الإنتربول تطبع مع الأسد.. تمهيد لملاحقة المعارضين أم ضباط النظام؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تزداد يوما بعد آخر موجة التقارب العربي والدولي مع النظام السوري سواء من الناحية السياسية أو على مستوى تخفيف العقوبات الاقتصادية عنه، ولا سيما الأميركية عبر منح الاستثناءات لبعض دول جوار سوريا.

تأتي جميع هذه الإشارات ضمن لوحة مخصصة لإعادة تأهيل رأس النظام بشار الأسد، بشكل ينسف تدريجيا حق الشعب السوري في نيل حريته بعد ثورة شعبية أدت إلى مقتل مئات آلاف المدنيين وتشريد أكثر من 13 مليونا من منازلهم.

رفع الحظر

وفي خطوة اعتبرت ضربة للعدالة الدولية، أعلن النظام السوري 30 سبتمبر/أيلول 2021، عن رفع اللجنة التنفيذية في الأمانة العامة للإنتربول (الشرطة الدولية) الحظر عن سوريا بعد 10 سنوات، وبناء على ذلك عادت تلك الشرطة لمكتبها بالعاصمة دمشق بجميع صلاحياتها.

ووفقا لمدير إدارة الأمن الجنائي التابع للنظام السوري، العميد حسين جمعة، فإن وفدا من أمانة الإنتربول الدولي، سيزور دمشق في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، يترأسه رئيس مكتب مكافحة الإرهاب في الأمانة العامة ويضم عددا من المدربين.

وأوضح أنه خلال الزيارة سيكون هناك ورشة عمل حول موضوع التطبيقات الحديثة للإنتربول، وفق ما نقلت عنه صحيفة "الوطن" الموالية في التاريخ المذكور.

واعتبر جمعة أن من أهم ميزات رفع حظر الخدمات عن مكتب دمشق، هي أنه أصبح بإمكانه تقديم خدمات الإنتربول لمؤسسات النظام الأخرى، مثل الهجرة والجوازات والجمارك العامة والمعابر الحدودية فيما يتعلق بموضوع تهريب السيارات وقاعدة بصمات المطلوبين في العالم وغيرها.

وأشار إلى أن رفع الحظر يسهل موضوع الاتصال والخدمات خصوصا مع الأمانة العامة.

وخلال العقد الأخير لم تستجب الأمانة العامة للإنتربول لأي من النشرات الحمراء التي كان يرسلها النظام السوري لها.

والنشرة الحمراء التي يصدرها الإنتربول الدولي هي بمثابة طلب إلى الأجهزة الأمنية لإنفاذ القانون في كل أنحاء العالم، لتحديد مكان المتهم واعتقاله مؤقتا في انتظار تسليمه أو اتخاذ إجراء قانوني مماثل من قبل السلطة المحلية في أي دولة من الدول الأعضاء في المنظمة.

وهذه النشرة يتم إصدارها بحق أشخاص ملاحقين جنائيا، بشرط ألا يقل حكم الفعل عن سنتين. ولا تعمم هذه النشرة من قبل الإنتربول إلا بعدما تكون مقرونة بمذكرة قضائية صادرة عن القضاء.

ويبلغ عدد الدول المنتسبة إلى الأمانة العامة للإنتربول 194 دولة، وأنشئت اللجنة الدولية للشرطة الجنائية في عام 1923.

وفي عام 1956 اعتمد الاسم الحالي - المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)- ومقرها في مدينة ليون بفرنسا، وسوريا عضو فيها منذ عام 1953.

وتهدف الإنتربول التي يحمل شعار "نجعل العالم أكثر أمانا"، إلى تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة بالعالم في مجال ملاحقة المطلوبين والمجرمين وتسليمهم وفق إجراءات قانونية.

وتعمل على مكافحة المنظمات الإجرامية والمخدرات والإجرام المالي والمرتبط بالتكنولوجیا المتقدمة، والإخلال بالأمن العام والإرھاب والإتجار بالبشر وملاحقة الفارین من وجه العدالة.

