انقلاب الكراهية على العنصرية.. كيف تقود سياسات ماكرون فرنسا إلى الخلف؟
يميني فرنسي متطرف يدعى ريمي داييه، جند عسكريين من أجهزة الشرطة والجيش للسيطرة على قصر الإليزيه الرئاسي بباريس، واحتلال البرلمان والتحكم بشبكات إذاعية رسمية لبث البيانات، ضمن مخطط انقلابي عرف بالعملية "أزور".
وسائل إعلام فرنسية تحدثت عن الانقلاب في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقالت إن داييه توعد من قبل بإسقاط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الخائن الفاسد"، حسب وصف ريمي.
"داييه" هو أحد وجوه اليمين المتطرف، الذين تعج بهم باريس، ويملؤون المسرح السياسي في البلاد، ويحملون روحا انتقامية، وكراهية لا محدودة للمهاجرين والمسلمين، ويؤمنون بتفوق العرق الأبيض.
طموح ومخططات
لم يكن مخطط داييه لإسقاط النظام الجمهوري وبناء منظومة جديدة حدثا مستجدا، فهناك أيضا محاولات انقلابية سابقة لمجموعة من جنرالات الجيش، فضلا عن بيانات اعتراضية أصدرها عسكريون فرنسيون، نددت بسياسات ماكرون والأوضاع المتردية للبلاد.
في أطروحة دراماتيكية إلى حد بعيد، وغير متخيلة في الجمهورية الفرنسية، أحد أكبر أقطاب أوروبا والقوى العالمية، التي تصف نفسها دائما بأنها "مقر الحريات ومنبع الفكر والثورات"، كشفت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية عن مشروع انقلاب، تم التخطيط له في سائر البلاد من قبل شبكة يمينية متطرفة، تستهدف قصر الإليزيه ومراكز الحكم.
كانت العملية الانقلابية المخطط لها تحمل اسم "أزور"، تتم على يد جماعة يمينية متطرفة تسعى لقلب النظام الجمهوري بالبلاد، واحتلال قصر الإليزيه وإسقاط الرئيس والإطاحة بالحكومة، وإعلان عودة الملكية بعد أزيد من 250 سنة على محقها.
وذكرت وسائل إعلام فرنسية، بينها قناة "فرانس إنفو"، أن النائب السابق بـ"حزب الحركة الديمقراطية" ريمي داييه، "خطط للانقلاب على الإليزيه بمساعدة شبكة واسعة مكونة من ضباط شرطة ودرك وجيش بينهم أفراد ما زالوا في الخدمة ومتقاعدون".
ووصفت الصحف المحلية مخطط داييه، بأنه "كان طموحا وأحمق".
ومما كشفته التحقيقات التي أمسكت الاستخبارات الفرنسية بزمامها، أن شبكة الانقلابيين نشرت خلاياها في جميع أنحاء البلاد.
كما جمع عناصرها أيديولوجية غارقة في التطرف العرقي الأبيض وكذلك نظريات المؤامرة الكونية، فهم معارضون بشراسة للقاحات فيروس كورونا، ووصل الأمر ببعضهم إلى تمجيد عودة النازية.
الأخطر أن من قاد تنظيمهم ضباط من الشرطة والجيش الفرنسي لتنفيذ خطة الانقلاب التي تمثلت في "حشد أكبر عدد ممكن من المتظاهرين" لخلق حالة من الفوضى الخلاقة، والتشويش على أجهزة الأمن.
ومن ثم "الإطاحة بالحكومة وهياكل الدولة" في مواجهات مسلحة شرسة، ترتكز أيضا على عناصر مما أطلقوا عليهم لقب "كوماندوز" من أجل الاستيلاء على المراكز الحساسة في الدولة، وتنفيذ اغتيالات إذا لزم الأمر، وفق وسائل الإعلام الفرنسية.
حشد عسكري
وبحسب التحقيقات تألفت الشبكة من العديد من ضباط الشرطة والدرك والجيش العاملين والمتقاعدين، وبعضهم في الخارج.
