حماس أم عباس؟.. هذا الممثل "الشرعي" لفلسطين بعد حرب سيف القدس
مثلت زيارة قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مؤخرا لعدد من الدول العربية "اختراقا دبلوماسيا"، لا سيما أن بعض تلك الدول لم تستقبل وفودا رسمية تمثل الحركة، كالمغرب وموريتانيا.
ورأى محللون أن هذا التحول طرأ بعد أن أظهرت حرب "سيف القدس" في مايو/أيار 2021، التفاف السواد الأعظم من الفلسطينيين حول خيار المقاومة الذي تقوده الحركة.
يأتي هذا مقابل تهاوي مكانة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية شعبيا؛ بسبب فشلهما في تحقيق أي إنجاز من خلال خيار "المفاوضات والسلام".
تحرك واسع
شملت الجولة الدبلوماسية لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية مصر والمغرب وموريتانيا ولبنان، على أن يتم استكمالها في الفترة المقبلة بحسب ما أعلنته الحركة؛ حيث شملت الزيارات لقاءات مع مسؤولين رسميين، ونخب سياسية ومجتمعية، خلال يونيو/حزيران 2021.
وبالموازاة مع التحركات الدبلوماسية، أفضت الحرب الأخيرة إلى توفير بيئة سياسية سمحت بالتواصل مع حكومات عربية سادت القطيعة بينها وبين حماس، مثل الأردن، التي أعلن وزير خارجيتها أيمن الصفدي، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة عمان، أواخر مايو/أيار 2021، عن إجراء المملكة اتصالات مع "حماس"، مشددا على أن هدف عمان هو "حماية الفلسطينيين".
كما تلقى هنية اتصالا من رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، وأجرى اتصالا مع أمير الكويت الجديد، نواف الأحمد الصباح، للتباحث حول مستجدات الوضع في القدس، في حين هنأ مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، المقاومة الفلسطينية بما أسماه "النصر العتيد" تلاه اتصال هاتفي مع هنية.
وقال الناطق باسم حماس، حازم قاسم في حديث لـ"الاستقلال": إن الحركة "تبذل جهودا سياسية للتواصل مع الدول العربية والإسلامية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني باسترداد الأرض والمقدسات".
ولفت إلى جملة التحركات التي قادها هنية بالاتصال والتواصل مع عدد من قادة المنطقة، ومن ثم إجراء زيارات لدول عربية وإسلامية لحشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية خصوصا بعد معركة "سيف القدس" (6-21 مايو/أيار 2021).
وكشف قاسم أن الحركة "ستواصل تحركاتها في حاضنتها العربية"، مرجحا أن المزيد من الزيارات الإقليمية الوازنة ستقوم بها قيادة الحركة "قد تكون بعد عيد الأضحى".
وشدد على أنه "رغم وجود بعض الأطراف التي تهدف للتطبيع مع الاحتلال، إلا أنه بات واضحا أن جمهور الأمة ضد التطبيع"، منوها بأن "قيادة الحركة لمست خلال زياراتها واتصالاتها بأن القضية الفلسطينية لا زالت قضية الشعوب، وأن خيار المقاومة هو خيار الأمة ككل في مجابهة الاحتلال".
وأكد قاسم أن "معركة سيف القدس راكمت الصورة الكبيرة للمقاومة وأنها هي من تمثل آمال الشعب الفلسطيني وإجماع كل المكونات الفلسطينية على دعم المقاومة وخيارها والالتفاف حولها، وهو ما أرسل رسالة قوية للجميع بأن المقاومة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني مقابل تيار معزول يصر على التسوية مع الاحتلال".
ما بعد المعركة
ورغم إدراج عدد من الأنظمة العربية، حماس وذراعها العسكري "كتائب القسام" كتنظيمات إرهابية واعتقال المنتسبين لها وتجفيف مصادر تمويلها، وشن "حملات الشيطنة الإعلامية" الكبيرة لتشويه صورتها، إلا أن واقع "ما بعد معركة سيف القدس" يشي بتغير حقيقي على توجهات العديد من الأنظمة في العالم العربي إزاء الحركة، حسب ما يراه مراقبون.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، فايز أبو شمالة: إن "الحكومات والأنظمة العربية في حالة عداء طبيعي مع حركات المقاومة الفلسطينية المتبنية لخيار الكفاح المسلح، وخصوصا حماس التي تقود المقاومة ومشروع التحرر، والتي صنفتها عدة أنظمة عربية كتنظيم إرهابي واعتقلت المنتسبين لها ومنعت وصول أي دعم مادي لها".
وأوضح لـ"الاستقلال": أن "هذا العداء ينبع من إصرار حماس والمقاومة على عدم الانخراط في مسار المفاوضات والاعتراف بشرعية ووجود إسرائيل، حيث لا يرغب أي نظام أن يظهر كداعم للمقاومة وبالتالي يغضب الاحتلال وأميركا عدا عن نوايا التطبيع العلني والكامل التي كانت من المتوقع أن تتجسد حتى أتت معركة سيف القدس ووأدت هذه النوايا".
