لوموند: التونسيون يخشون يوما كـ"رابعة مصر" بعد قرارات قيس سعيد
سلطت صحيفة لوموند الفرنسية الضوء على حركة النهضة المحافظة في تونس، التي تقف حاليا كضامن للديمقراطية في مواجهة الرئيس قيس سعيد بعد تعليقه نشاط البرلمان.
في الوردية، وهي ضاحية هادئة في جنوب تونس العاصمة، يستريح محمود، مصفف شعر يبلغ من العمر 63 عاما، في ظلال الأشجار.
لا شيء ينم عن قلق هذا المتعاطف مع حزب النهضة الإسلامي، على الرغم من الوضع غير المسبوق الذي تمر به تونس بعد انقلاب الرئيس الذي منح نفسه السلطة التنفيذية وأوقف نشاط البرلمان لمدة 30 يوما، في 25 يوليو/تموز 2021.
اختبار للنهضة
يختبر هذا التغيير "النهضة"، الحزب الرئيس في المجلس، والذي دخل في صراع مفتوح مع الرئاسة منذ شهور، على غرار مواجهته عداء متزايدا من السكان، وفق لوموند.
وأقال سعيد كلا من المشيشي، رئيس الحكومة المكلف بإدارة وزارة الداخلية، وإبراهيم البرتاجي وزير الدفاع، وحسناء بن سليمان الوزيرة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة وعددا من المسؤولين الآخرين.
واتخذ هذه التدابير في يوم شهدت فيه محافظات عديدة احتجاجات شعبية، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها كما اتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
وقال سعيد إنه اتخذ هذه القرارات لـ"إنقاذ الدولة التونسية"، لكن غالبية الأحزاب رفضتها، واعتبرها البعض "انقلابا على الدستور"، فيما أيدتها أخرى، معتبرة إياها "تصحيحاً للمسار".
وانتقد المكون الأساسي في البرلمان التونسي، حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية، الإجراءات، وشجب "الانقلاب على الثورة والدستور".
لكن يحمل المزيد والمزيد من التونسيين الحزب مسؤولية إخفاقات الحكم خلال فترة الانتقال الديمقراطي في البلاد وعن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا ليس شأن محمود، الذي يدعي أنه ظل دائما وفيا للنهضة، التي يقول عنها: إنها "حزب قوي ظل ثابتا في المشهد السياسي بعد الثورة".
ويضيف محمود بقوله: إن "أولئك الذين يريدون تحديها يجب أن يفعلوا ذلك من خلال صناديق الاقتراع"، مبديا مزيدا من الثقة بإمكانية إيجاد حل "لمصلحة البلاد".
إلى جانبه، يشعر علي، المتقاعد والناشط الحزبي منذ فترة طويلة وقد كان ضحية التعذيب في ظل دكتاتورية الرئيس السابق زين العابدين بن علي (1989-2011)، بقلق أكبر.
ويقول علي في إشارة إلى المواجهة في مصر، صيف 2013، بين مؤيدي الرئيس الأسبق ذي التوجه الإسلامي محمد مرسي ومعارضيه: وانقلب الجيش على مرسي متسببا بمجزرة في ساحة رابعة العدوية. ويعلق علي: "لم نعد نعرف ما سيحدث، آمل ألا يكون لدينا رابعة أخرى".
يشدد السياسي سليم خراط بقوله: "اليوم، المواجهة العنيفة للشرعيتين التي دافع عنها حزب النهضة ورئاسة الجمهورية، هي من أكبر المخاطر لمواصلة الفترة الانتقالية".
على الرغم من أن الحياة قد استأنفت مسارها في تونس، إلا أن خطر التصعيد يخضع للتدقيق من قبل المجتمع الدولي.
ضمان البقاء
شدد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على "ضرورة الحفاظ على الهدوء وسيادة القانون" ودعا إلى "التعيين السريع" لرئيس الحكومة.
في موقف حساس، يبحث حزب النهضة عن إستراتيجية للخروج من الأزمة.
إذ قاطع زعيمها ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، الاعتصام الذي بدأه أمام مدخل مجلس النواب. وبعد التنديد بـ "الانقلاب" الذي قاده قيس سعيد، يلعب الحزب دور التهدئة.
ولتجنب العنف، طلب من أنصاره عدم النزول إلى الشوارع.
وتقول لوموند: "تحاول حركة النهضة ضمان بقائها السياسي وتضميد صورتها الدولية، من خلال التظاهر بأنها ضامن للمؤسسات الديمقراطية في وجه من استهزأ بها".
وبالتالي، تدعو "النهضة" إلى حوار وطني وحشد جبهة بتشكيلات سياسية مختلفة لدفع قيس سعيد إلى التراجع عن قراراته.
والحوار صيغة كانت تلوح في الأفق منذ مدة، كان قد اقترحه التشكيل النقابي الرئيس في البلاد، الاتحاد العام التونسي للشغل، وطالب به منذ 6 أشهر، لكن دون جدوى.
