على غرار أفغانستان والعراق.. هل تنسحب القوات الأميركية من سوريا؟

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل دورها في صراع القوى العالمي، وهي لذلك تراجع أولوياتها في السياسة الخارجية.

من هنا، بدأ اهتمامها بالشرق الأوسط يتراجع في الوقت الذي احتلت فيه منطقة آسيا والمحيط الهادئ قمة أولوياتها في السياسة الخارجية.

يقول "مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)" التركي: "يمكن الإشارة إلى الانسحاب العسكري الأميركي في أفغانستان والاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن مع بغداد لسحب قواتها من العراق كأبرز الأمثلة الملموسة لهذا التغيير في السياسة الخارجية".

واستدرك قائلا: اتصفت السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بعد الثورات العربية بالسلبية مقارنة بالفترات السابقة، وهي لذلك بدأت تفقد نفوذها في المنطقة.

إذ إن سياسات البيت الأبيض تجاه ليبيا واليمن وسوريا والإستراتيجيات التي اتبعتها لحل هذه الأزمات والتي لم تسفر عن نتائج تذكر، أدت إلى التشكيك في قوة ونفوذ واشنطن في الشرق الأوسط.

وبغض النظر عما إذا كان هذا التغيير خيارا بحتا أم مدفوعا بضرورة، يمكن القول بأن صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تشوهت بشكل كبير، الأمر الذي دفع بعض القوى الإقليمية، وخاصة روسيا إلى استغلال هذا الوضع لمصلحتها الخاصة.

إذ تحاول الأخيرة استغلال ضعف دور الولايات المتحدة في الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات بأساليب فعالة للغاية، فيما تشكك العناصر المحلية والقوى الإقليمية في الوجود الأميركي في سوريا. 

وجدير بالذكر أنه من غير الممكن تناول كل هذا بمعزل عن المناقشات حول الوجود الأميركي في سوريا والتقارب الأخير بين موسكو وواشنطن.

نفس السيناريو

ويعتبر الكاتب حمزة هاشيل أن محاولات الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا لم تكتسب زخما إلا بعد أن أعلن انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018.

وإن هي لم تتحول إلى خطوات ملموسة إلا بانسحاب 50 جنديا أميركيا من الحدود التركية، وذلك بعد عملية نبع السلام التي أطلقتها تركيا في شرق الفرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

غير أن أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين وبعض الجمهوريين وجهوا لترامب انتقادات شديدة تركزت حول فكرة أنه من غير الممكن أن يكون قد قضي على تنظيم الدولة بشكل كامل وأن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تركت في الميدان لوحدها.

هذا الأمر دفع ترامب للموافقة على إرسال بعثة عسكرية لحماية حقول النفط في شرق سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مشددا على أن مهمة الجنود تقتصر على حماية النفط لا أكثر.

ومؤكدا على أن هذا هو ما يجب القيام به في العراق أيضا، وصف ترامب التدخلات العسكرية التي لن توفر منافع اقتصادية للولايات المتحدة بأنها عبء على بلاده.

وحاول بناء سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط على أسس براغماتية من شأنها أن تعطي نتائج ملموسة خلال وقت قصير.

ورغم توجيه الديمقراطيين انتقادات شديدة لترامب بسبب سياساته الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص، إلا أنه لم يكن هناك تغيير كبير في سياسة البيت الأبيض تجاه سوريا بعد أن تولى جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة.

بعبارة أخرى، اتبعت إدارة بايدن سياسة مشابهة لسياسات ترامب تجاه سوريا، يقول الكاتب التركي.

ونوه إلى أنه من غير البعيد أن تشهد سوريا سيناريو مشابها لما يمر به الشرق الأوسط وبالأخص أفغانستان والعراق من تراجع كبير في الوجود العسكري الأميركي.

فحتى لو بقي الجنود الأميركيون في سوريا، فقد دخلت الولايات المتحدة بالفعل مرحلة بدأ فيها نفوذها هناك بالتقلص.

إلى جانب وجود العديد من التطورات التي تعزز من احتمال عدم بقاء الولايات المتحدة الأميركية في هذه المنطقة طويلا.

مظاهر التقارب

ويرى هاشيل أن إدارة واشنطن اتخذت بعض الخطوات لاتباع مسار مشترك في سوريا، وذلك من خلال مشاركة بعض مسؤولياتها في دمشق مع روسيا.

