بعد "سقوطه المدوي".. ما السيناريوهات أمام حزب العدالة والتنمية بالمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

"نتيجة تعيده إلى نقطة الصفر" هكذا وصف محللون ما تعرض له حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي وقائد الائتلاف الحكومي السابق في المغرب، مع الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في 8 سبتمبر/أيلول 2021. 

نتيجة لم يتوقعها حتى معارضو الحزب الذي كان يعلم مناصروه، تبعا لسلسلة من المؤشرات، أنه لن يتصدر المركز الأول كعادته، لكن "السقوط المدوي" إلى المرتبة الثامنة بـ13 مقعدا بعد فترتين حكوميتين كانتا التجربة الأولى لإسلاميي المغرب في تدبير السلطة بـ(125مقعدا)، وصفت بـ"التراجيدية".

وأمام دهشة أنصاره، اهتز الحزب من الداخل وظهرت أولى مؤشرات الاهتزاز في رسالة الرجل القوي داخله وأمينه العام السابق عبدالإله بنكيران، التي خطها بيده داعيا فيها الأمين العام سعد الدين العثماني إلى الاستقالة.

تصدع داخلي

بعد يوم واحد فقط من إعلان النتائج الرسمية الأولية للانتخابات، خرج أعضاء الأمانة العامة لـ"المصباح" (رمز الحزب) وفي مقدمتهم العثماني بقرار استقالة جماعية من الأمانة العامة، مع الدعوة إلى تنظيم دورة استثنائية للمجلس الوطني (بمثابة برلمان الحزب) للحزب في 18 سبتمبر/أيلول 2021.

جاء القرار أيضا بعد ساعات من رسالة بنكيران، التي نشرها عبر "فيسبوك"، وقال فيها: "بصفتي عضوا بالمجلس الوطني للحزب (..) وبعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مني بها حزبنا، أرى أنه لا يليق في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته".

القيادية داخل الحزب آمنة ماء العينين، ذهبت إلى القول: "حزبنا كان طيلة الفترة السابقة حزبا كبيرا بقيادة صغيرة، وعلى الأخ الأمين العام أن يعترف بهزيمة الحزب ويدعو إلى وقفة تقييم حقيقية".

واعتبرت عبر "فيسبوك"، أنها "لحظة اعتراف بالأخطاء بعد أن شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في أغلب القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه".

وقالت ماء العينين إن "رئيس الحكومة سمح بمرور قوانين انتخابية كارثية (القاسم الانتخابي)، كما قدم تنازلات غير مدروسة ورفض تفعيل مقتضيات دستورية كان يمكن أن تنقذ الحزب، كما تبنى منطقا إقصائيا حديديا داخل الحزب".

القيادي في الحزب والوزير السابق، الحبيب شوباني، حذر في تدوينة على "فيسبوك" من "إخراج" المصباح من مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، معتبرا أنه "تأمين مناخ للأغلبية بدون فريق قوي معارض"، مضيفا: "هذا خطأ ثان الهندسة غير الذكية للعملية برمتها"، في إشارة إلى أن العملية الانتخابية عرفت تدخلا من السلطة.

ورأى شوباني أن هذا الفعل الذي سيجعل الحكومة الجديدة التي يقودها عزيز أخنوش الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار المتصدر، في مواجهة مفتوحة مع الشعب، معتبرا أنه "بعد إبعاد الحزب من البرلمان، طبيعي جدا أن يكون الشارع هو المعارضة".

تدوينة شوباني اعتبرها الصحفي مصطفى الفن المقرب من قياديين داخل الحزب، "طعنا في شفافية الانتخابات بأياد مرتعشة من تحت الطاولة"، على اعتبار أن القيادي لم يصرح بذلك بشكل واضح ولا أصدر بيانا رسميا به.

سيناريوهات منتظرة

خلال الولايتيتن السابقتين اللتين امتدتا لعقد من الزمن، حيث أجريت انتخابات تشريعية مبكرة أعطت المرتبة الأولى لحزب العدالة والتنمية بحصوله على 107 مقاعد، وهو أعلى عدد يحصل عليه حزب في تاريخ المغرب، ثم 125 مقعدا في 2016، جرت مياه كثيرة في "حكم المصباح".

