لوموند: انقلابات جيش مالي "طريق ملكي للثراء" على حساب مسارح العمليات
قالت صحيفة فرنسية إن استيلاء العقيد عاصيمي غويتا على السلطة في مالي "هو تأكيد على الحضور طويل الأمد للجيش على رأس هرم السلطة في البلاد".
وأوضحت "لوموند" أنه "من خلال التدخل في 24 مايو/أيار 2021 لإزاحة الرئيس الانتقالي باه نداو، ورئيس وزرائه مختار أواني، أظهر الجيش المالي مرة أخرى استعداده للاحتفاظ والسيطرة على مقاليد السلطة".
وجاء هذا الانقلاب غير المستبعد في أعقاب قيام الثنائي نداو/أواني بإقالة وزير الدفاع، العقيد ساديو كامارا، ووزير الأمن، العقيد موديبو كوني.
ووفقا لمنفذي الانقلاب، لم يحترم رأسا السلطة التنفيذية الميثاق الانتقالي، الذي ينص على أن قضايا الدفاع والأمن تقع ضمن اختصاص نائب الرئيس، العقيد غويتا.
استيلاء على السلطة
وفي الوقت الراهن، يتواصل الجيش مع "حركة الخامس من يونيو/حزيران لتجمع القوى الوطنية" (M5-RFP)، وهو التحالف السياسي الوحيد الذي شجب إدارة المرحلة الأولى من هذا الانتقال.
وأصدرت المحكمة الدستورية، التي استولت عليها حكومة نائب الرئيس، حكما يشير إلى شغور في السلطة واعترفت بغويتا كرئيس للفترة الانتقالية عشية القمة الاستثنائية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بشأن هذا الانقلاب الجديد.
ويبدو أن هذا الانقلاب الجديد يؤكد على "تعطش" الجيش المالي للسلطة.
وقبل أكثر من 50 عاما، جادل عالم الاجتماع جورج بالاندييه بأن الانقلابات العسكرية في إفريقيا تفسر برغبة الجنود الشباب في تغيير الوضع، وكان يشير بالفعل إلى "الاستعمار الجديد" لتوضيح استيلاء الضباط الشباب على السلطة، الذين يقولون إنهم يريدون إعادة النظام بعد حالة الفوضى السياسية.
ويسير عالم الاجتماع فرانسيس أكينديس على نفس المنوال عندما يشير إلى أن الجنود والمدنيين "يتصرفون بنفس الطريقة عندما يتولون قيادة بلد ما، لأن السلطة تجر إلى الفساد".
ويوضح أن مصير "الوافدين الجدد" هو الوقوع في نفس اللعبة، حيث يؤدي الانقلاب دائما إلى نوع من مصادرة السلطة من قبل الجيش.
وكان للتدخل المتكرر للجيش في الحياة السياسية أثر في تجديد وزيادة عدد الجنود الذين شاركوا بشكل مباشر، على مختلف المستويات، في إدارة السلطة السياسية.
من جهته، استخدم المحلل السياسي محامان تيجاني مصطلح "السياسيون العسكريون" لتسمية الضباط الذين يشاركون مباشرة في ممارسة السلطة.
تم طرد باه نداو في المقام الأول لأنه كان يسعى للخروج من وصاية المجلس العسكري الذي أوصله إلى السلطة.
محاولة باه نداو ومختار أواني لتهميش اثنين من "الكولونيلات الوزراء" في مناصب إستراتيجية كان ينظر إليها من قبل غويتا والوفد المرافق له على أنها محاولة لفك القبضة التي فرضها العسكريون في المرحلة الانتقالية.
جريمة لا تسقط
يعتبر الانقلاب جريمة لا تسقط بالتقادم بموجب الدستور المالي، ولا شيء يضمن الحصانة السياسية منذ لحظة توقف المرء عن ممارسة نشاطاته.
لكن يقول أحد السياسيين الذي طلب عدم الكشف عن هويته وقد ذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكدا أن "السبب الحقيقي الذي يمكن أن يفسر الانقلابات في مالي هو رغبة الجيش في الاستثراء (تكوين ثروة).
ولفت إلى أن "الجيش اليوم هو طريق ملكي للثراء ودفن الحقيقة، إذا ارتكبوا انقلابات، فذلك لأنهم لا يريدون الذهاب والقتال في مسارح العمليات والتشبث بالسلطة في باماكو".
