تبناه "تنظيم الدولة".. مؤشرات لتورط نظام الأسد بتفجير خط غاز لبنان
في وقت أنهى كل من مصر والأردن ولبنان والنظام السوري، الترتيبات لإعادة إحياء خط الغاز العربي لتزويد بيروت بالطاقة، برزت أياد معطلة لإفشال المشروع.
واتفق وزراء الطاقة في الدول الأربعة المذكورة خلال لقاء جمعهم في العاصمة الأردنية عمان 8 سبتمبر/أيلول 2021، على خريطة طريق لتزويد لبنان بالغاز الطبيعي.
غير أنه بعد أيام من الإعلان، وبشكل مفاجئ، جرى تفجير خط ربط للغاز في محطة دير علي، جنوب شرق العاصمة السورية دمشق، في 17 سبتمبر/أيلول 2021، وفي اليوم التالي، تبنى تنظيم الدولة المسؤولية عن تفجير الأنبوب، وهو من الخطوط التي ستوصل الغاز إلى لبنان كونه يتبع للخط العربي.
وأمام تهافت الدول لتقديم الدعم للبنان وإنقاذه من الظلمة الغارق فيها، جاء استهداف خط الغاز جنوب دمشق كضربة لهذه المساعي يريد من يقف خلفها تمرير رسائل لأطراف الاتفاق.
وبينما أعلن تنظيم الدولة تبني تفجير الخط ضمن ما سماها "الحرب الاقتصادية"، يرى مراقبون ومحللون أن هناك مؤشرات على تورط النظام السوري بقيادة بشار الأسد في التفجير.
"حرب اقتصادية"
عام 2000، أنشئ خط الغاز العربي الإستراتيجي، وكان مقررا أن يبلغ طوله الإجمالي عند إتمامه 1200 كيلومترا بتكلفة قدرها 1.2 مليار دولار وينقل 10.3 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، وبذلك يشكل أول مشروع إقليمي يمر عبر ثلاث قارات (إفريقيا، آسيا، أوروبا)، لكنه توقف بسبب ثورات الربيع العربي.
ولكون خط الغاز متضررا في بعض أجزائه في الداخل السوري، نتيجة العمليات العسكرية عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تكفل البنك الدولي بإيعاز من واشنطن لتمول صيانة خطوط الأنابيب والشبكة الكهربائية في سوريا التي تحتاج بشدة إلى إصلاح، كما أفادت مصادر إعلامية متطابقة.
وفي أغسطس/آب 2021، تبنت الولايات المتحدة خطة إنقاذ لبنان من أزمة إمدادات الكهرباء لنقص الوقود اللازم لتوليد الطاقة، التي دخلها منذ يونيو/حزيران 2021، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده.
ومنذ البداية، أبدت واشنطن تساهلها مع الانفتاح على النظام السوري في مسألة تزويد لبنان بالغاز، لانتشال بيروت من أزمات متراكمة شلت الحياة في البلاد وباتت تنذر بانفجار اقتصادي متعدد الأوجه يصعب السيطرة عليه لاحقا بسهولة.
لذا بدا واضحا أن الولايات المتحدة قدمت تنازلا كبيرا على صعيد قانون قيصر الذي فرضته على النظام السوري برئاسة الأسد ودخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/ حزيران 2020، ونص على معاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام.
غير أن هذه الحالة الاستثنائية التي ترى واشنطن أنها مجبرة على اتباعها لمساعدة لبنان، ستنعش النظام السوري اقتصاديا، لكون فكرة الإنقاذ مرتبطة بخط الغاز العربي الذي يتحكم الأسد بقسمه، حيث يمر من الأراضي السورية.
إذ وافق النظام السوري على تزويد لبنان بالغاز المصري المتوقف، عبر إعادة ضخه من العريش إلى طابا بمصر، ثم إلى العقبة فالرحاب ثم جابر بالأردن، ومنها لسوريا، درعا ثم حمص، ومنه فرعان، الأول إلى حلب (لم ينفذ) ثم إلى الحدود التركية عند مدينة كلس (لم ينفذ) والثاني من حمص إلى طرابلس اللبنانية.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن وزير الكهرباء التابع للنظام السوري غسان الزامل، وقوع "اعتداء على أحد خطوط الغاز في محطة دير علي، أدى إلى خروجها عن العمل وإلى انقطاع شامل للتيار الكهربائي".
