مرتزقة فاغنر.. هكذا أطاحوا بفرنسا من مستعمراتها القديمة في إفريقيا
تحدثت صحيفة روسية عن احتلال قوات مرتزقة "فاغنر" الروسية لإفريقيا وطرد فرنسا بعد محاولات الأخيرة لتثبيت أقدامها في القارة لأعوام طويلة.
وسلطت صحيفة "لينتا دوت رو" الضوء على كيفية فقدان فرنسا نفوذها في مستعمراتها الإفريقية السابقة، وتحدثت عن الدور الذي لعبته روسيا في هذه القضية.
وتزايد مؤخرا نفوذ عناصر روسية مسلحة في إفريقيا، حيث تتهم الأمم المتحدة مجموعة "فاغنر" بارتكاب انتهاكات في جمهورية إفريقيا الوسطى التي تشهد نزاعا مستمرا.
الحاجة للاختيار
وقالت إن مرتزقة "فاغنر" الروسية، منظمة شبه عسكرية، ساعدت قوات النظام السوري في استعادة السيطرة على مدينة تدمر السورية من أيدي تنظيم الدولة.
وكذلك ساعدت جمهورية إفريقيا الوسطى في التصدي لمجموعة من الجماعات المتمردة، والآن تتجه مرتزقة "فاغنر" إلى مالي.
وكان رد سكان بلد إفريقي (لم تسمه الصحيفة) في منطقة نفوذ فرنسا على قضية وصول أولئك المرتزقة العسكريين: "كان ينبغي علينا أن نختار، وخيارنا هو فاغنر".
وترى الصحيفة أن مرتزقة فاغنر سيساعدون القوات الحكومية في مالي على محاربة "المتطرفين الإسلاميين"، وفق تعبيرها.
تسبب المظهر غير المتوقع للروس في بلد إفريقي آخر في رد فعل سلبي من باريس، التي تخشى أن تزيد موسكو من تعزيز وجودها في القارة.
أصبحت "فاغنر" بالفعل قوة مؤثرة في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث كانت تعتبر في السابق بمثابة قمر صناعي فرنسي.
وقال الكاتب الروسي "ديمتري بلوتنيكوف" إنه سبق "تجنيد" منظمة فاغنر الروسية في مالي خلال الحرب الأهلية التي استمرت تسعة أعوام.
وفي عام 2012، ثارت قبائل الطوارق في مستعمرة فرنسية كانت موجودة سابقا. وأعلنوا دولة أزواد المستقلة عن جمهورية مالي والتي تقع في شمال البلاد وبدؤوا حربا مع الحكومة المركزية.
سرعان ما انقسم التمرد بسبب النزاعات بين القادة العلمانيين والإسلاميين. فقد انتصر الراديكاليون بفضل المساعدة النشطة للمنظمات الإرهابية العالمية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة (المحظور في روسيا)، وفق الصحيفة.
وتعهدت فرنسا بحل مشاكل مستعمرتها الإفريقية السابقة: ففي عام 2013، أطلقت عملية "سيرفال"، حيث نشر الفرنسيون ما يقرب من ثلاثة آلاف جندي وقادوا الإسلاميين بسرعة إلى الصحراء.
بحلول عام 2014، بدا أنهم هزموا تماما، ومع ذلك، أدركت قيادة العملية أن هناك مظهرا واحدا للنصر. فعلى الرغم من تشتت المتمردين الطوارق في الصحراء، فإنهم ما زالوا مستعدين للنضال المسلح.
ولذلك جرى استبدال "سيرفال" بعملية "برخان"، وانتشر الجيش الفرنسي في دول إفريقيا: مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد. لكن خمسة آلاف جندي فرنسي لم يستطيعوا التغلب على "العناصر الإرهابية".
وحسب الكاتب ففي مايو/أيار 2021، وصل الجيش بقيادة العقيد أسيمي غويتا إلى السلطة في مالي، وبدأ على الفور في البحث عن حلفاء آخرين، وسقط اختياره على مرتزقة "فاغنر" الروسية وهي مألوفة للأفارقة بسبب ما حدث في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وظهرت الشائعات في الصيف حول وجود المرتزقة الروس في مالي، ولكن منذ بداية الخريف، كانت الأخبار تتوالى. إذ أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ظهور جنود "فاغنر".
