"ضرب المشيشي ليستقيل".. موقع بريطاني يكشف كواليس انقلاب تونس
كشف موقع بريطاني كواليس الساعات التي سبقت انقلاب تونس، مشيرا لوجود قادة أمنيين مصريين في القصر الرئاسي التونسي اعتدوا على الرئيس الوزراء هشام المشيشي بالضرب، ومؤكدا على حضور الدور الإماراتي أيضا.
موقع "ميدل إيست آي"، نقل عن مصادر مقربة من رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، تعرضه لاعتداء جسدي في القصر الرئاسي مساء 25 يوليو/ تموز 2021، قبل رضوخه لقبول الاستقالة من منصبه.
الموقع البريطاني المهتم بشئون الشرق الأوسط، أكد أنه لم يتسن له التحقق من طبيعة الإصابات التي أصيب بها رئيس الوزراء التونسي المقال لأنه نفسه لم يظهر للعلن.
لكن "ميدل إيست آي"، أكد أن الإصابات التي تعرض لها المشيشي (47 عاما) كانت "كبيرة"، وفقا لمصادر مطلعة على الأمر.
أحد المصادر قال للموقع: "لقد أصيب في وجهه، ولهذا السبب لم يظهر علنا".
واستدعي المشيشي، للقصر الرئاسي يوم 25 يوليو/ تموز 2021، إذ أقاله الرئيس قيس سعيد من منصبه، وأعلن تعليق عمل البرلمان، وتولى السلطة التنفيذية بعد يوم من مظاهرات مناهضة للحكومة.
مصادر مقربة من رئيس الوزراء قالت لـ"ميدل إيست آي": إن "رؤساء الأمن الذين رافقوه إلى القصر لم يكونوا جزءا من الخطة، بينما كان الجيش كذلك".
تلك الحالة تتشابه إلى حد كبير مع ما وقع في مصر 3 يوليو/ تموز 2013، بانقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي، واقتياده من القصر الجمهوري وطاقمه الرئاسي وإخفاؤهم قسريا والاعتداء عليهم.
رئيس البرلمان وزعيم حزب النهضة الإسلامي في تونس راشد الغنوشي، تجنب الحضور للقصر الجمهوري بعد استدعائه لأنه خرج لتوه من المستشفى إذ كان يتلقى العلاج بعد إصابته بفيروس "كورونا".
وبحسب المصادر، طلب من المشيشي، الذي كان اختيار سعيد لمنصب رئيس الوزراء، التنحي ذلك اليوم، لكنه رفض مرارا وتكرارا الاستقالة بعد اندلاع خلاف بينه وبين سعيد بشأن تعيين 4 وزراء في حكومته.
غير تونسيين
تلك المصادر جزمت للموقع البريطاني أنه عندما رفض المشيشي الاستقالة تعرض للضرب، فيما أشار الموقع إلى واقعة مثيرة مؤكدا أنه كان هناك "غير تونسيين" في القصر في ذلك الوقت.
وكان من بين الأفراد الموجودين مسؤولون أمنيون مصريون كانوا يقدمون المشورة لسعيد قبل الانقلاب ويوجهون العمليات من القصر، لكن من غير الواضح ما هو الدور الذي لعبوه في استجواب المشيشي، وفق مصادر الموقع.
أحدهم أكد أن "رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي عرض تقديم كل الدعم الذي يحتاجه سعيد للانقلاب وتولي السلطة".
المصدر قال: "تم إرسال العسكريين والأمنيين المصريين إلى تونس بدعم كامل من محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي".
وأوضح تقرير الموقع البريطاني أن المشيشي وافق على الاستقالة، وفي تلك المرحلة، وافق رؤساء الأجهزة الأمنية أيضا على بيان الرئيس.
المشيشي، عاد لاحقا إلى منزله ونفى لوسائل الإعلام المحلية أنه قيد الإقامة الجبرية، وأصدر بيانا في اليوم التالي.
وقال فيه: إنه "لا يمكن أن يكون عنصرا معوقا أو جزءا من المشكلة التي تعقد الوضع في تونس".
وأضاف: "سأقوم بتسليم المسؤولية إلى الشخص الذي سيكلفه رئيس الجمهورية برئاسة الحكومة".
موقع "ميدل إيست آي" تواصل مع كل من الرئاسة التونسية والمشيشي للتعليق، لكنه لم يتلق ردا حتى موعد نشر التقرير.
أشهر من التخطيط
التحركات التي تمت يوم 25 يوليو/ تموز 2021، تتبع عن كثب خطة عمل حددها مستشارو سعيد المقربون في مايو/ أيار 2021، ونشرها "ميدل إيست آي" في ذلك الوقت.
الخطة حددت حملة تطهير أو موجة اعتقالات جماعية ستتم بعد الإعلان عما يشار إليه بـ"الانقلاب الدستوري".
