في الذكرى الثانية لوفاته "الغامضة".. من ضيع حق الرئيس محمد مرسي؟

12

طباعة

مشاركة

قبل عامين، مثلت وفاة الرئيس المصري محمد مرسي، صدمة كبيرة لأنصاره ولكثير من ثوار الربيع العربي، بعد أن ترك ومضات وكلمات راسخة في أذهان محبيه.

"الشرعية ثمنها حياتي"، "اوعوا الثورة تتسرق منكم"، "لا تقتلوا أسود بلادكم، فتأكلكم كلاب أعدائكم"، "أنا عاوز أحافظ على البنات"، "لو نقصت قطرة واحدة من النيل فدماؤنا هي البديل"، "لن نترك غزة وحدها"، "بلادي وإن جارت على عزيزة"، هذه بعض كلمات من سجل الرئيس الراحل مرسي.

وفي 17 يونيو/ حزيران 2021، تحل الذكرى الثانية لوفاة مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر (2012-2013)، والذي وافته المنية داخل قفص زجاجي بقاعة محكمة جنايات القاهرة، وسط اتهامات من أسرته ومن جماعة "الإخوان المسلمين" للنظام العسكري الحاكم بتعمد قتله بالإهمال الطبي.

إلا أنه وبعد عامين على الواقعة، ما زالت تفاصيل ما جرى له منذ انقلاب قائد الجيش حينها عبدالفتاح السيسي عليه في 3 يوليو/ تموز 2013 وحتى وفاته "غامضة"، كما لم تأخذ ملابسات وفاته حقها من البحث والتحقيق. 

أسرة مرسي، كانت قد أعلنت عن رفعها دعوى قضائية أمام المحاكم البريطانية عبر المحامي الدولي البريطاني كارل بكالي في سبتمبر/أيلول 2019، فيما تبنت جماعة "الإخوان المسلمين" الملف، وأعلنت جهات حقوقية عديدة عن أدوار لها بملف وفاة مرسي.

ورغم انقضاء عامين، إلا أنه "لم يحدث جديد"، خاصة وأن سلطات نظام السيسي أغلقت الملف بإعلانها في حينه أن وفاة مرسي "طبيعية وجاءت إثر إصابته بنوبة قلبية".

بالعودة إلى وقت اعتقال مرسي، ومرورا بنحو 6 سنوات اعتقال، فقد تعرض للإخفاء القسري لنحو 3 أشهر، ثم نقله لسجن برج العرب في الإسكندرية (شمال)، ثم نقله لاحقا لسجن "العقرب" شديد الحراسة بمجمع سجون "طره" بالقاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وإحالته للمحاكمة في 6 قضايا رفضها مرسي، مؤكدا أنه الرئيس الشرعي للبلاد.

فيما أكدت منظمات حقوقية عديدة أنها "قضايا مسيسة" وأن المحاكمات تتم في إطار غير قانوني.

ولأن النظام العسكري الحاكم وضع مرسي في زنزانة انفرادية وجعله معزولا عن باقي المعتقلين من مستشاريه ووزراء حكومته وقيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، ومنع عنه زيارات أسرته ومحاميه إلا من 3 مرات خلال 6 سنوات وبوجود قوات الأمن، فلم يكن أمام الرئيس الراحل إلا قاعة المحكمة كي يتحدث للشعب ويخرج صوته للعالم.

لكن الجهات الأمنية قررت حرمان مرسي هذه الفرصة أيضا، بوضع قفص زجاجي حول قفص الاتهام الحديدي المحاط بأسلاك في قاعة المحكمة، لمنع مرسي من الحديث الذي صار فقط عبر ميكروفون يتحكم فيه القاضي، ما جعل الرئيس الراحل عاجزا عن الدفاع عن نفسه وعن نقل ما يجري له من انتهاكات بمحبسه.

