دراما "ثورة يناير".. هل نجحت في مواجهة إنتاج المخابرات المصرية؟

12

طباعة

مشاركة

أثارت "دراما المخابرات" المصرية التي عرضت في رمضان 2021، الجدل بعد تركيزها على تمجيد السلطة والثورة المضادة، مقارنة بينها وبين "دراما المعارضة" التي تبث من الخارج، وتعيد إحياء قيم ثورة يناير 2011.

رغم حداثة إنتاج الدراما المصرية في الخارج، فإنها استطاعت أن تجد لها مكانا في الصفوف الأولى للأعمال الدرامية، رغم فقر الإمكانيات مقارنة بالبذخ على دراما المخابرات بالداخل وتجنيد كل الموارد لها.

أظهرت مقاييس المتابعة على قنوات الثورة مثل "مكملين"، و"الشرق" و"وطن" أن بعض الأعمال التي أنتجت بجهود فنانين معارضين في الخارج، حظيت بمتابعة جمهور عريض من المصريين.

ينفر المصريون بطبعهم من الدراما التي تمجد السلطة أو تنقل وجهة نظرها فقط، لهذا يشككون في مصداقيتها لعدم استقلالية المسلسلات التي أنتجتها شركة احتكارية مملوكة للمخابرات (المتحدة)، بحسب مراقبين.

دراما الثورة

"أي عمل تقف وراء إنتاجه السلطة ويركز على جانب واحد من الحقيقة ويظهر منتسبي السلطة (مثل الشرطة) كملائكة، مصيره تاريخيا هو التجاهل، لأن الدراما لصيقة بالشعب وتعبر عن أحواله، ومن الصعب تزويرها أو إقناع الشعب بالتصفيق لوقائع مزورة".

لهذا استقبل المصريون دراما ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في الفترة من 2011 حتى 2013 باهتمام ونقاش صحي لأنها كانت مستقلة وتعبر عن الشعب، حسبما يقول المصدر. 

الفنان هشام عبد الله، أحد أبطال العديد من هذه الأعمال الدرامية، يرى أن أبرز أسباب نجاح دراما الخارج هو أنها "مستقلة عن أي توجه سياسي، وتتجاوز إشكالية الأيديولوجيات، أو الأحزاب".

يرى أن أحد أسباب نجاح دراما الخارج هو ابتعادها عن "الإسفاف" الواضح في دراما المخابرات داخل مصر، وفق قوله 23 مايو/ أيار 2019 لموقع "عربي 21".

ولفت إلى أن "الأعمال التي قمنا بها في الخارج تعبر عن رسالة الفن الحقيقية التي تعيش وتنغمس في الواقع المصري، وتعبر عن قضاياه وهمومه ومشاكله، وتبث الوعي الحقيقي لدى الشعب".

تابع: "استخدامنا القوى الناعمة التي تمتلك مخاطبة الوجدان، وهي لغة مؤثرة لدى الشعب المصري والشعوب العربية هي سلاح مضاد ومؤثر، ودون خطوط حمراء لما نمتلكه من حرية في التعبير".

عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، نجحت السينما والدراما في مصر، في تقديم رؤية فنية خاصة تعبر عنها عبر عدة أفلام ومسلسلات، حتى عام 2017.

ساعد على انتعاش سينما ودراما الثورة، أجواء الحرية وانتهاء الرقابة، فجرى تسجيل عشرات الأفلام الوثائقية عن الحراك الشعبي والربيع العربي.

ساهمت كاميرا "المواطن الصحفي"، بشكل كبير في هذا الإنتاج، وشكل ما قدمه الناشطون مادة خصبة لأفلام ومسلسلات عن الربيع العربي.

مع حلول عام 2017، بدأ تحكم المخابرات في صناعة السينما والدراما بأوامر مباشرة من نظام عبد الفتاح السيسي، فجرى إجهاض أي أعمال جديدة عن الثورة.

احتكرت المخابرات دراما وسينما بديلة تعتمد نهج غسيل المخ، وتشترط تمجيد الشرطة والجيش في أي عمل فني، ولا تسمح بنقد السلطة أو الحديث عن الفساد.

تزامن التضييق على فنون الثورة مع إبعاد الممثلين الذين ارتبطت أسماء بعضهم بالثورة وأفلامها، فباتوا بلا عمل مع احتكار شركة المخابرات (سينرجي) للأفلام والمسلسلات، فغادر جزء منهم مصر خشية البطالة والبطش.

بسبب التضييق على الحريات وقمع واعتقال معارضي السيسي هاجر عشرات الممثلين والممثلات من مصر ضمن طابور طويل من الصحفيين والمفكرين والمهنيين والكوادر العلمية.

