بدماء مسلمي الإيغور.. هكذا ساهم السيسي في إرواء ظمأ التنين الصيني
طالما قلد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي من سبقوه في حكم مصر بمواقف عديدة، إلا أنه يسير على خطا جمال عبدالناصر حين أيد يوغسلافيا الشيوعية رغم قهرها مسلمي البلقان، إذ أعلن السيسي مرارا تأييده الحزب الشيوعي الصيني رغم قهر سلطات بكين ملايين المسلمين من الإيغور.
السيسي، وصف تجربة الحزب الشيوعي الصيني بـ"المعجزة" وتمنى خلال تهنئته الخاصة لقادة الحزب، بضرورة دراستها والاستفادة منها على جميع الأصعدة.
على شاكلة الحزب الشيوعي المثير للجدل في سياسته الاستبدادية الأحادية، والانتهاكات الحقوقية المفزعة ضد المسلمين والمعارضين؛ يريد رئيس النظام المصري أن يسير.
ذلك الافتراض يأتي خاصة، وطبيعة ارتباطه وعلاقاته القائمة مع النظام الصيني، على مستوى أجهزة الأمن والجيش والاقتصاد استوجبت تقديمه تنازلات جمة، أبرزها عندما قام بتسليم طلبة الأزهر من الإيغور للسلطات الصينية التي تمعن في عزلهم وتعذيبهم.
ولكن هذه المرة جاءت تهنئته للشيوعيين الصينيين، غير العادية في صياغتها وتنفيذها، حاملة عدة دلالات وتساؤلات عن أسبابها وطبيعة إخراجها.
تهنئة حارة
عبر التلفزيون الرسمي لجمهورية مصر العربية، وجميع المواقع والقنوات التابعة لرئاسة الجمهورية، ألقى السيسي كلمة خاصة يوم 1 يوليو/ تموز 2021، لتهنئة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، بمناسبة ذكرى مرور 100 عام على تأسيسه.
السيسي، خص بالذكر الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، سكرتير عام الحزب الشيوعي الصيني، قائلا: "إنه لمن دواعي فخري واعتزازي أن أتوجه لكم ومن خلالكم إلى الشعب الصيني الصديق بكل التهاني بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني".
"ذلك الصرح السياسي العظيم الذي قاد الصين بنجاح فأمن لها الاستقلال التام، وأقام هيكل الدولة الصينية الحديثة عام 1949، ثم قادها وما زال إلى يومنا هذا بسياسة حكيمة"، وفق السيسي.
وواصل إطراءه لسياسات الحزب الحاكم في الصين: "واستطاعت أن تحقق المعجزة الاقتصادية الصينية التي دفعت بكين إلى مصاف الدول الكبرى كقوة دولية تعكس عظمة الحضارة الصينية وتستلهم من تاريخها قوة دافعة للحداثة".
السيسي، أكد ايضا أن "التجربة الصينية تمثل قصة نجاح يسعى كثيرون إلى دراستها والاستفادة منها".
وفي كلمته لفت إلى ما أطلق عليه مفارقة تاريخية بأن أول مؤتمر وطني للحزب الشيوعي الصيني عام 1921، توافق مع يوم 23 يوليو/ تموز".
وأشار إلى أنه "تاريخ عزيز على الشعب المصري أيضا لأنه في هذا التاريخ نفسه قامت الثورة المصرية عام 1952، والتي وضعت أسس توجه الدولة المصرية الحديثة والقضاء على الاستعمار في مصر، ودعمت كافة حركات التحرر في القارة الإفريقية"
واستطرد "كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية وشرق أوسطية تعترف بجمهورية الصين الشعبية وإنجازات الحزب الشيوعي الصيني وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها".
سوابق مجحفة
تقارب رئيس النظام في مصر من الحزب الشيوعي الصيني أثار حفيظة قطاع عريض من العالم الإسلامي، خاصة مع اعتراف قادة الحزب الصيني بوجود معسكرات اعتقال خاصة لمسلمي الإيغور، في 19 أبريل/ نيسان 2021.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية كانت نشرت تقريرا عن إبادة المسلمين في إقليم شينجيانغ، شمال غرب الصين، وأكدت مسؤولية "الحزب الشيوعي الصيني عن اعتقال أكثر من مليون مسلم أويغوري وغيرهم من الأقليات المسلمة، في معسكرات تعذيب صينية".
الصحيفة كشفت حينها عن جرائم صينية بـ"تدمير مئات المساجد والمقابر الإسلامية"، وكذلك "إجبار النساء المسلمات على التوقف عن الإنجاب والتعقيم، وأخذ الأطفال قسرا من بيوتهم إلى مدارس تديرها الدولة".
