فضولي البغدادي.. شاعر عراقي أهملته بلاده واحتفت به أذربيجان
تخليدا لاسمه ومسيرته الشعرية والأدبية، أطلقت جمهورية أذربيجان اسم الشاعر العراقي التركماني الشهير، فضولي البغدادي، على مطارها الجديد الذي افتتحه الرئيسان الأذربيجاني إلهام علييف وحليفه التركي رجب طيب أردوغان في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
ورغم مرور أكثر من خمسة قرون على رحيله كافأت أذربيجان الشاعر بوضع اسمه على مطار في قلب إقليم قرة باغ المحرر من الاحتلال الأرميني بمساحة تزيد على 100 كيلو متر مربع، ويبعد نحو 180 كيلو متر عن العاصمة باكو، لإضافة أهمية سياحية وتجارية للمنطقة.
احتفاء عراقي
احتفى وزير الثقافة والآثار العراقي حسن ناظم بافتتاح المطار الأذربيجاني الذي يحمل اسم فضولي، مشيرا عبر "تويتر" في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إلى إهمال بلاده هذا الشاعر الفذ، في حين أن دولا أخرى تفتخر بمثل هذه الأيقونة العراقية، والذي ولد ونشأ وتوفي في العراق.
ولفت الوزير إلى أن فضولي كان قد كتب أعماله بالعربية والتركية والفارسية، مشيرا إلى أن تركمان العراق والأذريون والأتراك والفرس يعدونه شاعرهم، في حين "نحن نهمله".
ولد الشاعر العراقي التركماني محمد سليمان أوغلو الشهير بـ"فضولي البغدادي" في مدينة كربلاء العراقية عام 1494 تقريبا، وعاش أغلب حياته في بغداد إلى أن عاد مجددا إلى كربلاء حيث وافته المنية، ليدفن في مسقط رأسه ذاته عام 1556.
عاش فضولي البغدادي في عهدين مضطربين، بين عهد الشاه إسماعيل الصفوي عام 1468–1566 مؤسس الدولة الصفوية الأذربيجانية، الذي انتشرت فيه اللغة الأذرية انتشارا واسعا، وعهد السلطان سليمان القانوني 1459-1566 الذي اعتمد اللغة العثمانية التي كانت تركية ممزوجة أساسا بالعربية، وكذلك بعض الفارسية.
قيل إنه سكن بغداد لفترة وعاد إلى كربلاء، وقيل إن الأذريين أطلقوا عليه لقب "البغدادي"، وقالوا: إن أسرته هاجرت إلى العراق قبل ولادته، وسكنت في العاصمة الحالية لها، فأطلقوا عليه هذا اللقب.
وينتمي الشاعر الملقب بـ"فضولي بغداد" إلى قبيلة "بيات" التركمانية، وهي إحدى القبائل ذات الجذور المرتبطة بالشعب الأذربيجاني، والمنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط والأناضول والقوقاز.
وتلقى تعليما شاملا في بغداد، وعمل معلما للرياضيات وعلم الفلك، وذلك بجانب كتابته الشعر. وجمعت أشعاره في مخطوطة مؤرخة بعام 1522 عنونت بـ"كليات"، وله ديوانان، الأول بالتركية الأذربيجانية، والثاني بالفارسية.
ويعتبر فضولي "شاعر الشرق الأول" خلال القرن السادس عشر الميلادي، وألف أشعاره بنفس البراعة باللغات التركية والفارسية والعربية، ورغم أن أعماله بالتركية كتبت باللهجة الأذربيجانية فإنه كان ملما بالتقاليد الأدبية العثمانية.
ولاعتزاز الشعب الأذري بالشاعر يمكث تمثاله الضخم في إحدى أهم ساحات العاصمة باكو، وسبق أن أقاموا له مهرجانا عالميا كبيرا عام 1958 مثل العراق فيه العلامة الراحل حسين علي محفوظ الذي يعد أول من ألف كتابا عن فضولي.
وقال عنه البروفيسور الأذري عباس زمانوف: "لولا فضولي ما كان لأذربيجان وجود". وتولي جامعاتهم ومؤسسة البحث العلمي الأذرية اهتماما بإعداد مئات الأطروحات ورسائل الدراسات العليا عن آثاره الشعرية والأدبية والفلسفية.
يعتبر من أشهر الشعراء الأذربيجانية، وأحد رواد المدرسة الكلاسيكية للأدب الأذربيجاني، إذ له عدة مؤلفات كتبها بالتركية الأذربيجانية والفارسية والعربية.
ولكونه عراقي المولد حتى الممات يمكن اعتبار "فضولي" سفير الثقافة العراقية إلى الشعوب التركية والأذرية والفارسية إلى جانب العربية، الذين كانوا وما زالوا يعتزون بانتمائهم إليه لأنه كان يكتب ويبدع بلغاتهم وهو لم يغادر العراق في حياته.
مطار جديد بأذربيجان باسم فضولي. فضولي 1494-1556 شاعر تركماني عراقي، ولد ومات بالعراق ودفن في صحن الإمام الحسين. كتب أعماله بالتركية وكتب بالفارسية، والعربية. تركمان العراق والآذريون والأتراك والفرس يعدونه شاعرهم، ونحن نهمله. كتبتُ عنه دراسة في محاولاً استعادة فضولي شاعرا عراقيا. pic.twitter.com/KWZ7ex7q9E
— Hassan Nadhem (@HassanNadhem) November 2, 2021
توجه ديني
رغم عدم انتمائه إلى المدرسة الصوفية التي كانت شائعة في عصره إبان الدولة العثمانية، فإنه دعا إلى قيم توصي بالبساطة والتواضع، ونبذ الإغراءات والملاذ الدنيوية.
الباحثان الإيرانيان محمد أمين مزاهب ومصطفى شهيد تابار المختصان في مجالي الأدب والثقافة، حللا محتوى أعمال "شاعر الشرق الأول" فضولي البغدادي عام 2015.
وذهب الباحثان في ورقة بحثية نشرت عام 2015 إلى أن أشعار فضولي اتسمت بنزعة دينية، حيث تطرق الشاعر إلى "مواضيع ومصطلحات قرآنية مثل الله والعبادة والمحراب والدين والجنة والنار".
واعتبر الباحثان النهج الذي اتبعه فضولي مؤشرا على معرفة واسعة له بالدين الإسلامي والعادات والثقافة الإسلامية، كما يضفي طابعا فريدا على الأسلوب الشعري والأدبي للشاعر العراقي في ذلك الوقت.
وشكلت قصائد الغزل جزءا كبيرا من أشعار فضولي البغدادي، وتتميز أبيات شعره بالعمق في محاولة فهم "العالم الداخلي" للإنسان.
كما اتسمت المواضيع التي يتناولها فضولي في شعره بالتنوع، حيث شملت مواضيع تتعلق بمراحل نشأة الكون، مرورا بالتغزل بالمحبوبة، وصولا إلى المعاناة والحزن الأبديين الناتجين عن عدم إمكانية الوصول إلى "الكمال" في الحب.
وعارض فضولي الاستبداد والظلم والإقطاع، وسطر أبيات شعر تتحدث عن العدالة والرفاه، وتدافع عن المظلومين من سوء المعاملة من قبل أولئك الذين يسيؤون استخدام السلطة.
ومن المعروف ان أكثرية الشعراء في العصور الوسطى كانوا يميلون إلى التودد إلى قصور السلاطين بكتابة قصائد المديح وترويج شعر الديوان، إلا أن فضولي ظل بعيدا عنهم.
حتى أن القصائد التي كتبها وأهداها إلى بعض المسؤولين كانت تعكس معاناة الشعب بأسلوب تسوده اللباقة الأدبية، إذ يقول فضولي البغدادي في إحدى قصائده: "ليحترق في النار بساط السلطة".
سلطان الشعراء
لقب الشاعر فضولي البغدادي بـ"سلطان الشعراء التركمان" و"شيخ الشعراء" و"رئيس الشعراء" و"الشاعر الأعظم" و"أعظم شعراء الشرق" و"أفصح الشعراء"، وكان شاه إسماعيل وهو مؤسس الدولة الصفوية أول من ناصره.
لكن وبعد فتح بغداد على يد السلطان العثماني سليمان القانوني بدأ فضولي بالكتابة عن السيادة العثمانية، ولكنه لم يصل إلى إسطنبول وبقي وعاش في العراق حتى وفاته.
ترك فضولي الكثير من الكتب المهمة، ومن أبرزها "شكايت نامة" الذي كتبه باللغة الأذربيجانية وعلق فيه بشكل تهكمي على عدم حصوله على مركز شاعر المحكمة في القسطنطينية.
وثاني أشهر كتبه "دستان ليلى ومجنون" والذي كتبه بالأذرية أيضا. وتحدث فيه فضولي عن عشق ليلى والمجنون، في قصيدة تزيد على ثلاثة آلاف بيت.
وبجانبها ألف كتبا عن مواضيع مختلفة، ومنها "الصحة والمرض" و"أنيس القلب" و"مطلع الاعتقاد في معرفة المبدأ والمعاد" و"حديقة السعداء" الذي تحدث فيه فضولي عن واقعة كربلاء (معركة قتل فيها الحسين حفيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمدينة كربلاء في 10 محرم سنة 61 للهجرة عام 680 ميلادية).
"فضولي وآثاره، فضولي البغدادي، أمير الشعر التركي القديم" هذه عناوين لثلاثة كتب بثلاث لغات مختلفة كتبت عن فضولي.
وهي: بالتركية للأديب التركي عبد القادر قره خان، والأذرية للأديب الأذري حميد أراسلي عضو شرف المجمع العلمي العراقي، والعربية للدكتور حسين مجيب المصري، كما كتب عنه الباحث التركي محمد فؤاد كوبرلو كتابا حمل عنوان "فضولي حياتي وأثري".
للأديب والشاعر فضولي البغدادي (12) كتابا باللغة التركية و(6) بالفارسية و(2) بالعربية ما بين شعر ونثر.
وفي الغالب كان يركز فضولي في شعره على الفقر والحرمان، وفي أواخر حياته كان يدعو إلى إنصاف المظلومين، وفضل الاعتزال والزهد والتبتل والعبادة وتكريس نفسه لها والابتعاد عن الدنيا ومغرياتها، حتى أدركه الأجل بوباء الطاعون، ودفن في مسقط رأسه مدينة كربلاء العراقية.