وهناك ثماني أنواع من النشرات التي يصدرها الإنتربول وهي: (الحمراء - الصفراء – الزرقاء – السوداء - الخضراء – البرتقالية - البنفسجية، وأخيرا نشرات خاصة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة).

ضربة للعدالة

ورغم إعطاء الضوء الأخضر لعودة التعاون الدولي بين النظام السوري مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية التي تعمل على مدار الساعة، طيلة أيام السنة، فإن هذا يطرح علامات استفهام عريضة على كيفية التعامل مع الأسد المتهم رسميا من الأمم المتحدة بارتكاب "جرائم حرب" بحق السوريين.

ففي مطلع مارس/آذار 2021، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، ارتكاب نظام الأسد جرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية بحق المدنيين في الأعوام العشرة الأخيرة.

ووثق التقرير الأممي جرائم نظام الأسد ضد شعبه، وأشار إلى عدم معرفة مصير عشرات آلاف المدنيين "المختفين قسريا" منذ عام 2011.

ولفت إلى وجود اعتقاد بأن الكثير من المختفين قد ماتوا أو أعدموا، فيما يحتجز قسم آخر في ظروف لا إنسانية. وشدد التقرير على تعرض معتقلين للتعذيب والاغتصاب أو القتل.

ويقول المحامي الدولي اللبناني، أستاذ القانون العام والجنائي، طارق شندب إن خطوة الأمانة العامة للإنتربول الدولي "غير قانونية باعتبار أن معظم ضباط النظام السوري وأركان الحكم متورطون بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري".

وتابع لـ "الاستقلال" أن هناك عشرات المذكرات الصادرة بحق أولئك الضباط "من قبل القضاء الهولندي والبلجيكي والألماني عن جرائم بشعة ارتكبوها بحق السوريين".

وأضاف: "كما أن جامعة الدول العربية لم تعترف بعد بالنظام السوري، إضافة إلى أن رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام علي مملوك عليه مذكرة توقيف من قبل القضاء اللبناني، فهل سينفذها الإنتربول أولا أم ستخفى بالأدراج؟ وهذا ما يطرح علامات استفهام عريضة من الناحية العامة والأخلاقية".

ولفت شندب إلى مفارقة عجيبة وهي أن علي مملوك الذي يعد يد رأس النظام بشار الأسد الاستخباراتية الأولى والممسك بالملف الأمني في البلاد، "هو من فاوض الإنتربول لكي يعودوا للعمل بسوريا رغم أنه مطلوب بمذكرة توقيف".

وذهب المحامي الدولي للقول: "إن إعادة فتح الأمانة العامة للإنتربول الدولي مكتبها في دمشق وتفعيله، يمثل ضربة للعدالة الدولية وللشرطة الدولية ولمفهوم القانون الدولي".

وتساءل: كيف لنظام قاتل ومجرم أن يعمل على تطبيق العدالة وهو المتهم الأساسي في سوريا؟ مبينا أن هذه الخطوة تشجع الأنظمة على ارتكاب جرائم على اعتبار أن النظام السوري قتل مليون شخص وهجر 15 مليونا آخرين ويعطى هذه الشرعية ويعوم من قبل منظمة الإنتربول.

وأشار شندب إلى أنه "لن يثق أحد بعد اليوم بمنظمة الإنتربول إذا كانت تتعاطى مع قتلة ومجرمين ومع زعماء مافيات، الأمر الذي يدعوها لإعادة النظر بهذا القرار".

ونوه المحامي الدولي إلى أن "النظام السوري سيستفيد من الإنتربول في ملاحقة كل معارضيه سياسيا، لكن وجود مكتب للمنظمة بدمشق لا يعني أن الأسد يستطيع أن يضع أي اسم على لوائح المنظمة، لأن هذا يتطلب أحكاما مبرمة ومصدقة".

