رغم حكم الإعدام.. هل ينجح سيف الإسلام القذافي في استعادة عرش أبيه؟
بعد سنوات من الاختفاء، عاد اسم آل القذافي للتداول من جديد في المشهد الليبي عقب تقارير إعلامية تتحدث عن عزم نجل الزعيم الراحل سيف الإسلام معمر القذافي، الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وفيما شككت أطراف في وجود سيف الإسلام على قيد الحياة، ذهبت أخرى إلى نقاش موقف المجتمع الدولي مما يحدث، ليخرج محامي سيف الإسلام قائلا: إن ترشح موكله "تلبية لرغبة الليبيين".
هذا الإعلان أثار تساؤلات واستفهامات حول الفرص والعوائق التي تقف حائلا أمام طموح الترشح الانتخابي، ورغبة "هذه الوجوه" في العودة إلى أيام النظام القديم.
يخشاه حفتر
موقع "بوابة إفريقيا" الإلكتروني المقرب من أنصار الراحل القذافي ذكر في 1 سبتمبر/أيلول 2021 أن نجل الزعيم الراحل سيعلن عن ترشحه رسميا "في وقت لاحق".
ونقل الموقع عن محامي سيف الإسلام، خالد الغويل، قوله: إن نجل الزعيم “شخصية وطنية ذات مشروع قومي لإنقاذ ليبيا من المأزق وإعادة الأمن والاستقرار في ربوع البلاد”.
لكن هذه العودة تواجه تحديات كبيرة لتغير المعطيات في المشهد السياسي والعسكري بعد 10 أعوام على سقوط نظام القذافي.
إذ أصبحت ليبيا منقسمة بين شرق يسيطر عليه اللواء الانقلابي خليفة حفتر، وغرب تتقاسم السيطرة عليه كتائب مسلحة، أقواها كتائب مصراتة، وأبرز قادتها فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق.
وفي تحليل نشرته وكالة الأناضول التركية، أغسطس/آب 2021, قالت: إن المتضرر الأكبر من عودة سيف الإسلام "لا شك أنه حفتر" الذي تحالف منذ نهاية 2014، مع قادة الكتائب الأمنية التابعة لنظام القذافي، واستوعب عناصرهم في صفوف مليشياته بتوجيهات من النظام المصري، بحسب القيادي في جهاز مكافحة الإرهاب بطرابلس عبد الباسط تيكة.
وأفاد التحليل بأن "عودة الرجل قد تحدث شرخا في صفوف مليشيا حفتر، خاصة إذا قرر استعادة السلطة بالقوة بدعم روسي، أما إن تمكن من دخول الانتخابات فسيمثل أبرز منافس لحفتر لحد الآن على الرئاسة".
ورغم أن حفتر وصف ذات مرة سيف الإسلام بـ"المسكين"، إلا أنه حاول قتله أكثر من مرة، بحسب أنصار القذافي، بل وبحسب شهادة إبراهيم المدني، قائد لواء بالزنتان، الذي أكد أن قادة تابعين لحفتر طلبوا منه قتل سيف الإسلام.
وهذا يعكس قلق حفتر من الخطورة التي يشكلها سيف الإسلام على طموحه للاستيلاء على السلطة، خاصة وأنه كان عدوا لوالده منذ سقوطه أسيرا في حرب تشاد عام 1987 إلى غاية مقتله في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011.
دعم روسي
يحظى سيف الإسلام بدعم روسي وقبلي من طرف مناصري النظام السابق مع احتفاظ ابن عم القذافي أحمد قذاف الدم بثروة تسمح له بتمويل مشروع العودة إلى السلطة، بحسب تقارير إخبارية.
وذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية الإخبارية في تقرير لها أن نجل الزعيم الذي أطيح به في ثورة شعبية عام 2011 لم يطرح عملية التحالف مع أي من الأطراف الليبية، وأنه “يسعى للعمل على توحيد الدولة دون التموقع أو تعميق عملية الانقسام”، على حد وصفها.
ونقلت الوكالة عن القيادي بجبهة "تحرير ليبيا"، عثمان بركة، قوله: إن “محاولة القبض على سيف الإسلام ستعود بالأوضاع للمربع الأول التي يتجدد فيها الاقتتال الليبي-الليبي”.
وفي حوار له مع وكالة "بلومبرغ" الأميركية، في أغسطس/آب 2021، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة: “سيف الإسلام مواطن وابن قبيلة مهمة ولا اعتراض لدي على ترشيح أي مواطن ليست لديه مشاكل قانونية”.
ومنذ مقتل والده في 2011، واعتقاله لاحقا جنوب ليبيا من قبل لواء ثوري من مدينة الزنتان، قالت تقارير: إن "سيف الإسلام يقيم في المنطقة الجبلية في الغرب".
وحكم عليه بالإعدام من قبل محكمة في طرابلس عام 2015 أدانته بالمشاركة في قمع المتظاهرين وقتلهم في 2011.
