الجبري يكشف أسرارا خطيرة عن آل سعود.. ما تأثيرها على مستقبل ابن سلمان؟
أثارت المعلومات "الخطيرة" التي كشفها المستشار الأمني السعودي السابق سعد الجبري، ضد ولي العهد محمد بن سلمان، تساؤلات ملحة عن مدى تأثيرها على مستقبل الأخير وسعيه للوصول إلى العرش خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز.
التصريحات التي أدلى بها الجبري خلال البرنامج الشهير "60 دقيقة" الذي بثته قناة "سي بي إس" الإخبارية الأميركية في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أماطت اللثام عن محطات مهمة من حياة ابن سلمان، والأسباب التي تجعل الأخير يخشى بقاء "الجبري" حيا.
تفاصيل مثيرة
ولعل أكثر معلومة "خطيرة" كشفها الجبري خلال المقابلة، هي عن تفاصيل اجتماع في عام 2014 قال فيه ابن سلمان لرئيس الاستخبارات السعودي في ذلك الوقت محمد بن نايف "أريد اغتيال الملك (السابق) عبد الله، أنا أملك خاتما ساما من روسيا، سيكون كافيا بالنسبة لي مصافحته فقط وسينتهي أمره".
وقال الجبري، في أول حديث إعلامي منذ فراره من المملكة العربية السعودية عام 2017، مع تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، خلفا للأمير محمد بن نايف: "هذا ما قاله سواء كان يتفاخر بذلك أو لا.. ولكنه قال ذلك وأخذنا الأمر على محمل الجد".
وأكد الجبري، وجود نسختين من فيديو مسجل لحديث ابن سلمان خلال هذا الاجتماع، وأنه يعلم مكان وجود النسختين.
وعندما سأله المذيع "هل تعتقد أن محمد بن سلمان يخاف منك؟" أجاب الجبري قائلا: "هو يخاف من المعلومات التي أملكها".
وكان الجبري مساعدا للأمير محمد بن نايف على مدى فترة طويلة في وزارة الداخلية، بما في ذلك مساعدته في إدخال إصلاحات على عمليات المخابرات ومكافحة الإرهاب في المملكة.
وقال الجبري: "أتوقع أن أقتل يوما ما"، متهما ولي العهد السعودي بإرسال فريق إلى كندا في "محاولة لاغتياله، واحتجاز ابنيه سارة وعمر في السعودية".
وأوضح أنه تلقى "تحذيرا بعدم الاقتراب من أي مبنى دبلوماسي سعودي في كندا، وعدم الذهاب إلى القنصلية أو السفارة".
وتابع: "عندما سألت لماذا؟ قالوا لقد قطعوا الرجل، لقد قتلوه وأنت على رأس القائمة"، في إشارة إلى مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وقال مذيع برنامج "60 دقيقة" إن سعد "الجبري صرح بأنه سجل فيديو يكشف المزيد من الأسرار عن العائلة الملكية السعودية والبعض في الولايات المتحدة". وأضاف المذيع: "أعطانا مقطعا صغيرا من الفيديو بدون صوت، وقال لنا إنه يمكن نشره إذا قتل".
فيديو الليلة ومحاولة اغتيال محمد بن سلمان للملك عبدالله .. pic.twitter.com/MpW2TGuSQn
— عمر بن عبدالعزيز Omar Abdulaziz (@oamaz7) October 25, 2021
عزلة أكثر
وبخصوص مدى انعكاس ما كشفه الجبري على مستقبل ابن سلمان في الحكم، رأى محمود رفعت القاضي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، ورئيس "المعهد الأوروبي" للقانون الدولي والعلاقات الدولية، أن "ولي العهد يعيش في عزلة منذ مقتل جمال خاشقجي وسيبقى في هذه الحالة لسنوات طويلة حتى لو أصبح ملكا للسعودية".