الوثيقة التي نشرها "ميدل إيست آي" قالت: إن سعيد سيعلن "دكتاتورية دستورية" يقول واضعوا الوثيقة: إنها أداة "تركيز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية".
وحددت الخطة أهدافا لتطهير المعارضين السياسيين، إذ قالت الوثيقة: إن الأشخاص المستهدفين سيوضعون رهن الإقامة الجبرية.
ومن بين هؤلاء ظهرت أسماء السياسيين نور الدين البحيري، رفيق عبد السلام، عبد الكريم الهاروني، سيد الفرجاني من "حركة النهضة" ونواب "كتلة الكرامة".
وأيضا غازي القروي، وسفيان طوبال، من حزب "قلب تونس" بالإضافة إلى رجال أعمال ومستشارين لدى رئيس الوزراء.
الرئاسة أنكرت في البداية وجود الوثيقة المنشورة، قبل أن يعترف سعيد نفسه بأنه قرأها، ثم ادعى في تصريحات متلفزة أنه لا يمكن تحميله مسؤولية النصيحة التي تلقاها.
ومع ذلك ، قالت مصادر رئاسية لـ"ميدل إيست آي": إن سعيد أصدر تعليماته إلى مسؤوليه بوضع قائمة بأهداف الأشخاص الذين يمكن اعتقالهم.
ولتمهيد الطريق لذلك، تولى سعيد السيطرة على القضاء المدني والعسكري وأعلن نفسه نائبا عاما.
الخيوط بيد سعيد
وفي مرسوم صدر في ساعة متأخرة من مساء 27 يوليو/ تموز 2021، أقال سعيد العميد القاضي توفيق العيوني الذي ترأس المحاكم العسكرية.
كما أقال الرئيس عددا من كبار المسؤولين الحكوميين من بينهم الأمين العام للحكومة ومدير مكتب رئيس الوزراء وعدد من المستشارين.
ومع ذلك ، تواجه هذه التحركات مقاومة مؤسسية، إذ رفض مجلس القضاء الأعلى قرار سعيد بتنصيب نفسه كضابط قانوني كبير فعال في الحكومة.
المجلس في بيان عقب اجتماعه مع سعيد، قال: إنهم أكدوا على استقلال القضاء "وضرورة إبعاده عن الخلافات السياسية، وأن القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم إلا القانون، ويقومون بواجباتهم في نطاق الدستور".
تصريحات مجلس القضاء تأتي بالتزامن مع أنباء عن مداهمة قوات الأمن التونسية منزل راشد خياري، البرلماني الذي دخل في صراع مع سعيد مسبقا، لكنه وفق مصادر محلية لم يكن في المنزل وقت المداهمة.
وفي أبريل/ نيسان 2012، نشر النائب خياري مقطع فيديو بـ"فيسبوك" اتهم فيه سعيد بتلقي دعم وتمويل أجنبي لتعزيز فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2019.
وزعم خياري أنه كان بحوزته وثائق ومقاطع فيديو تظهر أن سعيد تلقى 5 ملايين دولار عبر مدير حملته، فوزي الدعاس، من ضابط استخبارات يعمل في السفارة الأميركية بباريس.
بالطبع نفت السفارة الأميركية في تونس مزاعم الخياري، فيما تقدم الدعاس بشكوى قضائية ضد النائب.
وبالمثل ، تم فتح قضايا ضد ثلاثة أحزاب معارضة بارزة، بما في ذلك "النهضة" و"قلب تونس" -أكبر أحزاب البرلمان المعارضة لسياسة سعيد- للاشتباه في تلقيها أموالا أجنبية خلال الحملة الانتخابية لعام 2019.
وكالة رويترز، ذكرت يوم 28 يوليو/ تموز 2021، أن التحقيق مع الأحزاب فتح في 14 يوليو/ تموز 2012، قبل أن يقيل سعيد رئيس الوزراء ويجمد البرلمان ويلغي الحصانة البرلمانية عن النواب.
معارضة أميركية جزائرية
من الناحية الدبلوماسية، أكد "ميدل إيست آي" أن سعيد تلقى معارضة كبيرة في المكالمات التي تلقاها منذ أن تولى قيادة السلطة التنفيذية.
وبحسب ما ورد قال مسؤولون أميركيون للرئيس إنهم غير راضين للغاية عن آخر التطورات، وكانت واشنطن مترددة في وصف سلسلة الأحداث في البلاد بأنها انقلاب.
والأهم من ذلك، أكد الموقع أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أخبر سعيد، وساسة معارضين بارزين أن الجزائر لن تقبل وقوع تونس تحت النفوذ السياسي والعسكري لمصر.
الجزائر، تعتبر ليبيا وتونس مناطق نفوذها المشروعة، وستكون قلقة بشكل خاص من وجود ضباط أمن مصريين في القصر بقرطاج يوم 25 يوليو/ تموز 2021.