إذ ألغت إدارة بايدن إعفاء شركة دلتا كريسنت للطاقة من الحظر (المفروض على شركات الطاقة الأميركية لمنعها من ممارسة أعمالها في سوريا).

وبما أن هذا الإعفاء غير القانوني كان من أكثر القضايا التي انتقدت فيها روسيا إدارة واشنطن، استطاع البيت الأبيض أن يجد أرضية مشتركة مع موسكو بشأن سوريا، مع تراجع بايدن عن قرار سلفه ترامب.

وأضاف: إجماع مجلس الأمن الدولي على بقاء معبر باب الهوى الحدودي مفتوحا لعام آخر، خاصة وأنه يعتبر ممرا للمساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة إلى المدنيين في المنطقة، وترحيب دبلوماسيي البلدين بهذه الخطوة كان تطورا ملموسا آخر في التقارب الروسي الأميركي في سوريا.

وجدير بالذكر أن آليات صنع القرار المشتركة بين واشنطن وموسكو بشأن سوريا اكتسبت زخما خاصا بعد اجتماع قادة البلدين في جنيف في 16 يونيو/حزيران 2021.

الاجتماع الذي عقد في روما في 28 يونيو/حزيران برئاسة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، رفع أيضا مستوى التقارب بين واشنطن وموسكو إلى مستويات أعلى.

وقد التقى بريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاص إلى سوريا في جنيف للمضي قدما في الأمور المتعلقة بدمشق، لتخفف واشنطن من حدة خطابها ضد النظام.

وهو الأمر الذي قوى المزاعم القائلة بأن الولايات المتحدة دعمت المحادثات بين الأكراد والنظام، وأنها دعمت المحادثات بين قوات سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي السوري، وفقا لما يراه الكاتب.

التقارب المشترك

وأردف: من ناحية أخرى لا يمكن القول: إن التقارب الأميركي الروسي قائم بمعزل عن الوضع شرق الفرات.

إذ إن التقاء واشنطن وموسكو على أرضية مشتركة في بعض القضايا يصب قبل كل شيء، في مصالح وحدات حماية الشعب الكردية (ي ب ج) في المنطقة. 

فهي الحليف المحلي الأقوى للولايات المتحدة، وصاحبة العلاقات الوثيقة مع روسيا في سوريا.

وشرح ذلك بالقول: يعد هذا التقارب أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للوحدات الكردية لتحقيق أحلامها باكتساب "حكم ذاتي" في سوريا.

لذلك، يمكن القول بأن التحضير يجري لعمل النظام، و"ي ب ج" تحت قيادة روسيا وبموافقة الولايات المتحدة. 

كذلك يمكن اعتبار هذا إستراتيجية لضمان مستقبل حليفها المحلي، في حال انسحبت الولايات المتحدة كما تفعل في أفغانستان والعراق.

وقد ذكر لافرنتييف في تصريحه لوكالة الأنباء الروسية تاس في 9 يوليو/تموز 2021 أن سبب الوجود الأميركي في سوريا هو محاربة تنظيم الدولة وأنه يمكن أن ينسحب الجنود الأميركيون من هناك في أي وقت.

وقال: إن الانسحاب الكامل للولايات المتحدة من سوريا سيعزز الحوار بين قوات "قسد" وإدارة دمشق وأنه يمكن التوصل إلى حل مشترك بين الطرفين بناء على ذلك.

ولفت الكاتب إلى أن تصريح لافرنتييف بهذه الكلمات بعد محادثات روما وجنيف عقب قمة "بايدن - بوتين" يعزز من احتمال وجود أساس قوي لها. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المبادرات الدبلوماسية في سوريا، ترتبط ارتباطا وثيقا بقرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان وإعداد الأرضية اللازمة لذلك في العراق.

وختم هاشيل مقاله قائلا: من غير المستغرب أن تتخذ الولايات المتحدة مثل هذه المبادرة في سوريا، وهي التي تعمل لنقل قواتها في الشرق الأوسط إلى آسيا والمحيط الهادئ. 

بيد أن ما يثير الدهشة هو تفضيل الولايات المتحدة ترك مكاسبها لروسيا، بدلا من استغلال انسحابها هذا في إصلاح علاقاتها الثنائية المهتزة مع تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي "الناتو".