ورأى رفعت في حديث لـ"الاستقلال" أن "مسألة الوصول للعرش في السعودية لها ترتيب أمني أكثر من الترتيب السياسي أو القانوني أو الدستوري، لأن المملكة ليس لها دستور أساسا".
ولفت إلى أن "المملكة العربية السعودية منذ إنشائها عام 1932 لها ارتباطات وثيقة سواء مع المخابرات البريطانية، أو في الوقت الحالي ومنذ الخمسينيات هي مرتبطة مع المخابرات الأميركية (سي آي إيه) وبالتالي تصريحات الجبري ستزيد من عزلة ابن سلمان".
واستدرك رفعت، قائلا: "لكن لا يزال هناك احتياج غربي لتدفق الأسرة الملكية بصورة سلسة حتى لو كان هناك خروج عن النص من بعض الحكام السعوديين، ومحمد بن سلمان هو أول من يخرج عن النص المكتوب لهم، إذ لم يفعل ذلك أجداده ولا أعمامه".
ولفت إلى أن "تصريحات الجبري وخصوصا حديثه عن محاولة اغتيال الملك عبد الله، من شأنها أن تثير القلاقل داخل الأسرة المالكة، لكن ابن سلمان اعتمد على تركيع الأسرة الحاكمة من البداية".
وتابع: "حتى طريقة تركيبة الأسرة التقليدية كانت مستندة على عنصرين من الأسرة مثلا فهد سلطان، وقبله فيصل وأخوه"، وجميعهم أبناء عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة الحديثة.
لكن ابن سلمان غير هذه التركيبة تماما واعتقل كل الأسرة ونكل بهم، وحتى حراسته ومجالسه اعتمدت على انعزال عن الأسرة، وهناك حديث متواتر يفيد بأن حراسه هم من المرتزقة بعيدا عن الأسرة.
وأردف رفعت قائلا: "بالتالي، فإن مسألة هيئة البيعة والترتيبات الأسرية لم يعد لها تأثير قوي، إلا إذا أريد من الخارج إزاحة ابن سلمان ولا سيما من الأجهزة الأمنية، وتحديدا الـ(سي آي إيه) فلو أراد إزاحته فستفعل هنا الأسرة الحاكمة ويكون لها دور، أما عدا ذلك فالأسرة لا تملك القوة على فعل أي شيء يتعلق بمنع ابن سليمان من الوصول للعرش".
"صرامة بايدن"
على قدر تعلق الولايات المتحدة بمستقبل ابن سلمان ووصوله إلى العرش، فقد اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفا أكثر صرامة مع الرياض، وتحديدا بسجلها في مجال حقوق الإنسان من سلفه دونالد ترامب الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بولي العهد.
ففي 19 فبراير/ شباط 2021، قال تقرير للمخابرات الأميركية: إن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وافق على قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2018 وأمر بذلك على الأرجح".
كما أدرج التقرير أسماء 21 فردا، لدى المخابرات الأميركية ثقة كبيرة بأنهم متورطون أو مسؤولون عن مقتل خاشقجي نيابة عن ولي العهد.
وأوضح التقرير أن ابن سلمان رأى خاشقجي تهديدا للمملكة ودعم العنف بشكل كبير إن لزم الأمر لإسكاته، ليوافق بذلك على قتل الصحفي.
وفي 27 فبراير/ شباط 2021، كشفت الإدارة الأميركية التي يقودها الرئيس الديمقراطي جو بايدن موقفها من تولي ولي العهد السعودي عرش المملكة بعد والده الملك سلمان بن عبد العزيز.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن موقف بايدن، من خلافة محمد بن سلمان لوالده الملك، لا يهم الإدارة الأميركية.
جاء ذلك ردا على سؤال بشأن وجود مخاوف لدى بايدن بشأن تولي ابن سلمان العرش. على متن طائرة الرئاسة، أجابت خلالها المتحدثة باسم البيت الأبيض عن عدد من الأسئلة المتعلقة بتقرير المخابرات الأميركية بشأن مقتل جمال خاشقجي.