وأكد أبو شمالة أن "استقبال حماس في المغرب وموريتانيا وتعزيز علاقاتها مع مصر وبوادر تقارب مع دول عربية أخرى لا تعكس تغير موقف الدول العربية العدائي من نهج المقاومة المسلحة، بل يشي بأن الأنظمة العربية باتت مقتنعة أنها لا تستطيع تجاوز حماس وتهميشها، وخصوصا بعد معركة سيف القدس".
وأضاف، أنه "بات من الواضح للجميع أن حماس تمثل القوة الأولى على الأرض وصاحبة الشعبية الأكبر في الشارع الفلسطيني، وبالتالي بدأت التحولات على المواقف العربية تجاه حماس تظهر، والأمر واضح حتى على الصعيد الإعلامي".
وشدد الكاتب الفلسطيني على أن "الأنظمة العربية تطمح أن يكون لها دور أساسي في القضية الفلسطينية، وهذا الدور الذي كان يأتي من خلال السلطة الفلسطينية تراجع بشكل كبير بسبب الضعف الذي أصابها وفشل مشروعها القائم على حل الدولتين بجانب السخط الشعبي عليها مع استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال".
وأيضا، جريمة قتل الناشط نزار بنات والقمع الذي صاحبها للمسيرات التي خرجت تطالب برحيل السلطة ومحاسبة القتلة، ولذلك لا يستطيع أي نظام أن يسترد دوره في القضية الفلسطينية دون التواصل مع "حماس"، يؤكد أبو شمالة.
مكاسب كبيرة
ويرى مراقبون أن علاقة "حماس" بالعواصم العربية التي استقبلتها يقف خلفها رؤية هذه الأنظمة لمصالح ومكاسب كبيرة قد تكون متبادلة مع الحركة التي خرجت منتصرة من معركة سيف القدس وتسعى جاهدة لوقف مسار التطبيع وإيجاد حاضنة عربية للمقاومة المسلحة ومشروع التحرير.
وقال المحلل السياسي صالح النعامي إن "حماس ملزمة بسبب الواقع الإقليمي والسياسي باستغلال أي فرصة لحدوث اختراق على الصعيد الإقليمي؛ لتحسين مكانتها العربية ورفع قدرتها على الصمود وتقليص الحصار المفروض عليها إسرائيليا وعربيا، لذلك هي معنية بالانفراجات إقليميا وهو ما يفسر الزيارات التي قام بها هنية مؤخرا لعدد من العواصم العربية".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "نجاح هذه المساعي لا يتوقف على رغبة حماس لوحدها بل على جملة من المصالح المتبادلة مع الأنظمة العربية".
وتابع: "على سبيل المثال النظام السعودي الذي طالبه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، خالد مشعل، عبر مقابلة على قناة العربية باستعادة العلاقات التاريخية بين حركته والسعودية، يعي أن التحولات الدولية والإقليمية يحتم عليها إحداث تغيير على نمط علاقتها بحماس".
وحسب النعامي، فإن صعود الرئيس الأميركي جون بايدن المعني بتغيير العلاقة مع السعودية، وكذلك عودة إيران للاتفاق النووي "تقلص هامش المناورة" أمام القيادة السعودية وتدفعها إلى إعادة النظر في علاقتها بحماس.
وأوضح أن "الدول العظمى ومن بينها أميركا ستعود للاتفاق النووي، وهو ما يعني تشريعا دوليا لوجود إيران الإقليمي في المنطقة؛ حيث إنه المفترض أن تضغط هذه المتغيرات على السعودية لتعزيز مكانتها في الإقليم، حيث أثبتت حماس أنها طرف إقليمي مهم ومؤثر، وهو ما سيمكن الرياض من لعب دور في قضية فلسطين من خلال العلاقة مع حماس".
وأكد النعامي أن النظام المصري اكتشفت قوة ورقة حماس، لذلك كان هناك تغير واضح في تعامله معها خلال الحرب الأخيرة، وهو ما أوجد للقاهرة دورا أساسيا في حوارات وقف النار وتواصل مباشر بين بايدن و(رئيس النظام) عبد الفتاح السيسي عقب فترة طويلة من تهميش الأخير".
وكذلك يسعى المغرب للحصول على ذات الدور من خلال استضافة حماس، وفي ذات الوقت تعزيز علاقاته بإسرائيل، وفق المحلل السياسي.
وأشار النعامي إلى أن "مصلحة إسرائيل تتمثل في الإبقاء على حالة العزلة العربية والإقليمية لحماس، إلا في حال كانت هذه العلاقات ستضعف العلاقة بين حماس وإيران المبنية على الدعم العسكري وتحسين القدرات القتالية لكتائب القسام وعلى أمل أن تسهم هذه التحولات في إقناع حماس بالتركيز على الأبعاد السياسية وليس العسكرية".
واستدرك قائلا: "هذا الأمر مستبعد؛ لأن عقيدة حماس تقوم على النضال المسلح، لذلك سيسعى الاحتلال الإسرائيلي للضغط لإجهاض أي تطور لعلاقات حماس العربية على المستوى الرسمي".