ووصفت أوضاع المسلمين في الصين موضحة أن "من يطلق لحيته من الرجال أو يرفض تناول لحم الخنزير والخمر يعاقب بالسجن"، مؤكدة أن "الحزب الشيوعي الصيني يسعى لمحو الثقافة والشعب المسلم برمته".
فيما رصدت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، فصلا جديدا من معاناة مسلمي الإيغور، وذلك عبر تقرير صدر في 7 مايو/ أيار 2021، أوضحت من خلاله إجراءات حكومة "شينغيانغ" الشيوعية الصينية ضد ملايين المسلمين في الإقليم.
وقالت: "تحت وطأة السياسات الرسمية، يبدو مستقبل الإسلام محفوفا بالمخاطر في شينغيانغ، وهي منطقة وعرة من الجبال الصخرية المغطاة بالثلوج والصحاري القاحلة المتاخمة لآسيا الوسطى".
وكشفت أن "عشرات المساجد هدمت، وعدد المصلين آخذ في الانخفاض، حسب شهادات السكان المحليين".
وأوضحت أنه "من خلال القوانين المتشددة المفروضة على المسلمين الصينيين بشأن عقيدتهم فإن الأطفال يعرفون فقط من هو الخالق المقدس، لكن لا يمكن منحهم معرفة دينية مفصلة.. إلا بعد أن يبلغوا 18 عاما، وقتها فقط يمكنهم تلقي التعليم الديني وفقا لإرادتهم".
كل تلك الأفعال والتقارير المأساوية عن معاناة مسلمي الإيغور أغفلها السيسي، وذهب إلى الاحتفاء العلني بالحزب الصيني الشيوعي المسؤول الأول عن الانتهاكات.
تسليم الإيغور
نظام السيسي، في مصر، تجاوز مرحلة التقارب الرسمي، إلى المساهمة بطريقة أساسية في زيادة معاناة الأقلية المسلمة في شينجيانغ.
وذلك عندما وقع اتفاقية أمنية مع الصين في 19 يونيو/ حزيران 2017، بين وزارة الداخلية المصرية، ووزارة الأمن العام بجمهورية الصين الشعبية، ومثل مصر فيها وزير الداخلية السابق مجدي عبد الغفار، ومثل الجانب الصيني وزير الأمن العام شن زيمين.
وفي 5 يوليو/ تموز 2017، أي بعد 16 يوما من توقيع الاتفاقية الأمنية، اعتقلت الشرطة المصرية عددا من الطلاب الصينيين المسلمين (الإيغور) الذين يدرسون في الأزهر الشريف، بطلب من السلطات الصينية، تمهيدا لترحيلهم إلى بلادهم.
حينها أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، تقريرها عن الواقعة، وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة المنظمة في الشرق الأوسط: إنه "على مصر ألا ترحل الطلاب الإيغور إلى الصين، إذ يتعرضون للملاحقة والتعذيب".
وفي 7 يوليو/ تموز 2017، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن السلطات المصرية رحلت على الأقل 12 طالبا من إيغور الأزهر المسلمين إلى الصين.
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) July 5, 2017
علاقة مريبة
السيسي، زار الحزب الشيوعي الصيني في بكين يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 2014، بعد أشهر من توليه السلطة، وأعلن من مقر الحزب أن تلك التجربة جديرة بالدراسة، وأنه مؤيد لسياسة "صين واحدة" التي تبناها الحزب، وأنه سوف يسعى إلى إقامة علاقات إستراتيجية واسعة مع بكين.
وفي 2 سبتمبر/ أيلول 2018، أجرى السيسي زيارته الثانية إلى أكاديمية الحزب الشيوعي الصيني ومتحفها، وهي مؤسسة تتولى تدريب المسؤولين وإعداد القيادات الشيوعية للمناصب العليا في البلاد.
ألقى السيسي حينها كلمة أمام قادة الأكاديمية وطلابها وقادة الحزب الشيوعي، وأعرب عن إعجابه بدور الأكاديمية في تدريب النخبة السياسية الصينية والكوادر الحكومية.
وفي تلك الزيارة ومن داخل معقل الشيوعيين، شن السيسي هجوما حادا على جماعة "الإخوان المسلمين".
وقال: إن "الفراغ الذي أفرزته ثورات الربيع العربي، تم ملؤه من قبل بعض التيارات الدينية المعروفة بالإسلام السياسي، سعت إلى استغلال الفرصة للوصول إلى الحكم وتولي السلطة، دون اكتراث منها بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية أو سقوطها".
الرفيق السيسي
استدعت علاقة رئيس النظام المصري بحكم الشيوعي الصيني، الكتاب والصحفيين المصريين لتحليل أبعاد تلك العلاقة وأسبابها، ففي 5 يوليو/ تموز 2021، نشر الكاتب المعارض سليم عزوز، مقالة متهكمة تحت عنوان "الرفيق عبد الفتاح السيسي".