وجاء استهداف الخط بعدما أعلن وزير النفط والثروة المعدنية التابع للنظام السوري، بسام طعمة، جهوزية خط الغاز العربي داخل الأراضي السورية لنقل الغاز المصري إلى لبنان.
وفي 18 سبتمبر/أيلول 2021، قال تنظيم الدولة في بيان على تطبيق تلغرام، إنه "ضمن الحرب الاقتصادية، تمكن جنود الخلافة من تفخيخ وتفجير خط الغاز الواصل بين محطتي تشرين الحرارية ودير علي وبرجي كهرباء يتبعان لمحطة دير علي".
#كليك_هام || صور توضح حجم الاعتداء على أحد خطوط الغاز المؤدية إلى محطة #دير_علي بريف دمشق، الأمر الذي أدى إلى خروجها عن الخدمة.#سوريا pic.twitter.com/u8kvf3NbgB
— كليك Click (@Click_Syria) September 18, 2021
وتقع محطة دير علي على مسافة 35 كيلومترا إلى الجنوب من مدينة دمشق، وهي من أهم محطات التوليد التي ترفد الشبكة العامة بالطاقة الكهربائية بقدرة إجمالية تصل إلى 1500 ميغاواط، وفي عام 2011 أجريت لها توسعة ثانية بتكلفة 670 مليون يورو.
منطقة عسكرية
بدا مستغربا وصول خلايا تنظيم الدولة للمنطقة التي يمر فيها خط الغاز جنوب دمشق، ودخول التنظيم على خط معركة إيصال الغاز إلى لبنان بعدما بدأت مراحل إنجاز الفكرة بالتقدم.
وفي هذا السياق، اتهم الخبير العسكري والإستراتيجي السوري العميد عبد الله الأسعد، "النظام السوري بوضع عبوة ناسفة وتفجير الخط في محاولة لخلق أكذوبة بأن تنظيم الدولة استطاع أن يصل إلى أنبوب ربط الغاز جنوب شرق دمشق".
وقال العميد لـ "الاستقلال" إن منطقة "دير علي التي جرى فيها استهداف خط الغاز ويوجد فيها محطة ربط الكهرباء بعد محطة الشيخ مسكين، لا يمكن لتنظيم الدولة الوصول إليها".
وأرجع ذلك إلى أن منطقة دير علي عسكرية وتحيط بها في كل الاتجاهات ألوية مدفعية وصواريخ ودبابات تابعة للنظام السوري وهي محصنة أمنيا بشكل كبير، عدا عن أنها قريبة من منصة لإطلاق صواريخ أرض أرض وسكود.
ورأى الأسعد أن "النظام السوري يريد إرسال رسالة للعالم أن تنظيم الدولة ما يزال موجودا رغم استفادته بأكبر هدية له مقدمة من الرئيس الأميركي جو بايدن ألا وهي الغاز والذي سيحصل عليه هو أيضا كمنحة من إدارة البيت الأبيض.
وبالتالي يريد النظام أن ينفي عنه صفة الإرهاب وأنه يحاربه عبر هذه الحركة.
وختم العميد حديثه قائلا: "ما جرى هو لعبة مخابراتية من النظام السوري لأنهم في الواقع هم تنظيم الدولة وهم من فجروا الخط وهي في سياق البروبوغندا الإعلامية التي يريد النظام في هذا التوقيت إيصالها إلى العالم وإلى إسرائيل بالذات التي سيمر غازها من قلب محور الممانعة المزعوم".
لماذا يتم ضرب خط الغاز العربي الواصل بالمنطقة بين محطة تشرين ومحطة دير علي مما أدى لانقطاع الكهرباء عن كامل دمشق ؟
— Ayman Abdel Nour (@aabnour) September 19, 2021
ومن ثم تقوم داعش باصدار بيان أنها مسؤولة عن العملية ؟
-علما ان مكان التفجير يبعد ٣٠٠م عن موقع كبير لقوات النظام السوري ؟ pic.twitter.com/DXF1zPmO2Y
تمهيد النظام السوري الطريق أمام الخطة الأميركية ليس بالمجان ولا بالنحو الذي يريده هو ويدفع عجلة اقتصاده أو يلمع صورته سياسيا.
ولا سيما أن أزمة نقص إمدادات الكهرباء في لبنان التي تعود مشكلتها منذ الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، لم تف نحو 30 مليار دولار صرفت خلال العقود الثلاثة الماضية لحلها.
إعادة حسابات
ومن هنا فإن الكثير من المراقبين يرون أن النظام السوري له حسابات تتعلق بمدى الاستفادة من قبوله بصفقة تمرير الغاز إلى لبنان، وهو مضى فيها ضمن خطة رسمها مسبقا لكونه يمتلك الورقة الأقوى بين جميع أطراف صفقة إنقاذ لبنان من أزمة الطاقة.
وهذا ما أشار إليه المحلل السوري المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف بقوله لـ "الاستقلال" إن النظام "سيحصل على مقابل تزويد لبنان بالطاقة على غاز وكهرباء وليس مردودا ماليا، لكن ذلك ليس بالكمية الكافية لسد العجز عنده في مسألة الطاقة أيضا".
وأردف قائلا: "فالنظام باعتقادي يريد أن يضغط أكثر على الأطراف الأخرى لمنحه كميات أكبر وهذا ما لا تقبل به واشنطن لأن ذلك يخل بقانون قيصر بالدرجة التي قد تحرك عجلة النظام الاقتصادية".
ويصعب مستقبلا التراجع عن الخطوة كونها ستدخل لبنان مجددا في أزمة الطاقة وتعيده إلى المربع الأول الذي تخشاه الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وفق قوله.
واستدرك قائلا: "وهذا طبعا مرتبط بالتأثير أيضا على الحل السياسي بسوريا بما يمنح الأسد بهذه الخطوة أوراقا تفاوضية أقوى".
لذا يبدو أن حسابات الاستفادة من السماح بتمرير الغاز إلى لبنان تبينت للنظام أنها خاسرة وفقا للحسابات الأميركية، وخاصة أن الأسد ليس وحده من يدير الشأن الاقتصادي فهناك إيران ومشاريعها وروسيا واستثماراتها، كما قال الشريف.
وتابع أن إعادة استخدام شماعة تنظيم الدولة وتبنيه بشكل رسمي لضرب الخط جنوب دمشق ربما لوجود رغبة لدى النظام لاستجلاب الدعم لخوض معركة جديدة ضد التنظيم.
وهذه المرة ليس لوحده وعبر مليشياته بل من خلال مساعدة دول عربية وخلق تحالفات جديدة في هذه المسألة ربما أطرافها الأردن ومصر.
واستطرد قائلا: "وهنا سيصبح هناك تعاون عسكري ولو محدودا مع تلك الدول لكون هذا الخط هاما ويعول عليه الأردن اقتصاديا وينقذ لبنان أيضا".
وهو ما يكسب النظام تقاربا جديدا مع الدول العربية ضمن محاولاته لجلب التطبيع وإعادة العلاقات مع الجوار العربي.
وواصل: "النظام السوري يستفز ويكسب بنفس الوقت نظرا لأهمية خط الغاز ورعاية واشنطن لفكرة إنقاذ لبنان الوحيدة".
ويقتصر وجود تنظيم الدولة في سوريا على مساحة نسبتها واحدة بالمئة، ويتركز وجوده في شكل خلايا متفرقة تنتشر في البادية السورية، تجمعت فيها بعدما خسرت جميع معاقلها في المدن السورية منذ عام 2017.
المصادر
- الحكومة السورية تعلن استئناف العمل في خط الغاز العربي بعد تعرضه لهجوم
- بيان لتنظيم "الدولة" يتبنى تفجير خط غاز محطة دير علي بدمشق
- إنجاز مشروع توسيع محطة دير علي يدعم استقرار الشبكة الكهربائية
- تزويد لبنان بالطاقة مفتاح الأسد لاستعادة الشرعية الدولية
- الأردن.. بدء اجتماع 4 وزراء طاقة عرب لتزويد لبنان بالكهرباء