احتجاجات نادرة في كوبا.. هل تمهد لانطلاق ثورة جديدة ضد السلطة؟
تحدثت صحفيتان روسيتان عن الوضع الراهن في كوبا وأسباب المظاهرات الحالية المطالبة بالحرية والعدالة، والموقف الأميركي منها.
ومنذ 11 يوليو/تموز 2021، تشهد كوبا تظاهرات حاشدة وغير مسبوقة في جميع أنحاء البلاد، احتجاجا على الأزمة الاقتصادية الخانقة، فيما دعا الرئيس ميغيل دياز كانيل أنصاره إلى "الرد في الشارع".
وفي الأول اليوم لها، جرى تداول مقاطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر المحتجين يهتفون: "تسقط الديكتاتورية"، "فليرحلوا".
وقال الرئيس الكوبي "ميغيل دياز كانيل" في خطاب بثه التلفزيون الرسمي: "الأمر بالنضال قد صدر، لينطلق الثوار إلى الشارع"، فيما اتهم "المافيا الكوبية-الأميركية" بتأجيج الاحتجاجات في البلاد.
وأضاف: "ندعو جميع ثوار البلاد، جميع الشيوعيين، للخروج إلى الشوارع حيث ستحدث هذه الاستفزازات الآن وفي الأيام القليلة المقبلة، وإلى مواجهتها بطريقة حازمة وشجاعة".
احتجاجات نادرة
وذكرت صحيفة "لينتي. رو" الروسية أن "الاحتجاجات الجماهيرية ستستمر في هز كوبا".
ففي البداية، كان السبب هو القيود المرتبطة بوباء كورونا، لكن سرعان ما اتجه المحتجون إلى مشكلات أخرى أعمق وطويلة الأمد.
يرى أحد المواطنين أن ما يحدث بمثابة بداية نهاية الحكم الشيوعي، بينما يرى آخرون أن الولايات المتحدة تقف وراء منظمي الاحتجاجات.
وهكذا، قال وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز: إن الأميركيين متورطون بشكل مباشر فيما يحدث.
كان التأكيد غير المباشر على ذلك هو تصريحات حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي اقترح أن ينشئ البيت الأبيض الإنترنت في الجزيرة بحيث تتطور الاحتجاجات هناك بشكل أكثر نشاطا.
كما ذكرت الصحيفة أن آخر مرة اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية في كوبا كانت عام 1994، عندما حرمت جزيرة الحرية من المساعدات المالية من موسكو، وبدأت المجاعة في البلاد.
تنذر الأزمة الاجتماعية السياسية في الدولة بالتطور إلى مواجهة مدنية كبرى، حيث جرى بالفعل سفك الدماء منذ اللحظات الأولى.
وأكدت السلطات وفاة دوبياس لورنسيو تيجيدا (36 عاما)، في إحدى ضواحي العاصمة هافانا. وبحسب الرواية الرسمية، هاجم مجموعة من المتظاهرين، وكالة حكومية.
ويقول العديد من شهود العيان: إن الجيش أطلق النار على الناس في اللحظة التي كانوا يسيرون فيها في الشارع.
وعن تفاصيل انطلاق شرارة المظاهرات، تقول الصحيفة: إنها بدأت بحملة في بلدة سان أنطونيو دي لوس بانوس الصغيرة بالقرب من هافانا.
جرى تنظيم الحملة من خلال الشبكات الاجتماعية. وفي وقت لاحق، بدأ المتظاهرون بالتجمع في مدن أخرى.
وتقول: "اجتاحت أعمال الشغب عشرات المدن في أجزاء متفرقة من الجزيرة، بما في ذلك العاصمة، حيث أصبح الاحتجاج الأكبر وشارك فيه أكثر من ألفي شخص".
وجرى اعتقال حوالي 20 متظاهرا هناك، واستخدمت الشرطة رذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين.
