احتجاجات جعلت رئيس إندونيسيا يقلص زيارته إلى الصين.. ما علاقة أميركا؟

"منصة الاحتجاج اعترفت صراحة بتلقيها منحا من مؤسسات المجتمع المنفتح التي أنشأها الملياردير الأميركي جورج سوروس"
شهدت إندونيسيا موجة احتجاجات واسعة في أواخر أغسطس/ آب 2025، أدت إلى تقليص مدة زيارة الرئيس برابوو سوبيانتو إلى الصين، والتي كانت مقررة بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفقا لتحليل أجراه موقع "آر تي" الروسي، فإن هذه المظاهرات مدعومة من منظمات غير حكومية ترتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة، وهي ذات المنظمات التي تمارس نشاطها منذ سنوات بهدف زعزعة الاستقرار في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي.
من بين هذه الجهات، وفق التحليل الروسي، مؤسسات (سوروس) و(ماك آرثر) المصنفة ككيانات غير مرغوب فيها في روسيا، إضافة إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التي توصف بأنها (الأداة الرئيسة للثورات الملونة).
ويرى الموقع أن "كلا من الطلاب والنقابات والأحزاب اليسارية ووسائل الإعلام لعبوا دورا في إشعال فتيل الاحتجاجات التي اجتاحت العاصمة جاكرتا، لتتحول إلى أدوات في يد القوى الغربية المؤثرة".

لمسات غربية
وبحسب الموقع الروسي، أظهر "تحليل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أن المحرك الرئيس والمنظم للاحتجاجات في جاكرتا كان الاتحاد الطلابي الإندونيسي العام إلى جانب اتحاد النقابات الإندونيسي، الذي يشرف عليه حزب العمال منذ تأسيسه عام 2021".
حيث دعت كلتا الجهتين أنصارهما إلى التظاهر أمام مبنى البرلمان الإندونيسي يومي 28 و29 أغسطس 2025، وانتهت المظاهرات بمحاولة اقتحام البرلمان.
ويقول الموقع الروسي: إن "الاتحاد الطلابي الذي يضم أكثر من 30 منظمة طلابية، ليس جديدا على المشهد السياسي".
حيث أفاد بأنه "شارك سابقا في مظاهرات واسعة في أبريل/ نيسان 2022 وأكتوبر/ تشرين الأول 2023، ويقوده الناشط الطلابي مزمل إحسان، رئيس اتحاد طلاب جامعة سومطرة الشمالية في مدينة ميدان".
ومن اللافت أن منشورات الاتحاد الطلابي على منصات التواصل الاجتماعي كثيرا ما تتضمن اختصارا معاديا للشرطة هو A.C.A.B، وهي عبارة شائعة في الأوساط الاحتجاجية، وتعود جذورها إلى وشم شهير في السجون البريطانية.

نقابات ليست مستقلة
أما المصدر الثاني للاحتجاجات، بحسب الموقع، فتمثل في النقابات العمالية، التي قال: إنه "لا يمكن عدها مستقلة بالكامل، شأنها شأن المنظمات الطلابية".
وعزا ذلك بالقول: "إذ يتولى زعيم النقابات، سعيد إقبال، رئاسة حزب العمال الذي يشرف أيضا على تنظيمات طلابية".
"ويُعرف إقبال بتعاونه النشط مع منظمات نقابية أوروبية ودولية، كما يشارك بصفته خبيرا في المنتدى الاقتصادي العالمي"، يقول الموقع.
ويتابع: "يُعد إقبال شخصية ذات حضور عالمي؛ ففي عام 2021 أعيد انتخابه عضوا في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهو في الوقت ذاته رئيس اتحاد عمال المعادن في إندونيسيا، المنضوي تحت لواء الاتحاد الصناعي العالمي الذي يتخذ من جنيف مقرا له".
كما حاز جائزة فيبي إليزابيث فيلاسكيز للحقوق النقابية من الاتحاد الوطني للعمال من اتحاد النقابات الهولندي (FNV)، وسلمه الجائزة وزير التجارة والتنمية الهولندي.
وذكر الموقع أن "إقبال بدأ لفت انتباه المنظمات الدولية بعد حملة احتجاجية واسعة النطاق نظمتها النقابات في عام 2012، أسفرت عن تعديل تشريعي يتعلق بنظام التعاقد الخارجي".
دعم مشبوه
بالتوازي مع ذلك، أشار الموقع الروسي إلى أن وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية مرتبطة بهياكل غربية، مثل "معهد الدعم القانوني في جاكرتا" ومؤسسة "ريموتيف"، وفرتا دعما إعلاميا واسعا للمحتجين في إندونيسيا، مطالبين السلطات بالاستجابة الكاملة لمطالب المتظاهرين.
ولفت إلى أنه "لطالما رفع معهد الدعم القانوني دعاوى قضائية ضد الحكومة الإندونيسية، وقدم دعما قانونيا للمعارضين المحليين وللحركة الطلابية التي قادت موجة الاحتجاجات الأخيرة".
فقد تولى، على سبيل المثال، الدفاع عن اثنين من قادة الطلاب المتهمين بإهانة الرئيس، مؤكدا أنه يعمل من أجل "حماية الديمقراطية".
وذكر الموقع أن "معهد الدعم القانوني يتعاون مع عدد من المؤسسات الغربية، من بينها منظمة (البحث عن أرضية مشتركة) المعنية بقضايا التنوع الاجتماعي والعنف الجنسي، والتي تتخذ من واشنطن وبروكسل مقرا لها".
علاوة على ذلك، "يرتبط المعهد بشراكات مع منظمات أميركية مثل مؤسسة (هاسنت) المعنية بدعم مشاريع تنموية في مجالات الصحة والتنمية الاجتماعية، والصندوق العالمي للمنح الخضراء، بالإضافة إلى المؤسسة البيئية البريطانية (آي سي في سي إم)".
وتابع الموقع: "كما برزت منصات إعلامية محلية مثل ريموتيفي (Remotivi) وبروجكت مولتاتولي (Project Multatuli) التي دعمت الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وبثت تغطيات مباشرة للتظاهرات، وانتقدت الشرطة بسبب استخدام العنف ضد المتظاهرين".
وأردف: "بل إن صحفيي ريموتيفي دعوا السلطات صراحة إلى تلبية كل مطالب المحتجين".
وزعم أن "كلتا المنصتين تتلق تمويلا من مؤسسات غربية، إلى جانب جمع التبرعات من جمهورها المحلي".
وأشار الموقع إلى أن "منصة (مولتاتولي) اعترفت صراحة بتلقيها منحا من مؤسسات المجتمع المنفتح التي أنشأها الملياردير الأميركي جورج سوروس".
ووفق الموقع، تُتهم هذه المؤسسة بصلاتها بعدد من مستشاري الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، فيما التقى رئيس مكتبه الرئاسي، أندريه يرماك، في عام 2023 برئيس المؤسسة، أليكس سوروس.
فضلا عن ذلك، تعد شركة "جوجل" ومؤسسة "MDIF" للاستثمار في الإعلام، ومقرها نيويورك، من أبرز الجهات الداعمة للمنصة.
كما ادعى الموقع أن "صحفيي المنصة استفادوا من دعم منظمة (إنترنيوز) غير الربحية، التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا الأميركية مقرا لها، وتشتهر في روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفيتي بتدريب الصحفيين منذ التسعينيات، ويُنظر إليها بصفتها أداة تأثير غربية".