ومن أبرزهم مقدم متقاعد يدعى كريستوف (63 عاما)، وهو حائز على وسام الاستحقاق الفرنسي، كأمين الجناح العسكري للحركة. وحدد المحققون ما لا يقل عن 36 نقيبا، كل منهم مسؤول عن منطقته.
ولم تكن عملية "أزور" خطة على ورق فقط، بل كانت في مرحلة متقدمة من التجهيز، بعد أن اكتشفت ترسانة أسلحة ومواد لتصنيع قنابل تقليدية، معدة لتنفيذ المخطط.
وأوردت قناة "BFM" الفرنسية أن العسكريين أمروا بتدريب العناصر المجندة بسرعة ودقة، لإنجاز خطة الهجوم.
الرجل الذي يقف وراء العملية الانقلابية الصادمة، هو اليميني المتطرف، ريمي داييه، البالغ من العمر 54 عاما، والذي كان قياديا في حزب "الحركة الديمقراطية الوسطي" من تيار الوسط، ثم طرد منه.
بعدها أصبح يمينيا متشددا، وبات من الشخصيات المؤثرة في الدوائر المروجة لنظرية المؤامرة في فرنسا، وهم كثر مع تصاعد هذا التيار بقوة خلال العقد الأخير.
وطوال الوقت لم تكن أفكار الانقلاب بعيدة عن مخيلة داييه، ففي عام 2020، قال في تسجيلات فيديو: "قررت أخذ السلطة في فرنسا من أجل تصحيح مسار هذه البلاد، ومنحكم حريتكم".
وفي تسجيلاته تلك، شن هجوما حادا على رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، وتوعد بإسقاطه وطرده، متهما إياه "بالفساد وخيانة فرنسا" وفقا لتعبيره.
وفي يونيو/حزيران 2021، ألقت السلطات الفرنسية القبض على ريمي داييه، بعد اتهامه بتدبير عملية خطف دولية لطفلة تبلغ من العمر 8 سنوات لصالح والدتها التي فقدت حق الحضانة.
زعم داييه وجماعته أن "ميا" الطفلة المختطفة، كانت محتجزة لدى منظمة بيدوفيلية.
وكان داييه هاربا إلى ماليزيا، لكنه أجبر على العودة إلى فرنسا واعتقل فور عودته، وبالرغم من ذلك تعهد بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا.
وحاليا يمثل أمام القضاء الأعلى الفرنسي بتهم خطيرة تتعلق بالإرهاب وتأسيس عصابة إجرامية لتدبير مؤامرة يمينية متطرفة للانقلاب على الحكم، وإسقاط النظام الجمهوري الفرنسي.
انقلابات وعرائض
المحاولات الانقلابية في تاريخ الجمهورية الفرنسية، ليست مستجدة، ففي عام 1961، أقدم 4 جنرالات فرنسيون متقاعدون، على رأسهم موريس شال، وأندريه زيلر، وراؤول سالان، على محاولة من هذا النوع رفضا لقرار "الانسحاب من الجزائر".
وبالفعل تمكنوا من احتلال بعض المواقع الإستراتيجية في الجزائر، وإقناع وحدات عسكرية من الجيش الفرنسي بالانضمام لهم، لكن قوة الرئيس آنذاك شارل ديغول، أجهضت الانقلاب في بدايته، وذلك بمعاونة رفض شعبي عريض.
أما في عهد ماكرون ففكرة الانقلابات وعرائض الغضب الصادرة من قبل عسكريين، تكررت أكثر من مرة.
وفي مارس/ آذار 2021، نشرت مجموعة عسكرية غير صغيرة، من الجنرالات، الحاليين والمتقاعدين، إلى جانب الضباط والجنود، الذين بلغوا آلاف العسكريين، في دورية "فالور أكتويل" اليمينية المتشددة التي تصدر بشكل أسبوعي، بيانا عسكريا موجها للرئيس وأقطاب الحكومة في فرنسا بعنوان: "من أجل عودة شرف حكامنا".
