من الدعم للحبس.. كيف قضى الرئيس الموريتاني على آمال عودة ولد عبدالعزيز؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت متأخر من مساء 22 يونيو/حزيران 2021، أحال القضاء الموريتاني، الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز للسجن.

وقال رئيس فريق دفاعه، المحامي محمد ولد إشدو، لوكالة الأناضول:"تمت إحالة موكلي (ولد عبدالعزيز) للسجن".

فيما فُرضت إجراءات أمنية مشددة في محيط قصر العدل بالعاصمة نواكشوط، بالتزامن مع صدور قرار إحالة ولد عبد العزيز إلى السجن.

في 11 مارس/آذار 2021، وجهت النيابة العامة إلى ولد عبد العزيز و12 من أركان حكمه، تهما بينها غسل أموال ومنح امتيازات غير مبررة في صفقات حكومية.

وأصدر القضاء، في 4 أبريل/نيسان 2021، قرارا بتجميد ممتلكات المتهمين الـ13، وجرى فرض إقامة جبرية على ولد عبدالعزيز في منزله بالعاصمة نواكشوط، مع إلزامه بالتوقيع لدى الشرطة 3 مرات أسبوعيا.

القضية الأهم

حكم ولد عبد العزيز موريتانيا لولايتين رئاسيتين منذ 2009 وفي انتخابات 2019 دعم ولد الشيخ الغزواني، الذي شارك معه في انقلاب 2008.

ومطلع أغسطس/آب 2019، بدأ الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، ولاية رئاسية من 5 سنوات، إثر فوزه بنسبة 52 بالمئة في انتخابات أجريت في 22 يونيو/حزيران من ذلك العام.

في تقرير عنونته بـ"لماذا تشغل قضية ولد عبد العزيز الغزواني؟"، قالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في 25 مايو/أيار 2021، إن القضية تشغل الجزء الأكبر وتعتبر أولوية بالنسبة للرئيس الذي وصل إلى السلطة في يونيو/حزيران 2019.

منذ فتح التحقيق ضد سلفه في أغسطس/آب 2020 وحتى توجيه الاتهام إليه في مارس/آذار 2021، يرفض ولد الغزواني التدخل في إجراءات القضية، "رغم أنه بين معسكرين في حاشيته، أحدهما يحثه على التحرك بسرعة وبقوة ضد صديقه السابق"، وفق تعبير المجلة.

كشفت مصادر مقربة من ولد الغزواني لـ"جون أفريك" أنه لا يرغب في قراءة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المسؤولة عن التدقيق في ولايتي ولد عبد العزيز، والذي سلم له في يوليو/تموز 2020، مشددا على أنها "مهمة القضاء".

حاول عبد العزيز تسييس قضيته بالإعلان في 7 أبريل/نيسان 2021 عن انضمامه إلى حزب "الرباط الوطني" المعارض بقيادة  السعد ولد لوليد، والذي أعلن عقب اعتقال ولد عبد العزيز في 22 يونيو/حزيران، أنه "سينظم احتجاجات لرفض هذا السجن".

الحزب المعارض الذي تأسس قبل خمس سنوات، تحالف مع ولد عبد العزيز خلال الأشهر الأخيرة، وأعلن "اندماجه" مع أنصار الأخير، واعتبر في بيان أصدره أن الاعتقال "تراجع للحريات في البلد". 

وفق مقربين منه، كشفت تقارير صحفية أن ولد عبد العزيز توقع السجن وهو ما دفعه إلى العودة للسياسة، قبل إضفاء الطابع القبلي على القضية في 27 أبريل/نيسان 2021، عندما قال: إنه "هدف لمجموعة مرتبطة بالسلطة تنتمي لمنطقة معينة".

أراد ولد عبد العزيز بذلك الاستفادة من معركة إقليمية بين الشرق، الذي يأتي منه الرئيس الحالي، والشمال الذي ينتمي له هو. ويعلم الرئيس السابق أن لهذه الخلافات الصغيرة تأثيرا في بلد كموريتانيا.

بالمقابل، خرج الرئيس السابق بحوار مع "جون أفريك"، في 16 أبريل/نيسان 2021، ليؤكد أن "مشكلته مع الرئيس محمد ولد الغزواني ليست شخصية، وإنما فكرية بالأساس"، بحسب تعبيره، ونفى أن يكون قد سعى لأي شكل من أشكال اقتسام السلطة مع الرئيس.

"نكسة جديدة"

في يونيو/حزيران 2020، أصدر البرلمان الموريتاني تقريرا أحيل إلى القضاء، يتضمن اتهامات للرئيس السابق وعدد من وزرائه ومقربين منهم بالتورط في عمليات فساد، وبناء على التقرير، أوقفت السلطات ولد عبد العزيز، في 17 أغسطس/ آب 2020، قبل أن تفرج عنه بعد أسبوع.

في 11 مارس/آذار 2021، طلبت النيابة العامة وضع المتهمين تحت "تدابير المراقبة القضائية المشددة"، مع إطلاق سراحهم في انتظار اكتمال التحقيق، وفي خضم ذلك، ظل ولد عبد العزيز متشبثا بالحصانة ورفض التصريح بأي شيء خلال التحقيقات.

وضع ولد عبد العزيز تحت حراسة مشددة، منتصف مايو/أيار 2021، وتوجب عليه الذهاب إلى مركز الشرطة 3 مرات أسبوعيا، وأيضا طلب الإذن من القاضي لمغادرة العاصمة نواكشوط.

وأتى إيداع الرئيس السابق السجن بعد أيام على قراره التوقف عن الحضور إلى مركز الشرطة، مخالفا بذلك أحد شروط الإقامة الجبرية المفروضة عليه.

اعتبرت وكالة "فرانس بريس"، أنه بعد أكثر من عشر سنوات قضاها في رئاسة الدولة الساحلية الشاسعة في غرب إفريقيا، يمثل قرار سجن ولد عبد العزيز "نكسة جديدة" له في عهد خليفته محمد ولد الشيخ الغزواني، على الرغم من أنّه هو من مهد الطريق أمام رئيس مكتبه السابق والوزير السابق لخلافته.

ويؤكد ولد عبد العزيز أنه ضحية "تصفية حسابات"، لكن خليفته يدافع باستمرار عن استقلال القضاء.

متابعون وجدوا أن الملفات التي يلاحق بها الرئيس السابق صحيحة، ولم يشككوا في حجم تورطه والمحيطين به في قضايا فساد خلال الفترة التي قاد فيها موريتانيا.

لكنهم لم يستبعدوا وجود أسباب سياسية لهذه الملاحقة وفي مقدمتها محاولة ولد عبد العزيز -قبل المتابعة- العودة إلى الواجهة السياسية من بوابة حزبه الذي أسسه  "الاتحاد من أجل الجمهورية"، الحاكم في موريتانيا.

من جهتها، سعت السلطة في موريتانيا إلى إظهار محاكمة الرئيس السابق، وتتبعه قضائيا بشكل سليم ووفق شروط المحاكمة العادلة التي تضبطها قوانين البلاد دون ضغوط سياسية. 

تعول المعارضة الموريتانية على هذه المحاكمات، وكانت سباقة للمشاركة في لجنة التحقيق البرلمانية التي كانت الشرارة التي أوصلت فساد الرئيس السابق إلى القضاء.

المؤكد من خلال متابعة حيثيات التحقيق مع ولد عبد العزيز وشركائه السابقين في الحكم، هو وجود إرادة سياسية من أجل توفير كافة الأدلة الكافية لإدانة المتهمين، ومصادرة جميع الأموال التي اكتسبوها من غير وجه حق.

الصحفي الموريتاني، محمد سالم محمد، قال في تصريح لـ"الاستقلال": "عمليا صفحة ولد عبد العزيز أغلقت سياسيا بخروجه من السلطة، ومحاولته لشغل موقع من المشهد السياسي عبر الإثارة الإعلامية باءت كلها بالفشل

وأضاف: "الآن هو في مواجهة مسار قضائي، وذلك من خلال تعنته ورفضه للتوقيع أمام الشرطة بعد أن أوقف الأمن مسرحياته التي كان يقوم بها في الشوارع".

وزاد المتحدث: "أرجو وأتوقع أن ينال الرجل محاكمة عادلة تنصفه وتعيد للشعب الموريتاني جزء من ثرواته المنهوبة".

انقلاب ناعم؟

منذ وصوله لرئاسة موريتانيا في أغسطس/آب 2019، ومحمد ولد الغزواني حريص على قطع صلته بسلفه الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، مؤكدا عزمه السعي نحو تأسيس حقبة جديدة.

فور توليه منصبه، أقال ولد الغزواني، مسؤولين أمنيين وعسكريين مقربين من سلفه، كما أحدث تغييرات في بنية الحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية"، حيث تم انتخاب سيدي محمد ولد الطالب أعمر، رئيسا جديدا للحزب خلفا لرئيسه السابق سيدي محمد ولد محمد الذي استقال في مارس /آذار 2020.

في يناير/كانون الثاني 2020، أعلن المحامي محمد ولد أمين، وهو أحد وزراء إعلام الرئيس السابق وأحد خصومه الحاليين، بعد تشكيل اللجنة أن "اعتقال محمد ولد عبدالعزيز صار وشيكا، ويجب أن يتمتع بكامل حقوقه وأولها محاكمة عادلة، ودفاع نزيه".

وأضاف: "إذا لم يثبت على الرئيس السابق أي شيء، أو إذا ثبت عليه شيء كما أتوقع، فلا مانع من أن يصدر صديقه (الرئيس الغزواني) عفوا يصقله من التهم بعد عقوبة معنوية بسيطة، واستعادة الأموال المنهوبة".

وسط من اعتبرها مناورة سياسية في بداية المدة الرئاسية ومن رأى فيها منهجية سياسية جديدة، أنهى الرئيس ولد الغزواني القطيعة مع المعارضة بعد 10 سنوات من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي سبق ووصفه معارضوه بالصدامي والمنغلق.

الصراع ظهر على مستوى الحزب، فبعد مرور قرابة 100 يوم فقط على تنصيب الرئيس الجديد احتدم الخلاف داخل "الاتحاد من أجل الجمهورية" بين من أيد بقاء هيمنة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على القرار السياسي، ومن سعوا إلى تحويل وجهة الحزب لصالح الرئيس الجديد ولد الغزواني.

وفي مؤتمره الذي عقد في ديسمبر /كانون الأول 2019 بنواكشوط، أعلن الحزب عن فك الارتباط بالرئيس السابق، واعتبر قادته الجدد ولد الغزواني وبرنامجه هو المرجعية الجديدة للحزب الحاكم.

وإثر المؤتمر العام للحزب والإعلان عن نتائجه، جرى نزع جميع صور ولد عبد العزيز، من المقر الرئيس للحزب الحاكم، التي كانت معلقة إلى جانب صور ولد الغزواني في واجهة مقر الحزب، وعلى بعض الجدران الداخلية له، ما اعتبره البعض انقلابا ناعما من الرئيس الجديد على حليف الأمس.

المحلل السياسي الموريتاني محمد عبد الله ولد لحبيب قال في تصريح سابق لـ"الاستقلال": "أعتقد أن تعبير انقلاب لا ينطبق على سلوك الرئيس الحالي ولا على تصرفاته، فالانقلاب يكون على من في يده السلطة أو من هو قريب منها وليس العكس.

وتابع المتحدث: "صفحة ولد عبد العزيز قد طويت، ووضع له مقعد بين الرئيس المدني المطاح به سنة 2008 سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، والزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه".