إدانة قضائية وتبرئة شعبية.. لماذا رفض مغاربة حكم سجن الصحفي الريسوني؟

12

طباعة

مشاركة

صدمة كبيرة يعيشها المغرب عقب إدانة القضاء للصحفي سليمان الريسوني بالسجن 5 سنوات عقب اتهامه بـ"اعتداء جنسي"، وهو الاتهام الذي ينفيه بشدة الصحفي شقيق رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني.

المحاكمة أثارت سخطا كبيرا وموجات من ردود الفعل، خاصة وأنها تجاهلت إضراب الريسوني عن الطعام لمدة 100 (حتى 16 يوليو/تموز 2021).

حكم صادم 

مساء 9 يوليو/تموز 2021، أصدرت محكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء (وسط) حكمها بإدانة رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" (توقفت عن الصدور) بالسجن النافذ 5 سنوات، وغرامة مالية قدرها 100 ألف درهم (حوالي 11 ألف دولار).

المحكمة اتهمت الريسوني بتهمتي "هتك عرض بعنف" و"احتجاز"، وهي التهم التي ظل ينفيها رغم تغيبه عن حضور الجلسات الأخيرة لمحاكمته.

وخلال المحاكمة، طالبت النيابة العامة بتطبيق أقصى العقوبات في حق الريسوني، واعتبرت أن هيئة "المحكمة وفرت جميع شروط المحاكمة العادلة للمعني بالأمر".

وتابع بيان أصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في 12 يوليو/تموز 2021، أن الريسوني "حوكم من أجل جرائم تتعلق بالحق العام لا علاقة لها إطلاقا بعمله الصحفي"، ورفضت ما وصفتها بـ"المغالطات التي تحاول التأثير على القضاء". 

وحملت مسؤولية الغياب عن الجلسات إلى الصحفي، وسجلت أنه "تقرر مواصلة مناقشة القضية في غيبته، مع إبلاغه بما راج إثر كل جلسة بعدما رفض الحضور".

هذه المعطيات رفضتها "لجنة التضامن مع الريسوني"، التي أصدرت بيانا في 11 يوليو/تموز 2021، أكدت فيه أن الحكم "انتقامي، وتقف وراءه تصفية حسابات سياسية مع صحافي مستقل ومزعج".

واعتبرت صدور الحكم "بدون استنطاق المتهم ولا إعطاء الكلمة لدفاعه، كما أن المحكمة لم تعرض أمامها أي وسيلة اقتناع ولم تستمع لأي شاهد عيان على ما يدعيه الطرف المدني".

وطالبت اللجنة، السلطات المغربية بـ"الإفراج الفوري" عنه، كما ناشدت وقف إضرابه عن الطعام المتواصل منذ 100 يوم "إنقاذا لحياته".

ردود غير مسبوقة

لم يكن أحد في المغرب يتوقع تفاعلا أميركيا مع الحكم على الريسوني، حيث أعلنت وزارة الخارجية عن "خيبة أملها" من الحكم الصادر بحق الصحفي المضرب عن الطعام.

وفي 12 يوليو/تموز 2021، قال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس: "نلاحظ أن الريسوني زعم أنه كانت هناك انتهاكات لضمانات المحاكمة العادلة، وفي نظرنا فإن الإجراء القضائي الذي أفرز هذا الحكم يتعارض مع الالتزامات المغربية بمحاكمات عادلة للأفراد المتهمين بارتكاب جرائم، ويتعارض مع وعد دستور 2011 وأجندة إصلاح الملك محمد السادس".

وتابع "لدينا أيضا مخاوف بشأن التأثير السلبي لهذه الحالات على حرية التعبير وحرية تأسيس الجمعيات وحرية الصحافة المغربية من أجل مجتمعات مزدهرة وآمنة، ويجب على الحكومات أن تضمن للصحافيين أداء أدوارهم الأساسية بأمان دون خوف من الاعتقال الجائر أو التهديدات".

 وأكد "نتابع هذه القضية عن كثب وقضايا الصحفيين المحتجزين الآخرين في المغرب بمن في ذلك عمر الراضي، وقد آثرنا هذه المخاوف مع الحكومة المغربية وسنواصل القيام بذلك".