وردا على ذلك حذر نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان روسيا بضرورة تحمل عواقب وجودها في إفريقيا. وأدلى جوزيب بوريل ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ببيان مماثل.
ويتابع الكاتب: تجنبت روسيا سابقا الاهتمام بجنودها في إفريقيا، حيث إن البلدان التي يوجد فيها "فاغنر" هي مستعمرات سابقة لفرنسا وبالتالي لا ينبغي وجود أي عمل نشط لأي متخصصين أجانب لأن باريس ستفسر ذلك أنه هجوم على منطقة نفوذها.
لكن روسيا الآن لا تخشى أن تصرح بأنها يمكنها الخوض في هذا المجال وتتحدى فرنسا التي كانت تبني نفوذها بعناية في المنطقة لفترة طويلة.
ويشار إلى أن تأثير باريس على المستعمرات السابقة بدأ يتراجع تدريجيا، وهو أمر محفوف بخسائر اقتصادية وإستراتيجية خطيرة لفرنسا.
عمليات تجميل
وفي مقابلة مع الصحيفة أشار يفغيني كوريندياسوف السفير الروسي السابق في مالي، ورئيس مركز دراسة العلاقات الروسية الإفريقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم إلى أن القارة تأخذ مسارا مستقلا على الساحة الدولية بشكل متزايد.
وقال: "تجاهل إفريقيا في الفضاء الجيوسياسي والاقتصادي الحديث يؤدي إلى نتائج عكسية".
وأكد كوريندياسوف، أن فرنسا "حساسة" لظهور القوات الروسية في المنطقة الإفريقية.
وحسب ما ذكره فإن قصر الإليزيه يرد بعدائية على التقارير حول إدخال منظمة "فاغنر" في مالي، حيث تخشى السلطات الفرنسية فقدان مواقعها القيادية في المنطقة.
ووفق ما ذكره كاتب المقال فإن فرنسا حررت رسميا مستعمراتها في الستينيات، ولكن لا يزال لها تأثير هائل على اقتصادها والتنمية.
إذ يخلق السياسيون الفرنسيون ظروفا اقتصادية واجتماعية تضطر فيها المستعمرات السابقة إلى البقاء موالية، حيث تزودها باريس بالموارد اللازمة.
لفترة طويلة، كانت باريس تبني علاقات مع مستعمراتها السابقة على أساس نظام الوصاية والمحسوبية غير الرسمية، مما يسمى "فرانكافريكا".
أسس السياسي والدبلوماسي الفرنسي جاك فوكار هذا النظام وقد أطلق عليه الصحفيون لقب "السيد الإفريقي"، لدوره الفعال في التعامل مع القارة.
ويشير بلوتنيكوف إلى أنه بحسب الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها خلال إنشاء نظام "فرانكافريكا"، حصلت فرنسا على الحق الحصري في استخراج الموارد الطبيعية في المنطقة والأسواق المحلية.
وفي الوقت نفسه، استند النظام إلى بناء علاقات شخصية لفوكار وزملائه مع قادة الدول الإفريقية.
ولم تبرم العقود دون استخدام الرشوة والفساد وغير ذلك من العمليات غير القانونية. وبسبب هذا، تعرض النظام لانتقادات منتظمة من قبل المجتمع الدولي.
وعلق الكاتب بأنه خلال رئاسة إيمانويل ماكرون قصر الإليزيه الفرنسي، اتخذت خطوات في الاتجاه الإفريقي. وهنا يطلق يفغيني كوريندياسوف مسمى "اللمسات التجميلية".على سبيل المثال، اعتذر ماكرون عن وحشية وجرائم الجنود الفرنسيين خلال الإبادة الجماعية للتوتسي (أحد ثلاثة شعوب تعيش في منطقة البحيرات العظمى الإفريقية) في رواندا في عام 1994.
ويلفت بالقول: كما طلب المغفرة من الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا خلال حرب 1954-1962، الذين لم يتم إجلاؤهم من البلاد بعد "نهاية الصراع".
ومع ذلك، فإن مثل هذه الإيماءات لا تغير المسار الذي يتخذه قصر الإليزيه الفرنسي.
على النقيض تماما، فهي تهدف إلى الحصول على مجموعات موالية جديدة مستعدة لدعم الهيمنة الفرنسية في المنطقة بالمستقبل.