صحيح أن "الفساد آفة كثيرا ما تذكر فيما يتعلق بالجيش المالي، ونعتقد، على سبيل المثال، أنه قد وقعت عملية اختلاس لأكثر من 1.230 مليار فرنك إفريقي من البرامج العسكرية خلال الفترة 2014-2019"، تقول لوموند.
ويمكننا أن نرى أيضا أن الجنود اختاروا الأنشطة السياسية على حساب تأمين البلاد ومحاربة الإرهاب، وهي مهمتهم الأساسية.
في ليلة 24 إلى 25 مايو/أيار 2021، تمت دعوة ممثلي حركة 5 يونيو/حزيران لتجمع القوى الوطنية إلى كاتي، معقل الانقلابيين.
وتم تشكيل حكومة جديدة في 11 يونيو/حزيران مع (أحد الشخصيات من الحركة) تشوغويل كوكالا مايغا كرئيس للوزراء.
لكن الحكومة لا يزال الجيش يهيمن فيها، والتي اعتبرها المجتمع الدولي غير شرعية، ولا سيما من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قرر إنهاء عملية برخان.
غير أن هذا الاتفاق مع "حركة الخامس من يونيو/حزيران لتجمع القوى الوطنية" جاء على حساب إنكار بعض النقاط التي اعتبرتها الحركة سابقا غير قابلة للتفاوض.
لقد تراجع كوكالا مايغا بالفعل عن حل المجلس الوطني الانتقالي، والذي ربما سيقدم قبل ذلك بيانه السياسي واقتراحه بشأن اتفاقيات السلام في الجزائر العاصمة، حيث إنه يتعهد بالعمل مع تنسيقية حركات أزواد (CMA).
وبالمثل، وافق كوكالا مايغا أخيرا على العمل مع رئيس عسكري كان قد شجب "عسكرة المرحلة الانتقالية".
وكان هناك تناقض داخل حركة الخامس من يونيو/حزيران لتجمع القوى الوطنية حول توصيف انقلاب 24 مايو/أيار، حيث لم يدن رئيس الوزراء الجديد، كوكالا مايغا الانقلاب، واكتفى بالحديث عن "تصحيح المرحلة الانتقالية".
خطأ سياسي
في ضوء تطور التفاعلات السياسية في مالي، يبدو أن هذه المرحلة الثانية من الانتقال هي الفرصة الأخيرة للبلاد.
وبالتالي، فإن الفترة الانتقالية هي لحظة مناسبة للتغيير والانفتاح.
كما يشرح المحللان سيلين تيريوت وآدم برزورسكي، تنشأ التحولات من هاتين العمليتين المتزامنتين للاستئصال والتكوين.
ويقصد بـ"الاستئصال" عملية الانفصال عن النظام القديم، وعن طريق الدستور، عملية التكون الاجتماعي لنظام جديد.
وخلال الفترة الانتقالية، وهي الفترة التي يلعب فيها الجيش دورا أساسيا، يؤكد برزورسكي أنه حيثما ظل الجيش متماسكا ومستقلا، فإن عناصر الانقطاع تهيمن على عملية الانتقال.
ووفقا لهؤلاء المؤلفين، يتطلب الانتقال الناجح قطعا مع النظام القديم.
ومع ذلك، فإننا نشهد عودة نفس الأعراف السياسية التي جلبت الماليين إلى الشوارع ذات يوم، وهي ممارسات المحسوبية، والزبونية، والفساد، وما إلى ذلك.
ويعود الجيش إلى مركز اللعبة أقوى من أي وقت مضى.
ورغم أن أحد ممثليها يشغل الآن منصب رئيس الوزراء، يبدو أن حركة الخامس من يونيو/ حزيران لتجمع القوى الوطنية هي الخاسر الأكبر في هذه الحكومة الجديدة، بالنظر إلى أنها ساعدت في إضفاء الشرعية على الانقلاب على المسرح الدولي.
في ظل هذه الظروف، هل يمكن أن يكون الجيش المالي هو الحل للأزمة التي تمر بها مالي؟.
يبدو أن هؤلاء "السياسيين العسكريين" يرتكبون "خطأ سياسيا" منذ انقلابهم الأول ضد إبراهيم أبوبكر كايتا في أغسطس/آب 2020، وفق "لوموند".
ومع ذلك، يبدو أن ثقتهم التي اعتمدوا عليها في الأول والتي تمتعوا بها في البداية آخذة في التآكل.
وختمت لوموند قائلة: "من الآن فصاعدا، لن يعودوا قادرين على عزو الصعوبات إلى هذه السلطة أو تلك، لأنه لم تبق أي من دعائم السلطة إلا وقد صارت تحت سيطرتهم".