بعد صعودها لمستوى تاريخي.. عملة البيتكوين إلى ارتفاع أم انخفاض؟
تجاوزت قيمة عملة البيتكوين المشفرة حاجز 65 ألف دولار وهو صعود قياسي، يعكس حالة الانتعاش بعد انهيارها إلى ما دون نصف ذلك الرقم، بالتزامن مع ترقب الأسواق العالمية مواجهة تضخم متوقع.
وانخفضت البيتكوين إلى ما دون 30 ألف دولار في يوليو/تموز 2021، لكنها تعزز صعودها الآن مجددا بعد إعلان شركة إدارة الأصول "بروشيرز" عن إطلاق أول صندوق لتداول العقود الآجلة لهذه العملة في سوق المال الأميركي.
وجاء إعلان الشركة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد 10 سنوات من الحظر المفروض على تداول العملات المشفرة في سوق المال.
وقال حساب على تويتر باسم "الحوت"، إن "البيتكوين مسح الأرض بكل من شككوا فيه، إذ أنه كسر وحقق أعلى قمة تاريخية، ووصل إلى 66 ألف دولار"، مشيرا إلى أنه قد يصل إلى "مستويات أعلى وأعلى".
البيتكوين يمسح الأرض بكل الذين شككوا فيه، ويكسر ويحقق أعلى قمة تاريخية له هذه الأثناء 66 ألف دولار، ومازال الخير قادما مستويات أعلى وأعلى. #BTC #Bitcoin pic.twitter.com/My9lNxoOlT
— الحوت - The whale (@EorcaWhale) October 20, 2021
ظهر أول صندوق متداول في البورصة مرتبط بعملة بيتكوين في الولايات المتحدة، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما يمثل لحظة فاصلة في صناعة التشفير.
وفي اليوم الثاني لتداوله، ارتفع صندوق "بروشيرز بتكوين ستراتيجي" المتداول تحت الرمز "BITO" بأكثر من 3 بالمئة إلى 42.15 دولارا.
ودفع هذا الصعود إلى إنعاش الطلب على أغلب العملات المشفرة الأخرى.
ووفقا لأحدث المؤشرات فإن القيمة السوقية لإجمالي العملات الافتراضية كافة حول العالم، البالغ عددها نحو 4400 عملة، تجاوزت نحو 2.67 تريليون دولار.
حيتان "البيتكوين"
ويأتي هذا الارتفاع وفق البعض نتيجة التدافع على العملة المشفرة من قبل المستثمرين بحثا عن الأصول التي تتحرك أسعارها بشكل مستقل عن أي شيء آخر في محافظهم الاستثمارية.
فيما أرجع آخرون ذلك إلى وقوف عمليات شراء من قبل "حيتان السوق"، خاصة مع تنامي طلب الأفراد والمؤسسات على بيتكوين.
ويرى خبير العملات والمنتجات الرقمية، يزيد آل عيون، أن هذا الصعود للبيتكوين هو نتيجة لما يشهده العالم من ظروف استثنائية خاصة على المستوى الاقتصادي ما يدفع المستثمرين للهروب من الأزمات الاقتصادية العالمية الكبرى.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك نقاش ساخن حول قانون رفع سقف الدين، حتى تتمكن البلاد من الوفاء بالتزاماتها دون التخلف عن سداد ديونها.
وارتفع سقف الدين في واشنطن إلى شهرين إضافيين، ضمن قانون يعمل من خلاله أكبر اقتصاد في العالم على ضبط آلياته المالية.
وبالتالي وقف هذا القانون حتى نهاية العام 2021، يتيح للولايات المتحدة طباعة ما تريد من دولارات.
ووقع الرئيس الأميركي جو بايدن، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، النص الذي يرفع سقف الدين العام للولايات المتحدة حتى نهاية السنة، في إجراء مؤقت يجنب أكبر قوة اقتصادية في العالم التخلف عن سداد ديونها لأول مرة في تاريخها.
ويرفع النص سقف الدين العام للبلاد بمقدار 480 مليار دولار، الأمر الذي سيسمح لها بالوفاء بالتزاماتها المالية حتى ديسمبر/كانون الأول 2021، مما أبعد شبح التخلف عن السداد وعواقبه الكارثية على القوة الاقتصادية العملاقة وسائر دول العالم.
يضاف إلى ذلك الأزمات التي يمر بها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو الصين، نتيجة الوضع المحيط بالإفلاس المحتمل للعملاق "إيفرغراند" ثاني أكبر مطور عقاري بالبلاد.
بالإضافة إلى أزمة نقص الطاقة الكهربائية في البلاد التي أوقفت مئات الشركات والمصانع، ما قد يعرض الاقتصاد الصيني إلى صدمة تؤول بدورها على الاقتصاد العالمي.
ولم يتوقف نقص الطاقة عند الصين بل انتقل إلى أوروبا خاصة بريطانيا وإسبانيا، بسبب نقص المخزون من الغاز الطبيعي وتحول جانب من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا نحو الأسواق الآسيوية.
