قابلت الاحتجاجات بالقمع.. موريتانيا إلى ربيع عربي أم عشرية فساد؟
"احتقان اجتماعي" تعيشه موريتانيا عقب خروج مواطنين في عدد من المدن إلى الشارع؛ احتجاجا على ظروفهم المعيشية والخدمات الحكومية، التي تحولت في بعض المناطق إلى أعمال عنف.
وفي حين خرج الموريتانيون احتجاجا على الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، اعتبرت السلطة أن الاحتجاجات عرفت تدخل "أياد خفية" وأن "جهات" (لم تسمها) استغلت المظاهرات لتحويلها إلى "أحداث عنيفة".
وقادت السلطات الأمنية، حملة اعتقالات وسط صفوف المحتجين، قد تؤجج الوضع وتعيد المواطنين إلى عشرية (2009-2019) الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز المعتقل حاليا ويجري التحقيق معه في قضايا "فساد واختلاس" قادت البلاد للوضع الحالي.
موجة قمع
في 28 سبتمبر/أيلول 2021، أحال قاضي التحقيق في محكمة روصو (جنوب)، إلى السجن 28 متهما شاركوا في الاحتجاجات التي شهدتها مدينة اركيز، بتهمة التظاهر غير المرخص وإثارة الشغب والاعتداء على المؤسسات العامة.
وقرر قاضي التحقيق، وفق مراسل صحيفة "القدس العربي"، وضع 12 متهما تحت المراقبة القضائية، وحفظ الدعوى في حق قاصر لم يتجاوز 12 من العمر، وكان وكيل الجمهورية قد أحال في 27 سبتمبر/أيلول 2021 إلى قاضي التحقيق 41 معتقلا، فيما حمل مواطنون السلطات مسؤولية التطورات.
واجهت السلطات في موريتانيا، الحركة الاحتجاجية بـ"التهديد" بتطبيق صارم للقانون، وحذر وزير الداخلية محمد سالم مرزوق في 22 سبتمبر/أيلول 2021، إثر وقوع هذه الأحداث، "من أن الدولة لن تتردد في معاقبة كل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن والسكينة العامين".
وفي بيان مشترك أصدرته في 25 سبتمبر/أيلول 2021، أدانت أحزاب قوى التقدم والتناوب الديمقراطي وتكتل القوى الديمقراطية، وهي من أكبر أحزاب المعارضة، "أعمال التخريب التي تفتح المجال للشغب والفوضى وتدهور الأمن”، مذكرة “بأن المواطن يتمتع بالحق في الاحتجاج ضد الفساد وسوء تسيير الممتلكات العامة”.
وحثت الأحزاب الثلاثة “السلطات على الاستماع لمعاناة المواطنين وللاحتقان الاجتماعي السائد”، ودعتها “إلى توسيع التحقيقات الجارية لتشمل المسؤولين الذين يتسببون بغطرستهم وعدم كفاءتهم وسوء تسييرهم في إثارة إحباط المواطنين”.
واعتبر البيان أحداث اركيز التي وصفها بـ"المأساوية"، "ليست إلا تجسيدا صارخا لهذه الأوضاع الصعبة والمقلقة التي يعيشها المواطنون"، وشددت الأحزاب الثلاثة على أن "هذه الوضعية ناتجة عن تفاعل عدة عوامل، أبرزها السياق الدولي غير المواتي، إضافة للتسيير الكارثي للشأن العام خلال العشرية الماضية وغياب قطيعة صريحة معها".
من جهته، حذر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم "أصحاب النيات السيئة من ركوب مطالب وعواطف المواطنين والمساس بالسكينة والأمن العموميين تحقيقا لمآرب وأهداف خبيثة".
ودعا الحزب، المنتخبين والمسؤولين لـ"اليقظة والتواصل مع القواعد والمناضلين الحزبيين، لتقديم الشروح المناسبة وإنارتهم حول ما يجب القيام به في مثل هذه الحالات للوقوف سدا منيعا أمام المتربصين بوطننا".
من جهته، دعا الجنرال المتقاعد لبات ولد معيوف، عبر تدوينة نشرها على موقع "فيسبوك"، إلى "فرض رحيل محمد ولد الغزواني وحكمه سلميا، قبل أن يفوت الأوان"، واصفا أحداث اركيز بأنها "عبرت بقوة عن فشل هذا الحكم الذي أوصل البلد إلى وضعية أصبح يشكك في تماسكه".
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر خاصة، أن المكتب الثاني التابع لقيادة أركان الجيوش، استدعى الجنرال المتقاعد ولد معيوف للمثول أمامه في 29 سبتمبر/أيلول 2021، لاستجوابه على خلفية تدوينته.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 2021، أوفدت منظمة "الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب" (غير حكومية) بعثة إلى مدينة اركيز، في زيارة تهدف إلى الاطلاع على ظروف المحتجزين إثر الأحداث، تجاوبا مع شكاوى حقوقيين وسياسيين بشأن تعرض المعتقلين لسوء المعاملة.
وشملت الزيارة الميدانية للبعثة، مؤسسات الاحتجاز ومفوضيات الشرطة وقيادات الدرك لـ"التعرف على الظروف التي يعيشها النزلاء".
وقال عضو البرلمان، المحامي والناشط الحقوقي، العيد ولد محمدن، في تصريحات صحفية، إن "معاملة الدرك للمعتقلين في احتجاجات اركيز اتسمت بالعنف والإكراه وسوء المعاملة البدنية والمعنوية، كما أن ظروف الاعتقال كانت سيئة".
