بعد سنوات قمع وقهر.. لماذا سمحت أوزباكستان بالحجاب والمظاهر الإسلامية؟
.jpg)
30 سنة احتاجتها أوزبكستان لتتتجاوز "حقبة مريرة"، وتبدأ الحكومة المركزية في تخفيف القيود على مظاهر التدين، والسماح بارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية بعد أن كان محظورا، في خطوة مرتبطة بتوجهات جديدة للدولة داخليا وخارجيا على خطى تركيا.
وتعتبر أنقرة أول من اعترف باستقلال أوزبكستان عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف أول رئيس من آسيا الوسطى يزور العاصمة أنقرة عام 1991، متعهدا وقتها بمحاكاة النموذج التركي "العلماني" في انتهاج سياسات تقدمية متحررة من الدين.
لكن كريموف ذهب إلى أبعد من نموذج الأتاتوركية العلمانية بكثير، وفرض قبضة من حديد على كل مظاهر التدين في البلد المسلم الذي يتجاوز تعداده السكاني 33 مليونا، ويضم مدنا إسلامية تاريخية مشهورة مثل بخارى وسمرقند، بل وارتكب انتهاكات حقوقية خطيرة ضد المتدينين، وصلت إلى ارتكاب مذبحة "أنديجان" المروعة عام 2005.
وبعد رحيل كريموف بسنوات قليلة، تودع طشقند أكثر العهود استبدادا وتدشن مرحلة ثانية من التقارب أكثر مع "تركيا الجديدة"، التي باتت تمثل نموذجا مختلفا لدول "المجلس التركي" التي تعد أوزبكستان واحدة منها.
خطوة متقدمة
في 9 سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت وزارة التعليم في أوزبكستان عن السماح للفتيات بارتداء الحجاب في المدارس، في محاولة لضمان عدم حرمان بنات العائلات المسلمة من التعليم".
القرار اعتبر "تاريخيا" من الحكومة التي تعتمد التوجه العلماني وتحتفظ برقابة مشددة على العقيدة الإسلامية منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي.
وقال وزير التعليم الأوزبكي شيرزود شيرماتوف: إن السلطات "تعتزم السماح بالحجاب وغطاء الرأس باللون الأبيض أو الفاتح في المدارس بعد مطالبات العديد من الآباء بذلك".
وأضاف أن "هذه الخطوة ضرورية لضمان حصول كل طفلة على تعليم".
وسعى الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزاييف، الذي بدأ حكمه في 16 ديسمبر/كانون الأول 2016، لإزالة بعض القيود على المظاهر الدينية في البلد الذي يقبع تحت نظام حكم من موروثات شيوعية، ويشكل المسلمون فيه أكثر من 90 بالمئة من السكان، كما أن المجتمع بطبعه محافظ، خاصة في المقاطعات البعيدة عن العاصمة.
التطورات الأخيرة تبشر بمستقبل أفضل، بعد سنوات القمع الديني في الدولة الشيوعية السابقة، والذي استمر إلى ما بعد الاستقلال عن موسكو عام 1991، وكان كريموف أول رئيس للدولة مناهض للتدين، وانتقدته جماعات حقوق الإنسان بسبب خلطه ما بين التدين والتطرف.
وتحدى الإسلاميون حكم كريموف في التسعينيات، ودخلت البلاد في موجة من الاضطرابات وأعمال العنف، جراء قسوة السلطات وأجهزة الأمن في التعامل مع الإسلاميين المحافظين.
إرث قمعي
وفي 13 مايو/أيار 2005، وقعت أسوأ مذبحة في تاريخ البلاد، المعروفة بمجزرة "أنديجان" نسبة إلى ولاية أنديجان التي تمت فيها الأحداث المؤسفة، عندما تجمع آلاف المعارضين والإسلاميين اعتراضا على قمع كريموف والتدهور السياسي والاقتصادي، لكن القوات الحكومية فتحت نيران أسلحتها الرشاشة بشكل مفاجئ، ضد آلاف المتظاهرين المدنيين.
النشطاء الأوزبك يؤكدون أن هناك نحو 1500 قتيل مدني سقط جراء المذبحة، وجرى التخلص من غالبية الجثث إما عن طريق الدفن في مقابر جماعية أو إلقائها في نهر كاراسو.
وفي تقريرها عن وفاة كريموف في 2 سبتمبر/أيلول 2016، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية: "ترك كريموف إرثا من القمع الوحشي لربع قرن، وحكم بالخوف، وأنشأ نظاما تغذى على أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان: التعذيب والإخفاء القسري، والسحق الممنهج للمعارضة".
وأوردت: "امتد قمع كريموف إلى إخماد التعبير الديني المستقل منتصف تسعينيات القرن الماضي. كما اعتمدت الحكومة الأوزبكية واحدا من أكثر القوانين تقييدا على الدين في العالم عام 1998، باسم منع التطرف، حيث حظرت معظم أشكال العبادة العامة أو المستقلة، والملابس الدينية، ووضع المساجد تحت السيطرة الفعلية للدولة".
وجاء موت كريموف الذي رفض خلال فترة حياته وجود مظاهر الحياة الدينية والإسلامية، أو حتى الشعائر الأساسية مثل الأذان والحجاب، كما رفض إجراء تحقيقات دولية من انتهاكاته بحق الإسلاميين، ليبشر ببداية عهد مختلف جزئيا.