عزوز، قال: "آخر ما كنت أتوقعه، أن يكون لدى الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي تطلعات شيوعية، في بلد لا تزال أجهزتها الأمنية تحتوي على أقسام لمكافحة الشيوعية، فقد فاجأنا بالاحتفال بالعيد الـ100 للحزب الشيوعي الصيني، ووصفه بالصرح السياسي العظيم!".
وعن أسباب ذلك التقارب ذكر: "ثمة شيء وراء هذا الاحتفال، فالسيسي يريد أن يرسل إشارات للبيت الأبيض بأنه إذا افتقد الحاضنة الأمريكية فقد يطلب الاحتواء ولو في الصين".
وأضاف المعارض المصري: "وقد جرب هذا الهروب عندما لم يتفاعل معه أوباما بالشكل المطلوب، بأن سافر إلى موسكو، وسط زفة من أنصاره صفقوا لمن يتجه شرقا ليذكر القوم بعظم التربة، وكان هناك استدعاء قسري لعبد الناصر، وتقديم السيسي على أنه الامتداد الطبيعي له!".
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2019، كتبت الباحثة الألمانية، سوزانه شروتر، مديرة مركز البحوث حول الإسلام العالمي بجامعة غوته بفرانكفورت، عن علاقة الأنظمة الشرق أوسطية بالصين.
وتحدثت في الجزئية المتعلقة بمصر، التي ذكرت أنها "لا تنتقد معاملة الصين للإيغور" بسبب العلاقات الاقتصادية أولا، وثانيا إلى وجود حكم مستبد، ينتقد من طرف حكومات غربية بسبب خرق حقوق الإنسان، ما يجعله يفتح علاقات أوثق مع الصين التي لا تهتم بمثل هذه الملفات.
تاريخ مكرر
الدكتور محمد أبوزيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، تحدث عن تهنئة السيسي للحزب الشيوعي الصيني، رغم جرائمه وانتهاكاته بحق المسلمين، وقال إن "التاريخ يعيد نفسه".
أبوزيد، شبه علاقة السيسي بالنظام الشيوعي في الصين، بعلاقة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بـ"يوغوسلافيا" الشيوعية، تحت قيادة جوزيف تيتو خلال فترة الستينيات من القرن الـ20.
وأكد أن "مصر لم تحصد من وراء تلك التنازلات والعلاقات إلا الخراب والخسران على جميع المستويات، عندما فرطت في حقوق المسلمين، فجاءت الهزيمة السياسية والعسكرية إبان نكسة 67، ولم ينصرها العالم الشيوعي وتحديدا الاتحاد السوفييتي التي كانت تعتمد عليه جملة وتفصيلا".
وقال: "العجيب وأنا شاهد على تلك الفترة في مصر، هو التطابق الكامل في الأحداث، فعبد الناصر تقرب من تيتو الشيوعي، الذي كان يضطهد المسلمين في يوغوسلافيا، ويضعهم في سجون منفصلة ويمنعهم ممارسة شعائرهم، ويقوم بتغيير الأسماء والهويات الإسلامية.
وأضاف: "بل وردت روايات أن الرئيس المصري سلم مجموعة من المطلوبين أمنيا إلى النظام الشيوعي اليوغسلافي بناء على طلب من تيتو".
وأضاف: "السيسي استمر على نفس المسار، وأغفل قضية الإيغور، بل قام بتسليم طلبة الأزهر منهم إلى الحكم الشيوعي الصيني الدموي، في حادثة مخجلة، على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي".
وشدد الداعية المصري أن "مصر هي قلب العروبة والإسلام النابض، ولا يمكن عزلها عن قوميتها ودينها، حتى وإن دخلت في عصور مظلمة فسرعان ما تعود مرة أخرى، فهي تمرض ولا تموت".
المصادر
- السيسي في أكاديمية الشيوعيين: الإسلام السياسي حاول استغلال الربيع العربي
- السيسي: تجربة الحزب الشيوعي الصيني "جديرة بالدراسة"
- واشنطن بوست: الحزب الشيوعي الصيني يخوض مرحلة الهجوم في عملية إنكار إبادة المسلمين الإيغور
- مصر: كلمة متلفزة للسيسي بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني
- السيسي يوجه كلمة للشعب الصيني بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الحزب الشيوعي (فيديو)
- الرفيق عبد الفتاح السيسي!
- القصة الكاملة: لماذا اعتقل نظام السيسي "أزاهرة الإيغور" الآن بالتحديد؟
- «اسوشيتدبرس»: احتجاز عشرات الأزهريين «الإيغور» في مصر استعدادًا لترحيلهم للصين
- خبيرة ألمانية: لهذا لا تنتقد الدول الإسلامية معاملة الصين للإيغور