حاول هؤلاء النجوم المعارضين الذين جرى التضييق عليهم ومنعهم من التمثيل مواصلة مشوار عرض إنتاج فن مستقل مختلف يعبر عن الثورة والربيع العربي من الخارج عبر فضائيات المعارضة في تركيا.

واجهتهم تحديات صعبة عديدة أبرزها التمويل والإمكانيات، ومع هذا قوبل الإنتاج القليل الذي أبدعوا فيه منذ عام 2015 بصدى إيجابي لدى المتابعين.

نجحوا في تصوير عدة مسلسلات وأفلام أقبل عليها الجمهور المصري المتعطش لسينما ودراما مستقلة في ظل سيطرة مخابرات نظام السيسي على شركات الإنتاج والتوزيع والتسويق. 

بدأت الأعمال الفنية المستقلة في الخارج تظهر منذ عام 2015، بمحاولات أبرزها مسلسل سيت كوم "سمير بونديرة"، لمناقشة القضايا المجتمعية في قالب درامي.

ثم اسكتشات فنية خفيفة أنتجتها قناة مكملين الفضائية، ثم مسرحية "الإمبراطور"، وبدأت المسلسلات التلفزيونية بسيت كوم رمضاني لثلاثة مواسم رمضانية متتالية باسم "نقرة ودحديرة".

كان العمل الدرامي "شتاء 2016" الذي عرض في رمضان 2019 وحقق نجاحا ملموسا، هو الوحيد في مواجهة طوفان مسلسلات المخابرات، لذا هاجمه إعلام السلطة ووصفه بأنه "قوة ناعمة يريد الإخوان (المسلمون) استخدامها ضد مصر".

من الأعمال الفنية الأخرى التي حظيت بمشاهدة جيدة، مسرحية "الحرافيش" وهي عن نص للأديب نجيب محفوظ.

هناك أفلام سينمائية حققت نجاحا مثل "بسبوسة بالقشطة"، الذي حصل على جائزة المهرجان الأوروبي ووصل عدد مشاهداته نحو 3 ملايين خلال شهرين تقريبا.

بعد غياب بسبب عدم توفر الظروف المناسبة للإنتاج وصعوبة الإمكانيات، كان من المقرر أن تعود أعمال سينما الثورة من خارج مصر في عيد الفطر الماضي، بفيلم "الغايب".

سلسلة أعمال

أعلنت قناة مكملين عرض فيلم "الغايب" في أول أيام العيد 13 مايو/ أيار 2021، لكنها اعتذرت عن عرضه تضامنا مع ما يحدث في القدس وغزة، مؤكده عرضه في وقت لاحق.

أهمية "الغايب" أنه يتحدى القيود الأمنية داخل مصر، ويجسد الواقع السياسي من الخارج، ويتناول تحولات المجتمع المصري بعد ثورة يناير.

الفيلم يرصد التحولات التي طالت المجتمع المصري عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، فاتحا المجال أمام نقاش مجتمعي واسع حول أسباب تلك التغيرات فى إطار فني متميز.

هو "محاولة للتعبير عن كافة مكونات الشعب المصري عقب ثورة يناير بطريقة رمزية عبر قصة واقعية بسيطة، وما يطرأ على نفوس الناس من تساؤلات وشك واهتزاز في الأفكار والمبادئ"، بحسب مؤلفه أحمد زين، لموقع "عربي 21" في 6 مايو/ أيار 2021.

يقول مخرجه أحمد أبو الفتوح إنه "نظرة للوراء لندرك كيف كانت البدايات وكيف وصلنا الآن" ونقل خبرة ومشاعر جيل عاشها في فترة زمنية من أهم الفترات التي مر بها الشباب المصري للمشاهد.

أما بطل العرض محمد شومان، فيرى أن الفيلم "استكمال لمسيرة نضال حقيقية لأعمال فنية لا تخضع لسيطرة الدولة بدأت قبل سنوات عبر أول عمل درامي في الخارج، وهو سيت كوم (نقرة ودحديرة)".

باختصار هو "رواية أكثر واقعية لمآلات الثورة وأبعادها الاجتماعية بعيدا عن الإنتاج الموجه المعادي للثورة ومن شارك فيها"، كما عبر الفنان وجدي العربي أحد أبطال الفيلم.

بفعل أجواء الحرية التي سادت مصر لفترة قصيرة عقب نجاح ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ظهرت سلسلة أفلام تناولت أحداثها تميزت بحرية كبيرة في انتقاد السلطة والشرطة وحتى الأجهزة السيادية والقضاء.