وتابع قائلا: "فعلى سبيل المثال الإنتربول لا يعترف بمذكرات القضاء العراقي لكونه يعتبره مسيسا، وبالتالي الكل يعرف نوعية القضاء في سوريا وكيف تصدر المذكرات والأحكام عنه".

لذا هنا يوجد علامة استفهام حول قبول الإنتربول بهذه المذكرات من قضاء ينتزع الاعترافات بالتعذيب، وأكبر دليل على ذلك هو صور قيصر المسربة، وفق قوله.

و"قيصر" وهو اسم رمزي لمصور في الشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري كلف هو ورفاقه بتوثيق صور ضحايا التعذيب داخل سجون الأسد من المعارضين بعد نقلهم إلى المستشفيات العسكرية.

وتمكن "قيصر" من تهريب 55 ألف صورة التي توثق جرائم النظام بحق 11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، والفرار بها خارج سوريا منتصف 2013 وبفضلها أصدر الكونغرس الأميركي قانونا يحمل اسمه عام 2019.

دور المعارضة

وتكمن التخوفات والتساؤلات في مدى إمكانية قبول الدول بتسليم المطلوبين للنظام السوري، بموجب نشرات حمراء صادرة عن الإنتربول.

وقد يجري ذلك في محاولة للتضييق على اللاجئين ودفع الدول للتخلي عن إيوائهم، لا سيما أن الإنتربول لا يمتلك سلطة إلزام الدول على تسليم مطلوبين إلى دول أخرى.

ولهذا كان للخبير العسكري السوري الرائد طارق حاج بكري، رأي آخر حول دافع الإنتربول من التعاطي مع النظام السوري.

وأوضح لـ "الاستقلال" أنه رغم "ملاحظة بعض الانفتاح على النظام المجرم وتجاوز لقانون قيصر والعقوبات المفروضة عليه، فإن خطوة تشغيل مكتب الإنتربول بدمشق، لا تدخل في هذا الإطار بل ربما تصب في مصلحة ملاحقة المجرمين".

ويعتقد أن الأمر يدخل "في مطالبة نظام الأسد بتسليم المجرمين الذين يلاحقون من محكمة الجنايات الدولية وفي الدول الأوروبية فيما لو تمكنت تلك المحكمة من ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في مناطق الأسد من المليشيات".

وأردف قائلا: "بل ربما ينعكس الأمر بشكل سلبي كامل على النظام السوري فيما لو تمكنت قوى المعارضة السورية من تحريك دعاوى ضد من أجرموا بحق الشعب السوري وخصوصا من قصفوا المدن بالصواريخ".

وواصل: "عندها سيتم مطالبة الأسد بتسليمهم إلى المحاكم التي تطلبهم وعلى الأقل في حال صدور مذكرات توقيف يمكن منعهم من السفر خارج سوريا بمن فيهم بشار الأسد المجرم".

ولفت حاج بكري إلى أنه بالمقابل فإن "النظام السوري يمكن أن يستغل فتح المكتب ويطالب بتسليم كل من عارضه من الشعب السوري".

ويرى أن النظام "يستطيع أن يؤلف ملفات إجرامية بحق معارضيه ويضعها في المحاكم ويستطيع أن يصدر أحكاما دون أن يكون لها أساس من الصحة ويلاحقهم عن طريق المكتب بعد محاكمتهم غيابيا".

وشدد الرائد على نقطة هامة بقوله: "إن من خرجوا من سوريا وطلبوا الحماية من الدول الأخرى وحصلوا عليها لا يمكن تسليمهم على الإطلاق لأن لجوءهم كان نتيجة القهر والإكراه والخوف على الحياة والأمن الشخصي والاقتصادي".

وبالتالي، ففي تقديره "لن ينعكس هذا الأمر سلبا على السوريين الذين خرجوا في وجه بشار الأسد".