لمنع عودته.. هكذا تخطط أحزاب مغربية لإحراج "العدالة والتنمية" بعد خسارته

12

طباعة

مشاركة

"سنتحالف مع الأحزاب التي تتقاطع مع التجمع الوطني للأحرار في المبادئ والرؤى"، بهذا التصريح الذي خرج به مباشرة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021 في المغرب، رسم الأمين العام للحزب المتصدر، عزيز أخنوش، الخارطة الحكومية الجديدة.

يوما واحدا بعد خروج النتائج النهائية، استقبل ملك البلاد محمد السادس أخنوش في قصر مدينة فاس (شمال) وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن عينه رئيسا لها، لتبدأ بذلك اللقاءات الماراتونية مع باقي الأحزاب ومعها التخمينات عن شكل الحكومة التي ستسير البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.

لقاءات ماراثونية

وفقا لدستور 2011، الذي يقتضي أن يكون رئيس الحكومة هو الأمين العام للحزب المتصدر في الانتخابات، عين الملك أخنوش، في 10 سبتمبر/أيلول 2021، رئيسا للحكومة وكلفه بتشكيلها، بعد حصول حزبه "الحمامة" (رمز الأحرار) على 102 مقعد في الانتخابات التشريعية من أصل 395 مقعدا في مجلس النواب.

يتوقع كثيرون أن حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي سيختار التموقع في المعارضة، لكن باقي الأحزاب وأولها "الأصالة والمعاصرة" الذي حل ثانيا بـ86 مقعدا، قد ينحاز للمعارضة، وبذلك ستكون أقوى من الحكومة نفسها.

واستحضر مراقبون أزمة 2016 عندما اختلفت الأحزاب عن التحالفات، فعرف المشهد ما عرف بـ"البلوكاج" (انسداد) لمدة 6 أشهر، حتى تدخل الملك بإقالة أمين عام "العدالة والتنمية" آنذاك عبد الإله بنكيران الذي كان يرفض التحالف مع بعض الأسماء وتعيين الرجل الثاني في الحزب -سعد الدين العثماني- رئيسا للحكومة.

في 2020، قال الأمين العام للأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، بالبرلمان في إشارة لرجل الأعمال ووزير الفلاحة، أخنوش، ووزير الصناعة، مولاي حفيظ العلمي: إنه "توظيف للقدرات المالية والموقع الحكومي لأهداف انتخابية".

وفي 11 سبتمبر/أيلول 2021، التقى رئيس الحكومة الجديد، أخنوش بوهبي في أول لقاء من أجل تحالفات تشكيل الحكومة الجديدة، باعتباره الحزب الثاني في الترتيب بعد "الحمامة".

تداولت وسائل إعلام محلية احتمال مشاركة حزب "الاستقلال" الذي حصد 81 مقعدا -الذي كان في المعارضة خلال الولاية المنتهية- في الحكومة الجديدة، وكانت اللجنة التنفيذية قد أشارت عقب الإعلان عن النتائج إلى أن "المرحلة المقبلة تتطلب وجود حكومة قوية متضامنة ومنسجمة وقادرة على إجراء النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع وبكفاءة عالية".

رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، عبد الواحد زيات، والمنتمي سابقا لـ"الجرار" (رمز الأصالة والمعاصرة)، تساءل: "إذا دخل الاستقلال وحزب الجرار والاتحاد الاشتراكي  (يسار- 35 مقعدا) إلى الحكومة التي سيقودها التجمع الوطني للأحرار من سيبقى في المعارضة؟".

واعتبر في تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك"، أن دخول الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية (وسط - 29) يمكن أن يكون السيناريو الأنسب، أما "الجرار لم ينضج بعد كحزب ليكون في الحكومة، صراعاته الداخلية لا زالت رمادا".

وقال زيات: إن "المكتب السياسي للجرار ليس مكتبا شرعيا ليتخذ قرار دخول الحكومة من عدمها، وهو لم يعقد بعد مجلسه الوطني منذ المؤتمر الرابع (في فبراير/شباط 2020)"، في إشارة إلى عدد من المشاكل والانقسامات الداخلية التي عاشها الحزب في الفترة الأخيرة وتغيير أمينه العام.

خندقة في المعارضة

واعتبر دكتور العلوم السياسية والأستاذ الجامعي، محمد شقير أن "الظرفية التي يعيشها المغرب، سواء تداعيات الجائحة أو التحديات الخارجية -باعتباره في مواجهة مع مجموعة من الدول الإقليمية- يفترض وجود حكومة قوية، وهذا سيتحقق بتحالف الأحزاب الثلاثة المتصدرة (الحمامة والجرار والميزان)، لكن في هذه الحالة سنكون أمام معارضة ضعيفة".