وصلت حصيلة هذه الأفلام من 2011 حتى 2016 قرابة 17 فيلما أشهرها: ''فبراير الأسود''، ''حظ سعيد''، ''بعد الموقعة''، ''الشتا اللي فات''، "صرخة نملة"، "18 يوم"، "نوارة"، "القرد بيتكلم"، "الطيب والشرس والسياسي".

"فبراير الأسود" رصد صورة مصر باختصار التي أدت للثورة حيث مصريون بلا غطاء سيادي يحميهم (شرطة – قضاء – مخابرات – جيش) من البطش، وآخرون محميون لأن أقاربهم من هذه الطبقة السيادية.

لخص الممثل الراحل خالد صالح في الفيلم خريطة الأوضاع في مصر وهو يشرح في الفيلم معضلة البلاد بقوله: "محدش يقدر يعيش مطمئن على بلده وأسرته إلا الثلاثة دول".

"الثلاثة دول" قصد بهم "منظومات الجهات السيادية بأنواعها الحكومة والمخابرات بأنواعها، ومنظومة العدالة، القضاء النيابة، والشرطة، ومنظومة الثروة (رجال الأعمال)، التي قال إنها "تقدر تشتري المنظومتين دول".

لخص أوضاع مصر قبل الثورة قائلا: "دول اللي يقدروا يناموا ويطمئنوا إن محدش يقدر يؤذيهم، ونقدر نقول عليهم دول الفئات الآمنة ليوم الدين".

تابع: "اللي زينا العلماء والدكاترة، مرشحين ناخد بالجزمة في أي وقت، فلا قيمة لنا في هذا الوطن".

لذا يلجأ ابطال الفيلم من العلماء للهجرة، أو الارتباط بجهة سيادية، كحل لأزمته، ولتوصيل رسالة التغيير الجذري الذي قامت به ثورة يناير، في طابع كوميدي.

فيلم "حظ سعيد" يرصد بدوره مظاهر الفساد وسطوة الشرطة قبل الثورة ثم ما يحدث داخل ميدان التحرير خلال الثورة، في صورة شاب ذهب للميدان يبحث عن أخته فوجد نفسه يعيش أجواء الثورة.

"بعد الموقعة" يلقي الضوء على المخدوعين من الفقراء بأموال السلطة في صورة شاب يعمل خيالا في نزلة السمان، يقوم بالاشتراك في موقعة الجمل، مقابل المال وظنا منه بأن الثوار خونة وضد استقرار البلد.

فيلم "تحرير 2-2"، يرصد أيضا موقعة الجمل، عبر حكاية مجموعة من الناشطين قتلوا في الموقعة، وشاب آخر فقير يتم استئجاره (كبلطجي) للوقوف بوجه المتظاهرين ورفع صور مبارك. 

و"موقعة الجمل" يقصد بها هجوم "بلطجية" أجرهم نظام حسني مبارك على المعتصمين في ميدان التحرير المطالبين بتنحيه وهم يمتطون الجمال والأحصنة يوم 2 فبراير/ شباط 2011.

ويتناول "صرخة نملة" السخط الشعبي والأزمات التي تعرض لها المصريون في مرحلة ما قبل الثورة، وتصوير بعض فئات المجتمع على أنها ''نملة''، تصرخ ولا تجد من يسمعها، حتى يتحدوا في مواجهة الظلم بالثورة.

ويعالج "بعد الطوفان" قصة طبيبة نفسية تقوم بعمل دراسات وأبحاث حول مجموعة من الوزراء الفاسدين، لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء فسادهم.

تحديات واحتكار

ومن الأفلام التي تناولت "ثورة 25 يناير أيضا: فيلم "19-19" الذي يعرض صورة قاسية عن واقع التعذيب التي يتعرض لها ناشط سياسي (الممثل عمرو واكد) في أحد مقرات أمن الدولة.

وكان ذلك إشارة ضمنية لواقعة قتل خالد سعيد على يد الشرطة المصرية تعذيبا يوم 6 يونيو/ حزيران 2010، والتي ادعت وقتها ابتلاعه لفافة مخدر البانجو.

أيضا فيلم "احتباس" الذي يرصد ردود أفعال شرائح مختلفة من المجتمع تعيش في مصحة نفسية من الثورة ومنهم عقيد شرطة سابق ومدرس تاريخ ومذيع وإعلامي سابق وشاب متدين ورجل أعمال.

من الأفلام التي تناولت الثورة كذلك: "فرش وغطا" لأحمد عبد الله و"إشتباك" لمحمد دياب و"خلقة ربنا"، و"حظر تجوال" و"كحك الثورة".

كان فيلم "18 يوما" هو أول هذه الأفلام، وساهم فيه 10 مخرجين من أجيال مختلفة ومستويات متباينة هم: شريف عرفة، يسري نصر الله، كاملة أبو ذكري، مروان حامد، شريف البنداري، محمد علي، خالد مرعي، مريم أبو عوف، أحمد عبد الله، وأحمد علاء الديب.