وفي 11 يوليو/تموز 2021، أصدر "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" ومقره جنيف، تقريرا بعنوان: "المغرب.. خنق الرأي الآخر".

وخلص التقرير الذي جاء في قرابة 40 صفحة، إلى أن السلطات "تمارس منذ سنوات تضييقا كبيرا على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في البلاد، وتستخدم أساليب غير قانونية لاحتجاز وملاحقة النشطاء والصحفيين والتشهير بهم".

وعرض التقرير مظاهر الضغوط التي "تمارسها السلطات على النشطاء الإعلاميين والمدنيين"، خاصة الضغوط القضائية التي تستخدمها لإسكاتهم وتغييبهم، إذ انهالت خلال الثلاث سنوات الأخيرة، المتابعات القضائية التي تواكبها بحملات "تشهير وقذف غالبا ما تكون على شكل إهانات بذيئة أو معلومات خاصة عن الضحية، كمزاعم عن علاقات جنسية وغيرها".

من جهتها، دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى الإفراج عن الريسوني "فورا في انتظار محاكمته أمام استئناف أكثر عدالة"، معتبرة أن محاكمته "شابتها خروقات واضحة".

القصة الكاملة

في مايو/أيار 2020، سرى خبر اعتقال الريسوني، كالنار في الهشيم، ولم يتأخر الخبر حتى أصبح "عيانا" بعدما قام أحد المواقع المحسوبة على السلطة في المغرب، بنشر شريط فيديو يوثق لعملية اعتقال الصحفي من أمام بيته.

قبل ذلك التاريخ، شرعت عدد من المؤسسات الصحفية المعروفة في المغرب تحت مسمى "صحافة التشهير"، في القيام بحملة منسقة تستهدف سليمان وكتاباته ونشاطه الحقوقي.

ظهور "آدم" زاد من حدة الهجمة والاستهداف على سليمان، و"آدم" يقدم نفسه شاذا جنسيا، ادعى في تدوينة أنه تعرض للتحرش الجنسي من قبل صحافي مغربي سنة 2018، دون أن يحدد طبيعة ما تعرض له، ولا الطرف المسؤول عن هذا الفعل.

أياما بعدها سيتم توقيف الريسوني، وتوجيه الاتهام إليه مباشرة بأنه هو بطل قصة "آدم"، لتنطلق بعدها تجربة أخرى امتدت حوالي 11 شهرا من الاعتقال الاحتياطي دون محاكمة.

وبعد سنة إلا شهرا من الاعتقال دون محاكمة، قرر في 8 أبريل/نيسان 2021، الدخول في إضراب عن الطعام، احتجاجا على استمرار توقيفه "احتياطيا" منذ أكثر من عام، ومطالبا بالإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح.

الإضراب الذي وصل يومه الـ100 تعالت معه دعوات هيئات ومؤسسات حقوقية مغربية إلى الإفراج عن الريسوني، محذرة من نتائج "مفجعة" بعد تجاوز إضرابه عن الطعام، 3 أشهر.

وفي كل مرة تعلن أسرة أو هيئة دفاع الريسوني أن وضعه "يزداد خطورة"، تخرج السلطات المغربية نافية صحة تلك الأخبار التي تقول إن الريسوني في حالة متدهورة ويحتضر جراء إضرابه عن الطعام، وتشدد على أن صحة المعني بالأمر "عادية" و"لا تقترب من درجة الخطورة".

رفض الشهود

وقالت الصحفية، ابنة أخ سليمان، هاجر الريسوني: إن "الحكم على سليمان هو حكم غير مفهوم جائر وظالم وغير قانوني، ولا تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة، حيث أصدر القاضي الحكم دون أن يستمع للصحفي وأن يستمع لروايته وأن يقوم بالمواجهة بينه وبين المدعي".

وأوضحت لـ"الاستقلال" أن "القاضي كان يرفض إحضار سليمان لمحاكمته رغم إلحاح دفاعه وإلحاح سليمان على الحضور، لم يرافع دفاعه في الملف، لم يتم الاستماع لزوجة سليمان، خلود المختاري، وهي مصرحة (طرف) في الملف، لم يتم الاستماع للشهود في الملف، وأهمهم الخادمة التي يقول المدعي أنها كانت في البيت أثناء الاعتداء المفترض".