وأضاف البرلماني الحقوقي أن "معظم المعتقلين لم يطلعوا على محاضر التحقيق معهم، وقد وقعوها تحت الإكراه والتهديد باللجوء للعنف دون أن يقرأها عليهم المحققون قبل توقيعها، وهذا مخالف للقانون".
وتوجه المتظاهرون في 22 سبتمبر/أيلول 2021، إلى مقر شركة الكهرباء في المدينة التي تبعد بـ200 كلم عن العاصمة، ورددوا شعارات تنتقد الانقطاعات المتكررة للكهرباء وطالبوا بوضع حد لها.
جرس إنذار
في مواجهة على قناة "فرانس 24" الفرنسية، استضاف برنامج "وجها لوجه" في 29 سبتمبر/أيلول 2021، الناطق باسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، سيد اعمر شيخنا، ومحمد الأمين بي، عضو المكتب التنفيذي لحزب "اتحاد قوى التقدم" (معارض).
وقال شيخنا إن "من حق المواطنين التعبير عن آرائهم واحتجاجهم لكن بشكل سلمي ووفق المساطر (الإجراءات) القانونية بالحصول على ترخيص للتظاهر والتعبير عن امتعاضهم، لكن تحويل المظاهرات إلى عنف وتخريب للمتلكات واستغلال بعض الجهات والمخربين للمظاهرات هو أمر مدان".
وعاد الناطق باسم الحزب الحاكم إلى اتهام "جهات" رفض تحديدها بأنها "اندست في المظاهرات وحولتها إلى عنفية".
وقال شيخنا إن نظام الغزواني "يعطي عناية خاصة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد للملف الاجتماعي، وإن هناك تقدما خلال السنتين الماضيتين بعد أن ورث حالة متردية في مجال الكهرباء تحديدا والذي كان يعتبره النظام السابق رئة يمتص من خلالها أموال الشعب"، على حد تعبير المتحدث.
وعن الحديث عن توظيف غضب الشارع وعن وجود "مؤامرة"، قال الأمين بي إن "أحداث اركيز لم تكن معزولة، وقد عرفت عدد من المدن الأخرى احتجاجات اجتماعية، والسلطات الرسمية في أول تعليق لها على الاحتجاجات أقرت بأن المسؤولين المحليين والمنتخبين لم يستمعوا لمعاناة المواطنين ولم يبلغوا الجهات المختصة".
واعتبر عضو الحزب المعارض هذا الإقرار الرسمي بأنه "ظاهرة جديدة وتوجه صحي وجديد تشجعه المعارضة وتباركه وترى أنه يعبر عن وعي الدولة".
وأدان المتحدث بدوره اللجوء إلى أي شكل من أشكال الشغب وإتلاف الممتلكات العامة، لكنه وقف عند واجب الدولة بالموازاة مع مسؤوليتها الأمنية والقضائية بالاطلاع على أوضاع المواطنين ومدى استفادتهم من الخدمات الضرورية والأساسية.
وقال الأمين بي إن هذه المظاهرات جاءت احتجاجا على "الوضع الاقتصادي العالمي الذي مس البلاد أيضا بسبب الجائحة"، لكنه انضاف إلى "نهب المال العام وإفساد الإدارة الذي عاشته موريتانيا في عشرية النظام السابق".
ونفى الناطق باسم الحزب الحاكم في البرنامج ما وصف باستمرار "التسيير الكارثي" في موريتانيا والقول "ليست هناك قطيعة مع عشرية ولد عبد العزيز"، وادعى أنه "لم يجر قمع الاحتجاجات"، قبل أن يعود عضو الحزب المعارض ليشدد على أن "القطيعة مع ممارسات الماضي لم تحدث بعد".
وفي حديث مع "الاستقلال"، قال الإعلامي الموريتاني أحمد الوديعة، إن "أحداث اركيز محطة من محطات احتجاجات شبيهة شهدتها عدة مدن من شمال البلاد لشرقها وغربها، وهي تعبير عن حالة جديدة يعجز الحاكمون عن فهمها؛ خلاصتها أن المواطن تعزز لديه الوعي ولم يعد يقبل رداءة الخدمات وانتشار الفساد واستمرار سياسات الاحتقار والاحتكار".
وذهب الإعلامي إلى القول إن اركيز "جرس إنذار" لما هو قادم؛ "إن فهمه الحاكمون وبادروا بالتصرف بالطريقة الصحية ربما يتحول ما حصل فيه إلى فرصة، وإن تمادوا في سياسة النعامة والتجاهل فسيكون عليهم الاستعداد لمواجهة ذات الحالة على امتداد خريطة الوطن"، وفق تعبيره.
المصادر
- قيادة الأركان تستدعي الجنرال ولد معيوف بعد دعوته للرئيس بالاستقالة
- موريتانيا: اشتداد الجدل حول خلفية أحداث الشغب الأخيرة والمتهمون أمام النيابة
- موريتانيا: مدينة الركيز تحت إيقاع الاحتجاجات بسبب نقص الماء والكهرباء والدولة تعتقل من تصفهم «بالمخربين»
- آلية التعذيب تتقصى.. شكاوى من سوء معاملة الدرك لمعتقلين موريتانيين في احتجاجات
- والي الترازرة يصل مدينة الركيز لمتابعة الأوضاع فيها
- احتجاجات في الركيز بسبب انقطاعات الكهرباء (فيديو)
- موريتانيا: إحالة 28 متهماً في احتجاجات الركيز إلى السجن وجنرال متقاعد يطالب الرئيس بالاستقالة