ورأى في حديث مع "الاستقلال" أنه "سيكون في الأمر اختلال في التوازن، إذ سنكون أمام حكومة قوية ومتماسكة أمام معارضة متهالكة ومشتتة، وهذا ما يضعف هذا السيناريو"، قبل أن يستطرد قائلا: إن "الغرض المتمثل في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية قد يفرضه".

وذكر دكتور العلوم السياسية أن "ما عبر عنه الشعب من خلال صناديق الاقتراع هو سخط على العدالة والتنمية، لأنه لم يف بوعوده، كما أنه لم يكن في مستوى مرحلة مواجهة التداعيات"، مشددا على أن "هذه هي الرسائل التي بعث بها المواطنون عبر التصويت"

وأوضح أن "البحث عن حكومة منسجمة مقابل معارضة قوية هو سيناريو مطروح، لكن المغرب بحاجة إلى حكومة قوية وإن كانت المعارضة ضعيفة، خصوصا وأن الهدف (لدى القوى السياسية) هو المزيد من إحراج العدالة والتنمية وعدم تهيئة الظروف له للعودة لتلك المعارضة الشرسة التي كان يمارسها".

وقال شقير: "أظن أن السيناريو الذي قد يطرح هو حكومة مكونة من التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة،  والاستقلال، ويمكن أن نضيف أيضا الاتحاد الاشتراكي".

وأرجع ذلك لأسباب ركزها في "كون الجرار في المعارضة منذ ولايتين، وقد لا يقبل أعضاؤه بالاصطفاف فيها لولاية ثالثة".

الأمر نفسه بالنسبة لحزب الاستقلال، يتابع الخبير السياسي، إذ "يتضح أن الأحزاب لا تقبل المعارضة إلا على مضض"، مشددا أن ما سيحكم التحالفات هي الحقائب الوزارية، معتبرا أن مفاوضات أخنوش مع الجرار (المرتبة الثانية) والاستقلال (المرتبة الثالثة) ستكون صعبة شيئا ما، نظرا لكون الحزبين سيطلبان حقائب ثقيلة، وفقا لنتائجها في الانتخابات.

التوافق على الحقائب

ولفت شقير إلى أن التوافق على توزيع الحقائب هو ما سيحكم المرحلة المقبلة، وهو ما سيسهل تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصا وأن لا خلاف جوهري؛ سواء في المرجعية السياسية أو المذهبية كما هو الوضع مع المصباح، أي على المستويين الأيديولوجي والسياسي لا توجد أية عوائق تمنع تشكيل هذه الحكومة".

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن تشكل الحكومة من الأحزاب الثلاثة الأولى المتصدرة سيخلق حكومة متماسكة وقوية، وهي ما يتطلبه الوضع في البلاد بعد تبعات الجائحة.

ورجح المحلل السياسي، بحسب استقرائه، أن يتم تقسيم الحقائب وفق أقطاب؛ أي أن يتكلف حزب التجمع الوطني للأحرار بقطاع التجارة والصناعة، فيما يتكلف حزب الاستقلال بالقطاع الاجتماعي، وأن يحصل الأصالة والمعاصرة على حقائب الطاقة والتجهيز

في حال عدم التوافق حول الحقائب ممكن أن يشهد المغاربة حكومة أخرى تتكون من الأحرار والاستقلال بالإضافة إلى الاتحاد الاشتراكي، وأحزاب أخرى، في هذه الحالة ستكون الحكومة أكثر عددا، لكن أقل قوة وتماسكا وانسجاما، وحينها قد نعود إلى المشاكل التي حدثت في حكومة العثماني".

واستدرك شقير قائلا: "الرجوع إلى سيناريو الحكومتين السابقتين، ليس لدى السلطة (الدولة) ولا مكونات المشهد السياسي رغبة في العودة إليه".  

وكان بنكيران قد صرح، في اليوم الموالي ليوم الانتخابات في 2016، أن حزبه منفتح على جميع الأحزاب باستثناء الأصالة والمعاصرة الذي يعتبره بنكيران خطا أحمر في تحالفاته لتشكيل الحكومة، ليصبح حل "الانسداد" في مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة، بيد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان قد حصل على 37 مقعدا في البرلمان.

اشترط أخنوش آنذاك استبعاد حزب الاستقلال من الحكومة واشتراطات أخرى (بينها تغيير بنكيران لخطابه، وإعادة النظر في الدعم الموجه لفئات المجتمع عبر صندوق المقاصة)، اعتبرها بنكيران تتجاوز وضعيته كحليف مفترض في الحكومة، إلى "التطاول" على اختصاصات رئيس الحكومة، وقائد التحالف.

وأوضح شقير أن اعتراض أخنوش، على انضمام حزب الاستقلال للحكومة عام 2016 كان في عهد القيادة القديمة -حميد شباط (الأمين العام السابق للحزب)- أما الآن فقد تغيرت الكثير من الأمور وتسير الحزب قيادة جديدة (نزار بركة) التي لها طموح في الدخول للحكومة وممارسة الشأن العام.