وهو ما تسبب في توقف بعض شركات الصناعات الكيميائية وارتفاع أسعار الطاقة أوروبيا بما يصل نحو 40 بالمئة.
وأضاف آل عيون، لـ"الاستقلال"، أن ما عزز الطلب على البيتكوين أيضا أنه مقاوم لأثر التضخم ما يدفع لزيادة الإقبال عليه، خاصة أنه محدود الكمية بنحو لا يزيد عن 21 مليون وحدة المتوفر منهم 18 مليون و600 ألف وحدة والباقي مفقود أو دون السيطرة.
وبالتالي فإن العرض منه يقل كل أربع سنوات إلى النصف ما يزيد من قيمته. ويتخوف المستثمرون من موجة التضخم التي قد تساهم في تآكل رؤوس أموالهم.
لذا يبحث هؤلاء عن جدار يحمي أموالهم من هذه الموجة المتوقعة، آملين في أن تشكل البيتكوين هذا الجدار خاصة مع تنامي أسعاره غير عابئين بمخاطره.
فثمة حالة من الإرباك تنتظرها اقتصاديات الدول العالمية، بسبب موجة التضخم التي تشهدها الآن بشكل أولي، ولكن يتوقع لها أن تزيد مع دخول أشهر الشتاء.
وتأتي تلك الموجة نتيجة ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 85 دولارا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى ما فوق 5 دولارات.
وأوضح آل عيون، أن من ضمن أسباب ارتفاع البيتكوين أيضا هو إبقاء المضاربين والمستثمرين من مالكيه وبخاصة "حيتان" هذا السوق على عملاتهم دون بيع.
وهذا يأتي لقناعتهم أن البيتكوين قادر على تحقيق قمم وأرقام قياسية أعلى من السابقة، ويضاف إلى ذلك انخفاض أسعار الفائدة الجاذبة للمستثمرين.
ومن غير المتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة حتى خريف 2022، بينما من المرجح أن يبقي كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير لفترة أطول.
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي المختص في العملات المشفرة، إبراهيم الطاهر، أنه في شهر سبتمبر/أيلول 2021، أثيرت شائعات عديدة من قبل بعض المستفيدين حول مساعي الدول لتقنين العملات المشفرة بالإضافة إلى ما يحوم حول هذا النوع من العملات من مخاطر ليعزف بعض مالكي البيتكوين عنها خوفا من الخسائر.
وأشار الطاهر، لـ"الاستقلال"، أن حيتان السوق استفادوا من هذا العزوف لتعظيم ممتلكاتهم من البيتكوين ليجمدوا فيما بعد هذه العملات لديهم.
وبالتالي ترتفع قيمتها، ما يزيد من تهافت الطلب على العملة مرة أخرى للاستفادة من هذا الارتفاع ورفع قيمة البيتكوين قدر الإمكان ومن ثم البدء في جني الأرباح عند أعلى نقطة ممكنة.
توقعات مرهونة
ولكن في ظل هذا التهافت على العملة المشفرة الأشهر الآن وفق الأسباب المختلفة التي تقود المستثمرين نحوها، تظل هناك حالة من الضبابية حول المستوى الذي قد تصل إليه عملة البيتكوين.
وبحسب فيجاي أيار رئيس منطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة بونو لتبادل العملة المشفرة في سنغافورة، فإن الارتفاعات القياسية للبيتكوين ممكنة.
وقال لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "ربما تصعد البيتكوين إلى 80 - 85 ألف دولار بناء على أنماط ارتفاعها خلال الفترة الماضية".
ويعزز هذه التوقعات صندوق التداول الخاص بعقود "بروشيرز" الآجلة في الولايات المتحدة الجديدة من نوعه، كونه سيجلب فئة جديدة من المستثمرين.
إذ يمكن لأي شخص لديه حساب وساطة شراء ما يحتاجه من عملات دون الحاجة إلى فتح حساب تداول للعملات المشفرة، وبالتالي سيرتفع الطلب على العملة وتزيد الأسعار على حد سواء.
من جهته، قال آل عيون، إنه من الصعب التنبؤ بأسعار البيتكوين ولكن من الوارد صعودها إلى مستويات أعلى قد تصل إلى 100 ألف دولار على المدى المتوسط.
وأشار إلى أن الأسعار رهينة العرض والطلب وأداء الاقتصادات العالمية، متسائلا: كيف ستتصرف واشنطن مع نهاية العام في سقف الدين لديها؟
كذلك كيف ستتعامل الصين وأوروبا فيما لديهم من أزمات وبخاصة في أزمة الطاقة، وكيف سيواجه العالم موجة التضخم المتوقعة؟
فيما يرى الطاهر، أن وصول البيتكوين إلى مستوى 100 ألف دولار خلال الفترة القادمة غير مستبعد، خاصة وإن نجح أصحاب المصالح الكبرى من حاملي تلك العملة في التحكم في مخاوف المتعاملين عبر فهم سلوكهم ورغباتهم.
