جنوده "مرضى بالعنف".. ماذا تعرف عن جيش ميانمار الذي يضطهد الروهينغا؟
في الأول من فبراير/ شباط 2021 أطاح الجيش في ميانمار بالحكومة المدنية برئاسة "أونغ سان سو تشي"، وأعلن حالة الطوارئ، لتشهد البلاد موجة اضطرابات أسفرت عن سقوط أكثر من ألف قتيل، بحسب رابطة مساعدة السجناء السياسيين.
ومع استنفار الجيش مرة أخرى، وإعادة حشد قواته، تخشى الأمم المتحدة والعالم، من حملة مذابح مروعة ضد المعارضين في ميانمار، خاصة وأن القوات المسلحة هناك، تملك تاريخا دمويا قريبا، عندما أوقعت مجازر ضد أقلية الروهينغا المسلمة، إضافة إلى قيامها على أيديولوجية متطرفة لا تعرف التسامح.
ففي كتاب "الجنود والدبلوماسية في بورما"، أورد الباحثان الفرنسيان المختصان في الشؤون البورمية "رينو إيغريتو"، و"لاري جاغان"، أن الجنرال "ني وين" الذي حكم ميانمار من (1962 إلى 1988)، أقام نظاما عسكريا يرتكز على أساس أيديولوجية قومية متطرفة مشوبة بالعنصرية وكراهية الآخر.
أبواق الفزع
في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أعلن مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز، أن "المجلس العسكري في البلاد يحشد عشرات الآلاف من القوات والأسلحة الثقيلة في شمال البلاد"، معبرا عن خشيته من وقوع مأساة إنسانية.
وقال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك "يجب أن نكون جميعا مستعدين وكذلك الناس في هذا الجزء من ميانمار لمزيد من الفظائع الجماعية".
وذكر خلال كلمته التي تمثل نداء للعالم لإيقاف المذبحة المنتظرة، أن "هذه التكتيكات تذكر بشكل قاتم بتلك التي استخدمها الجيش قبل هجمات الإبادة الجماعية ضد الروهينغا في ولاية راخين في 2016 و2017".
وشدد على تلقيه معلومات تفيد بأن أعدادا كبيرة جدا من القوات تتحرك في المناطق النائية في شمال ميانمار وشمال غربها، لتنفيذ هجمات مماثلة.
وشن العسكريون منذ انقلاب فبراير/ شباط 2021 حملة قمع دموية ضد المعارضين، قتل خلالها أكثر من 1100 مدني، واعتقل 8400 حسب المنظمة غير الحكومية المحلية "جمعية مساعدة السجناء السياسيين".
وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نشرت صحيفة "غلوبال نيو لايت أوف ميانمار" المحلية، وهي إحدى وسائل إعلام الجيش، أن "النظام يفكر في تشكيل ممنهج لمليشيات في القرى بهدف محاربة أعدائه".
وذكرت كذلك أن "السلطات ترغب في مكافأة الأشخاص الذين يسلمونها معلومات تساعد في الحرب الدائرة".
ولم يتمكن العسكريون الذين استحوذوا على السلطة من السيطرة الكاملة على البلاد بعد، حيث إنها تشهد عدم استقرار تسببه عدة مجموعات من "المتمردين"، الذين حملوا السلاح ضد الجيش.
كما تشن قوات الدفاع الشعبي، التي شكلها معارضو الجيش، حرب عصابات خصوصا في الأرياف، تسببت في خسائر متبادلة بين الأطراف، فضلا عن وقوع ضحايا من المدنيين.
دولة موازية
وبإلقاء الضوء على الـ"تاتماداو" وهي قوات الجيش التابع للقوات المسلحة لميانمار، التي تضم أيضا القوات البحرية والجوية، وتتبع وزارة الدفاع، فإنها تقع على عاتقها المسؤولية الرئيسة عن تنفيذ العمليات العسكرية البرية، وتتهم بارتكاب انتهاكات مروعة ضد الروهينغا المسلمين، تصل إلى جرائم إبادة عرقية ضد الإنسانية.
ووفقا لموقع "غلوبال فاير باور" الأميركي المتخصص في تصنيف الجيوش، عن تقريره السنوي 2020، أن جيش ميانمار يحتل المرتبة رقم 38 بين أقوى 139 جيشا حول العالم.
ويبلغ قوام الجيش حوالي 515 ألف جندي بينهم 405 آلاف جندي عامل، إضافة إلى 110 آلاف يصنفون (مليشيات شبه عسكرية) تابعة للجيش، وهو أكبر مستهلك للميزانية العسكرية السنوية.
وذكر الموقع الأميركي أن "القوات البرية تشمل 595 دبابة، و1700 مدرعة، و40 مدفعا ذاتي الحركة، وأكثر من 1800 مدفع ميداني، و496 راجمة صواريخ".
ويعتبر جيش ميانمار ثاني أكبر قوة نشطة في جنوب شرق آسيا بعد الجيش الشعبي الفيتنامي، حيث يتمتع بخبرة قتالية واسعة في محاربة من يطلق عليهم المتمردين بالمناطق الوعرة.
وبموجب دستور 2008، تحظى القوات المسلحة بصلاحيات واسعة، تعضد استقلاليتها عن الرقابة المدنية، ولديها سلطة واسعة على الحكومة والأمن القومي، وتسيطر على وزارات الدفاع، والشؤون الداخلية، وشؤون الحدود.
ويدير الجيش بالهيمنة المباشرة ملفات الصراعات الإثنية والشؤون الأمنية كما هو الحال في إقليم أراكان.
وللجيش كذلك 25 مقعدا مضمونا في البرلمان، ما يجعله قادرا على رفع حق النقض (الفيتو) في وجه أي تعديل دستوري، وهو المخول بإمساك السلطة في حالة الطوارئ الوطنية.
