إفراج ثم اعتقال.. هكذا تستغل الأطراف المتصارعة في السودان رموز نظام البشير

3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"رمال كثيرة تحركت" في عمق المشهد السياسي في السودان، خلال فترة زمنية قصيرة إثر الإفراج عن عدد من رموز نظام عمر البشير وإعادة اعتقالهم في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لتشعل الساحة من جديد.

فبعد انقلاب الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وإقالة حكومة عبدالله حمدوك واعتقال وزرائها، جاء قرار النائب العام مبارك محمد عثمان بالإفراج عن عدد من قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا (حزب البشير)، وعلى رأسهم رئيس الحزب الحالي وزير الخارجية السابق إبراهيم غندور.

الخطوات والقرارات المتسارعة والمتضاربة جعلت الكثير يتساءلون عن أسبابها، في الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن النائب العام نفذ القانون بإطلاق سراح المعتقلين بعد تجميد عمل لجنة التمكين (حكومية) "التي كانت تعرقل إجراءات الإفراج عنهم".

فيما ذهب آخرون إلى أن النائب العام أراد إرباك المشهد، وأن هذه الإجراءات هدفها إعادة النظام السابق إلى المشهد مجددا، وربما أحرج هذا الأمر البرهان أمام الرأي العام، ما جعله يقرر إعادة اعتقالهم بعد ساعات قليلة من الإفراج عنهم.

وتسبب قرار الإفراج في إثارة الرأي العام على البرهان الذي اتخذ قرارا بإقالة النائب العام، إضافة إلى 7 وكلاء نيابة آخرين من مناصبهم، وإلغاء قرار الإفراج وإعادة اعتقال جميع المفرج عنهم.

غياب القانون

السلطات السودانية اعتقلت غندور وآخرين محسوبين على نظام البشير في 29 يونيو/حزيران 2020، بشبهة التخطيط لعمليات تخريب، وذلك بموجب أوامر من لجنة "إزالة التمكين" التي تهدف إلى تفكيك ومنع عودة حكم البشير الذي استمر لثلاثة عقود.

وكان غندور قد تولى رئاسة حزب المؤتمر الوطني بالتكليف، عقب الاحتجاجات الشعبية التي انتهت بعزل البشير في 11 أبريل/نيسان 2019 وإيداعه السجن.

لكن بعد الإفراج عنه في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021 قال مكتب المتحدث باسم حمدوك في بيان إن "الإفراج عن شخصيات في عهد البشير يمثل انتكاسة لدولة المؤسسات وسيادة القانون".

كما اعتبر وزير الري والموارد المائية في حكومة حمدوك، ياسر عباس، أن "قرارات قادة الانقلاب العسكري بإطلاق سراح غندور وضباط بجهاز أمن نظام البشير ردة على ثورة ديسمبر".

وشدد عباس في تصريحات لقناة "الجزيرة مباشر" القطرية على أن إطلاق سراح المعتقلين المنتسبين لـ"نظام 30 يونيو (نظام البشير) يعد خرقا للوثيقة الدستورية التي نصت على اعتقالهم بناء على توصية لجنة التمكين". 

فيما يرى المحامي والأستاذ الجامعي جعفر الفاضل أن "عملية الإفراج وإعادة الاعتقال التي جرت بحق غندور هي إشكال سياسي أقرب من كونه إشكالا قانونيا".

وعلل ذلك بأنه جرى اعتقاله في الأساس في ظل عمله السياسي، وأن غندور خلال الفترة السابقة لم توجه له أي تهم واضحة، وبالتالي تم إطلاق سراحه من خلال إجراءات قانونية، وليس هناك مسوغ لإعادة اعتقاله من الناحية القانونية". 

وفي تصريحات تلفزيونية لقناة "طيبة" السودانية قال الفاضل: "الواضح أن إطلاق سراحه جاء في توقيت غير مناسب بالنسبة للسلطة الحالية، وواضح أنه لم يتم أي تنسيق سياسي بين النائب العام والأجهزة الأمنية والسلطات العليا الموجودة في الدولة".

وتابع: "التوقيت يخلق إشكالات للمكون السياسي الحاصل الآن في السودان وتسبب هذا في إقالة النائب العام وإعادة اعتقال غندور والآخرين". 

وأشار إلى أن "هؤلاء المعتقلين ظلموا واعتقلوا لأكثر من عام بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية الذي لا يسمح بتجديد الحبس لأكثر من 6 أشهر بأي حال من الأحوال".

وشدد على أن "إطلاق سراحهم هي مسألة قانونية صحيحة ليس فيها إشكال، وإعادة الاعتقال كانت من ناحية سياسية، وإذا أراد النظام إعادة اعتقالهم كان يجب اتخاذ الإجراءات القانونية، لكن إعادة القبض بهذه الطريقة هو اعتقال سياسي وليس قانونيا". 

واعتبر فاضل أن "السودان يعيش منذ فترة حالة من تعطل القانون سواء بقصد أو غير قصد".

رسائل مزدوجة

ورغم أن قرار الإفراج لم يدم أكثر من 16 ساعة، حيث أعيد توقيف الغندور ورفاقه من جديد، إلا أن ذلك لاقى انتقادات من رافضي الحكم العسكري واستياء شعبيا واسعا.

كما اعتبر البعض مجموعة القرارات بأنها تعطي رسائل داخلية وخارجية، وتشير إلى وجود تخبط داخل المجلس العسكري.