وبعيدا عن أسباب صعود البيتكوين والتنبؤات التي تحوم حول أسعارها خلال الفترة القادمة، فإن العملة ما تزال تشهد تضييقات وصراعات مع الدول الكبرى التي تعمل على محاربتها، بالإضافة إلى أنها لا تعد صديقة للبيئة كونها تستهلك كمية كبيرة من الطاقة.
ففي 22 يونيو/حزيران 2021، أبلغت الحكومة الصينية المصارف بوقف تسهيل التحويلات باستخدام العملات الرقمية، وحظرت عمليات تعدينها.
إذ تتطلب عمليات التعدين استخدام أجهزة كمبيوتر قوية، وكميات هائلة من الطاقة الكهربائية، للحصول على عملات رقمية جديدة.
ليعلن المصرف المركزي الصيني، في 24 سبتمبر/أيلول 2021، أن كل التحويلات باستخدام العملات الرقمية ستكون غير قانونية، ما يعني منعها، مضيفا بأنها تهدد بشدة مدخرات المواطنين.
إلا أن تلك الإجراءات دفعت بحصة الصين من تعدين بيتكوين للوصول إلى الصفر فعليا، وفقا لدراسة أجراها مركز كامبريدج للتمويل البديل، ليرتفع في المقابل معدل تعدين العملات المشفرة في الولايات المتحدة إلى 35.4 بالمئة من معدل التجزئة العالمي أو ما يعرف بـ "هاشينغ".
بينما كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، عن استهداف إدارة الرئيس جو بايدن صناعة العملات الرقمية المزدهرة، مشيرة إلى أنها ستحاول فرض رقابة فيدرالية على الأصول الرقمية.
وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قال في نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2021، إنه لا يسعى إلى فرض حظر على العملات الرقمية.
ويرى آل عيون، أن محاولات الصين القضاء على البيتكوين أو العملات المشفرة عموما ليس ممكنا، نظرا لكونها عملة غير مركزية ومن الصعب السيطرة عليها.
بالإضافة إلى أن العملات المشفرة أصبحت تعامل كملاذ آمن للمستثمرين وبخاصة البيتكوين الذي أصبح يطلق عليه "الذهب الرقمي".
وأشار آل عيون إلى أن اعتبار تعدين العملات المشفرة مضر بالبيئة فهو غير صحيح، نظرا لوجود إمكانية للتعدين بالطاقة الخضراء أو النظيفة بأنواعها المختلفة.
وبين هنا أنه على سبيل المثال في السلفادور يعملون بالتعدين من خلال طاقة البراكين.
وأعلنت السلفادور، في 7 سبتمبر/أيلول 2021، اعتماد العملة الرقمية المشفرة بيتكوين بشكل رسمي كعملة تداول قانونية إلى جانب الدولار لتصبح أول دولة في العالم تتخذ هذه الخطوة.
واشترت السلفادور ما يقرب من 20.9 مليون دولار من البيتكوين، قبل يوم واحد من اعتمادها رسميا للعملة المشفرة الأكثر شهرة في العالم، وركبت الحكومة 200 جهاز صراف آلي خاص بتلك العملة في أنحاء البلد.
من جهته، أوضح الطاهر، أن مواقف الدول الرسمية من العملات المشفرة غير متماشية مع مواقفها على الأرض، مشيرا إلى أن هناك بعض الدول تفرض حظرا عليه إلا أنها تترك مساحة للتعامل والتداول بها مثل الصين وإيران وتركيا ونيجيريا.
وأشار إلى أن خصائص العملات المشفرة والتي يعد أبرزها اللامركزية، وعدم قدرة الحكومات على تتبع المعاملات الخاصة بها، يثبت أن هذه العملات خارج سيطرة أي حكومة، وأنها ستكون أمرا واقعا خلال الفترة القصيرة القادمة.
وتتطلع شركات نفط روسية لاستغلال الغاز المصاحب خلال عملية إنتاج النفط في توليد الطاقة الكهربائية الضرورية في عملية تعدين العملات الرقمية، من أجل تحقيق الأرباح، عبر تقديمها مقترح لوزارة الصناعة والتجارة الروسية خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، وما زال الأمر محل دراسة من الجهات المعنية.
ولا تخضع بيتكوين للتنظيم في روسيا، على الرغم من أن استخدامها كوسيلة للدفع مقابل السلع أو الخدمات غير قانوني.
وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن العملات المشفرة متقلبة بشدة بحيث لا يمكن استخدامها لتسوية عقود النفط.
لكنه قال إنها برغم ذلك تستحق مكانا كوسيلة للدفع، وذلك ردا على سؤال عما إذا كان يتوقع تقييم أسعار عقود النفط بالعملات المشفرة بدلا من الدولار مستقبلا.
المصادر
- Bitcoin sets new record above $66K as market cheers 'almost perfect' ETF debut
- بيتكوين تثير جدلاً حول مشروعياتها.. وهكذا ينظر لها في كل دولة!
- البيت الأبيض يدرس التدخل لضبط ومراقبة العملات الرقمية
- تعصف بأوروبا والصين.. هذه أعنف أزمات الطاقة في العالم
- ارتفاع سعر البيتكوين يعزز توقعات صعودها إلى 80 ألف دولار