سياسة ممنهجة.. هذه أدوات إيران لتغيير ديموغرافية إقليم الأحواز العربي

12

طباعة

مشاركة

لطالما كانت الاحتجاجات الدورية للمواطنين العرب في إقليم الأحواز الإيراني "مثارا للقلق" لدى سلطات طهران التي أزعجتها المطالبات المتكررة بمنح منطقة الأحواز "حكما ذاتيا".

وبالنسبة لعرب الأحواز في الإقليم الإيراني، فإن مطالبتهم بالحكم الذاتي قد أتت بعد سلسلة من الاحتجاجات والمطالبات بإنهاء "سياسة التمييز" ومنحهم حقهم في الوظائف والخدمات العامة، والقطيعة مع مظاهر التهميش واحتكار الامتيازات التي يحصل عليها الإيرانيون في المدن الأخرى.

غير أن تلك المطالبات بالإصلاح وإنهاء التمييز، قوبلت بـ"أذن من طين" وأخرى "من عجين"، حتى قرر الأحواز رفع السقف وطالبوا أكثر من مرة بمنح الإقليم "الحكم الذاتي"، وأصبحوا في "مربع اللاعودة"، وهو الأمر الذي شكل قلقا للسلطات الإيرانية.

وفيما يبدو فإن السلطات الإيرانية قررت إنهاء هذه المشكلة عبر "الحلول الجذرية طويلة الأمد"، وذلك بتفتيت هذه الكتلة الصلبة "المثيرة للقلق" وتهجيرها وتفريقها بين المدن.

وكانت إستراتيجية السلطات في تفكيك هذه "القنبلة الموقوتة" هي قطع المياه عنهم، وذلك ببناء عدد من السدود عند منابع الأنهار وتحويل مجراها، وتعطيش الأحواز والتسبب بجفاف أراضيهم، ثم دفعهم في النهاية للهجرة وترك الإقليم المشتعل ساحة خالية للسلطات.

ومع أن السلطات تنفي وجود غرض سياسي لها وراء تحويل مجاري الأنهار في الأحواز، إلا أن المواطنين يدركون بأن تلك "سياسية ممنهجة" لتهجيرهم، وأن هناك "نوايا مبيتة" للدفع بهم إلى ترك أراضيهم،  لهذا فقد كانت أبرز شعاراتهم في الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في 15 يوليو/تموز 2021 هي "لا للتهجير"، "بالروح بالدم نفديك يا أحواز" .

مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية، حسن راضي الأحوازي،نقل جانبا من الاحتجاجات الأخيرة للأحواز ضد السلطات وعلق عليها بتغريدة قال فيها: "بالروح بالدم نفديك يا #أحواز وكلا كلا للتهجير، من أهم هتافات المحتجين الأحوازيين هذا المساء ضد السياسات الإيرانية الممنهجة في قطع المياه بهدف تهجير العرب وتغيير ديموغرافية الأحواز".

ويبلغ سكان الإقليم الواقع جنوب غرب إيران، نحو مليوني نسمة، وفق آخر إحصائية رسمية جرت عام 2016، يشكل العرب فيها 85 بالمئة، في حين يشكل أبناء الأقلية البختيارية الـ15 بالمئة المتبقية، في الإقليم الذي تم ضمه رسميا إلى إيران عام 1925.

بناء السدود

بدأت السلطات الإيرانية بناء السدود على نهري الكرخة وكارون، قبل نحو 15 عاما، وتنتشر ملايين الهكتارات الزراعية على ضفتي النهرين، وتمثل تلك الأراضي الزراعية المصدر الوحيد لآلاف الأسر، كما تمثل تلك الأنهار مصدر الري الأساسي لأراضيهم، ويمهتن الآلاف منهم الصيد.

ونهر الكارون، أو كما يسميه البعض نهر قارون، يبلغ طوله 950 كلم، وينبع من الجبل الأصفر، أو منطقة زردكوه في جبال "زاغروس" الممتدة من غرب إيران إلى شرق العراق، مارا بمدن الأحواز والمحمرة وملاثاني، وتستر، وويس، ويصب في شط العرب ومنها إلى الخليج العربي.

وكان نهر كارون يخترق محافظة خوزستان الواقعة ضمن إقليم الأحواز ويغذي المنطقة والأراضي الزراعية، إلا أن السلطات قامت بنقل جزء من مساره، ما تسبب في أزمة مياه حادة، تفاقمت مؤخرا مع تحويل تدفق النهر على نحو أوسع باتجاه مناطق أصفهان و زايندهرود شمال شرق الإقليم العربي.

أما نهر الكرخة أو نهر تيري يمر بأهم مدن مناطق الأحواز، الشوش والحميدية والخفاجية والحويزة، بين الأحواز والعراق ويبلغ طوله 900 كلم، وشيدت السلطات سد الكرخة وهو أكبر سد في إيران على مجرى النهر، وقامت بتحويل مساره ما تسبب بانخفاض منسوب المياه بشكل شبه كلي.