وضع مقلق
قال أحد المتظاهرين لشبكة "بي بي سي" البريطانية: "هذا فقط من أجل دعم حرية المواطنين، لكن لا يمكن أن نتحمل الاحتجاجات بعد الآن. لا طعام ولا دواء ولا حرية، لا يسمحون لنا بالعيش، نحن متعبون".
الجدير بالذكر أن الإنترنت في كوبا مكلف للغاية بالنسبة لغالبية السكان. في الوقت نفسه، يوجد عدد قليل من السياح في "جزيرة الحرية" الآن بسبب فيروس كورونا.
وتقول الصحيفة: "هناك عدد قليل من الصحفيين، فنادرا ما يحدث هناك أي شيء ذو أهمية دولية يساعد على تحريك الوضع".
نتيجة لذلك، حتى في روسيا، حيث لا يزال صدى كلمة "كوبا" يتردد بشيء "أخوي" وحنين إلى الماضي، لم تنشر أي أخبار عن بداية الاحتجاجات الكوبية حتى جرى إرسال نداء خاص من الرئيس عبر القنوات الحكومية بالجزيرة يدعو الشيوعيين للنزول إلى الشوارع وحماية "مكاسب الثورة من التدخلات الأجنبية".
ووفقا لمقالة نشرتها صحيفة فزجلياد الروسية، فإن الرئيس أضاف: "نحن مستعدون لإعطاء حياتنا. إنهم بحاجة إلى تجاوز جثثنا إذا أرادوا مواجهة الثورة، وسنقاتل في الشوارع".
قبل ذلك، ظهرت عدة مقاطع فيديو مع احتجاجات من أجزاء مختلفة من كوبا على وسائل التواصل الاجتماعي (حتى الآن، من ثماني مدن أكثر أو أقل، بما في ذلك هافانا).
وترى أنه يمكن الحكم على خطورة الأحداث من خلال حقيقة أن الرئيس ميغيل دياز كانيل غادر على وجه السرعة إلى سان أنطونيو دي لوس بانوس – المدينة الساحلية فارا على ما يبدو.
ووقعت المظاهرات المعارضة الأكثر ضخامة في كوبا حتى الآن في عام 1994.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقدت "جزيرة الحرية" جزءا كبيرا من دعمها المادي، مما أدى إلى أزمة اقتصادية وانخفاض حاد في مستويات المعيشة، وهو ما دفع إلى التظاهر.
ثم دعا رئيس كوبا السابق فيدل كاسترو الذي كان يبلغ من العمر 68 عاما الشيوعيين إلى النزول إلى الشوارع، واتبع المتظاهرين دعوته الخاصة، "وأدلى بخطاب صادق حول الماضي المجيد والمستقبل المشرق"، وفق الصحيفة.
لم تسمح الكاريزما الأسطورية والموهبة الخطابية، فضلا عن المجموعات الحزبية للشيوعيين المحليين للمظاهرات بالنجاح.
تحول التجمع المناهض لكاسترو تدريجيا إلى آخر مؤيد له، واعتقلت الشرطة الأفراد مثيري الشغب، وبذلك وفا فيدل بوعده للحشد وأطلق سراح أولئك الذين أرادوا مغادرة البلاد.
واختتمت الصحيفة بالقول: "يبدو أن أي توقعات ستكون سابقة لأوانها، لكن فرص الرئيس في إعادة الوضع تحت السيطرة تشير إلى حقيقة أن سخط المحتجين الكوبيين موجه إلى حد كبير ليس ضده أو ضد الحزب الشيوعي، ولكن ضد حكومة مانويل ماريرو كروز".
وترى أن رئيس الحكومة "هو الذي يمكن أن يصبح كبش الفداء، ويبدو أن الكوبيين مستعدون لاعتباره كذلك، لكن هذا لا يعني أن الاحتجاج الذي قد يتلاشى، لن يندلع بقوة متجددة".