أي أن جيش ميانمار دستوريا وعلى الأرض دولة موازية.
ويقع على رأس الجيش والبلاد حاليا، الجنرال "أونج هلاينج"، الذي يتمتع بنفوذ قوي، في بنية المؤسسة العسكرية البرورمية، حيث قاد الحملة الشرسة الشهيرة ضد مسلمي الروهينغا، التي أدت إلى مقتل وتهجير الآلاف.
واقع دموي
يمتلك جيش ميانمار ماضيا دمويا مريعا وقريبا، ففي 25 أغسطس/آب 2017 نفذت قوات "تاتماداو" حملة عسكرية منظمة استهدفت مسلمي الروهينغا بولاية أراكان، حيث أدت وفق المنظمات الحقوقية إلى مقتل الآلاف، وتهجير مئات الآلاف من ديارهم.
وحرم نحو مليون من مسلمي الروهينغا في مخيمات بولاية أراكان من حق المواطنة بموجب قانون أقرته مؤسسة ميانمار العسكرية عام 1982، إذ تعتبرهم الحكومة مهاجرين غير نظاميين من بنغلاديش، في حين تصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الدينية الأكثر اضطهادا في العالم".
كثير من الجهات الحقوقية الدولية أدانت ممارسات جيش ميانمار ضدهم، وتحديدا منظمة العفو الدولية التي قالت إن "العملية العسكرية في ولاية أراكان تكتنفها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الروهينغا يمكن أن تعد جرائم ضد الإنسانية".
كما اتهم تقرير لمنظمة الأمم المتحدة بداية العام 2017 قوات الأمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب جماعي بحق الروهينغا، ووصفت ذلك بأنه انتهاكات قد تصل حد جرائم ضد الإنسانية وربما تصنف تطهيرا عرقيا.
وفي 17 أغسطس/ آب 2021، طالب "اتحاد روهينغا أراكان" (ARU)، بتقديم قادة جيش ميانمار إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية عن الإبادة الجماعية والجرائم التي ارتكبت ضد مسلمي أراكان.
وأدان الاتحاد عبر بيانه، المذابح التي وقعت في أراكان 25 أغسطس/ آب عام 2017، على يد قوات الجيش في ميانمار.
واستذكر البيان الإبادة الجماعية ببالغ الحزن، مطالبا بتقديم مرتكبي المذابح والجرائم والاغتصاب وقتل الأطفال في أراكان إلى العدالة.
شيفونية عرقية
في تقريرها عن جيش ميانمار ونزعته الدموية التدميرية، حاولت صحيفة "لوموند" الفرنسية في الثاني من فبراير/ شباط 2021، فك اللغز، وتفسير البعد النفسي لقادة المؤسسة العسكرية والجنود في آن واحد.
وقد استعانت في ذلك بـ "أنتوني ديفيس"، أحد أبرز الخبراء العسكريين، ومراسل مجلة "جينز ديفنس ويكلي" البريطانية في بانكوك، حيث تساءل عن "المرض الغريب الذي يجعل قوات التاتماداو تميل إلى العنف غير المبرر واستهداف المدنيين بشكل متعمد".
ورأى ديفيس أن "العنف الذي يمارسه الجيش يتعلق أساسا بالعرقية التي تمثل الأغلبية في البلاد (البورمية)".
وأكد أنه "يمكن تفسير سلوك جنود التاتماداو بالشوفينية العرقية المتجذرة في الوعي الجماعي لشعب بورما".
وعلى الرغم من المشاكل المتعلقة بنقص المجندين والاضطرار إلى تجنيد الأطفال فإن الجيش ظل يعتمد أساسا على المتطوعين من عرقية البرماويين البوذية، والتي تمثل 68% من سكان بورما البالغ عددهم 52 مليونا، وفق ما قال.
وقالت الصحيفة الفرنسية: "إن استيلاء جيش ميانمار على السلطة يعبر عن عقيدة أيديولوجية عسكرية متجذرة في البلاد منذ الاستقلال، يؤمن من خلالها العسكر بأن لهم دورا مركزيا مكلفين به وهو ضمان الوحدة الوطنية".
وفي 20 مايو/أيار 2021، في مقابلة مع وكالة الأناضول (الرسمية التركية)، تحدث ماونج زارني، الأكاديمي والناشط البورمي المقيم في لندن، والأمين العام لقوات التجديد جنوب شرق آسيا، عن أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار، وتدهورها الحاد على يد الجيش.
وأكد: "أن الجيش البورمي أطلق العنان لعهد من الإرهاب لمعاقبة الناس"، واصفا الوضع في ميانمار بأنه "خطير للغاية".
وقال: "إن الشعب البورمي لا يعترف بالجنود كأبناء للشعب، لأنهم يرهبون الناس بكل الطرق الممكنة، حيث يعملون على تخريب الممتلكات والسرقة والنهب والاختطاف وطلب الفدية من عامة الناس".
المصادر
- حذرت من "فظائع".. الأمم المتحدة تتهم المجلس العسكري في ميانمار بالحشد لتكرار سيناريو إبادة الروهينغا
- مقرر أممي: جيش ميانمار يحشد شمال البلاد وتخوف من مجازر
- وقف تدفق الدولار إلى جيش ميانمار.. عقوبة تستحق التجربة
- رقم 38 عالميا… 9 معلومات عن جيش ميانمار
- جيش ميانمار: لن نسمح بتحويل البلاد إلى سوريا ثانية
- قتلى في اشتباكات بين الجيش ومعارضين في ميانمار
- لوموند: جيش ميانمار.. دولة داخل الدولة