وتضمن البيان نقدا لاذعا لما قالوا إنه ضعف يد الدولة الفرنسية في تطبيق السياسات اليمينية القومية والقيم الفرنسية، داخل إطار المجتمع، ما سبب فوضى من "الإسلاميين، وجحافل الضواحي، على نحو يهدد وحدة الأمة، ويذهب في اتجاه تحويلها لعقائد متعارضة مع الدستور".
وقد شارك في صياغة بيان الغضب رتب رفيعة المستوى مثل كريستيان بكيمان الجنرال الذي فصل من العمل العسكري بعد تنظيمه مظاهرة ضد المهاجرين في مدينة كاليه عام 2016، بالإضافة إلى ما لا يقل 10 آلاف جندي.
وقد نال دعم خبراء عسكريين سابقين مثل جون بيار فابر، الأمر الذي أشار بوضوح إلى وجود نواة طليعة عسكرية متمردة في الجيش الفرنسي.
ذلك الأمر دفع وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في 26 أبريل/ نيسان 2021، إلى توجيه خطاب إلى الجيش والمطالبة بفتح تحقيق وفرض عقوبات على العسكريين الموقعين على البيان ممن لا يزالون في الخدمة، بسبب ما أسمته "انتهاك ميثاق الشرف الموقع مع المؤسسة العسكرية".
ويذكر أنه في مستهل فترة رئاسته الأولى عام 2017، أطاح الرئيس الفرنسي ماكرون بأحد الجنرالات الأقوياء النافذين داخل الجيش، وهو بيير دو فيليه، ما تسبب في توترات نسبية في علاقة ماكرون بالمؤسسة العسكرية منذ ذلك الحين.
وأثار القرار حفيظة كبار الضباط بالجيش بشكل عام، والجنرالات المتقاعدين بشكل خاص.
وفي مطلع مايو/ آيار 2021، نشر "مركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية" بجنيف، تقريرا عن الجيش والسياسة في فرنسا، إبان دعوات الانقلاب وعريضة الجنرالات تحدث فيه عن طبيعة المؤسسة العسكرية في البلاد.
وقال الباحث المغربي في العلاقات الأوروبية رياض صيداوي: "يعد الجيش في فرنسا وغيرها، جزءا من بنية الحكم (الدولة العميقة) من خلال حمايته لاستحواذ مستثمرين وقلة معينة على الشركات الكبرى مثل توتال وداسو (الاقتصاد السياسي) وتأمين الأيديولوجيا النظرية المهيمنة على المجتمع (اللائكية)".
وتابع الباحث في المركز: "لا يعد الجيش الفرنسي بعيدا عن الحياة السياسية بشكل كامل كما هو متوهم".
وشدد على أنه في ظل الوضع القائم فإن "ماكرون سيطاح به في الانتخابات القادمة (أبريل/نيسان 2022) في أقصى تقدير، نظرا لعدم قدرته على الحفاظ على أهم ركيزة لاقتصاد السوق (الاستقرار الاجتماعي)، ليحل محله وجه آخر مختلف قادر على تنفيذ أجندة الأوليغارشية الحاكمة (أصحاب المال والقوة العسكرية)".
المصادر
- فرنسا.. "لو باريزيان" تكشف محاولة سرية للانقلاب على "الإليزيه"
- انقلاب عسكري في فرنسا؟
- إرهاصات انقلاب عسكري في فرنسا.. ما القصة؟
- ريمي داييه: اتهام مروج لنظرية المؤامرة بالتخطيط لانقلاب في فرنسا
- « Pour un retour de l’honneur de nos gouvernants » : 20 généraux appellent Macron à défendre le patriotisme
- محاولة انقلاب في فرنسا: مخطط يستنسخ اقتحام الكابيتول بمشاركة عسكريين
- “لوبارزين” تكشف عن “مشروع انقلاب” في فرنسا تحت مسمى “عملية أزور”