وبالنظر إلى عدد من المؤشرات، أولها الانقسامات الداخلية داخل الحزب وابتعاد بنكيران عنه، ثم قوانين تمس الحياة الاجتماعية للمواطنين مررها المصباح باعتباره قائد الائتلاف الحكومي، فقد كان متوقعا عدم تمكنه من بلوغ المركز الأول، لكن أن يحل الثامن بـ13 مقعدا فهي صدمة فتحت الباب أمام أسئلة كثيرة، أبرزها هل ينشق قياديون عن الحزب إلى تنظيم آخر؟

السيناريوهات المفتوحة أمام العدالة والتنمية -وفق أستاذ العلوم السياسية، بلال التليدي، "ليست كثيرة" فهناك خطان؛ الأول أن "تقنع القيادة المستقيلة أعضاء التنظيم بأن هذه النتيجة ليست من مسؤوليتها وأن هذه النتائج غير منطقية وغير مفهومة، وأن الإدارة الترابية (مؤسسات الدولة المسؤولة عن الانتخابات) تدخلت وغيرت حقيقتها".

وتابع: "ومن ثم تحاول (القيادة المستقيلة) أن تفهم المناضلين بأنها قامت بما يتعين عليها من واجب وأن الأمر فوق إرادتها".

هذا السيناريو، يقول التليدي في حديث مع "الاستقلال": سيواجه بمضمون الاستقالة الجماعية التي أثبت بيان الأمانة العامة أنها تحملت مسؤولية هذه الهزيمة، وأنها أقرت بها وبمسؤوليتها فيها

الخيار الثاني، أن يتم اتهام الذات بالتقصير، ويرجع الأمر بشكل كبير للقيادة التي دبرت المرحلة، وبالتالي ترتيب الأثر على ذلك بإفراز قيادة جديدة ليس لها أي علاقة بالسابقة وإجراء تقييم جماعي يرسم خارطة الطريق لإعادة بناء الذات الحزبية والمشروع السياسي وتدقيق الأطروحة السياسية، وفق المتحدث.

وربما أيضا التفكير في باقي هيئات المشروع الإصلاحي كلها باعتبار أن الهزيمة لم تصب فقط الحزب، وإنما أصابت أيضا النقابة وباقي الروافد التي كانت تمثل الخزان والداعم والشريك والإسناد للمشروع السياسي الإصلاحي.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن "هذا المسار التصحيحي والذي سيركز على إصلاح الذات الحزبية وإعادة النظر في مفردات المشروع وتصحيحه وإعادته إلى الطريق، يتطلب زمنا طويلا، لا أقول أن الأمر قد يتطلب 5 سنوات (مدة الولاية الحكومية) لكنه قد يحتاج 10 أو 15 عاما وذلك بالاشتغال أولا على إعادة بناء الحزب والمواقف بشكل تدريجي".

وأيضا -وفق التليدي- القرب من المجتمع بناء على هذه المواقف التي ستصادف أحداثا قادمة وتحديات مستقبلية حتى يستأنس الشعب بتغير حقيقي في خطاب الحزب وخطه السياسي، لأن الاستدراك في الغالب ما يكون أصعب من الظهور الجديد لأي تيار سياسي.

وختم بالقول: "إذا لم ينجح الحزب في سيناريو الإصلاح والتقييم وبناء قيادة جديدة، أعتقد أنه سيتعرض بالكامل إلى الفشل والزوال، وقد يمتد ذلك إلى باقي هيئات المشروع الإصلاحي في مستوياته المختلفة؛ الفكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية، وقد يكون هذا هو التحدي الأخطر الذي يهدد المشروع".

دكتور العلوم السياسية، عبد المنعم لزعر، رأى أنه يجب الإشارة إلى أن نتائج الانتخابات (التشريعية والبلدية والجهوية) "أعادت الحزب لنقطة الصفر"، معتبرا الاستقالة الجماعية للأمانة العامة والعودة إلى المجلس الوطني هو عودة كذلك لنقطة الصفر مؤسساتيا.

وقال في حديث مع "الاستقلال": "عندما تكون الهزيمة مؤلمة تكون الخيارات كذلك مؤلمة، لذلك هناك ثلاثة احتمالات، الأول هو اختيار مسار القطيعة السوسيولوجية من خلال تغيير جذري للنخب المسؤولة عن الهزيمة بنخب جديدة غير متورطة بشكل من الأشكال في حقبة التدبير وممارسة السلطة التي قادت الحزب لتكبد هذه الهزيمة".

والاحتمال الثاني، وفق الأكاديمي في العلوم السياسية، هو "تغيير الحزب لاتجاهه السياسي بقطيعة سوسيولوجية أو بدونها، من خلال القيام بمراجعات قد تكون مذهبية أو سياسية أو إعادة بناء فكرة الحزب وأهدافه ورهاناته، وقد تصل حتى إلى تغيير اسم الحزب باسم جديد يتماشى مع الفكرة أو الأهداف والرهانات المفترضة".

أما الاحتمال الثالث "هو الانهيار التدريجي للحزب جراء انسحابات مفترضة وانكسارات أو صدمات مستقبلية"، بحسب لزعر.