جمهورية إفريقيا الوسطى.. كيف تحولت إلى "مقاطعة روسية" جديدة؟
سلطت صحيفة إيطالية الضوء على تقرير استقصائي جديد يستنكر الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها مرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية بحق السكان في جمهورية إفريقيا الوسطى.
قالت صحيفة "نيغريسيا" إن القوات المسلحة لإفريقيا الوسطى استعانت في صدها لهجوم الجماعات المسلحة المتمردة، التي سيطرت نهاية العام 2020 على أكثر من 80 بالمئة من أراضي البلاد، بالقوات المسلحة الروسية والرواندية ومرتزقة شركة فاغنر.
وتعد فاغنر التي أنشأها ضابط المخابرات الروسي السابق ديمتري أوتكين، شركة مقاولات يعتمد عليها الاتحاد الروسي لحماية مصالحه في العالم.
حضور في إفريقيا
في إفريقيا، تسجل المجموعة حضورها في ليبيا، دعما للجنرال الانقلابي خليفة حفتر وفي موزمبيق تساند الحكومة في مواجهة الجماعات المسلحة بمنطقة كابو ديلجادو الشمالية.
أشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن تقارير عديدة في وسائل الإعلام الغربية والأميركية تحدثت عن انتشار عناصر فاغنر في الدولة الإفريقية منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر.
وفقا لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى "مينوسكا"، يبلغ عدد عناصر هذه المجموعة حوالي 2300.
نظريا مهام المجموعة تدريب القوات الحكومية، إلا أنها في الواقع تتدخل بنشاط في القتال لصد الجماعات المسلحة واستعادة السيطرة على المناطق بالاعتماد على دعم عسكري ضخم يستخدم أيضا الطائرات بدون طيار.
وفي مقابل ذلك تحصلت المجموعة على تراخيص للوصول إلى مواقع التعدين كما تعد شركات التعدين، المرتبطة بالمرتزقة، جزءا من إمبراطورية يفغيني بريغوجين رئيس شركة فاغنر المقرب جدا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كشفت شبكة سي إن إن الإخبارية الأميركية أن مواقع المرتزقة الروس في جمهورية جنوب إفريقيا تقع بجوار مواقع التعدين والماس والذهب على وجه الخصوص.
أفادت الصحيفة بأنه بعد نشر تقارير من قبل إذاعة فرنسا الدولية وشبكة فرانس 24، نشر في الأيام الأخيرة تحقيق استقصائي من قبل شبكة "سي إن إن" بالتعاون مع منظمة "ذا سنتري" حول الفظائع التي ترتكبها هذه العناصر وروابطها التمويلية.
ويدين التقرير عنف ووحشية المرتزقة الروس والسوريين التابعين لمجموعة فاغنر، المتهمين بالإعدامات بإجراءات موجزة والسرقة والنهب والعنف ضد المرأة.
اعتبرت الصحيفة أن هذه التجاوزات ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وينبغي تحديد المسؤولين عنها.
كما أشار تقرير صادر عن مينوسكا في مارس/آذار 2021، ارتكز على مصادر وشهادات محلية مختلفة، بأصابع الاتهام إلى المرتزقة بسبب الانتهاكات المتكررة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مما بث الرعب في نفوس السكان.
لفتت الصحيفة إلى أن التناقض الأيديولوجي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا يجعل العديد من المراقبين الدوليين يشككون في صحة الحقائق "الواقعية" التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية.
وأردفت بالقول إن سكان المحافظات المتضررة ينددون بالفظائع التي ارتكبها المرتزقة الروس منذ قرابة ستة أشهر.
كما يشعر السكان المسلمون بأنهم الأكثر استهدافا خصوصا على إثر اندلاع حريق بمخيم للنازحين – أغلبهم من المسلمين - في مدينة بامباري في 15 فبراير/شباط 2021 على يد المرتزقة الروس.
وندد تقرير البعثة الأممية في تلك الحادثة بإصابة عشرات المدنيين أثناء محاولتهم الاحتماء بالمسجد المجاور بطلقات عشوائية، من قبل المرتزقة مما أسفر عن مقتل 15 شخصا.