الموت البطيء

بين حين وآخر، اشتكى مرسي أمام المحكمة من سوء أوضاعه بمحبسه وعن محاولات لقتله مسموما، كما أعلنت أسرته مرارا عن مخاوفها على حياته وتعرضه للقتل البطيء.

في أغسطس/آب 2015، شكا من طريقة معاملته بالسجن، وتحدث عن "إجراءات لو تمت لكانت ستؤدي لجريمة كبرى"، وأضاف أنه لو تناول الطعام الذي قدم له يوم 22 يوليو/ تموز 2015، كان سيؤدي ذلك إلى جريمة، في إشارة لمحاولة قتله عبر دس السم في طعامه.

القاضي بعد عناء، سمح له بالحديث عن ظروف اعتقاله وتأثيرها على تدهور وضعه الصحي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، خاصة مع معاناته من السكري وحاجته لجرعات الأنسولين يوميا، مؤكدا أن مستوى السكر لديه ينخفض أثناء النوم وأنه مر بحالات من فقدان وعي كلي "غيبوبة" قد تؤدي لوفاته.

وقال مرسي إنه محتجز في زنزانة انفرادية، محروم من التواصل وفي عزلة تامة، ومنع عنه الكتب والصحف والورق والقلم والراديو، ولا يتناول الطعام المناسب لوضعه الصحي، لافتا إلى تدهور بصره بسبب السكري.

كما طلب الرعاية الطبية عبر المحكمة التي قبلت طلبه، لكن السلطات الأمنية لم تنفذ قرار المحكمة، ما فاقم معاناته مع آلام الظهر والرقبة والعظام لنومه على الأرض، ومنع الطعام والدواء من خارج السجن.

شكاوى مرسي لاقت دعما حقوقيا دوليا، حيث أرسل مركز "غيرنيكا للعدالة الدولية" شكوى لمفوض اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2017، مؤكدا أن ظروف اعتقاله، ترتقي لمستوى التعذيب، وأنه لا يتلقى الرعاية الطبية الكافية، وقد يؤدي ذلك لتدهور وضعه الصحي وبالتالي الوفاة المبكرة.

آخر بيان لأسرة مرسي، في مايو/أيار 2019، اشتكى تجاهل السلطات لطلب الرئيس العلاج، لكن نظام السيسي ظل يتجاهل كل تلك النداءات.

شبهة جنائية

منظمات حقوقية دولية عقب وفاة مرسي، أكدت وجود شبهة جنائية حولها، وطالبت بالتحقيق فيها؛ حيث دعا المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان روبرت كولفل، لإجراء تحقيق مستقل بالوفاة وبكل جوانب معاملته أثناء احتجازه. 

منظمة العفو الدولية طالبت السلطات المصرية بإجراء تحقيق، وأكدت أن ظروف حبس مرسي إحدى أسباب وفاته، مشيرة إلى أن تعرضه للاختفاء القسري عدة أشهر بعد اعتقاله، وحبسه الانفرادي 6 سنوات تقريبا "وضع ضغطا كبيرا على صحته النفسية والبدنية". 

وفي 17 يونيو/ حزيران 2019، طالب النائب بمجلس العموم البريطاني، كريسبن بلانت، بتحقيق دولي بوفاة مرسي، ولفت إلى أنه "لم يتلق رعاية طبية كافية وخاصة علاجات السكري وعدم الإشراف على مرض الكبد"، مشيرا إلى أن "الرعاية الصحية غير الكافية ساهمت بالتدهور السريع لأمراضه المزمنة والتي أدت لموته المبكر".

وفي 18 يونيو/ حزيران 2019، دعت جماعة الإخوان المسلمين العالم إلى تحقيق دولي عبر لجنة طبية محترفة فيما وصفته بـ"جريمة اغتيال" مرسي، محملة نظام السيسي المسؤولية عن "اغتياله عمدا، إثر وضعه بزنزانة انفرادية في ظروف بالغة القسوة، وحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج والدواء".