وتابعت: "نتساءل على ماذا استند القاضي في تشكيل قناعة أن سليمان مذنب في غياب شهادة طبية أو شهود يؤكدون الواقعة وعدم وجود حالة التلبس، خصوصا أن القرائن التي قدمها المعني وهي تسجيل صوتي ومحادثة في تطبيق الماسنجر لا تفيد أي شيء". 

وقالت هاجر: "للأسف سليمان يدفع ثمن جرأته وانتقاده لسياسات الدولة وكلامه في وقت ساد فيه الصمت، وأعتبر أن هذا الحكم القاسي هو انتقام من سليمان، وإلا كيف نفسر أنه في ملفات مشابهة تكون شواهد طبية وشهود وفي بعض الأحيان حالة التلبس والضحية تكون قاصرا ولا يحكم بهذا الحكم".

وأضافت "نحن لا نقول إن المدعي ليس له الحق في اللجوء للقانون، وأن الصحفي الريسوني فوق القانون، لكننا نطالب بمحاكمة عادلة يطبق فيها القانون ويكون سليمان والمدعي سواسية أمام القانون".

وختمت هاجر حديثها: "كل ما أتمناه اليوم أن يوقف سليمان إضرابه عن الطعام، لأن معركة الدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة في وطننا مازالت طويلة ونحتاجه معنا".

أين نحن متجهون؟

وقال "عبد الرحيم العلام" أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مدينة مراكش (وسط): "جاء في الكثير من فقرات تقرير (النموذج التنموي)، أن المغاربة غير راضين عن القضاء (..)".

وتساءل العلام، في حديثه لـ"الاستقلال": "هل الحكم على الريسوني دون حضوره (طالب أن يحضر عبر كرسي متحرك لعدم قدرته على الوقوف بسبب الإضراب)، يصب في تحقيق أهداف اللجنة الملكية التي كتبت تقرير التنمية؟".

ونهاية 2019، أعلن العاهل المغربي محمد السادس عن تشكيل "لجنة خاصة بالنموذج التنموي"، اقترحت عام 2021 برنامجا جديدا للتنمية في البلاد.

وأكد العلام أن "نص التقرير على ضرورة ضمان استقلالية الصحافة، وتحرير الطاقات، وضمان الحق في إبداء الرأي (..) السؤال: ما حدث مع سليمان، ومع غيره من الصحفيين الذين جزء منهم في السجون، وجزء طلب اللجوء السياسي، وجزء إما يعاني العطالة أو غير المهنة، هل يشجع الصحفيين، ويضمن حريتهم، أم يشجع الخوف، ويزرع الرهبة؟".

ومضى قائلا: "ألح تقرير النموذج التنموي وغيره من التقارير والخطابات الرسمية، على ضرورة الابتعاد عن اليأس، ومعانقة الأمل، وترويج صورة جيدة عن المغرب داخليا وخارجيا (..)".

وتابع العلام: "السؤال: الحكم على صحفي بعد أكثر من سنة على اعتقاله -وبناء على تدوينة وقعها اسم مستعار - بـ5 سنوات، دون حضوره، وانسحاب دفاعه، وفي ظل تنديد منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، وحضور ممثلين عنها لأطوار المحاكمة، هل يساهم كل ذلك وغيره، في زرع الإحباط أم الأمل؟ وهل يحسن صورة المغرب خارجيا أم يؤزمها؟".

وأكد أنه "لا يساهم في الإضرار بحقوق الإنسان في المغرب، وفي تشويه صورته خارجيا، إلا قرارات خاطئة، لا توجد رغبة في التراجع عنها رغم كل المناشدات والتصويبات من مختلف الجهات والتوجهات".

وشدد العلام في ختام تصريحه على أنه "بدأنا العشرية الأخيرة بـ0 سجين سياسي، وبـ0 لاجئ سياسي، وبـ0 صحافي سجين، وها نحن نغادرها بعشرات المعتقلين السياسيين والصحفيين واللاجئين السياسيين! فأين نحن متجهون؟".