"لقد قتلوا أطفالنا" هكذا اشتكى الناجون من ذلك الهجوم المنظم والمنهجي، تصف الصحيفة.
واستنكرت وقوع تلك المجزرة بحق المدنيين وعدم استهدافها لجماعة سيليكا، تحالف المليشيات الذي تولى السلطة عام 2013، الهدف الرئيس للمرتزقة الروس كما يدعون، وفق قول الصحيفة.
شهادات مروعة
تكشف بعض الشهادات أيضا أن القتلة الروس لم يسمحوا، لمدة ثلاثة أيام، للسكان بجمع الجثث الملقاة في جميع أنحاء السوق، ولقي من حاول القيام بذلك نفس المصير.
بالإضافة إلى مأساة بامباري، كشف تحقيق سي إن إن وذا سنتري أن عمليات قتل كبار الزعماء في قريتي كوي وبومبولو، وجميعهم مسلمون، تسببت في إحداث ضجة كبيرة.
على الرغم من إنكار القوات الحكومية والحكومة الروسية، التي تزعم أن فاغنر لا تشارك في الأعمال العدائية ولكنها تشارك فقط في أنشطة التدريب والدعم اللوجستي، يستمر السكان في اتهام الروس بإضرام النار في مخيم النازحين وقتل الزعماء القرويين.
أضافت الصحيفة أن في 14 مارس/آذار، قتلت مجموعة من الروس زعيم قرية بالقرب من بامباري، بتهمة موالاة المتمردين، وأشعلوا النيران في 60 منزلا وسرقوا دراجات نارية ونهبوا سلعا أخرى من السكان.
كما جرى اختطاف بعض الزعماء ونقلهم إلى أماكن أخرى.
وفي أبريل /نيسان أبلغ رئيس البعثة الأممية مانكور ندياي في موسكو عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها مرتزقة فاغنر، وحصل من الحكومة الروسية على استعداد كامل للتعاون.
وبعد وقت قصير، أفادت الصحيفة الإيطالية بتعرض المسؤول الأممي إلى "ادعاءات باطلة" وهاجمه بعض الوزراء والمسؤولين في إفريقيا الوسطى.
كما خرجت مظاهرات ضد مينوسكا في بانغي، بمشاركة أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و 14 عاما تلقوا مبالغ مقابل المطالبة بمغادرة الخوذ الزرقاء للأمم المتحدة.
أمام هذه التجاوزات، ينتظر الجميع أكثر من أي وقت مضى رد حكومة إفريقيا الوسطى، لا سيما وأنها ستقدم تفسيرات على المستويين الوطني والدولي.
خاصة وأن وجود المرتزقة الروس يثير انزعاج المجتمع الدولي خصوصا فرنسا التي علقت دعمها المالي وتعاونها العسكري مع جمهورية إفريقيا الوسطى.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره في جمهورية إفريقيا الوسطى "فوستان تواديرا" بأنه "رهينة فاغنر".
بعد أن أنهكتها أزمة سياسية عسكرية دامت عقدا من الزمان، حذرت الصحيفة الإيطالية من أن البلاد تواجه الآن أزمة اقتصادية ومالية تهدد بإغراقها في وضع فوضوي غير مسبوق.
كما يشترط البنك الدولي دعمه المالي بتنظيم حوار شامل بين جميع الأطراف الداخلية بهدف تخفيف التوترات السياسية.
وأضافت الصحيفة أنه من المؤكد أن وجود المرتزقة الروس يثير مخاوف هائلة على المستوى المالي والسياسي والاقتصادي للدولة التي يجب أن تعيد تشكيل مؤسساتها وتمهد الطريق لاستقلال حقيقي.
واستنكرت منح دولة مثل إفريقيا الوسطى المرتزقة مكانة رائدة في إدارة الشؤون العامة، مثل الرقابة الجمركية، كما تدير القوات الروسية وزارات الدفاع والمالية عمليا.
وبدوره، يستشير رئيس الجمهورية في المسائل العسكرية رئيس مجموعة فاغنر في وسط إفريقيا.
هل لا يزال هناك مجال للحديث عن دولة ذات سيادة أم أن هذا النفوذ الخارجي دليل على استعمار جديد؟ تتساءل الصحيفة في ختام تقريرها.