"حركي الجزائر".. عملاء خانوا وطنهم فأهملتهم فرنسا ثم استغلهم ماكرون

12

طباعة

مشاركة

خلال 4 سنوات تغيرت الموازين، فقد كان الجمهوري إيمانويل ماكرون خيار مسلمي فرنسا الأول في 2017، لكن استطلاعات الرأي الأسبوعية على بعد 7 أشهر من رئاسيات 2022 تبين غير ذلك، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل ماكرون يلجأ إلى اللعب بـ"بطاقة مغازلة" المسلمين من جديد.

بعد أن غازل الناخبين المسلمين من أصول جزائرية في انتخابات 2017، بقوله إن "الاستعمار جريمة ضد الإنسانية"، عاد في سبتمبر/أيلول 2021 ليعلن عن مشروع قانون "تعويض" لـ"الحركيين" الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب الاستعمار الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية، وترأس حفل "تكريم" لهم في قصر الإليزيه.

ويرى البعض أن تحركات ماكرون هي محاولة لكسب أصوات جديدة، نظرا لنمو شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا مع قرب الانتخابات الرئاسية.

بطاقة انتخابية

قبيل نحو 16 شهرا من رئاسيات 2022، كشف ماكرون عن وجهه الحقيقي المعادي للإسلام، بتأييده نشر الصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، في حين لم يتجرأ أي رئيس فرنسي على استعداء أكثر من مليار ونصف مليار مسلم بهذا الشكل "الفج والعنيف والصادم".

وكان ماكرون قد أعلن أن بلاده لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتورية" المسيئة والمنشورة على واجهات المباني بعدة مدن، بينها تولوز ومونبيلييه (جنوب)، التي يقيم فيها عدد كبير من المسلمين، خاصة من البلدان المغاربية.

معاملة حكومة ماكرون للمسلمين تعرضت لانتقادات، خاصة خلال العامين الماضيين، وأثار تمرير وتنفيذ مشروع "قانون مناهض للانفصال" يستهدف المسلمين ومراكزهم الثقافية والدينية استياء شديدا.

ووفق معهد استطلاعات الرأي الفرنسي "إيفوب" عام 2016، يتراوح عدد المسلمين بين 3 و 4 ملايين، ووفقا لآخر إحصاء أجري في 2020 فإن السكان المسلمين في فرنسا يمثلون 5 بالمئة من إجمالي سكان البلاد (67 مليونا).

ولعب المسلمون دورا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة، سواء كانت حصصا في النقاشات أو كأطراف فاعلة في الساحة السياسية، فالمسلمون هم أكبر أقلية دينية في فرنسا وهم يشكلون حوالي 2 بالمئة من الناخبين.

وأشارت بعض الاستقراءات إلى أن هذه الأقلية يمكن أن تحدث فرقا في الانتخابات المقبلة، بل وقد تحدد مصيرها، حتى أن الخوف من الإسلام لدى السياسيين خاصة في حزب (التجمع الوطني) -يمين متطرف- يدفع المسلمين الفرنسيين إلى التصويت للأحزاب والممثلين الاشتراكيين.

سخاء نفعي

في 20 سبتمبر/أيلول 2021، اعتذر ماكرون لـ"الحركيين"، معترفا بأن باريس تخلت عنهم عام 1962، وذكرت وسائل إعلام منها قناة "فرانس 24"، أن الرئيس الفرنسي أعلن عن مشروع قانون "تعويض" لهم وطلب "الصفح" منهم.

و"الحركي" كلمة تطلق على جزائريين خدموا الجيش الفرنسي خلال ثورة التحرير (1954 - 1962)، ومنهم من حمل السلاح ومنهم من قام بمهام مدنية في المدن والقرى لمساعدة الفرنسيين، حسب مؤرخين.

ويعيش حاليا في فرنسا ما يزيد عن نصف مليون من "الحركي"، وأبناؤهم وأحفادهم يشكلون ورقة انتخابية مهمة للسياسيين بمختلف توجهاتهم.

وأعد مؤرخون فرنسيون بالتنسيق مع جمعيات وممثلين عن "الحركي" تقريرا من 188 صفحة عن وضع الحركيين الجزائريين وعائلاتهم منذ أن وصلوا فرنسا بعد إعلان اتفاق وقف النار في 19 مارس/آذار 1962 والذي مهد الطريق لاستقلال الجزائر في 5 يوليو/تموز من العام ذاته.

ويحمل التقرير عنوان "فرنسا تكن الاحترام والتقدير للحركي"، ويتضمن 56 إجراء أبرزها إنشاء "صندوق للتضامن ولمساعدة الحركي" بقيمة 40 مليون يورو هدفه تقديم الدعم المالي لهم ولعائلاتهم وتمويل بعض المشاريع الاقتصادية، وفق القناة نفسها.

منافسة ماكرون الأشرس في رئاسيات 2022 زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان قالت في تغريدة لها تعليقا على القرار، إن "سخاء ماكرون الانتخابي لن يرمم التهميش الذي عانت منه هذه الفئة التي سبق لماكرون اتهامها عام 2017 رفقة الجيش الفرنسي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الجزائر".

استفزاز للجزائر

في تقرير نشرته في 20 سبتمبر/أيلول 2021، قالت صحيفة "الشروق" الجزائرية -المقربة من السلطة- إن "تكريم الحركي خطوة فرنسية يراها الجزائريون استفزازية، وقد تعقد معالجة ملف الذاكرة العالق بين الدولتين، بسبب تعنت باريس ومراوغاتها وتسييس هذا الملف وفق توجهاتها ومصالحها".

وفي تعريف لها لـ"الحركي"، قالت الصحيفة إنه وصف أطلقه الجزائريون "على العملاء والخونة الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد الثورة التحريرية، إذ خدم ما بين 150 ألفا إلى 200 ألف جزائري في صفوف القوات الفرنسية، وبعد انتهاء الحرب جردوا من أسلحتهم وترك قسم منهم في الجزائر فيما غادر آخرون مع الجيش الفرنسي".

وكانت فرنسا قد استقبلت بعد توقيع وقف إطلاق النار مع الحكومة الجزائرية المؤقتة في 18 مارس/آذار 1962 حوالي 42 ألف فرد من “الحركي”، كما تم استقبال حوالي 40 ألفا آخرين عبر القنوات غير الرسمية والسرية، وحسب مصادر تاريخية وإعلامية وصل مجموع عدد المرحلين إلى فرنسا ما بين 80 ألفا و90 ألف شخص ما بين عامي 1962 و1965.

وبعد مغادرتهم نحو فرنسا جرى “تكديسهم” في مراكز مغلقة لإيواء اللاجئين بجنوب وشمال فرنسا، وبعد تولي فاليري جيسكار ديستان رئاسة فرنسا في 1974، تم إغلاق هذه المراكز وإسكان الحركي وعائلاتهم في شقق تقع غالبيتها في أحياء شعبية.

عام 2001، أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عن يوم 25 سبتمبر/أيلول من كل سنة لتكريم "الحركي" والمتعاونين مع فرنسا.

وفي 2005، صدر قانون في فرنسا ينص على منح اعتراف بـ“الحركيين والأقدام السوداء”، كما اعترف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في 25 سبتمبر/أيلول 2016 بمسؤوليات الحكومات الفرنسية في التخلي عن الحركيين، وظروف استقبالهم في المعسكرات في فرنسا، واعتبرتها الجزائر كلها تحركات استفزازية.

وعندما زار ماكرون الجزائر في ديسمبر/كانون الأول2017، ناقش ملف الحركي مع الحكومة الجزائرية ودعاها إلى أن تفتح لهم الأبواب، لكن طلبه قوبل بالرفض، إذ اعتبر وزير المجاهدين الطيب زيتوني أن "التاريخ حسم قدرهم، لقد اختاروا موقعهم بعد أن خانوا وطنهم وإخوانهم لا يحق لهم أن يعودوا إلى وطننا”.

تنكيل فرنسي

لا يستطيع الحركي ولا أبناؤهم ولا أحفادهم زيارة الجزائر، كما أنهم يعيشون في فرنسا أوضاعا اجتماعية صعبة.

وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أصدر مجلس الدولة الفرنسي أول قرار يدين فيه باريس بشأن الظروف "غير الملائمة" التي عاش فيها الحركي وعائلاتهم في مراكز إيوائهم بفرنسا بعد مغادرتهم الجزائر غداة استقلالها. 

وأقر المجلس (أعلى هيئة قضائية) بتعويض ابن حركي عاش في إحدى هذه المراكز من 1963 لغاية 1975، بمبلغ مالي قدره 15 ألف يورو، بعد رفعه شكوى ضد الدولة الفرنسية في يوليو/تموز 2014، مطالبا بتعويضات مادية بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي كان يوجد فيها آنذاك.

ومن بين 150 ألف جزائري جندهم الجيش الفرنسي كمساعدين خلال الحرب الجزائرية تمكن حوالي 60 ألفا من الوصول إلى العاصمة باريس في ظروف محفوفة بالمخاطر، أما الآخرون فقد تركوا ليدافعوا عن أنفسهم في الجزائر حيث اعتبرتهم السلطة "خونة".

ويبدو أن ماكرون بخطوته هذه، قد اختار مستقبله السياسي، من أجل ضمان نصف مليون صوت انتخابي، بمغازلته "الحركي" مع قرب رئاسيات 2022.