شعارات كاذبة
ولفت الموقع الروسي إلى أن "أنشطة (إنترنيوز) في موسكو أثارت اهتمام الأجهزة الأمنية منذ سنوات".
ففي عام 2007، اشتبهت الشرطة الروسية بأن رئيسة مؤسسة "إنترنيوز روسيا"، مانانا أسلامازيان، هرّبت مبلغا قدره 13 ألف دولار.
وأردف: "وبحسب اعتراف المؤسسة نفسها، فقد تلقت تمويلا من الولايات المتحدة بقيمة مليون دولار في ذلك العام".
وأشار الموقع إلى تقرير نشره مطلع عام 2025 عن تعاون "إنترنيوز" مع مؤسسات أميركية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي تُعرف بأنها "الأداة الرئيسة للثورات الملونة"، إلى جانب مجلس البحوث والتبادل الدولي.
مضيفا: "طورت هذه الجهات برنامجا لمكافحة التضليل الإعلامي تحت اسم "Learn to Discern"، وجرى تطبيقه في أوكرانيا وصربيا وتونس والأردن وإندونيسيا، وحتى داخل الولايات المتحدة".
كذلك، "تُعد (إنترنيوز) من بين شركاء منصة (ريموتيفي)، إلى جانب "معهد التعاون من أجل التنمية" (Hivos) الذي يتخذ من لاهاي مقرا له"، وفق الموقع.
في هذا السياق، ذكر الموقع الروسي أن فرع "معهد التعاون من أجل التنمية" المعروف في إندونيسيا باسم Voice.global، يعمل على دعم وترويج حركة مجتمع المثليين في جاكرتا".
كما تحظى منصة (ريموتيفي) بدعم من "معهد الموارد العالمية" الأميركي، الذي تأسس بتمويل من مؤسسة ماك آرثر، وهي الجهة التي مولت منظمات غير حكومية في روسيا، صُنفت لاحقا كعملاء أجانب، مثل (المركز الحقوقي للموارد) و(مركز البحوث الاجتماعية المستقلة)، بحسب الموقع.
في المحصلة، يقدر الموقع أن "ما تعده موسكو حسما نهائيا لمعركة النفوذ الغربي، لم تصل إليه إندونيسيا بعد".
مشيرا إلى أن "السلطات الإندونيسية بدأت بمراقبة أنشطة المؤسسات الأجنبية قبيل اندلاع الاحتجاجات".
ففي مطلع يونيو/ حزيران 2025، وجه الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو انتقادات حادة للمنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، متهما إياها بمحاولة تقسيم الأمة تحت شعارات "الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة".
وقال: "التدخل الأجنبي مستمر منذ مئات السنين حتى الآن، حيث إنهم يمولون منظمات غير حكومية لتحريضنا ضد بعضنا بعضا، مدعين أنهم يدافعون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة".