العسكرية في مصر". 

وانتقد معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، بوضوح مسألة نقص البيانات الرسمية الشاملة، حول الإنفاق العسكري، وشدد أنه لا يمكن حل تلك الإشكالية إلا من خلال "الشفافية" عند وضع الموازنة العسكرية في مصر. 

أمثال تلك الدراسات التي كشفت حجم الفجوة في العلاقات المدنية العسكرية المصرية، ووجود حالة من الغموض والالتباس في ميزانية القوات المسلحة، وميكانيزم التسليح، والإخفاقات المتعددة في التدريب والعمليات العسكرية، ربما كانت سببا رئيسا في محاولة حجب ووقف مصادر تلك الدراسات الصادمة. 

سيطرة مطلقة 

الباحث السياسي المصري، محمد ماهر، يرى أن "التعديل الأخير من قانون العقوبات الخاص بمنع جمع المعلومات والبيانات عن الجيش، يرسخ فقط من عسكرة الدولة، ويضيف سياجا على طبيعة العلاقات المدنية العسكرية، وتغول الجنرالات في سائر مفاصل الدولة، والدخل الناتج عن تلك العملية، أو من عمليات صفقات السلاح المشبوهة". 

وأضاف ماهر لـ"الاستقلال": "عندما نعلم أن الجيش يمتلك بشكل مباشر ما بين 70 إلى 90 بالمئة من الأراضي المصرية، ويسيطر على عدد هائل من الطرق والكباري والمرافق، التي تدر دخلا من خلال فرض رسوم عبور، سيعلم حينها المواطن أنه يعيش في دولة عسكرية بامتياز، يتخطى فيها الجيش كل قواعد الحساب والخضوع للمراقبة".

فضلا عن توسعه المهول الذي ابتلع بقية الهياكل الحكومية بل والاستثمارات الخاصة، "وأصبح من السهل في مصر أن ترى رجل أعمال يرتدي زيا عسكريا"، وفق قوله.

وذكر: "لا يمكن الفصل بين هذا القرار والاضطرابات والأزمات التي حدثت خلال السنوات الماضية من رصد النشاط العسكري في الحياة السياسية والاقتصادية المصرية".

فعلى سبيل المثال عندما فجر المقاول المصري محمد علي التسريبات الفاضحة عام 2019، وكشف حجم الأموال المهدرة من قبل الشركات التي تمثل الذراع الاستثمارية للجيش، مثل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بجميع قطاعاته، كانت ضربة هائلة سببت اضطرابا حتى داخل الجيش نفسه، ولدى صغار الضباط.

وهو الأمر الذي ظهر في ردة فعل السيسي وتعامله مع الفضيحة، "يوم خرج بنفسه ليرد على المقاول الذي عمل سابقا لدى الجيش"، بحسب ماهر.

وقال السيسي وقتها إنه سيستمر في بناء القصور الرئاسية الجديدة "من أجل مصر" مضيفا أنه يعمل على "بناء دولة جديدة"، وفق زعمه.