وتواجه السلطات الإيرانية الاحتجاجات بتحويل مسار الأنهار والتسبب بأزمة مياه بالقول: إن "الأزمة ناتجة عن سوء إدارة الأحوازيين لمصادر ريهم"، وكان الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني قد اتهم في وقت سابق السكان العرب بالمسؤولية عما يجري من أزمة مياه في المنطقة، لاستمرارهم في زراعة الأرز المحلي.

صراع التهجير

في دراسة بعنوان "الصراع الديموغرافي الأحوازي-الإيراني، آلياته وأسبابه" أعدها مركز "دورانتاش" في مايو/أيار 2020، قال فيها: "انخرط الشعب الأحوازي في صراع غير عادل استمر لأكثر من 9 عقود منذ 1925، وهو صراع الديموغرافيا مع السلطات الإيرانية، ويتميز بظروف خاصة، إذ يختلف كثيرا عن الصراعات الاستعمارية ويشكل تهديدا كبيرا على الشعب الأحوازي".

وأوضحت الدراسة أنه "في الحالة الأحوازية، يتم وصف الصراع بكونه (صراعا غير ديني)، فهو صراع التهجير التدريجي، على عكس الصراعات الديموغرافية الأخرى التي يوجد فيها عنصر ديني قومي أكثر وضوحا يعلن ضد الشعوب المضطهدة من خلال الوسائل العسكرية، وهي وسائل يمكن إحباطها على نحو سريع وحاسم نسبيا".

وذكرت الدراسة أن نسخة مسربة من تقرير صدر عام 2014 عن "المجلس الأعلى للأمن القومي" التابع للنظام الإيراني قدمت دليلا إضافيا على سياسة النظام في التطهير العرقي للسكان الأحوازيين كجزء من جهود القيادة الإيرانية المستمرة لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة بشكل دائم.

وتضمن التقرير خطة سميت "المشروع الأمني الشامل لخوزستان" تمت الموافقة عليها في 27 أبريل/نيسان 2014، برئاسة عبد الرضا رحماني فضلي، وزير الداخلية في حكومة روحاني، ذكرت فيه عددا من الإستراتيجيات التي تهدف إلى "تغيير المنطقة والتركيبة وسحق حركة الحرية الأحوازية وإحباط الأنشطة التي يمارسها الأحواز".

"الطرد الهادئ"

وذكرت الدراسة أن "النظام الإيراني استخدم إستراتيجيات وخططا لتغيير التركيبة السكانية والأحوازية، من خلال ممارسة سياسة (الطرد الهادئ) بجميع أصنافها، وذلك من أجل التجانس وفرسنة الأحواز وتشتيت سكان الأحواز الأصليين أو دمجهم مع الفرس المهاجرين في مناطق الأحواز والقضاء على الهوية الأحوازية".

ومن أجل إجراء التغيير الديموغرافي والتركيبة السكانية، أجبر الأحواز، وفق الدراسة، على الهجرة إلى المدن الفارسية مثل أصفهان وشيراز ويزد وطهران ومدن أخرى، "بحثا عن وظائف  منخفضة الأجر توفرها الجمهورية وأسلافها لتحقيق هذا الهدف".

وبين عامي 2011 و2016، هاجر أكثر من 200 ألف أحوازي إلى المدن الفارسية "بحثا عن عمل ووظيفة".

واعتبرت الدراسة أن "بناء السدود وتحويل مجرى الأنهار كان إحدى إستراتيجيات النظام لدفع الأحوازيين للهجرة".

وأوضحت أن الزراعة "هي الوسيلة الوحيدة لكسب العيش لسكانها الأصليين الذين يعيشون فيها منذ زمن بعيد".

وأقدمت السلطات، بحسب الدراسة، على إنشاء سدود قرب منابع الأنهار لإعادة توجيه معظم مياههم إلى المناطق الفارسية، ما تسبب بجفاف المستنقعات التي يغذيها النهر، ودمر النظام البيئي وما تبقى من الزراعة وصيد الأسماك في المنطقة التي اشتهرت بأنها "سلة خبز" إقليمي.

وتزامن ذلك مع عرض النظام الإيراني على بعض المزارعين الباقين فرصا تجارية وقروضا ووظائف في المدن الفارسية مقابل التخلي عن أراضيهم.

وختمت الدراسة بالقول: إن "أراضي وقرى الأحواز الخصبة تقع على ثروات النفط والغاز والمعادن الجوفية، وقد تم تهميش العديد من الفلاحين والصيادين وملاك هذه الأراضي الأحوازيين وإخراجهم من منازلهم من أجل تحويل الأراضي إلى منشآت نفطية وغازية ضخمة".