وفي يوليو/تموز 2021، أجرى سيف الإسلام مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قال فيها: إنه “قضى 10 سنوات بعيدا عن أنظار الليبيين، ولذلك يجب أن تكون العودة تدريجية”.
ملاحقات دولية
في أغسطس/آب 2021، أصدر مكتب المدعي العام العسكري الليبي أمرا بإلقاء القبض على سيف الإسلام لـ”تورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة”.
وأوضح المدعي العام أن الأمر جاء بناء على “التحقيقات الجنائية” التي تجرى بشأن ملف قضية متعلقة بواقعة جرائم القتل المرتكبة من قبل مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية خلال هجوم على العاصمة طرابلس.
وتطلب المحكمة الجنائية الدولية من سيف الإسلام المثول أمامها بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
وفي 17 مايو/أيار 2021، قالت فاتو بنسودة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك: “إما أن يسلم سيف الإسلام نفسه أو أن تسلمه السلطات الليبية إلى المحكمة”.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركية بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود: إن “كل العالم لديه مشكلة في ترشح سيف الإسلام باعتباره مجرم حرب يخضع لعقوبات الأمم المتحدة وعقوبات أميركية”.
واعتبر هود في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة" الأميركية، مطلع سبتمبر/أيلول 2021، أن “من يترشح للانتخابات الرئاسية أمر يقرره الشعب الليبي، لكن سيكون لدينا إلى جانب المجتمع الدولي الكثير من المشاكل إذا كان رجل مثله رئيسا لليبيا”.
رواية مختلفة
ورأى الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية، الدكتور محمود إسماعيل الرملي، أنه "يظل من المهم الإشارة إلى أن سيف الإسلام قد يكون على قيد الحياة وربما لا، وبالتالي فدلالة وجوده على قيد الحياة تكاد تكون جد بسيطة".
وأضاف في حديث مع "الاستقلال": أعتقد بأن الذين يحاولون قدر الإمكان الحديث عنه أو تصويره كما حدث في بعض الصحف الأجنبية، يحاولون الزج بمن لديهم هوس اتجاه القذافي ومجموعته من أجل التسجيل في الانتخابات".
قبل أن يجزم بالقول: "وإلا فإن حقيقة، سيف الإسلام لا يستطيع الصمود أمام إغراءات الشاشة والبروز الإعلامي، وكونه لم يخرج إلى الآن فهي علامة استفهام كبرى وكثير من المحللين يرون أن لا وجود له في الحقيقة وأن الأمر هو مجرد بيع للوهم لليبيين".
وإذا سلم جدلا بأنه موجود، يضيف الرملي، فأمامه عقبات قانونية وفعلية؛ أولها مطالبة المجتمع الدولي بتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية بطلب من المدعي العام، ثانيا معارضة كافة الدول، وثالثا هناك أحكام قضائية قطعية بإعدامه وهناك قضايا أخرى لا زالت تثار.
واستبعد المحلل إمكانية أن يكون يوما ما القذافي أو أحد أبنائه أو أقاربه في الحكم، قائلا: "أعتقدها جد ضحلة ونوعا من الصيد في الماء العكر، دون أن تكون لها نتائج".
ومضى مشددا: "الليبيون أكبر من القذافي، لذلك سيكون لبلادهم مسؤولون من خلال صناديق الاقتراع، وليس من خلال صناديق الذخيرة".
ترشح باطل
وقال الرملي: "لن يقبل ترشح سيف الإسلام، فمن الشروط أن يكون غير مطلوب للعدالة، وفي حالته العدالة المطلوب إليها دولية وأخرى محلية، لأن هناك آلاف القضايا تنتظره وذويه ممن أفسدوا الرأي العام والحياة السياسية في ليبيا لمدة 42 عاما".
وحمل المحلل السياسي، القذافي مسؤولية "التصحر السياسي الموجود"، لأنه أفقر كثيرا من الليبيين "على مستوى التفكير والتوجهات، وقوقعت ليبيا وراء الوهم الذي عانى منه القذافي".
وتحاول روسيا قدر الإمكان أن تدعم مشروعها وتدعم كل من يمكنه مناصرته، وفق تعبير المتحدث، لكن القذافي وأبناءه لا يمكن أن يكون لهم وجود، وروسيا متدخل فاعل في المشهد الليبي، أوجدت عصابات شركة "فاغنر" لمناصرة حفتر ودعمه لكنها فشلت.
واستطرد الباحث: "فشلت روسيا في أفغانستان قبلها، وأيضا في كثير من الدول، وإلى الآن تفشل في ليبيا بهزيمتها في الغرب الليبي".
وقال: "مع هذا وذاك نجزم بأنهم يستخدمون كافة الأدوات، منها الجوسسة الروسية؛ ومن ألقي القبض عليهم جرى الإفراج عنهم من أجل رأب الصدع بين روسيا وليبيا".
ودعا الرملي روسيا إلى "لعب دور إيجابي في ليبيا، كما تعهدت بذلك أمام المجتمع المحلي والدولي في الكثير من البيانات والتي تجري بين الفينة والأخرى مع مسؤولين ليبيين".