ووفقا لمصادر "ميدل إيست آي"، ورد أن فرنسا لم تتلق أي تحذير مسبق بشأن التحركات التي قام بها سعيد.
أزمة سعيد والمشيشي
وبحسب ما ورد كانت علاقة سعيد بالمشيشي مضطربة للغاية منذ ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء صيف 2020، عندما انهارت حكومة إلياس الفخفاخ.
المشيشي، الذي اختاره سعيد كشف في البداية عن حكومة تكنوقراط للرئيس، وهو القرار الذي قبله حزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان، "رغم تحفظاته".
ومع ذلك، أفادت وكالة "بلومبرج"، أنه قبل موافقة البرلمان المنفصل بشدة في البلاد على تعيين المشيشي، حث سعيد بعض الكتل على التصويت ضده لأسباب غير واضحة.
وفي وقت ما أواخر 2020، ورد أن صراعا اندلع بين الرجلين، مما أدى إلى لجوء المشيشي إلى "النهضة" و"قلب تونس" للحصول على الدعم.
وفي يناير/ كانون الثاني 2021، غير المشيشي 11 وزيرا كجزء من تعديل وزاري كان ينظر إليه على نطاق واسع على أنه استبدال حلفاء سعيد بحلفاء "النهضة" و"قلب تونس".
لكن سعيد رفض دعوة الوزراء الجدد لقسم اليمين، مشيرا إلى أن التغييرات شابتها "انتهاكات".
وفي فبراير/ شباط 2021، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل 4 من الوزراء المقترحين الذين رفضهم الرئيس وهم وزراء الصحة والطاقة والتوظيف والرياضة، إلى التنحي.
نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل قال: "يجب أن يتم التنازل، أطلب من الوزراء المقترحين في الخلاف التخلي عن مناصبهم لمصلحة الدولة".
ويوم 25 يوليو/ تموز 2021، وفي أول رد فعل له على إعلان سعيد، ناشد الغنوشي شخصيا الطبوبي بالتدخل و"استعادة الديمقراطية".
ومع ذلك، فإن الاتحاد القوي، الذي يمثل نحو خمسة بالمئة من التونسيين، قبل بخطوة سعيد.
وأشار إلى أن الرئيس تصرف "وفقا" للدستور، "لمنع الخطر الوشيك واستعادة العمل الطبيعي" للدولة.
انقلاب أبريل
هذا الجدل ليس غريبا، إذ اتهم سعيد في البداية بتدبير انقلاب في أبريل/ نيسان 2021، بعد يومين من زعمه أن لديه سيطرة قانونية على قوات الأمن المحلية.
حينها قال المشيشي: إن تصريحات سعيد سلطت الضوء على "الحاجة الملحة" لتشكيل محكمة دستورية، تكون الهيئة الوحيدة التي تحكم في قضايا مثل من يسيطر على الجيش في البلاد.
وأقر البرلمان تعديلا لقانون "المحكمة العليا" خفض عدد الأصوات اللازمة للموافقة على تشكيل محكمة دستورية من 145 إلى 131، لكن سعيد رفض الاقتراح.
وأعاد سعيد مشروع القانون المعدل بدون توقيع، وأكد للبرلمان، أنه ليس أمامه خيار سوى رفض مشروع القانون؛ لأن البرلمان فشل في مراعاة مطلب الدستور بإنشاء المحكمة في غضون عام من الانتخابات التشريعية .
سعيد قال حينها: "بعد أكثر من خمس سنوات، وبعد نوم عميق، تذكروا ما حدث للمحكمة الدستورية".
وشدد سعيد قبضته على السلطة يوم 26 يوليو/ تموز 2021، بفرض حظر تجول بالبلاد من الساعة 7 مساء حتى 6 صباحا، وحظر التجمعات لأكثر من ثلاثة أشخاص، وتقييد التنقل بين المدن بموجب سلطات الطوارئ الشاملة.
حركة "النهضة"، من جانبها دعت أنصارها للبقاء في منازلهم لضمان السلام، وقالت: إنها "مستعدة للذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة في نفس الوقت حتى يتسنى حماية العملية الديمقراطية".
نهاية الربيع
وغالبا ما يستشهد بتونس على أنها قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي، إذ اندلعت الثورة بعد أن قام التونسي محمد البوعزيزي، وهو خريج جامعي لم يجد عملا إلا كبائع فواكه، بإحراق نفسه في ديسمبر/ كانون الأول 2010.
وينظر إلى الديمقراطية الفتية في تونس على أنها مفتاح للاستقرار الإقليمي، إذ إنها واقعة بين الجزائر، التي واجهت اضطرابات سياسية، وليبيا التي مزقتها الحرب.
وحيث يسعى آلاف المهاجرين اليائسين منهم كل عام لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، ويموت الكثير منهم على طول الطريق.