ويرى الزبير أن "النائب العام أطلق سراح الغندور ورفاقه في هذا التوقيت؛ لإعطاء رسالة إلى الثوار والمجتمع الدولي أن كل ما قام به البرهان هو عبارة عن انقلاب عسكري مدفوع من الإسلاميين من أجل القيام بهذه الإجراءات ضد الحرية والتغيير، وأن النائب العام المكلف أراد أن يسلم المجتمع الدولي وسيلة ضغط إضافية على البرهان بإعطائه صبغة إسلامية".

وتابع: "لذلك أقال البرهان النائب العام المكلف لنفي تلك الرسالة، والقول بأنه لم يقم بتلك الإجراءات من أجل إعادة الإسلاميين إلى الحكم".

لكن الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية، حالي يحيى، اعتبر أن "القرار كان متوقعا بعد عملية الانقلاب، أو كما يسميها البعض تصحيح المسار التي أقدم عليها البرهان".

وأضاف في حديث مع "الاستقلال": "كان يتوقع الكثير بعد الانقلاب أن تكون هناك خطوات جادة في محاكمة كل من تورط من أعضاء نظام البشير فيما يتعلق بالفساد أو بجرائم أخرى، لكن يبدو أن هناك خلافا كبيرا داخل المكون العسكري في إمكانية قيادة الدولة وكسب الشارع المناهض للخطوة التي أقدم عليها البرهان". 

وأشار يحيى إلى أن "هناك اعتقادا بأن معظم المعتقلين الذين يقبعون خلف القضبان يتبعون للحركة الإسلامية ونظام البشير، ولذلك إذا قبل البرهان خروج هؤلاء وأن يعيشوا كما الآخرين دون نشاط سياسي ستحسب عليه، باعتبار أن البرهان نفسه متهم أيضا بأنه جنرال ينتمي لنفس المنظومة التي كانت تحكم السودان".

وتابع: "لكنه ربما استطاع استغلال الظروف المحيطة بالوضع السياسي حينها ليتسلم السلطة ويكون على رأس المجلس السيادي ويسانده في ذلك الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي الذي يتمتع بقوة داخل الجيش". 

كما اعتبر يحيى أن "انعدام الرؤية الإستراتيجية في قيادة السودان والخروج به إلى بر الأمان والخلافات التي تعصف داخل أعضاء المجلس السيادي والضغوط الخارجية كلها كانت وراء مسألة خروج غندور من السجن"، مؤكدا أن "كل هذه التطورات المتلاحقة توضح أنه ليس هناك اتجاه سليم لتصحيح مسار عملية إدارة الدولة بشكل مدني".

ضغوط خارجية

ومن خلال القرارات الأخيرة التي صدرت من المجلس العسكري، يرى يحيى أن "هناك مجموعات داخل المجلس مناهضة للأحزاب الإسلامية، وأن هذه الخطوات تأتي في سياق العداء والهجمة الشرسة لبعض الدول العربية ضد الحركات الإسلامية التي تعتبر أنها وراء الكثير من الكوارث الداخلية أو الخارجية فيما يتعلق بقطع العلاقات مع بعض الدول المؤثرة".

وأضاف: "هناك توجه خارجي يدعم مجموعات محددة في السودان لاستئصال أي دور محتمل لجماعات تنتمي لأيديولوجية إسلامية، وهناك بعض النخب والمثقفين السودانيين يدعمون هذا التوجه لما وجدوه من آثار أضرت بالسودان في عهد البشير وكرست الديكتاتورية باسم الأيديولوجية الإسلامية وحدث ما حدث من ظلم في بعض المناطق المهمشة". 

بالإضافة إلى وجود تكالب على الجماعات الإسلامية من بعض الدول، وأن هناك محاولة حتى لا يكون لهذه الجماعات دور في سياسات بعض الدول العربية، كما يحدث مثلا في تونس ومناهضة حركة" النهضة"، وفق المتخصص في الشؤون الإفريقية، يحيى.

ويرى البعض أن تجربة البرهان تتشابه مع تجربة الانقلابي عبد الفتاح السيسي في مصر، والخطوات التي أقدم عليها والتطورات التي استطاع من خلالها السيطرة على البلاد وفرض حكمه.

وعن احتمال وجود تخبط داخل المؤسسة العسكرية الحاكمة حاليا في السودان، أشار يحيى إلى أن "البرهان في وضع لا يحسد عليه، في ظل وجود ضغوط خارجية، واعتصام مدني داخلي، ويتظاهر ضده الآلاف ممن يطالبون بإسقاط حكم العسكر، ووقوف جماهير كبيرة خلف حمدوك باعتباره شخصية وطنية مقبولة لدى الجميع". 

وأوضح أن "هناك تحديات تواجه البرهان داخليا وخارجيا، وأكبرها الوفاء بما وعد به وألا يتسيد الموقف ويمدد الفترة الانتقالية، ومن ثم يتكرر نفس المشهد الذي تكرر في عهد البشير، خاصة وأن هناك ضغوطا خارجية تمارس على المسار السياسي بما يتواءم مع مصالح بعض الدول في المنطقة، وتتمثل هذه المصالح في الاستفادة من خيرات السودان".

لذلك يؤكد يحيى أن "الخرطوم في حال فقدان البوصلة قد يتعرض لنوع من الاستنزاف الاقتصادي والسياسي إن لم يتوحد السودانيون ولم يكن هناك فرصة للعقلاء للدخول في المشهد السياسي المقبل".