وأوضحت ساكي، وفق شبكة "سي إن أن" الأميركية، أن مسألة خلافة ابن سلمان لوالده أمر يخص حكومة المملكة، مؤكدة أن "الرئيس كان واضحا، وقد أوضحنا من خلال أفعالنا، أننا سنقوم بإعادة ضبط العلاقة، ومن ذلك ضمان أن تحدث المشاركة نظيرا لنظير".
لدى سؤالها عما إذا كانت وزارة الخارجية تدرس فرض عقوبات ردا على مقتل خاشقجي، أجابت ساكي: "لقد كنا واضحين على كل المستويات، بأن نيتنا هي إعادة ضبط العلاقة، وستكون العلاقة مختلفة مع الحكومة السعودية".
وتابعت: "في الوقت نفسه، نريد بالطبع إنهاء الحرب في اليمن، والتأكد من معالجة الأزمة الإنسانية، ولن يتراجع الرئيس وكل عضو بفريقنا عن الإعراب عن القلق واتخاذ الإجراءات اللازمة".
"التوبيخ العلني"
وتعليقا على التقرير الأمني الأميركي ضد ابن سلمان، قالت صحيفة "التايمز" البريطانية في 25 فبراير/ شباط 2021 إنه حين ينزعج القائمون على السياسة الخارجية الأميركية في واشنطن من السعودية، وهو ما يحدث غالبا، فإنهم يذكرون الجميع بأن المملكة ليست حليفة للولايات المتحدة وإنما مجرد "شريكة".
لكن السعوديين، بحسب مراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، ينظرون إلى الأمر على نحو مختلف. فهم يرون أنهم حصلوا من الولايات المتحدة على وعد بالأمن مقابل النفط، منذ حصول أولى الشركات الأميركية على امتيازات نفطية في السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين.
"الرئيس الأميركي المخضرم جو بايدن يدرك كل هذا جيدا. لذا، حين قالت متحدثة باسمه إنه يريد إعادة تقييم العلاقة مع السعودية، وأنه سيتعامل مباشرة مع الملك سلمان، وليس الحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد محمد بن سلمان، فإن هذا كان لهدف"، بحسب الكاتب.
وبحسب سبنسر، فإنه من الواضح أن بايدن يأمل في أن تسير الأمور بشكل مختلف الآن.
ونقل عن مستشارين قولهم إن بايدن يريد التركيز على الصين وروسيا وأوروبا وليس على الشرق الأوسط.
واعتبر الكاتب أن "السعوديين يعلمون أن مقتل جمال خاشقجي في عام 2018 أضعف محمد بن سلمان، الذي اضطر بعد ذلك إلى اتخاذ إجراءات، منها إطلاق سراح عدد من المعارضين".
ولفت إلى أن "الرئيس الأميركي سيرغب في المزيد من السعودية، فيما يتعلق بحقوق الإنسان وإسرائيل والفلسطينيين وإيران".
وأضاف سبنسر أن بايدن يعتقد "أن التوبيخ العلني سيزيد من احتمالية امتثال محمد بن سلمان له، وهذه مقامرة".
وتوقع أن محمد بن سلمان سيصبح ملكا في وقت ما قريبا "إذ إن والده يبلغ من العمر 85 عاما، وكراهية بايدن لوريثه لم تصل إلى حد فرض إقالته".
ويرجح سبنسر أنه في هذه المرحلة من شبه المؤكد أن تقرر الولايات المتحدة دعم الحاكم الجديد للمملكة، كما فعلت مع الحاكم السابق.
فهي "ستجد أنها لا تزال تريد شراء السعودية لأسلحتها والحصول على مساعدتها فيما يتعلق بالأمن والإرهاب ومنع وقوع المنطقة في أحضان روسيا والصين".
وأنهى الكاتب تحليله بالقول إنه حينها "لن يهم إذا كانت السعودية تدعى حليفا أو شريكا" للولايات المتحدة.