التقط هؤلاء المخرجون قصصا مختلفة خلال الـ 18 يوما، بين انطلاق الثورة في 25 يناير وتنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ومن هنا جاءت تسمية الفيلم "18 يوما".

لم يعرض هذا الفيلم جماهيريا كاملا في مصر، رغم الاحتفاء النقدي به وعرضه في عدد من المهرجانات العالمية، منها مهرجان "كان" السينمائي الدولي.

ساد غموض حول موقف المجلس العسكري منه حينئذ، وأشيع أن الفيلم منع في مصر، وسرب بعض مخرجيه نسخا منه للعرض على الإنترنت لإيصاله إلى جمهوره الحقيقي.

لكن الرقابة المصرية نفت أنها أصدرت منعا بحق الفيلم، وزعمت أن أحدا من منتجيه أو مخرجيه لم يتقدم بطلب لترخيص عرضه جماهيريا في البلاد!.

مع حلول عام 2017 وبدء احتكار شركة المخابرات (سينرجي) وسيطرتها على سوق السينما والدراما، وفرض رقابة أمنية وتصاعد القمع، اختفت أفلام الثورة، وتم رفض السيناريوهات التي تنتقد السلطة عموما والجيش والشرطة خصوصا.

وكان فيلم "عيار ناري" هو آخر فيلم يتطرق لثورة يناير يعرض في مصر عام 2018 ولكنه كان أول محاولة من السلطة لتشويه الثورة.

أثار هذا الفيلم عند عرضه الأول في مهرجان الجونة السينمائي 2018 جدلا كبيرا، واتهم مصريون الفيلم بالإساءة إلى ثورة 25 يناير، ومحاولة تبييض صفحة نظام مبارك السابق من المسؤولية عن القمع ودماء من سقطوا في الاحتجاجات.

عقب اندلاع ثورة يناير 2011، بدأت العديد من المسلسلات تتسابق للحاق بموسم رمضان 2011 بتغيير بعض حلقاتها أو إنتاج دراما وثائقية ترصد أحداث الثورة وتنتقد الأوضاع القمعية والفساد وممارسات الشرطة والجيش.

بعد ستة أشهر من قيام ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ظهرت معالم التغيير في دراما رمضان عبر عدة مسلسلات برؤية فنية خاصة لحراك الشعب المصري.

صورت مسلسلات عدة تتناول الأحداث المرتبطة بثورة 25 يناير أو تضيفها في بعض حلقاتها ضمن أحداثها الدرامية، بعدما فرض الحدث نفسه.

"صفحات شبابية" كان أبرز المسلسلات التي كتبت خصيصا حول ثورة 25 يناير، في جزئين منفصلين كل منهما 15 حلقة، تحت عنوان "إيد وحدة" و"باب النهار".

أحداث الجزء الأول دارت حول صراع عائلتين تحتكران الأسواق بشكل يظهر الوضع الاقتصادي والسياسي السائد في المجتمع قبل الثورة، ثم تغير الصورة بعد اندلاع ثورة 25 يناير.

رصدت حلقات الجزء الثاني حياة شباب الفيس بوك الذين لعبوا دورا كبير في انطلاق الثورة الشعبية، والظلم الذي عانوا منه وتسبب في ظهور نوع جديد من ثقافة الخروج عن المألوف.

حتى عام 2016 تناول 27 عملا دراميا فنيا ثورة 25 يناير، وكانت مسلسلات مثل "ذات" و"طرف ثالث" و"العراف" أشهر المسلسلات التى رصدت أهم 30 يوما قبل اندلاع الثورة.

تناولت مسلسلات "المواطن إكس" و"خاتم سليمان" وقائع 25 يناير، ورصدت مسلسلات "الهروب" و"آدم" حالات تعذيب الشباب أيام نظام مبارك.

مسلسل "المواطن إكس" صور تراكم الأحداث التي سبقت ثورة 25 يناير مثل حادثة قتل خالد سعيد تعذيبا في أحد أقسام الشرطة بالإسكندرية، ودور الشباب في الثورة.

الآن وبعد 10 سنوات من 25 يناير 2011، صارت الثورة المصرية واحدة من التابوهات المحرمة (المحظورات) التي يخشى المخرجون الاقتراب منها، إلا بأجندة سياسية أمنية مخابراتية.

فقد تراجع الاحتفاء بالثورة بل وأصبحت مؤامرة وسبب كل مشاكل مصر، كما يصورها نظام عبد الفتاح السيسي، وأصبح الفنانون الذين شاركوا في الثورة يصنفون من "أعداء الوطن".