لكنها طردت من الجامعة الواقعة في العاصمة طشقند، والتي تعرف بـ"أكاديمية أوزبكستان الدولية"، ولم تستسلم لويزا حيث تبنت موقفا مناهضا للقرار، وتحدثت إلى وسائل الإعلام قائلة: "كيف يجرؤون على التمييز ضدي ومنعي من الحصول على التعليم الذي أرغب به بسبب ديانتي؟".
بينما جرى "نقاش قوي" بناء على ذلك الموقف، حول حرية الممارسات الدينية والشعائر في أوزبكستان، وسط تشجيع من الرئيس الجديد شوكت ميرزاييف، الذي سمح عام 2018 لسماعات المساجد بأن تصدح بالأذان لأول مرة منذ عقود.
وخلال زيارته إلى معبد بمدينة ترميز التاريخية في أبريل/نيسان 2019، قال ميرزاييف: إن "طريقة تعامل السلطات السابقة مع الدين هي مأساتنا الكبرى"، مؤكدا أن "الإسلام يرمز إلى النور"، في إشارة واضحة على التغيير، ونظرة السلطات الجديدة إلى الدين من منطلق آخر.

بواعث التغيير
يبدو أنه كما كانت تجربة تركيا العلمانية الصرفة خلال العهود السابقة، ملهمة للراحل كريموف، وفرض على أساسها قيودا على الشعائر الدينية، فإن تجربة الإصلاحيين الجدد في تركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية، والتي حققت متغيرات في أنماط الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية، كانت ملهمة للقيادة الأوزبكية التي تقاربت مع أنقرة بطريقة أكثر جدية.
وفي 9 مارس/آذار 2021، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، خلال زيارته إلى طشقند أن علاقات بلاده مع أوزبكستان "وصلت إلى مستوى متقدم للغاية".
المميز في تلك الزيارة أن تشاووش أوغلو ذهب إلى المدارس الدينية في ميدان ريجستان بسمرقند، ودعا من هناك مواطني بلاده لزيارة مدن أوزبكستان العريقة والتاريخية، قائلا: "أوزبكستان موطن أجدادنا، وتضم آثارا تاريخية وثقافية، ومدارس إسلامية عريقة، إنها موطن العلماء".
وفي 30 أبريل/نيسان 2018، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بزيارة "بالغة الأهمية" إلى طشقند، حيث وقع مع نظيره الأوزبكي، ميرزاييف، 25 اتفاقية، تدل على الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة آسيا الوسطى بالنسبة لتركيا، وعلى نية أنقرة ترسيخ نفوذ "مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية"، وذلك في ظل إستراتيجية القوة الناعمة لتركيا الجديدة.
تجلى التعاون الثنائي في الوجود الاقتصادي التركي العميق في أوزبكستان، ففي عام 2018، ذكرت هيئة الإحصاء الأوزبكية أن تركيا احتلت المرتبة الثانية بين الدول التي أسست معظم شركاتها في أوزبكستان، إذ أنشأت 364 شركة في عموم البلاد.
ولم تتوان تركيا بأن تصبح من أكبر الدول تأثيرا ونفوذا داخل دول آسيا الوسطى، ظهر ذلك جليا في حرب أذربيجان وأرمينيا، وبفضل مساعدات أنقرة العسكرية عبر الطائرات المسيرة، تم تحرير إقليم "قره باغ"، ما أغرى طشقند لانتهاج سياسة باكو، نحو مزيد من التقارب مع أنقرة، وكانت الحريات الدينية جزءا من هذه السياسة الرامية إلى استلهام النموذج التركي.
وفي 19 سبتمبر/ أيلول 2019، نشر مركز "سيتا" التركي للدراسات والأبحاث تقريره تحت عنوان: "هل يعيد المجلس التركي إحياء الطورانية (أصل الأتراك) الجديدة"؟
وقال: "يدرك الرئيس أردوغان، ما تمتلكه أوزبكستان من ثروات طائلة، وأسواق واعدة للمرور عبر بوابتها إلى دول آسيا الوسطى لبسط النفوذ التركي، وإحياء القومية الطورانية، والسيطرة على منابع النفط، ومحاصرة عناصر تنظيم فتح الله غولن".
وأضاف: "تأتي أوزبكستان على رأس أولويات الرئيس أردوغان في التوجه نحو آسيا الوسطى، دعما لفكرة القومية التركية، عن طريق تحفيز ما يربط الدولة بتاريخ يتضمن اللغة والدين الإسلامي والعادات والتقاليد المشتركة، لدعم طموح يتمثل في بناء عالم تركي قائم على الوحدة الثقافية التركية الاجتماعية والدينية".
المصادر
- أوزبكستان ترفع الحظر عن ارتداء الحجاب في المدارس للمرة الأولى منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي
- المسلمون يسعون إلى ممارسة ديانتهم علنا في اوزبكستان المتغيرة
- Uzbekistan: Muslim Dissidents Jailed and Tortured
- How Will Erdogan’s Recent Visit to Uzbekistan Enhance Turkish-Uzbek Cooperation?
- تركيا في آسيا الوسطى
- هل يعيد “المجلس التركي” إحياء “الطورانية الجديدة”؟
- نبذة عن الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف
- أكثر من ثلاثمائة الف مشاهد لفيلم مذبحة المسلمين في أوزبكستان المزيد على دنيا الوطن