كما يشترط حزب النهضة مطالبته باستعادة النشاط البرلماني. لكن، في مواجهته، يذهب قيس سعيد بالحكم منفردا.
لم يعين سعيد بعد رئيسا جديدا للحكومة، ويفضل اللقاءات السياسية مع قوات الأمن والشركاء الاجتماعيين والجمعيات
بعد تجريده من قوته الأساسية المتمثلة بشرعيته البرلمانية، لدى الحزب أكبر عدد من المقاعد، 52 من أصل 217، ولكن ترى لوموند أنه "يجب على النهضة التكيف".
ومن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، قالت الحركة: إنها مستعدة "لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة متزامنة، لضمان حماية العملية الديمقراطية ومنع أي تأخير من أن يكون ذريعة للحفاظ على نظام استبدادي".
ومع ذلك، فإن الانتخابات الجديدة ليست في مصلحة الحزب بالنظر إلى الاستياء المتزايد الذي يثيره بين السكان، بل وأكثر من ذلك في سياق أزمة صحية واقتصادية واجتماعية ثلاثية.
بين عامي 2011 و2019، وهي الفترة التي شارك فيها تقريبا في كل حكومة، فقد حزب النهضة 1.5 مليون ناخب.
تعترف النائبة سيدة الونيسي بذلك وتقول: "علينا أن نكون متواضعين، لا جدال في أن جزءا من الشارع التونسي ليس إلى جانبنا، لا يمكننا أن نتظاهر بدور الضحية".
شبهات و"ديكتاتورية"
كما شوهت شبهات الفساد الموجهة للحزب صورته، تقول الصحيفة.
وأعلن عن فتح تحقيق في تمويل حملة 3 أحزاب مرشحة لانتخابات 2019 التشريعية، بينها حزب النهضة، وذلك في 14 يوليو/تموز 2021.
يتعلق التحقيق "بالحصول على تمويل أجنبي لحملة انتخابات 2019 وقبول أموال مجهولة المصدر لتمويل هذه الحملة الانتخابية".
وكان الرأي العام التونسي قد تحرك بالفعل، منتصف يوليو/تموز، لرؤية حركة النهضة وهي تضغط على رئيس الحكومة لتسريع تعويض "ضحايا الديكتاتورية" من خلال صندوق خاص بذلك أنشئ من خلال العدالة الانتقالية.
رأى جزء من السكان أنها محاولة للاستيلاء على موارد الدولة.
وقد اعترف مسؤول من النهضة، طلب عدم ذكر اسمه، بقوله: "كان الأمر يتعلق باسترضاء الناشطين الذين يطالبون بتعويضاتهم لسنوات، لكنه فشل حقيقي من جانبنا".
ويتابع في ذات السياق أنه بينما تقف البلاد على شفا الإفلاس وتكافح موجة جديدة قاتلة من فيروس كورونا، "لم يكن هذا هو الوقت المناسب، خاصة وأن الناس يعتقدون أننا استفدنا بالفعل من أحد أشكال التعويض عن انتهاكات الديكتاتورية مع مكانتنا في السلطة طوال هذه السنوات".
يعزو العديد من التونسيين عجز الطبقة السياسية إلى حزب النهضة، في حين أن البرلمان غير المتجانس يعاني من الصراع والعنف السياسي منذ انتخابات 2019، وفق لوموند.
حالت وضعية الانسداد المتكررة بشكل ملحوظ دون إنشاء محكمة دستورية، وهو غياب مؤلم في الأزمة الحالية.
ياسمين عكريمي وهي طالبة دكتوراه في العلوم السياسية، تشرح ما يحدث وقد كانت شاهدة على إخلاء مقر الحزب في مدينة الحمامات، مساء 25 يوليو/ تموز بالقول: "المشكلة هي أنه من أجل التنصل من كل المسؤولية، يكرر حزب النهضة أنه ليس من يحكم حقا، وأنه لم يكن بمفرده أبدا".
وأضافت: أن "هذا الخطاب غير اللائق انتهى به الأمر بأن انقلب عكسيا على الحزب الذي ينظر إليه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على أنه رمز للسلطة القائمة".
الصراع الداخلي داخل حركة مشهورة بانضباطها، لم يسبق له مثيل أكثر مما كان عليه في العامين الماضيين، مع استقالة مسؤولي الحزب وانتقاد صريح بين أعضائه، وفق وصف الصحيفة الفرنسية.
وقد جرى التعبير عن هذه التصدعات مرة أخرى في البيانات الصادرة في الأيام القليلة الماضية.
ففي الوقت الذي رحب فيه النائب عن الحركة سمير ديلو بـ "التصريحات المطمئنة" لقيس سعيد بشأن الحقوق والحريات، انتقد نائب آخر وهو نور الدين البحيري، "تكريس الديكتاتورية".
وتختم لوموند بالقول: "تثير شخصية راشد الغنوشي الخلافية وتعلقه بالسلطة التوترات"، بحسب تعبيرها.