نشطاء تحدثوا عن ذكرى وفاة مرسي الثانية، بينهم المحامي الحقوقي محمد أحمد توفيق، الذي قال: "توفي مرسي في 17 يونيو/حزيران 2019 بقاعة المحكمة أمام أعين المجرم شيرين فهمي الذي لعب دورا متعمدا، في القتل البطيء للرئيس الشهيد، بما في ذلك تجاهل شكواه من المعاملة اللاإنسانية في السجن وحرمانه من الرعاية الطبية".

بينما تساءل نشطاء آخرون عن مصير ملف وفاة مرسي في ذكرى وفاته الثانية.

القانون الدولي

وفي رؤية حقوقية، يرى المحامي محمود جابر، أن "وفاة الرئيس مرسي، وكذلك تراها المنظمات الحقوقية الدولية، أنها محل شك، وقد يكون الأرجح أنها غير طبيعية تشوبها شبهة جنائية؛ وفتح تحقيق شامل بذلك بات ملحا ولا يقبل التأخير".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أشار إلى "دعوة مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة 18يونيو/ حزيران 2019، لإجراء (تحقيق مستقل) بظروف وفاة مرسي أثناء احتجازه، ويتناول كل جوانب علاجه بفترة احتجازه 6 سنوات".

مدير "مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان"، أكد أن "القانون المصري يلزم الدولة بالتحقيق السريع والنزيه والشامل والشفاف بأي وفاة مفاجئة في السجن، تجريه هيئة مستقلة لكشف سبب الوفاة؛ وهذا ما لم يحدث، ما يعد تقاعسا وتراخيا متعمدا لأسباب سياسية، وسط تغول السلطة العسكرية وإحكام قبضتها على السلطة القضائية".

ويعتقد جابر أن "وفاة مرسي كانت متوقعة؛ والحكومة لم تقدم رعاية صحية مناسبة، ومنعت الزيارات العائلية، وسمح له فقط بـ3 زيارات عائلية، كما اشتكى من عدم حصوله على الدواء وتعرضه للتهديد".

الحقوقي المصري، أكد أن "الوفاة غير الطبيعية لمرسي تجعل القانون الدولي لحقوق الإنسان محل اختصاص وواجب التطبيق"، مشيرا للمادة (5)، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948".

المادة5 تقول، "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، ويحظر صراحة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة صراحة بموجب عدد من المعاهدات الدولية، الملزمة قانونا لتلك الدول التي صدقت عليها".

وتابع جابر: "بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (UNCAT)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يقع على عاتق الدول الأطراف واجب التحقيق بمزاعم التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة".

وجزم بأن "هذه الجرائم تمت حمايتها بنصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا ولن تسقط بالتقادم، قد يحدث تراخ بتطبيق العدالة نظرا لظروف سياسية ومصالح مشتركة بين الدول، لكن هذه القضية  لن تموت، ولن يضيع الحق في المحاكمة والمساءلة الجنائية".

وختم جابر بالقول: "قضية مرسي عادلة وتحتاج لجهود أكثر لكي يتم فتح تحقيق دولي شامل فيها".

فيما يتصور الحقوقي المصري محمد زارع، أن "قضية وفاة الرئيس مرسي، لها جوانب عدة تؤكد وجود شبهة جنائية، فما تعرض له من سوء معاملة من سجانيه وأثناء المحاكمة، ثم وضعه في فصل شديد الحرارة وتحديدا يونيو/حزيران 2019، بقفص زجاجي محكم وهو مسن ومريض بالسكري، وربما قلة نسبة الأكسجين مع الحرارة العالية أدت جميعها للوفاة".

رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أنه "يمكن رفع قضية في أي مكان بالعالم والعواصم الأوروبية وأمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان؛ إلا أنه في النهاية ليس هناك ولاية قضائية حول هذا النوع من القضايا؛ ما يجعل المسألة جهدا ووقتا ضائعا بلا نتيجة، يتحول لمجرد دعاية إعلامية".

ويعتقد زارع أن "قضية وفاة مرسي مرتبطة بالقضاء المصري أكثر، وأمام أسرته والمحامين الخاصين به الطريق أمام القضاء رغم أنه أمر يعوقه عقبات ومحاذير".

زارع، قال إن "الطريق الثاني الذي يجب على المحامين أن يسلكوه هي المحاكم التي وقعت مصر على مواثيقها؛ مثل المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، وخاصة أن مصر عضو بالاتحاد الإفريقي وملزمة بمثول المتهمين أمام المحكمة".

ويرى أن "هذا الطريق كان يجب أن يسلكه المحامون  وأسرة مرسي، ويقدمون المستندات التي لديهم للمحكمة الإفريقية، وربما تصدر حكما؛ ولكن في النهاية الوضع السياسي يجعل تنفيذ هذه الأحكام صعبا، لكن يجب طرق كل الأبواب".

سقوط النظام أولا

وفي رؤية سياسية، قال القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، والبرلماني السابق جمال حشمت، إن "ملف وفاة الدكتور مرسي مرتبط بوجود الانقلابيين بالسلطة أو غيابهم عنها".

وتابع في حديثه لـ"الاستقلال": "لقد كلفوا بمهمتهم بعد تولي الرئيس السلطة، وتعجلوا عندما فشلت كل محاولات إفشاله وتغييبه، وانقلبوا عليه واتهموه بكل نقيصة فيهم، وحالوا بينه وبين قاضيه الطبيعي، وحرموه حقوقه الإنسانية، ومنعوه الكلام في محاكمته".

وأكد حشمت أنهم "تعجلوا وفاته لما يحمله من أسرار تودي بهم للمشانق، وحرموه من وصية دفنه بمقابر عائلته، ولم يسمحوا له بجنازة تليق بأول رئيس مدني لمصر، بل منعوا الناس إلا أسرته من توديعه". 

وتساءل: "فكيف يواجهون محاكمة بسبب قتله؟، وهي نفس الحالة التي حدثت بمجازر فض رابعة والنهضة وكل ميادين مصر؛ لم يحقق فيها، بل تم اتهام الإخوان بقتل إخوانهم، ولذا هؤلاء لا يرتجى منهم عدلا ولا ننتظره إلا بعد اختفائهم".

السياسي المصري والبرلماني السابق والقيادي بحزب "الحرية والعدالة"، عبد الموجود الدرديري، قال لـ"الاستقلال": "لا وألف لا؛ لم تمت قضية وفاة الرئيس مرسي، وستبقى حية بقلوب وعقول أحرار مصر والعالم".

وشدد على أن "القضية تحتاج إرادة سياسية، وهي غائبة طالما إرادة الشعب غائبة وستعود عندما تعود لنا إرادتنا"، لافتا إلى أن "ملايين المصريين يشعرون الآن المبادئ التي عاش واستشهد في سبيلها".

وتابع الدرديري: "الملايين تدرك الآن قيمة صيحته الخالدة (ثوار أحرار حنكمل المشوار)"، مضيفا أن "الملايين الآن يئنون من قسوة الفشل الاقتصادي والاستبداد السياسي والحنق الاجتماعي".

ويرى أن "الملايين الآن ترفض أن نكون شبه دولة، بعد أن كنا قاب قوسين من ملك غذائنا ودوائنا وسلاحنا، ويشعرون قيمة الحرية التي افتقدناها فأصبح المصري لا يأمن أن يكتب تغريدة بحرية، ويبحثون عن العدالة المفقودة والمسيسة، وانتخابات حرة ونزيهة للبرلمان والرئاسة".

وختم الدرديري بالقول إن "غياب جسد الرئيس الشهيد عمق كل هذه المبادئ والقيم".